رقم ( 3 ) : ( فى العلم ـ العلوم ـ التعليم ، الأدب والفنون )
الفصل الثانى :( أثر التصوف الثقافى فى مصر المملوكية ):

 كتاب : أثر التصوف  المعمارى والثقافى والاجتماعى فى مصر المملوكية

الفصل الثانى :( أثر التصوف الثقافى فى مصر المملوكية ):

( فى العلم ـ العلوم ـ التعليم ، الأدب والفنون )

مقالات متعلقة :

  الصوفية والعلم :

نظرة الصوفية من العلم " الظاهر " ودعوتهم للعلم اللدني 

 مدخـــل :ـــ

 بازدياد التصوف لم يعد العلم شرطا في الانخراط في الطريق الصوفي ، بل كان من أسباب انتشاره عدم التقيد بالقراءة والكتابة ن بل أصبحت ( أمية الولى ) من مفاخر بعضهم . ومن بداية التصوف وقف بعض رواده موقف العداء من العلم وأهله ، ومنهم  كالشبلي القائل :

( فلو طالبوني بعلم الورق             برزت عليهم بعلم الخرق ) [1] ، يقصد علم التصوف.

وبسبب شهرة رواد التصوف الأوائل بالجهل فقد قال عنهم الشافعى :  "لو ان رجلا تصوف اول النهار لا يأتي الظهر حتى يصير احمق ".  وقال أيضا : " ما لزم احد الصوفية أربعين يوما فعاد إليه عقله أبدا )[2] . ولا شك أن نظرة الشافعي لهم كانت متأثرة بعداء عصره للصوفية والتصوف كمبدأ . وكان أولئك الصوفية من ناحيتهم يكرهون ( الحديث ) أهم علوم ( السّنة ) . قال أبو سعيد الكندي : ( كنت انزل رباط الصوفية وأطلب الحديث خفية بحيث لا يعلمون ، فسقطت الدواة ( دواة الحبر )  يوما منى ، فقال لي بعض الصوفية : استر عورتك )[3]..ومالبث أن إعتبر الصوفية العلم عائقا للوصول على الله لأن ( الاشراقات الإلهية ــ بزعمهم ــ لا ترد إلا على قلب فارغ من كل هم ومن كل علم )[4]...

وبهذا فإن جهد التصوف المملوكي في ناحية العلم كان سلبيا ، عطل التطور العلمى والعقلى  وحارب من أوتي مقدرة على الاجتهاد ، خصوصا وأن بعض خصومهم كابن تيمية ـ قالوا عنه أنه اجتمعت فيه شروط الاجتهاد ......

والواقع انه مع الشهرة التي تمتع كثير من علماء العصر المملوكي فقد حرموا الابداع العقلي الذي يضف إلى التراث الإنساني . كان الاجتهاد ممكنا ومطلوبا ، ولكن تم وأده بسبب سيطرة التصوف ودعوته للتقليد وحربه للاجتهاد.  ويلفت النظر ان من أوتى بعض العلم من أشياخ التصوف قبل العصر المملوكى وبعده ــ من الغزالى الى الشعرانى ــ وقفوا ضد العلم واستعمال العقل ، واستخدموا حصيلتهم العلمية في حرب المنكرين عليهم من الفقهاء ــ حماية لطريقهم الصوفي من الاعتراض . ومعروف أنه لا بد من تغييب العقل ومنع الاجتهاد العلمى والبحثى حتى يؤمن الناس بدعاوى الكرامات وتقديس الأولياء الصوفية ، وغضّ الطرف عن إنحرافاتهم السلوكية وعقائدهم فى الحلول والاتحاد ووحدة الوجود ، ومقالاتهم الفظيعة المنكرة فيما يُعرف بالشطح . وهذا هو ما حدث فى العصر المملوكى الذى  اشتد نفوذهم فيه وسيطروا على الحياة الثقافية ، فكان أن وجهوها في خدمة طريقتهم الصوفية،  فكانت تلك الردة العلمية في العصر المملوكي ، الذى جمع بين ظواهر متناقضة : وجود حركة تعليمية نشطة فى مؤسسات التصوف ، ووجود الأكثرية من (العلماء والفقهاء ) مع سيطرة التقليد العلمي وازدهار الايمان بخرافات التصوف.

متصوفة العصر المملوكي والعلم و نظرتهم للعلم والعلماء : ــ

1ــ  فى العصر العباسى الثانى إنتصر الفقهاء السنيون الذين كانوا يمثلون ( الاتجاه المحافظ ) على علماء الاتجاهات العلمية العقلية والفلسفية ، من المعتزلة والفلاسفة والحكماء من الكندى والفارابى وابن سينا والخوارزمى والبيرونى والرازى وابن الهيثم ..الخ . وتسيد الفقهاء السنيون الساحة بزعامة الحنابلة ، وهم الأشد تطرفا ، ووجدوا فى صناعة الأحاديث وسيلة للإجتهاد ، فالرأى يُقال فى شكل حديث ينسبونه للنبى عليه السلام ، ويتحصّن بهذا الاسناد من النقد . وبوأد الحركة العلمية العقلية وإبادة المعتزلة ودفن جهود العلماء الأفذاذ الذين نفخر بهم الآن (الكندى والفارابى وابن سينا والخوارزمى والبيرونى والرازى وابن الهيثم ..الخ ) لم يعد موجودا على الساحة سوى الفقهاء السنيين ، واصبح لقبهم العلماء ، أى حلوا محلّ العلماء الحقيقيين فى عصر الازدهار العلمى والعقلى فى القرون الثانى والثالث والرابع والخامس من الهجرة . ( علماء ) السّنة بزعامة الحنابلة إضطهدوا خصومهم حتى من الشيوخ السنيين ( والطبرى أشهر ضحاياهم ). ونال الصوفية والشيعة الكثير من العنت . ثم تحول الموقف لصالح التصوف والصوفية ، وقد سبق شرح هذا ، وتسيد التصوف ، وأخذ شيوخ التصوف يضطهدون المنكرين عليهم من الفقهاء الحنابلة كابن تيمية والبقاعى ، وقد عرضنا لهذا من قبل .

2 ــ وفى حمأة الصراع بين الفقهاء السنيين والمتصوفة المملوكيين إحتقر شيوخ الصوفية علوم ( السنة ) وأطلقوا عليها ( العلم الظاهر )، وأطلقوا على علومهم الوهمية الخرافية إسم  (العلم الباطن ) ، وغلفوه بادعاء الكرامات والمنامات التي ساد الاعتقاد بها في العصر حتى عرف " بالعلم اللدني" أي الذي يأتي من لدن الله بالوحي كما يزعمون .

وبهذا تغير الحال فى العصر المملوكى عنه فى العصر العباسى الثانى . الحنابلة السنيون جعلوا لهم علوما وهمية بالاسناد وصناعة الحديث ، وجعلوها علوما دينية ( التفسير والحديث النبوى والقدسى وعلوم القرآن ) وجعلوها ( وحيا الاهيا ) ، وقالوا إنها ( سُنّة ) وأن تلك السُّنّة ) وحى ، جاء بالاسناد والعنعنة . وهذا لا يتقبله عقل ، فكيف يأتى الوحى الالهى بالاسناد عن فلان عن فلان عن فلان .. وحتى يتجنب السنيون الاعتراض والتعقل حرّموا الفلسفة وعلم المنطق والعلوم الطبيعية ، كى يؤمن الناس بهذا الوحى القائم على الاسناد والعنعنة .

ثم جاء التصوف فى العصر المملوكى بعلم دينى آخر ، هو ( العلم اللدنى ) لا يحتاج الى عناء الاسناد و قولهم ( حدثنا فلان ، أخبرنى فلان عن فلان ) بل يقول الشيخ الصوفى ما يشاء ويزعم أنه من الله جل وعلا مباشر بلا واسطة ، اى وحى الاهى مباشر ، ومن يعترض عليه فهو محروم من ( الفتح عليه ). ولهذا أرسى التصوف التقليد ومنع الاعتراض ، وأوجب التسليم لكل ما يقوله الشيخ الصوفى وما يزعمه .وسيأتي اثر دعوى العلم اللدنى في نشر الجهل في العصر المملوكي .

3 ـ ونعرض لموقف شيوخ التصوف فى العصر المملوكي من العلم ( الظاهر)أى ( علوم السّنة ) ودعوتهم للعلم الباطني . 

كان جدُّ ابن عطاء السكندرى فقيها سنيا ، ثم صار حفيده ابن عطاء مريدا لآبى العباس المرسي. ولم ينس أبو العباس المرسى أن جد مريده ابن عطاء كان فقيها سنيا ، فكان  يقول عن ابن عطاء وقد استنسخ له كتابا : ( هذا الكتاب استنسخه لى ابن عطاء الله والله ما أرضى له بجلسة جدّه في العلم الظاهر ولكن بزيادة التصوف )، وقال أيضا عن جد ابن عطاء السكندرى وعن حفيده ابن عطاء :(  صبرنا على جد هذا الفقيه لأجل هذا ــ الفقيه ).

وسئل المرسي عن بعض العلماء فقال " اعرفه هنا :وأشار إلى الأرض ــ "ولا اعرفه هناك"  وأشار على السماء ) [5] ،.

 ( وكان الشيخ مدين اذا سأله احد عن مسألة في الفقه لا يجيبه ، ويقول : اذهب الى عيسى الضرير يجيبك عنها . وكان عيسى هذا اميا مقيما في الزاوية ) [6] ، اى إحتقارا للسائل وسؤاله .

اما احمد الزاهد فكان اذا أتاه من يريد الاشتغال بالفقه  يقول له : ( يا ولدي ما نحن معدين لذلك اذهب الى الجامع الأزهر. ) ، ( ومنع فقراءه الا من تعليم العبادات فقط ) [7]

ويقول الشعرانى :( وإلأُمّى الذي لم يقدم له اشتغال بعلم الظاهر والنقل اقرب الى الفتح من الفقيه والمتكلم ،لأنهما عوقبا بالجهل بالعلم اللدني الفتحي ) [8]..أى يفضّل الشعرانى المريد الجاهل بالقراءة والكتابة ( الأمّى )  على مريد آخر يكون فقيها أو عالما بعلم ( الكلام ) أى العقائد السُّنيّة ، لأن الفقيه العالم بالشريعة السنية والمتكلم العالم بالعقائد السُّنيّة محرومان من الحصول على العلم اللدنى ( الفتحى ) أى الذى ينزل وحيا وفتحا لارباب التصوف بزعمهم.

