رقم ( 6 )
خامسا : الاسناد يناقض مفهوم الشهادة

خامسا : الاسناد يناقض مفهوم الشهادة
وقف المتهم بالقتل فى قفص الاتهام ونودى على الشاهد الاول ،سأله القاضى :هل اعترف امامك المتهم بالجريمة ؟ فقال الشاهد :لم اسمعه بأذنى ،وانما اخبرنى باعترافه اخى.عندها اسقط القاضى شهادته واستدعى اخاه ليسأله فقال: لم اسمع اعترافه بنفسى وانما روى لى هذا الاعتراف ابي ،فأسقط القاضى شهادته أيضا واستدعى اباه ، فقال الاب :لم اسمع اعترافه ولكن روى الاعتراف لى ابى الذى مات امس. ومن الطبيعى ان يطلق القاضى سراح المتهم ويطرد الشهود لانهم ليسوا شهودا .حيث ان الشهادة تكون بالسماع الشخصى المباشر والرؤية العيانية المباشرة ....


هذه بالطبع قصة رمزية تؤكد على ان الاسناد عبر اقاويل سماعية خلال عصور متباينة ليس لها اساس ولا يأخذ بها اى نظام قضائى، فالبخارى لم يعش عصر النبى (صلى الله عليه وسلم )وكذلك الرواة الذين سبقوه . والصحابة الذين عاشوا عصر النبى (صلى الله عليه وسلم) انشغلوا بالفتوحات والفتن والمنازعات عن كل ما نسبوه اليهم ،وحتى لو رووا احاديث فمن اين لنا ان نتأكد مما قالوه ،وليس بيننا شاهد عاش من عصرهم وبقى حيا قرنين من الزمان ،ثم كتب بنفسه ما سمع بأذنبه وما شاهد بعينيه؟.. وحتى لو فعل ذلك فأن من حقنا ان نتشكك فيما قال بسبب الشيخوخة وضعف الذاكرة ((ومنكم من يرد الى ارذل العمر لكى لايعلم من بعد علم شيئا:الحج5 ))
ان الاسناد عبر اجيال من الموتى يناقض الشهادة القانونية ،وبالتالى فانه من الظلم للاسلام ان تقوم تشريعاته ـوهى اصل القوانين ـ على شهادات زائفة مشكوك فى صدقها .ولهذا فان التقديس الحقيقى للشريعة ان تقتصر على الكتاب الحكيم ،الذى لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وعلى أساس أن سنة النبى هى فى تطبيق القرآن وفق ظروف عصره
وبالمناسبة نرجع للقرآن فى موضوع الاسناد والشهادة ونعطى منه ملمحين :
1- فالشهادة فى مفهوم القرآن هى الرؤية والسمع بالحواس، وبالمعاصرة والمعايشة ، وهى جزء اساسى من تشريع القرآن .وفى الشهادة على الديون يوجب القرآن تدوين الشهادة حتى في ايسر المعاملات ((ولا تسأموا ان تكتبوه صغيرا او كبيرا الى اجله:البقر 282 )) فهل ينطبق تشريع الشهادة فى القرآن واحكامه على اسناد شهادات منسوبة للنبى فى التشريع وغيره عبر اجيال من الرواة الموتى عاشوا بين عصر النبى وعصر التدوين ،وهم لم يروا شيئا ولم يسمعوا شيئا؟

2-ونقل القرآن الكريم فى قصة وسورة يوسف اتهام شقيقه بالسرقة ،ان يوسف قد رتب اتهام اخيه الشقيق بالسرقة حتى يتسنى له ان يحتفظ به معه ،وكان اخوة يوسف فى رحلتهم الثانية لمصر قد ضغطوا على ابيهم يعقوب كى يسمح لهم باصطحاب اخيهم معهم ،فلما احتجزه يوسف عزيز مصر بتهمة السرقة يئس الاخوة من استعادته فقال اخوهم الاكبر ((ارجعوا الى ابيكم فقولوا يا ابانا ان ابنك سرق ،وما شهدنا الا بما علمنا ،وما كنا للغيب حافظين:يوسف ـ81 ))اى ان اخاهم الأكبر يقول لهم ليشهدوا بما رأوه من ضبط المسرقات فى وعاء اخيهم ،وما كانوا للغيب حافظين ....وهذه هى الشهادة من اناس عايشوا الحدث وشهدوا بما رأوه ، ومع المعايشة والحضور والشهود والمعاصرة فان هناك من الخفايا التى لايعلمونها .....فالشهادة فى المفهوم القرآنى ان تشهد بما رأيت وسمعت بنفسك مع الاقرار بأنك لاتعلم غير ما شهدت بنفسك ،وما خفي عنك لا يعلمه الا علام الغيوب .
واذا طبقنا مفهوم الشهادة هذا على الاسناد وضح لنا التناقض الهائل بين الشهادة التى ينبغى ان تقوم على الحق المرئى والمسموع من الشاهد المشاهد وبين الاسناد وهو كذب صريح ليس فيه شهادة او شهود على الاطلاق ،اذ كيف يشهد الميت او يحكى الحى على مالم يره ومالم يعش احداثه؟