4ــ وحين تتلمذ الشعراني على شيخه (الأُمّى) الخواص أمره الخواص في أول اجتماع به أن يجمع كتبه ويبيعها وينفق ثمنها احسانا ، فاستجاب لطلبه.  وكان الشعرانى قد دوّن على هوامشها الكثير من تعليقاته ، حسبما يحكى عن نفسه . وطلب الخواص منه ان يستعيض عنها بالتجرد والذكر حتى ينساها، فاستجاب له ، ثم طلب منه ان يعرض عن حضور مجالس العلم عاما بأكمله فامتثل أمره . ثم اتصل به بعد هذا العام، فقال له شيخه: " بقيت فارغا والفارغ يملأ ".!. ثم طلب منه ان يعتزل الناس وينقطع للذكر ، فأقام على ذلك بضعة أشهر ، ثم امره بالزهد فانصاع ، حتى أصبح كأنه يصعد بالهمة في الهواء " ثم محى الله العلوم النقلية من قلبه واقبلت عليه العلوم ــ الوهبية ونزل به الهاتف في 17 رجب 931 أثناء وقوفه بالفسطاط  اتجاه الروضة ، حيث تزاحمت العلوم اللدنية على أبواب قلبه وقد وسع كل باب ما بين السماء والأرض .............الخ  ) [9].

الشعرانى إفترى هذا الكذب الهائل ليضع بالتلفيق أساسا لما يُعرف بالعلم اللدنى الذى يستوجب عندهم المحو الكامل لكل المعارف الفقهية وما يوصّل اليها من علوم اللغة والنحو والبلاغة . ولكن الشعرانى نفسه يُكذّب نفسه . فلم تنمح من قلبه تلك العلوم ( النقلية ) لأنه ببساطة كان أكبر فقيه فى القرن العاشر الهجرى . وعلى عادة العصر المملوكى قام الشعرانى بتلخيص ما قاله السابقون فى الفقه وعلوم اللغة ، وترك منها تراثا تفوق به على غيره فى عصره . الشعرانى هو الذى كتب ( الميزان الكبرى) وقد عرض فيه لمذاهب أصول الفقه، وأقوال الأئمة الفقهاء وتابعيهم ، وله أيضا : ( كشف الغُمّة عن جميع الأمة ) فى الفقه على المذاهب الأربعة . وله فى علوم اللغة (مختصر ألفية ابن مالك)  فى النحو ، و( المقدمة النحوية )، كما كتب موسوعة ( الدرر المنثورة فى بيان زبدة العلوم المشهورة ) فى علوم القرآن والفقه وأصوله والنحو . بل قام بإختصار تذكرة الامام السويدى فى الطب .

ولكن الشعرانى بهذه الرواية يصور نظرة الصوفية للعلم السُّنى وكيفية التخلي عنه للوصول الى العلم اللدني . يقول باحث معاصر : ( وقد تابع الشعراني اساتذته في الهجوم على العلم الظاهر ولا يكاد يخلو له كتاب من حملاته على العلم) [10]  .

5ــ وحقد الأولياء الصوفية الأميون على الفقهاء السنيين ،وأظهروا الاستعلاء عليهم بما ادعو من العلم اللدني ،  فكان الخواص يقول : ( لا يسمى عالما عندنا إلا من كان علمه غير مستفاد من نقل او صور ، بأن يكون خضرى المقام) ، ويصف الفقيه فى العلم الظاهر بأنه ( حاك   لعلم غيره فقط فله أجر من حمل العلم حتى أدّاه ، لا أجر العامل ) [11] ..

ويفتخر الخواص بعلم ( أهل الحال ) أى العلم اللدنى ، ويقول : (تمجُّه العقول من حيث أفكارها ولا تقبله إلا بالإيمان فقط ) [12] . اى بإعترافه أنه لا يستقيم مع العقل ، ولذا يحتاج الى الايمان والتسليم به دون تفكير أو نقاش .

وافتخر الشعراني بأن من المنن ترفقه بالفقهاء إذا حضروا مجلسه وهو يتكلم فى ( علوم التصوف ) ورموزه التى تستعصى على الفهم ، وأنه لا يحاول إحراج أولئك الفقهاء وإظهار جهلهم بعلوم التصوف ورموزه أمام المريدين ،  وقال : ( هذا الأدب قلّ من يفعله من الفقراء ( أى الصوفية ) بل رأيت من يقصد الفقيه اذا حضر دروسه ويقول لأصحابه : إش قولكم فيمن يبين لكم جهله بالطريق : ثم يعزم عليه " ) [13] أي يدعوه للكلام في رموز الصوفية فلا يعرف ...

وقد جعلوا من انفسهم ناصحين للفقهاء بترك (العلم السّنى )، يقول المرصفي لأحد طلاب الأزهر: ( اياك ان تطالع شيئا من العلم واختص بالذكر . ). وعلّل ذلك بان ذلك الفقيه (  صاحب نفس ) أى صاحب إعتداد وفخر بعلمه ( الظاهر ) ، وأنه ( كلما ازداد علما إزداد تكبرا على الناس فأمره بالذكر لعل حجابه يرق ويذهب عنه العجب والرياء بعلمه . ) [14]

ويقول الخواص "  ما جعل الله العلم في قلوب العلماء ليصيروا به أربابا على الناس وإنما اعطاهم العلم لينفعوا به الناس )[15]  ... وتلك نصيحة غالية لولا أن الصوفية هم أول المتهمين  بهذا مع افتقارهم للعلم . ولا ننسى ان الصوفية حينما سجنوا ابن تمية ـــ سجنه الأخير ــ ( منعوه من الكتابة والتصنيف والفقه وصادروا ما عنده من الكتب والورق وما صنفه، وكان خمس عشرة ربطة )[16]..

وجمع الخيال بكاتب مناقب الحنفى ، فافترى رواية تصور صاحب اعظم عقلية فى العصر المملوكى ـ عبد الرحمن بن خلدون ــ وقد انبهر بعلم الشيخ الصوفى شمس الدين الحنفى فأصيب بالجذب مما سمع ، تقول الرواية أن ابن خلدون حضر ميعاد الحنفى  مترددا فتكلم الحنفى ( ودقّق وأطنب على الخواطر والأسرار حتى خرج كلامه عن الأفهام ، فصار ابن خلدون يضطرب وينتفض حتى وصل إلى محل النعال ، فلما انقضى الميعاد حملوه على الحنفى فرد عليه حاله فلما ان افاق طلب المبايعة وأن يكون من مريدي الحنفي . ).! ،وقال : ( وكان الحافظ ابن حجر يجلس بين يدي الحنفي جاثيا على ركبته ومثله البساطي والأخنائى والعيني ) [17]

وعلى أى حال فإن تفضيل المريد الصوفي على الفقيه مبدأ قديم قال به معتدلو الصوفية كابن الحاج القائل انه ( اذا كان قبيحا ان يُسأل عن العالم فيقال انه بباب الأمير، فما بالك بالمريد الذي خلف الدنيا وراء ظهره ) [18]..

6ــ وارتبط عداء الصوفية للعلم بدعوتهم للعلم اللدني الذي يهبه الحق تعالى للعارف بلا واسطة ) [19] بمجرد الرياضات ( الروحية ) الصوفية .  وزعم الشعرانى أنه كان يلقى ( الخضر ) شيخ العلم اللدنى فى التصوف ، والذى يتمتع بالخلود دون موت بزعمهم .وكتب الشعرانى كتابه ( الميزان الخضرية ) أورد فيه أكاذيب يزعم أنه سمعها من الخضر ، ومنها أن الخضر نصحه بأن يكثر من الجوع والروع حتى يرقّ حجابة ويشهد الشريعة كشفا وشهودا ، أى تتنزل الشريعة وحيا على قلبه بالعلم اللدنى ، ففعل الشعراني ذلك حتى شهد من الشريعة وما تفرع عنها ) [20]

ويقول الشعراني فى الدعوة الى العلم اللدنى بديلا عن ( العلم الظاهر ) : ( لو انك يا اخى سلكت على يدي شيخ من اهل الله لوصلك إلى حضرة شهود الحق تعالى فتأخذ عنه العلم بلا واسطة عن طريق الإلهام الصحيح من غير تعب ولا نصب ولا سهر ، كما أخذه الخضر. فلا علم إلا ما كان عن كشف وشهود لا عن نظر وفكر وظن وتخمين ) [21]

وإعتبر الشاذلي (من لم يتغلغل في علوم القوم ( أى الصوفية ) مات مُصّرا على الكبائر )[22]

7ــ ولأنهم نبذوا العقل وأنكروا العلم ــ ولأن الحياة لا تعرف الفراغ فقد شغلت الخرافات  ما كان يمكن ان يشغله العلم متحصنا بالعقل ) [23] .

ونلمح آثار تلك الخرافات واضحة في التراث الصوفي في العصر المملوكي يقول الشعراني عن السيوطي " رأيت الشيخ مرة ومعه مفاتيح كثيرة فأعطاها لي ، وقال : هذه مفاتيح علومي فخذها " ) [24] .

وروى عن احدهم قوله صعدت جبل قاف فرأيت سفينة نوح مطروحة فوقه " وقال آخر " جبل قاف امره قريب مثل جبل كاف وجبل صاد وجبل عين وهى جبال محيطة بالأرض حول كل ارض جبل بمنزلة حافظها ،وجبل قاف بهذه الأرض ، وهي أصغر الأرضين، وهو أيضا أصغر الجبال ،وهو جبل من زمردة خضراء. وقيل أن خضرة السماء من خضرته ، وحُكى أن  وليا احتاج للنار فرفع يده الى القمر فاقتبس منه جذوة ...) [25]..

8 ــ واعترفت المصادر التاريخية والصوفية بجهل بعض مشاهير الصوفية مثل نصر المنبجي خصم ابن تيمية ، والذى كان متعصبا لابن عربى ، ولا يعرف عنه شيئا ، والذى ( كان لا يعرف ما يُعاب به ابن عربي الا لكونه منسوبا الى الزهد ) [26]

وكان شيخ الفارضية في القرن التاسع (يحب ابن الفارض وابن العربي على جهل ولم يكن له المام بشيء من العلم ،ولا يعرف شيئا ممّا يقولانه  ) [27] .ويعترف الشعراني بهذه الحقيقة فيقول (ادعى طائفة من اهل الزمان أنهم خلفاء أشياخ من الأكابر ، وهم على طائفة من الجهل ) [28]  .

وادعى الأميون من الصوفية العلم اللدني مثل ( المتبولى. ) [29] . وكان داود بن ماخلا ( جامعا بين علمي الظاهر والباطن وله مؤلفات عجيبة مع انه أمى ) [30] ومثله محمد وفا الذي كان ( أُمّيا ) ( وله لسان غريب في علوم القوم ) [31]. أى كان يتكلم كلاما غريبا عجيبا بطريقة الصفية ويسمى ذلك علما لدنيا .

وتناقض الشعرانى ، فكان يصف خصومه ومنافسيه من صوفية عصره بالجهل ، ويعتبر جهلهم عيبا ، ومع ذلك كان يفخر بشيخه الخواص ، وبأن الخواص كان أُمّيا لا يقرأ ولا يكتب . [32] فيقول عنه مثلا : ( فهذه نبذة صالحة من فتاوى شيخنا وقدوتنا ولى الله تعالى الكامل الراسخ الأمي : مترجما عن معنى بعضها لكونه رضي الله عنه كان اميا لا يقرأ ولا يكتب فلسانه يشبه لسان السرياني تارة والعبري تارة ) [33] . ومن الطبيعي أن تكون خرافات أولئك الأميين موصوفة بالغرابة والبعد عن مدلولات اللغة  العربية والفهم العقلى ، بل كان هذا من ملامح التفاخر بهذا الهُراء ، والتسليم به على أنه فوق العقول لأنه ( علم لدنى الاهى ).

 9 ــ وسوّغ  ذلك للمتصوفة ادعاء أصناف عجيبة من العلوم واللغات. فالدسوقي قيل أنه ( كان يتكلم بجميع اللغات من عجمي وسرياني وغيرها، ويعرف لغات الوحش والطير ) [34] .

وتكلم المرسي على زعمه بالعربية والعجمية وقال " اذا كمل رجل نطق بجميع اللغات وعرف جميع الألسن. وقال مره لأحدهم : سل ما شئت بالعجمية أجبك بالعربية ، أو سل ما شئت بالعربية أجبك بالعجمية " ) [35] ولا نعرف ماذا يقصد باللغة العجمية . وربما تصور ان اللغات الحية لغتان فقط عربية فصيحة وعجمية غير مفهومة .

وأُتيح للصوفية أن يقولوا ما يريدون دون اعتراض بسبب التقديس الذي يتمتعون به . يقول على وفا : ( مجالس العارفين محاضرات روحية ، لا يعبأون فيها إلا بفصاحة اللسان الروحاني، وهو تحقيق المعاني ذوقا وحسن تلقيها صدقا ) [36]..اى تُقال طبقا للذوق الصوفى للشيخ القائل ، وعلى المريد أن يتقبلها بالتسليم الصادق.

10 ــ وقد وجدوا في الرمز وسيلة لإخفاء الجهل. ولقد ظهرت بوادر أسلوب الرمز في عصر مبكر في التصوف[37] . واستغل متصوفة العصر المملوكي الرمز الصوفي الذي لا يحتاج على تفسير وبالغوا فيه استطرادا وتفريعا وتنويعا وتباروا في هذه الرمزيات الغامضة كعلم كشفي فوق العقل والادراك، واعتبروه مقياس العلم اللدني فيما بينهم. وأضفى اتباعهم على ذلك الهراء مظهر التقديس ، فقيل في ترجمة محمد وفا: ( وله رموز فى منظوماته ومنثوراته مطلسمه الى وقتنا هذا، لم يفك احد فيما نعلم معناها . وسئل ولده على مع علو مقامة وفرقانه ان يشرح شيئا من تائية والده فقال: لا اعرف مراده لأنه لسانه أعجمى على لساننا" . وحتى نتعرف على لسانه الأعجمى هذا ، ننقل ومن كلامه في كتاب فصول الحقائق: ( نعوذ بالله من شياطين الخلق والكون وأبالسه العلم والجهل واغيار المعرفة والنكرة ....... الخ  ) [38] . وافتخر الشعرانى بأنه كان يرسل الكلام ( من غير تحجير ولا تقييد على قدر فهم الحاضرين وقلّ من الفقراء من يتفطّن لهذا .. ) . ويقول عن البكرى : ( ولا يكاد احد من الحاضرين لدرس محمد البكري يتعقل شيئا من كلامه .. من الجن والانس والملائكة وغيرهم ) [39]...وكان لبركات الخياط ( كلام عال في الطريق لا يفهمه غالب الفقراء عصره) ، فإذا كان أغلب صوفية عصره لا يفهمونه فكيف بالآخرين ؟ .

11 ــ وكان هذا اللغو محل تفاخر بين شيوخ الصوفية ، فكان افضل الدين الشعراني يقسم ان مشايخ عصره لا يصلحون ان يكونوا له مريدين ( لأن شرط المريد ان يفهم كلام شيخه ) [40] وكلامه لايفهمه أحد .! و كان الحنفي (اذا استغرق في الكلام وخرج عن افهام الناس يقول وهنا كلام لو أبديناه لكم لخرجتم مجانين لكن نطويه عما ليس به صلة  ) [41] . ويقول المتبولي : ( لا يبلغ  الفقير مقام الكمال حتى يكون اماما في التفسير والفقه والحديث ويسلك الطريق على شيخ عارف حتى يصير يعرف الطريق بالذوق لا بالوصف والسماع وهناك يدخل الحضرات المحمدية يعرف احكام الشرائع المحمدية ) [42] وكان المتبولي أميا من أدعياء    العلم اللدني...

 

 

 

 

التقييم العلمي لكبار الصوفية المملوكيين وتأثر الفقهاء علميا بالتصوف

كتاب : أثر التصوف  المعمارى والثقافى والاجتماعى فى مصر المملوكية

الفصل الثانى  :( أثر التصوف الثقافى فى مصر المملوكية )

 التقييم العلمي لكبار الصوفية المملوكيين وتأثر الفقهاء علميا بالتصوف

 1ــ قيل عن احمد البدوي أنه( قرأ شيئا من الفقه الشافعي وحفظ شيئا من القرآن ) [43]، وروى عنه شعر بعضه موزون معرب والآخر غير موزون وغير معرب ) [44]. والبدوي كداعية سياسي لم يجد الوقت الكافي دارسا أو مدرسا إلا في أوقات تستره من الظاهر بيبرس كما فصّلنا فى حركته السياسية .

وآثار البدوي عبارة عن صلوات ووصايا ذكرها عبدالصمد في مناقبه وهي تدل على ثقافة رشيقة. ولعل تلك الثقافة الهابطة للبدوي جعلت من اتباعه يسندون إليه كرامات أكثر حدة في معاقبة العلماء المنكرين عليه، حيث عوقب المنكر بشوكه في حلقه أو سلب العلم والحفظ من قلبه ، وفوق ذلك تميز البدوي ــ كما قيل ــ بأنه تبول من على سطح الدار في مجموعة من العلماء أتت لمناقشته ) [45]..

2ــ أما الدسوقي فقد ذكروا في مناقبه أنه ألف كتابه في الفقه والحقائق والرسالة والجوهرة وتلك أثار صوفية ) [46] وقال عنه الشعراني أنه ( تفقه على مذهب الشافعي ثم اقتفى اثار السادة الصوفية  ) [47] مما جعلنا نشك في قيامه بالتأليف في كتاب للفقه حيث سارع بالتصوف وفي عمره القصير الذي لم يتعد الأربعين خاصة مع شهرته في مجال العلم اللدني..

3ــ وأخذ عبد العزيز الدريني بجانب من العلم حيث تتلمذ لعزالدين بن عبد السلام فجمع عظات في التفسير والفقه و اللغة ثم انشغل بالتصوف فألف في التصوف طهارة القلوب ) [48]..

4ــ وكان الفرغل ــ وهو احد الأولياء الموصوفين بالتمكن في الولاية ــ لا يحفظ القرآن وجاهلا . ويتكرر  في الكرامات المسندة إليه أنه يعاقب من يعترض على جهله بمقولة ان الله لا يتخذ وليا جاهلا  ) [49] ..

5ــ وأسندوا للشاذلي كتب( الأخوة والمقدمة مع الأحزاب والأذكار )[50]..، ونقل أتباعه الكثير من اشاراته او تفسيراته .  إلا أن الشك قائم في صحة هذا النقل ، فالشاذلي يقول : ( كتبى  اصحابي ) فهو معلم صوفى وليس بعالم .

نماذج لفقهاء تأثروا بالتصوف المملوكي بعد مرور مرحلة من حياتهم مع الفقه

1 ـ أبرزهم ابن دقيق العيد. قيل إنه كاد يصل إلى مرحلة الاجتهاد ، ثم نُسبت له كرامات ومعارف صوفية مع علمه بالعلوم الشرعية والعقلية و الدبنية) [51]..ولا يمكن اعتبار التصوف المملوكي مسئولا عن قعوده عن الاجتهاد ..

2 ـ عزالدين بن عبد السلام : كان واعظا جريئا حاد الطبع ، فأخاف بعض الأيوبيين المتعاونين مع الصليبين ، وتأسست بذلك شهرته، ثم زادها انخراطه في التصوف المملوكي حين جاء مصر، فحدث تحول هائل في حياته حتى انه كان (يحضر السماع ويرقص ) [52]. وكان ( يقود الشطحات الصوفية فتعقد له مجالس للتحقيق . ) [53] وبعد موته أسندت له الكرامات ) [54].. وبعد أن كانت له مؤلفات في الفقه والتفسير والحديث والسيرة ــ وكلها مؤلفات صغيرة ــ زاد عليها مؤلفات في التصوف .

والواقع ان ابن عبدالسلام لم يكن عالما بنفس مقياس شهرته في الوعظ او حتى على المستوى العلمي الذي كان لابن دقيق العيد ، ومؤلفاته خير دليل على ذلك ، وقد حاول بعض الباحثين التشكيك في علاقته بالصوفية والتصوف ) [55]. ولا ريب أن الصوفية  استفادوا جيدا من هذين الفقيهين العز ابن عبد السلام وابن دقيق العيد .

3 ــ  وبعد ذلك نرتفع أكثر لنصل إلى القاضي المؤرخ ابن حجر ، ولم يكن صوفيا وان خدم في المؤسسات الصوفية معلما ) [56] وهو يمثل طبقه من العلماء  دانوا للتصوف بلقمة العيش وفي سبيلها لم يشتركوا مع الفقهاء الاخرين في الإنكار على الصوفية ...

4 ــ ومنهم ابن خلدون شيخ خانقاه بيبرس وبه نختتم تلك العلماء . والواقع أنه لم يكن متصوفا ولا يمكن ان يكون صوفيا لأن حياته لا تسمح له بسلوك هذا الطريق  كما ان عقليته أكبر من ان تدين للتصوف في العصر المملوكي. ورغم انه اضطر للدفاع عن التصوف في مقدمته إلا أنه كان أقرب للباحث منه الى الفقيه الخاضع للتصوف . وبه تأثر تلامذته من الفقهاء والمؤرخين ، وأبرزهم المقريزى أعظم مؤرخى العصر المملوكى .

 أخيرا  ـ ونختم بالسيوطى( 849 ـ 911 )

السيوطى أحد الأعلام المشاهير،والذى يمثّل سطوة التصوف على الفقهاء فى أواخر العصر المملوكى.  ومنسوب للسيوطى حوالى 600 كتاب ، المذكور منها اقل من رُبع هذا العدد . وليس منها على الإطلاق كتاب أصيل فيه إجتهاد ، مثل إجتهاد برهان الدين البقاعى  فى كتابه (نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور ) .

السيوطى فى مؤلفاته يغلب عليه إنتحال مؤلفات الغير ونسبتها لنفسه ، وهذا ما قاله عنه خصمه المعاصر له السخاوى ، وقد كان السخاوى مع قلة مؤلفاته أفضل كثيرا من السيوطى فى مجال التأريخ والحديث . كما يغلب على السيوطى تلخيص مؤلفات الغير ، ونسبة هذا لنفسه ، وقبيل مولد السيوطى كان قد تم شرح وتلخيص التراث العباسى  ـ فى التاريخ والتفسير والحديث وما يعرف بعلوم القرآن. فجاء السيوطى يعيد شرح ما سبق شرحه وتلخيص ما سبق تلخيصه ، وتفرغ لهذا العبث ـ ولهذا السبب فإن المئات من مؤلفاته لم يهتم بها أحد ، وسقطت فى بئر النسيان ، ولم يبق من الستمائة مؤلف الا ما وقعت عليه أيدينا .

إلا إن الخطيئة الكبرى للسيوطى فى نظرنا هى جُرأته الفائقة على الكذب ، فلم يكتف بزعم أنه يرى الرسول فى المنام بل زعم أن الرسول كان يأتى اليه فى اليقظة ، ويأخذ عنه العلم . وبالتالى فقد أباح لنفسه أن يصنع الكثير من الأحاديث ، يضيفها الى كتاباته فى شروح ما كتب السابقون أو فى مؤلفاته ورسائله على إختلاف موضوعاتها . وندعو الباحثين الجادين الى التخصص فى مؤلفات السيوطى ، وبيان ما إنتحله من السابقين ومدى أمانته فى النقل ، وتوضيح مفترياته فى الأحاديث ، وتناقضه فى مؤلفاته ، وما أضافه وما أهمله . ونسجل هنا ملامح سريعة عن مؤلفات السيوطى : 

  فى شرح وتلخيص مؤلفات السابقين :

فى علوم القرآن :

كان السيوطى خصما لبرهان الدين البقاعى ( 809 : 885 )بطل ما يعرف بكائنة البقاعى وابن الفارض فى عصر قايتباى ، وقد كتب البقاعى كتابين ( تحذير العباد ) و ( تنبيه الغبى الى تكفير ابن عربى ). وقد ردّ عليه السيوطى بكتاب تافه لم يُلتفت اليه ، بعنوان ( تنبيه الغبيّ في تبرئة ابن عربي). ومع هذا الخصومة فقد إستباح السيوطى لنفسه ـ بعد موت البقاعى ـ أن يلخص كتاب البقاعى ( نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور)  وهو أول كتاب فى مناسبة الآيات والسور فى عدة مجلدات ، لم يسبق البقاعى فى هذا الاجتهاد أحد ، وهو منحى جديد فى علوم القرآن . جاء السيوطى فسرق جهد البقاعى فى كتاب صغير تافه ، ومن أسف فإن كتاب البقاعى فى علم المناسبة لم يتم طبعه ونشره حتى عام 1980 ، بينما تم نشر كتاب السيوطى .

وأخطر وأشهر كتب السيوطى هو : ( الاتقان فى علوم القرآن ) . وفارق هائل بين هذا الكتاب للسيوطى وبين ما كتبه القاضى الباقلانى ( 338 ــ 402 ) فى العصر العباسى عن إعجاز وعلوم القرآن . فى كتابه ( الاتقان فى علوم القرآن ) وجّه السيوطى سهامه للقرآن الكريم ، حيث جمع فيه حُثالة ما كُتب من قبل فى الطعن فى القرآن الكريم ومزاعم النسخ والتشكيك فى سور القرآن ، بحيث أن من يريد الطعن فى الاسلام فسيجد بُغيته فى هذا الكتاب.   كتاب ( الاتقان فى علوم القرآن ) يستلزم بحثا مستقلا لا يتسع له المجال هنا ـ يوضح نقول السيوطى من السابقين وإفتراءته على القرآن الكريم . ومع ذلك فهو أهم كتب السيوطى وأكثرها شيوعا . وللسيوطى كتاب ( اعراب القرآن ) الذى نقله من التفاسير المتخصصة فى إعراب الآيات القرآنية . ومثله :( المهذب فيما وقع في القرآن من المعرب) . وتجرّأ السيوطى على إتهام الكتاب المبين القرآن العظيم بآياته البينات فوصفه بالمُبهم وجعل هذا عنوانا لكتابه (مفحمات الأقران في مبهمات القرآن). ونقل من كتاب النياسبورى ( أسباب النزول ) وغيره فى كتاب (لباب النقول في أسباب النزول  ).  ونقل عن السابقين ما قالوه فى التفسير بالمأثور فى كتابه :(الدر المنثور فى التفسير بالمأثور )

فى الحديث :

 فى شرح كتب الحديث السابقة : له :  ( الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج ) ( شرح سنن ابن ماجه ) ( تدريب الراوى في شرح تقريب النواوي) . وله فى شرح موطأ مالك كتابان ( تنوير الحوالك شرح موطأ مالك) وأيضا (كشف المغطي في شرح الموطأ). وله ( عقود الزبرجد  على مسند الامام أحمد ) و ( شرح السيوطي على سنن النسائي) و ( همع الهوامع شرح جمع الجوامع ) و( مشتهى العقول في منتهى النقول ).

وتابع السابقين  فى جمع الحديث وتزييف وصناعة الأحديث، وله فيها  كتب ورسائل منها   ( لباب الحديث). وكان السخاوى خصما للسيوطى . وللسخاوى كتاب (المقاصد الحسنة فى الأحاديث المشتهرة على الألسنة ). وبعد موت السخاوى نقل السيوطى نفس الكتاب تقريبا بعنوان ( الدرر المنتثرة فى الأحاديث المشتهرة  ) . وللسيوطى أيضا نقلا عن السابقين ( اسباب ورود الحديث) . وجمع الأحاديث الموضوعة عن المهدى فى ( العرف الوردى فى اخبار المهدى ). هذا مع أن ابن القيم الجوزية أكّد فى كتابه ( المنار المنيف فى الصحيح والضعيف ) أن أحاديث المهدى موضوعة .  

وتناقض السيوطى مع نفسه ، إذ كتب : ( اللآليء المصنوعة في الأحاديث الموضوعة )، وفيه تابع من كتب منتقدا الأحاديث الموضوعة كابن الجوزى فى كتابه عن الموضوع من الأحاديث وابن القيم فى ( المنار المنيف )وابن تيمية فى ( أحاديث القُصّاص ). وله ايضا : ( الانتصار بالواحد القهار) في وضع الحديث . ثم يكتب دفاعا عن السُّنّة : ( مفتاح الجنة في الاعتصام بالسنة) . يعنى تراه يصنع الأحاديث ويستشهد بها ثم يكتب متتبعا الأحاديث المصنوعة التى إختلقها غيره. ومن المهم جدا عقد مقارنة بين السيوطى وأولئك السابقين لمعرفة ما نقل عنهم وما أضاف فى كتابه من أحاديث وضعها عصره .

فى الفقه :

نقل عن السابقين كتابه ( الأشباه والنظائر ) فى اصول الفقه ، وله أيضا ( الحاوى للفتاوى ) ومثلهم كتب فى ( ذم المكس ) و ( أكام العقيان في أحكام الخصيان  ).

وفى علوم اللغة والنحو

نقل عن السابقين :( المزهر فى علوم اللغة ) و ( الأشباه والنظائر فى علم النحو ) و ( عقود الجمان في علم المعاني والبيان) .

وفى التاريخ :

وصل علم التأريخ الى ذروته فى القرن التاسع الهجرى بمؤلفات المقريزى(764 ــ 845 ) وابن حجر (  773 ــ 852  ). وتابعتهم ثلة من المؤرخين عاصرهم السيوطى مثل ابى المحاسن ابن تغرى بردى( 813 ــ 874  ) و السخاوى المؤرخ المحدث ( 831 ـ 902 )  وله كتاب ضخم فى ترجمة أعيان عصره هو ( الضوء اللامع فى اعيان القرن التاسع ) بالاضافة الى كتاب ( التبر المسبوك فى ذيل السلوك ). وابن اياس ( 852 ــ 930  ) فى موسوعته التاريخية ( بدائع الزهور ) فى 11 مجلدا ، عدا مؤلفات أخرى تاريخية .

السيوطى (849 ـ 911 ) لم يؤرخ لعصره ، إقتصر على نقل ما كتبه السابقون على النحو التالى :

إشتهر التأريخ للشخصيات ( أو الطبقات) ، وبدأ هذا مبكرا ب (محمد بن سعد) ت 230 ، فى الطبقات الكبرى ، ثم تابعه آخرون فى العصرين العباسى والمملوكى لتشمل كتاباتهم طبقات العلماء والأطباء والفقهاء والصوفية وأصحاب الحديث والتفسير ..الخ . نقل السيوطى عنهم : (  طبقات الحفاظ ) عن أهل الحديث ، ( طبقات المفسرين ). و له من هذه النوعية: ( اسعاف المبطأ برجال الموطأ ).

وكتب المقريزى موسوعته الضخمة ( المقفّى ) يرصد فيها من جاء لمصر من الصحابة والتابعين ، فنقل عنه السيوطى وكتب كتابا تافها بعنوان (در السحابة فيمن دخل مصر من الصحابة  ). وكتب ابن الأثير ( 555 ـ 630 ) قبيل العصر المملوكى  تاريخ ( الكامل ) الذى استكمل فيه تاريخ الطبرى، وكتب أيضا  كتابا ضخما فى تاريخ الصحابة هو ( أُسد الغابة فى معرفة الصحابة ). وجاء السيوطى بعده بأربعة قرون يلخص هذا الكتاب فى (عين الإصابة في معرفة الصحابة ).

ومن كتب الحوليات التاريخية للعصر العباسى وغيره جمع السيوطى (تاريخ الخلفاء ) فى كتاب بهذا العنوان . وله أيضا فى تراجم المشاهير (نظم العقيان في أعيان الأعيان ) . ونقل بالتلخيص بعض مؤلفات المقريزى فى الخطط وغيرها فى كتاب (كوكب الروضة  ) و (حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة ). ونقل عن ابن حزم الاندلسى ( 384 ــ 456 ) من كتابه ( جمهرة أنساب العرب ) مؤلفا هزيلا أسماه (لب اللباب في تحرير الأنساب).

كتب المناقب

لم يؤلف السيوطى كتابا فى التأريخ لعصره ، وفى المقابل إهتم بكتب المناقب التى تتحرر من الالتزام التاريخى بالأمانة والصدق، بل تتخصص فى المدح والتمجيد الذى يصل الى درجة التقديس للشخصيات التاريخية ، ولا تتورع عن سبك الأحاديث وصناعة الروايات ، وهذا منحى إستشرى بسيادة التصوف فتحولت به كتب الطبقات الى كتب متخصصة فى الإفتراء بحيث لا يُعوّل عليها فى البحث التاريخى بسبب كذبها ومبالغاتها المفرطة ، وإن كانت صادقة فى التعبير عن عقلية من كتبها . وبها يمكن إلقاء المزيد على عقلية السيوطى الذى كتب الكثير من كتب المناقب وملأها بأحاديث مصنوعة وروايات موضوعة . ونستعرض أهمها :

فى مناقبه الشخصية كتب السيوطى : ( التحدث بنعمة الله -)ذكر فيه بعض علومه وترجمته.و ( ارشاد المهتدين الى نصرة المجتهدين ) ( صفة صاحب الذوق السليم ). وتقربا من السلطان قايتباى كتب ( تاريخ قايتباي ). وفى الهجوم على خصومه كتب ( القام الحجر لمن سب ابا بكر وعمر )و ( الكاوى على السخاوى ). وفى مناقب الخلفاء الراشدين كتب : ( الروض الأنيق في فضل الصديق )( الدرر في فضل عمر  )( تحفة العجلان في فضل عثمان)( القول الجلي في فضل علي ) ، وفى غيرهم : ( إحياء الميت بفضائل آل البيت )( العجاجة الزرنبية في السلالة الزينبية )( الأساس في مناقب بني عباس ) ( تزيين الممالك بمناقب الإمام مالك ). وفى كل ما سبق نقل عن السابقين واضاف أكاذيب من عنده .

فى التصوف :

بالاضافة الى دفاعه عن ابن عربى أشهر من أعلن عقيدة وحدة الوجود المناقضة للاسلام ـ نرى السيوطى ـ والمشهور أنه فقيه سُنّى ـ وقد وقع صريعا للتصوف وخرافاته ، يكتب فيه وفيها بحماس شديد يتناقض مع كونه سُنيا . عن الطريقة الشاذلية كتب السيوطى  :( تأييد الحقيقة العلية وتشيد الطريقة الشاذلية  ). وعن الأوراد الصوفية كتب : (عمل اليوم والليلة ) و (تحفة الأبرار بنكت الأذكار) وعن الموالد الصوفية كتب (حسن المقصد في عمل المولد ) . وأشاع الصوفية كرامات للولى الصوفى منها ( التطور ) أى تشكل الولى الصوفى وتجسده فى هيئة حيوان أو ملاك ، وكتب السيوطى يؤيد ذلك بروايات وأحاديث موضوعة فى رسالته : (القول الجلي في تطور الولي ) . وكان السيوطى ممّن يزعم رؤية النبى محمد عليه السلام فى المنام وفى اليقظة ، وقد شاع هذا فى عصر سيطرة الحنابلة وعكسه كتابات ابن الجوزى ت 597 فى أواخر العصر العباسى خصوصا فيما كتبه ابن الجوزى فى مناقب ابن حنبل  . ثم أصبحت عقيدة ثابتة فى العصر المملوكى . وكتب السيوطى فى ذلك (  إنباء الأذكياء بحياة الأنبياء) ( تنوير الفلك في رؤية النبي والملك ) ( الحبائك فى أخبار الملائك )

( إبداعات) السيوطى فى التوافه 

1ــ كتب بعض الباحثين رأيا طيبا في العلم في العصر المملوكي يقول (ازدهرت الحركة العلمية والأدبية في أواخر القرن الثامن الهجري واوائل القرن التاسع وحفل القرن التاسع بالأخص بعدد كبير من الأساتذة البارزين في سائر العلوم والفنون وساهم الأزهر الى  جانب المدارس الأخرى  ) [57]. وهذا الرأي يقيس الازدهار بالكمّ دون اعتبار للكيف والنوع .

 والواقع أن العصر المملوكي عصر التلامذة من الناحية العلمية ، إذ تكاثر فيه المتعلمون بدردجة تلميذ ، وندر فيه وجود الأستاذ أو العالم الحقيقى بالمعنى العلمي ، وحورب فيه الاجتهاد . وهذا شيء طبيعي في عصر ازدهر فيه التصوف المملوكي وتوارت فيه العلوم العقلية.، وهكذا فإن محاربة الاجتهاد وشيوع الحفظ ـــ كبديل للاجتهاد ــ وخفوت صوت العلوم العقلية تمثل أضلاعا ثلاثة للحياة العلمية المملوكية وتتأثر في نفس الوقت بالضلع الرابع وهو ازدهار التصوف المسئول عن هذه الردّة العلمية . 

2ــ وتحريم الاجتهاد جهد صوفي بحت أعاق العقل عن البحث العلمى ليزدهر التصوف المملوكي في غيبة من العقل يقول الدسوقي : (  فيض الربوبية اذا فاض أغنى عن الاجتهاد  ) [58] والغزالى الصوفي الشهير هوصاحب القول المشهور: ( ليس في الإمكان أبدع مما كان ) ، وتمسك متصوفو العصر المملوكي بتلك الكلمة لترسيخ التقليد وتحريم الاجتهاد ، فوضعوا عليها الشرح مثل محمد المغربي والسيوطي والشاذلي والشعرانى  [59]..

ونتج عن تحريم الاجتهاد ان صار التقليد سيد الموقف.  فعاب الفقيه السنى الصوفى ابن الحاج فى القرن الثامن على صوفية مصر تقليدهم ، وقال : ( أوضعوا تلك العوائد التي نشأت بها نفوسهم  موضع السنن ، حتى انك إذا قلت لبعضهم:  السنة كذا ، يقول جوابه لك على الفور : عادة الناس كذا وطريقة المشايخ كذا .! . فإن طالبته بالدليل الشرعي لم يقدر على ذلك إلا انه يقول : نشأت على هذا وكان والدي وجدي وكل من اعرفه على هذا المنهج ) [60] أى هى طريقة الجاهليين فيما وجدوا عليه آباءهم . وابن الحاج كوافد مغربي لمصر يتعجب لهذه الظاهرة ــ ظاهرة تقليد السابقين واتخاذها سنة مع تعطيل العقل وتقديم طريق الأشياخ عليه.

والصوفية قرنوا دعواتهم لنبذ الاجتهاد بتحصين طريقهم الصوفي من الاعتراض بشتى الطرق . يقول ابرهيم الدسوقي : ( صاحب الجهد قاصر ما لم يقرأ في لوح المعاني سر عطاء القادر ، فقد يعطي المولى من يكون قاصرا ما لم يعط أصحاب المحابر ، وليس مطلوب القوم الا هو ، ( أى الله ) فان حصلوا على ما ارادوا عرفوا بتعريفه كل شيء من غير تعب ولا نصب . ثم ان صحت له المعرفة فلا حجاب له بعد ذلك ) [61]...أي أنه يجعل الاجتهاد من نصيب أصحاب العلم اللدني دون غيرهم . ومن يصل الى  الحلول والاتحاد و ووحدة الوجود ( تصح له المعرفة بلا حجاب"  ) [62]...

والشعراني يفتخر بتصديقه للصالحين في كل ما يخبرون به وأن أنكره العقل ويبيح الاجتهاد لأهل الكشف لاطلاعهم على الأسرار الإلهية بلا نظر وتأمل. وفي نفس الوقت الذي يحرم فيه عن المريد التفكير وإطالة النظر رغبة في الفهم،  ويستخدم في ذلك المنطق المعكوس والتخويف (.... اذ ينبغي التأدب مع الله ولا نتكلم إلا بما نعلم .... ولا نخوض من غير تحقيق .) [63] وافتخر الشعرانى بعدم قوله بالرأي في الأمور الدينية ، أى لا يقول رأيا جديدا ، أو لا يجتهد فى إبداء رأى جديد ، ويقول إنه اذا لم يجد في المسألة تصريحا توقف على العمل بها ولا يقدم عليها ، إلا أن رأى فيها  نصا أو اجماعا او قياسا جليا . ( وقد منع بعض العارفين من القياس ) [64] . ويهدد الشعراني من يختلف مع أحد الأئمة الأربعة ، فيروى قصة عن شخص ألّف كراسة في الرد على أبي حنيفة وعرضها على الشعراني ، فطرده ، ثم وقع لذلك الشخص مكروه اعتبره الشعراني عقابا له على جرأته على أبي حنيفة ، ورفض أن يزوره في محنته ادبا بالإمام أبي حنيفة ، يقول : ( حتى لا أوالى من أساء الأدب معه ) [65]..

4ــ وفي عصر يسوده التقليد ويُحارب الاجتهاد لابد أن يكون الحفظ هو مقياس النبوغ العلمي فكان ( العالم ) في العصر يوصف بأنه (أعجوبة عصره في الحفظ ) ، وتُروي الحكايات بالتدليل على ذلك . وقد عقد  [66] مجلس لامتحان الهروي ــ قاضي القضاة ــ وقد ادعى حفظ اثنى عشرة ألف حديث بأسانيده، وحضر السلطان المجلس مع العلماء ، وظهرت في روايات ابن حجر في ذلك المجلس العلمي ــ وكان حاضرا ــ تفاهة الأسئلة وسطحية الإجابات مما لا يتفق مع شهرة أسماء الحاضرين . [67].. وقيل عن الفوى : ( فأبهت الحاضرين من قوة استحضاره ) [68] ..

وفي مناظرة بين ابن مغلى والسيرامى حضرها السلطان المؤيد شيخ تبارى المتناظران في الحفظ وصاح المنتصر في النهاية: ( مولانا قاضي القضاة حفظه طاح ) [69].. ووُصف سراج الدين البلقيني باجتماع شروط الاجتهاد فيه حتى قيل انه مجدد القرن التاسع ، وليس في ترجمته مع ذلك ما يدل على الإبتكار ، أفكار ولم يرد فيها غير موهبته في الحفظ والاستحضار  [70] الذي كان المقياس العلمي للعصر المملوكي ...

5 ــ وقد وضعت "الفوائد" للتمتع بدوام نعمة الحفظ . يقول الابشيهي : ( اذا أردت أن لا تنسى وكذا أردت ان ترزق الحفظ ، فقل خلف كل صلاة مكتوبة : بالله الواحد الأحد ....... الخ .. ومن فوائد سيدي الشيخ صالح بن عجيل في الحفظ : يقرأ في كل يوم عشر مرات: ففهمناها سليمان ...... الخ .. ) [71].

6 ـ وبسبب إتعدام الاجتهاد وشيوع التقليد تركز جهد أولئك ( العلماء ) على إختصار ما كتبه السابقون ، أو شرحه ، وتلخيص الشرح. وعقد ابن خلدون فصلا في المقدمة فى ( أن كثرة الاختصارات المؤلفة في العلوم مخلة بالتعليم، وان ذلك الاختصار في أمهات الكتب كان لتسهيل حفظها ) [72]  وذلك منتظر من ابن خلدون الذي كان نادرة لا ينتمي لعصره المملوكى.

7 ـــ ولم يكن غريبا أن يخاف أولئك ( العلماء) في العصر من تهديد الصوفية لهم بسلب العلم والقرآن ،أي سلب ما لديهم من الحفظ ، الذي هو كل محصولهم العلمى ، مما يعد دليلا على ضعف الشخصية العلمية وهبوطها العقلي الذي يعتمد أولا وأخيرا على مجرد الحفظ ، ويعتقد في قدرة الكرامات الصوفية على محو ذاكرتهم وما يحفظونه ، فتخشاهم إبقاء عليها. وترددت كرامات فى تخويف أولئك العلماء بسلب ما يحفظون ، وكان لها أبلغ الأثر فى تدعيم سٌلطة الصوفية من ناحية ، وفى هبوط المستوى العقلى والعلمى من ناحية أخرى.

8 ـ وفي الوقت الذي أصبحت فيه خرافات التصوف علما  ـــ حوربت العلوم العقلية ، فالسيوطي قد ألّف : ( الغيث المغدق في تحريم المنطق )،  وجاء شخص للشيخ الفتوحي الحنبلي قاضي القضاة يريد ذلك الشخص أن يقرأ عليه شيئا من المنطق فقال له " يا ولدي قد صار الفقه ثقيلا على قلبي ، فما بالك بعلم أفتى بعض العلماء بتحريم الاشتغال به ) [73]. وقد سبق السبكي   [74] في الانكار على من اشتغل في الفلسفة ، وهاجم الفارابي وابن سينا  [75]  

والحصاد العلمي لهذا العصر معدوم من الناحية النوعية فى رأى بعض الباحثين . ( واذا نظرنا إلى الأبحاث والمجادلات التي كانت في مجالس الغوري مثلا عرفنا ضيق الأفكار وقلة المعارف والولع بسفاسف الأمور والقصور في جلائها ) [76] . والسيوطي خير ما نتخذه مثلا للعلم المملوكي فمن عادته أن يفخر  ( بالسرعة لا بالتدقيق ) [77] واهتم بنقله من كتب المتقدمين دون استنباط للجديد أو ابتداع للفكرة المستقلة ، وحتى دون ان يبدو في منقوله جهدا يوفيه ويرتبه ويهذبه ويستدل به ويعلق عليه ) [78] . هذا ما قاله بعض الباحثين المعاصرين .

وأقول إن القارىء للسيوطى يشعر أن السيوطي بأنه لا يستعمل عقله فيما ينقله. ففي إجابته عن سؤال أين تذهب الشمس بعد الغروب قال بأنه " يبتلعها حوت وتغرب في عبن حمئة ، وقيل انها تطلع من سماء إلى سماء حتى تسجد تحت العرش وتقول يا ربي ان قوما يعصونك فيأمرها بالرجوع ، وقال اما الحرمين وغيره لا خلاف في ان الشمس تطلع عند قوم وتغرب عند آخرين والليل طويل عند قوم وقصير عند الآخرين وعند خط الاستواء يكون الليل والنهار مستويين "  ) [79] ..هى اجابات مختلفة نقلها وأراح عقله من محاولة الترجيح والاجتهاد .... والسيوطى صاحب أكبر عدد من المؤلفات ، وكلها تجميع وإختصار ونقل بلا وعى ، وسطو على مؤلفات الغير . نقول هذا بعد بحث ومراجعة لمؤلفاته ومعظمها رسائل لا تزال مخطوطة . وعليه فلا عبرة بما يجمعه من كتابات السابقين ، فإن قيمة العالم فيما يبتكره ولو كان قليلا وليس فيما يجمعه ولو كان كثيرا..

6ــ  على أن هذا التناقض بين الكيف والكم في العصر المملوكي قد أثار انتباه بعض الباحثين المعاصرين مثل احمد أمين القائل : ( كانت حركة التأليف قوية في عصر المماليك حتى ليعجزنا حصر ما ألف في ذلك العصر ، ولكنها كانت قوية من حيث العدد لا من حيث القيمة . ومن الغريب أن عالما يأتي فيختصر ثم يأتي عالم اخر فيشرع ما اختصر .... ولم نكسب من ذلك إلا المجهود الضائع . وكل يوم يمر يزداد الحال سوءا ) [80] ويقول : ( يكاد العلم والأدب والفن قد انتهى فى العالم العربي بانتهاء القرن الخامس ، وربما تولد شيء في القرن السادس من الابتكار والتجديد ،أما بعد ذلك من ابتداء القرن السابع وحتى النهضة الحديثة (العصرين المملوكي والعثماني) فيكاد يكون ترديدا لما فات ، تجميعا لمتفرق او تفريقا لمتجمع" ) [81]...

7 ـ ونأخذ مسيرة ( علم الحديث ) مثالا على الفشل العلمى للعصر المملوكى : فالخطيب البغدادي ت463 أول المتأخرين وأخر المتقدمين في علم الحديث ، وضع مؤلفين : كتاب الكفاية في قوانين الرواية وكتاب الجامع لآداب الشيخ والسامع . وقد ظل هذان الكتابان محور النشاط العلمي للعصر المملوكي بالاختصار والشرح على النحو الآتي:

إبن الٌصلاح ت 643 ( عثمان بن عبد الرحمن الشهروزى ) جمع شتات مؤلفات الخطيب في كتاب له هو ( مقدمة ابن الصلاح فى علوم الحديث ) . وعكف المتأخرون بعده عليه اختصارا وشرحا: ابن جماعة ت 733 في كتابة المنهل الروي في الحديث النبوي الذي اختصر فيه كتاب الصلاح . وجاء بعده ابن ابي بكر ت819 فشرح مختصر ابن جماعة في كتابه ( المنهج السوي في شرح المنهل الروي ) . ثم  سراج الدين البلقيني 805  الذى ألف ( محاسن الإصلاح في تضمين كتاب الصلاح ) وهو مختصر ، ثم :  محيي الدين النووي 676 ــ الذى اختصر كتاب الصلاح في كتابين : (تدريب الارشاد إلى علم الاسناد ) وهو مختصر ، والثاني ( التقريب والتيسير) وهو مختصر المختصر . لذا انكب عليه متأخرون لاحقون بالشرح وشرح الشرح ، كما فعل الزين العراقي والسخاوي والسيوطي . وأنهمك آخرون  في كتابة تعليقات ونكت كتاب ابن الصلاح كالعراقي في كتابة التقييد والايضاح وابن حجر في كتابة الإفصاح والزركشي... وقام اخرون بنظم كتاب ابن الصلاح شعرا ، مثل الحافظ العراقي 805 في ( نظم الدرر في علم الأثر ) . ثم قام نفسه بشرح النظم في كتابين احدهما مطول والأخر مختصر . وقام البقاعي بتأليف حاشية على الشرح المختصر اسماها ( النكت  الوفية : بشرح الألفية ) ، وشرح السخاوي هذا النظم في ( فتح المغيث في شرح ألفية الحديث ) ، وشرحه السيوطي في ( لقط الدرر ) ، وشرحة الدمشقي في ( صعود المراقي ) وشرحة زكريا الأنصاري في : ( فتح الباقي بشرح ألفيه العراقي ). والأمر لا يحتاج على تعليق..

8 ــ والباحث المفكر الاستاذ أحمد أمين يعلل التقليد والجمود العلمى فى العصر المملوكى   باختفاء العنصر العربي وغلبة العنصر الفارسي والتركي وسقوط المعتزلة وهجوم التتر وانتشار العصبيات المختلفة بين المسلمين مما نتج عنه اقفال باب الاجتهاد )  [82]..

والواقع انه قد ظلم العنصر الفارسي الذي أسهم فى الحياة العلمية في القرون السابقة، كما  ان هجوم التتر لم يكن مانعا من الاجتهاد العلمي ، بل أنه ألهب حماسة العلماء لتعويض ما دمر  من مؤلفات ، وكان العلماء العرب أساتذة للصليبيين ، وانتشار العصبيات لا يعوق الحركة العلمية بل قد يدفع للمنافسة بينها ، وما ذكر عن سقوط المعتزلة صحيح وان لم يعلل ذلك السقوط  بانه كان هزيمه مبكرة للإتجاه العقلى أمام الحنابلة فى العصر العباسى الثانى . وكان هذا قبل العصر المملوكى بقرنين على الأقل ,

ويقترب باحث اخر من الحقيقة حين يقول مترفقا ( ومن سمات العصر قوة التصوف ولعل ذلك من عوامل  ضعف الحركة العلمية،  فإن العلم يعتمد على العقل والفكر على حين يعود التصوف الحق على الذوق والوجدان ) [83]..

9 ـ  والحقيقة ان التصوف المملوكي هو المسئول عن ذلك الركود . اذ كانت علوم السابقين قد جُمعت وفُصّلت ، ولم يبق إلا البناء عليها بالاجتهاد والابتكار على نحو ما بدأت به مسيرة الحركة العلمية فى العصر العباسى الأول قبل أن يُجهضها الحنابلة فى العصر العباسى الثانى ، ثم تحكم التصوف فجعل التقليد دينا ، وأرسى الخرافة محل العلم ، وأعلى شأن الحفظ كمقياس وحيد للقدرة العلمية .

ويلاحظ ان العلاقة العكسية واضحة بين مسيرة العلم والتصوف في العصر المملوكى ، فكلما إزدهر التصوف بالتدريج تدهور العلم بنفس الوتيرة ، حتى إذا وصلنا الى نهاية العصر وتسيّد التصوف تحول التقليد الى جمود ، ثم اشتدت الظلمة تكاثفا في العصر العثماني باشتداد سلطان التصوف فيه.   وأي مقارنة للإنتاج العلمي بين القرن السابع مثلا والقرن العاشر تُظهر ذلك بوضوح ، وعلى الأقل فاقرأ أسلوب المقريزى وابن حجر وقارنه بأسلوب ابن اياس وابن زنبل الرمال فى أواخر العصر المملوكى ومطلع العصر العثمانى ، تجد الفارق واضحا.

والمؤسف أن ربط الصوفية جهلهم بالدين قد جعل الإسلام مسئولا  عن نشر ذلك الجهل . ونذكر بالعرفان قول كلوت بك يصف المصريين في العصر العثماني : ( السواد الأعظم من الامة المصرية هائم في الجهالة . وقد حاول بعضهم اسناد جهلهم إلى الديانة الإسلامية، وهو خطأ فاحش ومذهب باطل ، فإن في القرآن آيات كثيرة تدل على شرف العلم والحض على تحصيله ) [84] ..  ...

10 ــ وبعدٌ ..

فإن تاريخ العلم يختلف عن التاريخ السياسي لأمة من الأمم.  فمن الممكن أن تبدأ أُمّة بالضعف ثم تصل إلى القوة والشباب ثم تنحدر للضعف والانحلال . وهذا واضح فى مسيرة التاريخ الانسانى . إلا إن التاريخ العلمى ليس حتما أن يرتبط بهذا الخط البيضاوي البياني ، كما لا يرتبط تاريخ العلم في امة ما بقوتها السياسة، بل ربما تزداد القوة العلمية لأمة ما في عصر ضعفها بل تفككها السياسي، فالمسلمون تفرقوا دولا وأمراء في القرن الرابع الهجري وهو عصر الازدهار العلمي ، بل إن الأمة المهزومة قد تنتصر علميا على الفاتحين الجهلاء وفي التاريخ امثلة كثيرة ( أثينا مع اسبرطه والعرب مع البلاد المفتوحة والتتار مع العرب والصليبيون مع المسلمين والأتراك مع المصريين في الفتح العثماني ) .

العلم في الطريق الطبيعي ـ بدون عوائق ــ يسير في صعود وتقدم ، ويتوقف وينحسر ويذبل وينتهى إذا وُوجه بالجهل الذى يتمسح بالدين .

العلم فى أوربا ظل فى تقدم فى اليونان ( سقراط / افلاطون / ارسطو / جالينوس ..الخ ) ، وتلقّح بالحضارة الفارسية فى عهد الاسكندر الأكبر وخلفائه ، ثم قام الرومان بالبناء عليه ، ثم تحكمت الكنيسة فى العقل الأوربى فتوقفت مسيرة العلم الأوربى . العلم فى تاريخ المسلمين حمل الراية بعد اوربا بترجمة مؤلفات الاغريق وغيرهم ، والنقل عن الحضارات السابقة ـ أوربية وفارسية ـ وبنى عليها ، وظل فى تقدم إلى ان أوقفه الحنابلة باسم ( السّنة ) وأنها وحى سماوى، وجعل ( علوم السنة ) من حديث وتفسير وعقائد ( علم الكلام ) وما يسمى بعلوم القرآن ــ بديلا عن العلوم الحقيقية الفلسفية والطبيعية . ثم قضى التصوف بالتدريج على ما تبقى من ( العلوم السنية ) ، ووصل بالحياة العقلية الى الحضيض. هذا ، فى الوقت الذى بدأت فيه النهضة الأوربية بترجمة المؤلفات العربية ـ فى عصر الازدهار العلمى ـ والبناء عليها ، وإكتشاف المنهج العلمى التجريبى فى العلوم الطبيعية والذى دعا اليه القرآن الكريم ، كما إتبعوا دعوة القرآن فى السير فى الأرض ــ كل هذا بدون معرفة بالقرآن ـ ولكن وصلوا للمنهج القويم علميا لأنهم بدأوا الخطوة الأساس وهى تحجيم دور المسيحية وأربابها وتحريم تدخلها فى السياسة والتفكير وحظر تجولها فى الشارع ، وسجنها داخل أديرتها وكنائسها . بهذا إنطلقت أوربا تكتشف العالم وتستعمره ، وتكتشف البخار والقوى الكهربائية وتخترع ، ودخل بها العالم فى مسيرة علمية تتقدم الى الأمام حتى الآن ـ بعد أن تحرر العقل والفكر من تحكم المسيحية وكنيستها . ومن أسف أنه فى الوقت الذى كان فيه الشعرانى يسجل بطولاته الوهمية مع الجن وأسفاره الوهمية حول العالم ، وفى الوقت الذى عاش فيه المسلمون يفكرون فى ( جبل قاف ) وقدرة الولى الصوفى على تحريك الجبال وهزيمة الجيوش كانت أوربا تكتشف العالم الجديد ، وتجرّب إستعمال البخار قوة متحركة . وظل المصريون فى سُبات عميق الى أن أيقظتهم مدافع نابليون وهى تدكُ الأزهر ، فهرع شيوخ الأزهر يقاومون مدافع نابليون بتلاوة صحيح البخارى و ( دلائل الخيرات ) . وبعودة الحنبلية الوهابية تتحكم فى عقلية مسلمى اليوم عادت خرافات الأحاديث وعجائب الفتاوى الفقهية تصدر الساحة تحمل إسم الاسلام .

 

 

 

 

 

 

 

 

أثر التصوف  فى الاتجاهات ( العلمية ) فى العصر المملوكى

كتاب : أثر التصوف  المعمارى والثقافى والاجتماعى فى مصر المملوكية

الفصل الثانى  :( أثر التصوف الثقافى فى مصر المملوكية )

 أثر التصوف  فى الاتجاهات ( العلمية ) فى العصر المملوكى

 تنقسم هذه الاتجاهات إلى مؤلفات بأكملها ثم الى تفريعات داخلية . ونمثل لكل منها :ــ

1ــ وضعت مؤلفات في أصول صوفية كالولاية. وللسيوطي رسائل وكتب في تطور الولى ورؤيته النبي والملك وفضائل آل البيت وفضائل المسبحة وعمل اليوم في الأوراد [85] . وألف ابن داود في الأوراد مجلدا ضخما  [86] . واهتم المؤلفون بكتب الزوايا والمناقب وحكايات الصالحين مثل الكواكب السيارة لابن الزيات وتحفة الأحباب للسخاوي، وألف الميقاتي احد مشايخ الزوايا "غرائب الأخبار" في حكايات الصالحين وجمع كتابا فيه قبور الصالحين بالقرافتين   [87] . وفي القرن السابع أكثر شيوخ التصوف من التأليف في عقائد التصوف تحت مسمى ( التوحيد في الطريق وآدابها على المقامات والأحوال والحقائق ) [88] ويذكر ان الأبشيهي فى كتابه ( المستظرف فى كل فنّ مستظرف ) تابع ابن عبد ربه في كتاب ( العقد الفريد ) وزاد عليه الابشيهى ــ متأثرا بالتصوف ــ مناقب الصالحين وكرامتهم وذكر فصلا عن التصوف والوجد [89].....

2ــ وألف السيوطي في المظاهر الصوفية مثل "العجاجة الزرنبية في السلالة الزينبية" لبحث انساب الأشراف ، والمقصد في عمل المولد ، وقال فيه ان الشيخ تاج الدين ـــ الفكاهاني ألف كتابا في عمل المولد  [90] . وللسيوطي رسالة أخرى في حياة الأنبياء في القبور .

3 ــ وساد الاعتقاد في الاتصال بالجان وتشكلهم وتجسدهم الحسي امام الأولياء، فوضع الشبلي كتابا هاما في أحكام الجان، وتابعه الشعراني الذي فى كتابه ( الران ..)

4 ـ والشعرانى قصر كتابا آخر هو (المنن الصغرى) على الهدية وأحكامها حيث كانت النذور ــ أو القرابين ــ تنهال على المتصوفة من النساء والرجال .

5 ــ  وشارك أولياء الصوفية فى الانحلال الخلقي في العصر المملوكي ، وتلون تصوفهم بهذا اللون السيء ، وعكست بعض المؤلفات مظاهر ذلك فيما يعرف بالأدب المكشوف،  فالسيوطي له منام " رشف الحلال الزلال "ل جعل فيها عشرين إماما من أئمة المعرفة يتحدثون بالتفصيل عن ليلة زفافهم كل بأسلوب علمه. وله أيضا (دقائق الأترج فى دقائق الغنج ). وفصل تحت هذا العنوان رسالة بأكملها أسندها للحور العين ولم ير فيما ذكره عيبا.

6 ـ ونشر الصوفية الشذوذ الجنسى وجعلوه من ملامح عقيدتهم وعبادتهم ، فردّ عليهم فقهاء سنيون مثل ابن تيمية فى كتابه (التنفير من الأمرد) وقال فيه :" وأما من نظر إلى الأمر ظانا أنه ينظر الى مظاهر الجمال الإلهي وجعل ذلك طريقا إلى الله كما يفعله طوائف المدعين للمعرفة فقوله هذا اعظم كفرا من عبادة الأصنام ) [91]...وكتب أبو الفتوح الدجاني فيهم حكم الأمر وفيه قال (من آفات هذا الزمان صحبة المردان خصوصا في فقراء هذا الأوان زاعمين أن صحبتهم طريق إلى الرحمن ) [92].....

6 ـ واكتشف الصوفية الحشيش ونادي بتشريعه وأنه حلال ، فألف الزركشي رسالة في الرد على من نادى من الصوفية بحل الحشيش.

7 ــ وأشاعت دعوات المتصوفة جوا من الاتهام السريع بالكفر ، فوضع الرشيدي رسالة جمع فيها الألفاظ المكفرة على عهده.  ولابن حجر رسالة فى ( الخصال المكفرة ) [93]

8 ــ وكتب الصوفية في مناقب اوليائهم ، وتطوع آخرون فكتب في مناقب غير الصوفية كمناقب الشافعي والليث   [94] ، وشاعت ثقافة تزكية النفس والغير ، فانتشرت كتب المناقب حتى أن السيوطي عدّد مناقب البرغوث في رسالة ( الطرثوث في فوائد البرغوث).  وكثرة  مؤلفات السيوطي وكثرة ما جمعه وضعف شخصيته العلمية اوقعه في التناقص في المؤلفات،  فبينما وضع رسالة (ليس في الإمكان ابدع مما كان) وضع أخرى في (الرد على من جهل ان الاجتهاد فرض) وبينما جمع الحديث صحيحا وموضوعا في الجامع الكبير ألف رسالة ، فيمن يروى الموضوع من الحديث...

9ــ والتفريعات الخاصة بالتصوف والمتأثرة به أكثر من أن تستقصى، واهمها عن الكرامة وصلتها بالمعجزة  [95] والمقارنة بين الذكر الصوفي وقراءة القرآن ، وأفضل صيغ الذكر  [96] والخضر وحياته،  وزيارة قبر النبي عليه السلام  [97] ، وحكم النظر في علم النجوم  [98] تأثرا بالكشف الصوفي ، وأثر جبل قاف في احداث الزلازل في الأرض  [99] وحكم ركوب الأسد من الناحية الفقهية  [100] تأثرا بما أشيع عن كرامات الأولياء الذين يركبون السباع . وبحث السبكي وغيره في معنى حديث (كنت نبيا وادم بين الماء والطين )من خلال العقيدة الصوفية (الحقيقة المحمدية الصوفية )  ، وألف الأزرعي كتابا في الفقه سماه (الغوث ) [101] تأثرا بالقطب الغوث في عقيدة التصوف المملوكى . هذا ويقول السخاوي [102] في ترجمة ابن الديري أنه (ألف الكواكب النيرات في وصول الثواب للطاعات إلى الأموات ) اقتفى فيه أثر السروجي مع زيادات كثيرة .... والسهام المارقة في كبد الزنادقة وفتوى في هل تنام الملائكة ام لا) إلى غير ذلك من أمور يهتم بها المتصوفة والمتأثرون بهم ...

أثر دعوى العلم اللدنى الصوفية فى الزعم بعلوم وهمية

أُكذوبة العلم اللدني الصوفية تفرع عنها ادعاء الكثير من العلوم التي اختلفوا في تحديد أسمائها واتفقوا في انها من خصائص الأولياء دون غيرهم،  وكلها محض اختلاق..

فالمرسي كان يتحدث في ( العقل الأكبر والاسم الأعظم والأسماء والحروف ودوائر الأولياء واعداد الأذكار ومقامات الموقنين والملائكة المقربين ، ويوم المقادير وشان التدبير وعلم البدء وعلم المشيئة وشأن القبضة ورجال القبضة وعلوم الأفراد )......الخ  ) [103] .

ويرى الدسوقي ان العارف الصوفى : ( أُعطى العلوم المكتوبة في ألواح المعاني، ففهم رموزها وعرف كنوزها وعرف العلوم المودعة في النقط  ومعاني الحرف والقطع والوصل والهمز والشكل والنصب والرفع . ولهم الاطلاع على ما هو مكتوب على أوراق الشجر والماء والهواء ، وما في البر والبحر ، وما هو مكتوب على خيمة السماء، وما في جباه الانس والجن ) [104] . وزعم الدسوقي علم الدنيا والأخرة وعلم سدرة المنتهى وعلم الساعة وكلام الغيوب واللوح المحفوظ ، وعلم أسماء المنكرين عليه وعلم القدرة الأبدية ، وعلم الموت الذي يقبض به عزرائيل الأرواح، وعلم الأسماء المكتوبة على شجرة المنتهى  ، والعلم الذي تسير به الرياح والسحاب الذي ينزل به الغيث والعلم الذي يصعد به الملائكة السماء، وعلم  الاسم الأعظم ، وحفظة الاسم الذي ينزلون به الى الأرض ......) [105]الخ  ..

 والمتبولى الصوفى الأمي قال ( لا يكمل الرجل عندنا حتى يعلم حكمة كل حرف تكرر في القرآن ويخرج منها سائر الاحكام الشرعية ما شاء ) [106] وقال المتبولي (أعطيت استخراج العلوم من القرآن العظيم من فقه واصول وبيان وجدل وعروض وغير ذلك  ) [107] وهذا الاعتدال لم يعجب أفضل الدين الشعراني فادعى أنه استخرج من سورة الفاتحة (مائتي ألف علم ونيفا وأربعين ألف علم ) [108]  

بعيدا عن تلك الخرافات الصوفية نذكر ان اهم علوم اشتهرت عند الصوفية هي الحرف والكيمياء وكيمياء الرمل .... وبهم إشتهرت  في العصر المملوكي ...وقد سبق التعرض لها فى مبحث التحايل فى الجزء الثالث عن أثر التصوف فى الانحلال الخُلُقى ، فى موضوع التحايل من كتاب ( أثر التصوف فى الحياة الدينية فى مصر المملوكية ) . فلا داعى للتكرار .

 وهكذا فإن تلك ( العلوم الصوفية ) ــ ان صح وصفها بالعلوم ــ قائمة على أن أساس الادعاء ولا يصلح ذلك أساسا لأي منهج علمي ، فهي لا تختلف عن الأنواع الخرافية من أسماء العلوم التي ذكرت في اول المبحث.

 

 

 

 

أثر التصوف فى (التفسير) في العصر المملوكي :

كتاب : أثر التصوف  المعمارى والثقافى والاجتماعى فى مصر المملوكية

الفصل الثانى  :( أثر التصوف الثقافى فى مصر المملوكية )

ولكن كيف شارك الصوفية في العلوم السنية القائمة فعلا..؟ أسهموا في جمودها وتأخرها من واقع النظرة العامة للعلم . ونبحث بالتفصيل الأثر الصوفي في التفسير والحديث والتاريخ كأهم مواد علمية اهتم بها الصوفية . على أن اهتمامهم اقتصر على مواضع بعينها من هذه العلوم كتفسير آيات محدده وشرح احاديث خاصة بعضها موضوع بجهدهم هذا مع ترويج بعض الأحاديث الموضوعة من غيرهم طالما تخدم دعوتهم .ونبدأ بأثرهم فى التفسير .

اثر التصوف فى ( التفسير ) في العصر المملوكي

لمحة عن ( علم التفسير قبل العصر المملوكى )

1 ــ تعهد الله سبحانه وتعالى أن يضمن حفظ قرآنه (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الحجر:9 ، وذلك حتى لا يتعرض القرآن لمثل ما تعرضت له الكتب السماوية قبله من تأويل وتحريف ــ إلا أن أصحاب الأهواء ــ  وقد عجزوا عن النيل من نصوص القرآن   ــ ركزوا همهم في التلاعب بمعانى القرآن بما يعرف بالتفسير والتأويل واخضاع المتشابه من الآيات الى مفاهيمهم ، وهو جهد تنبأ القرآن بحدوثه في قوله تعالى (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) آل عمران : 7 )،

2 ــ ومن البداية نعتذر مقدما من إضطرارنا لاستعمال كلمة ( التفسير ) ، ونعلن أنها تكذيب لتأكيد رب العزة بأن القرآن كتاب مبين وأن آياته مبينات ، وأن بيان القرآن فى القرآن وتفسير القرآن بالقرآن . وأن إستعمال كلمة ( التفسير ) فيه إتهام لرب العزة بأنّه ـ تعالى عن ذلك علُوا كبيرا ــ أنزل كتابا ناقصا يحتاج للبشر لاستكماله ، وأنزله غامضا يحتاج من البشر الى تفسير وتأويل ، وأنه أنزل كتابا تتناقض أحكامه ويُلغى ـ أو بزعمهم ـ ينسخ بعضها بعضا ، أو أنه أزل كتابا محليا مرتبطا بمواضع النزول مقتصرا عليها ، لا ينفع الناس الى يوم القيامة ، أنه أنزل كتابا ليكون فى الدرجة الثانية بحيث تكون أقاويل البشر فى  (السُنّة ) وأقاويل المفسرين وآراء الأئمة حكما على الآية القرآنية ، فلا يؤخذ بآية القرآنية إلا إذا كان أقاويل البشر مؤيدة لها ، شأن التلميذ الذى لا يؤخذ برأيه إلا إذا كان معه ولى أمره .!! . تعالى الله جل وعلا عن ذلك علوا كبيرا . إنه الشطط الذى وقع فيه أئمة السنيين والشيعة والصوفية ، والذى ترتب عليه إتهام القرآن الكريم بأنه ( حمّال أوجه ) يعنى متناقض وفيه الرأى ونقيضه . ونتبرأ مقدما من هذا كله ونُنزّه عنه رب العزة وكتابه الفرقان الذى أُحكمت آياته ثم فُصّلت من لدن حكيم خبير ( هود 1 ).

3 ــ من بدايته عرف علم ( التفسير) السُّنّى ما يعرف بالاسرائيليات، واصطنع البعض (التفسير بالمأثور)، ولو كان هناك فعلا تفسير بالمأثور قاله النبى ــ حسبما يزعمون ـ لتوقف عنده ( علم التفسير ) ، ولم يجرؤ أحد على الكتابة بعد أن قال النبى القول الفصل فى التفسير . ولكن أنكر ابن حنبل نفسه التفسير بالمأثور فى قوله المشهور : ( ثلاثة لا أصل لها : التفسير والملاحم والمغازى ) . لم يقتنع أحد بصُدقية هذا التفسير بالماثور ، أو بصحة إسناده للنبى والصحابة ، فتكاثرت ( تفاسير ) القرآن فى العصر العباسى الثانى وبعده برعاية الفقهاء  السنيين ، تحمل وجهات نظر أصحابها ، وتحمل ملامح ثقافته وتخصصه وإتجاهاته ، من الطبرى فى بداية العصر العباسى الثانى الى القرطبى وابن كثير فى العصر المملوكى ، وتنوعت إتجاهاتهم ( التفسيرية ) بعضهم يغلّب فى تفسيره علوم اللغة والنحو ، وبعضهم يثرثر بالروايات وأسباب النزول ، ومعظمهم يرصّع تفسيره بالأحاديث وأقوال الصحابة والتابعين الذين ماتوا دون أن يعلموا شيئا عمّا أسندوه اليهم من أقوال.

4 ــ أضحى القرآن الكريم مجالا للتلاعب السُّنّى ، خصوصا مع ما يسمى بعلوم القرآن التى تطعن فى القرآن وفى تدوينه ، ومزاعم النسخ بمعنى إلغاء الأحكام التشريعية والزعم بتناقضها وإلغاء بعضها البعض . ثم دخل الميدان الصوفية الاتحاديون يحاولون ربط عقائدهم بالقرآن بالتأويل في التفسير والوضع في الحديث ، والصوفية الآخرون كان لهم جهدهم في شرح بعض الآيات بما يخدم غرضهم، ويكفى أنهم أرسوا في الأذهان أنهم اولياء الله المقصودون بقوله تعالى (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) مع ان الولاية والتقوى والإيمان والخشوع كلها صفات عامة مطروحة أمام جميع البشر  وعليهم أن يتحلوا بها لو شاءوا الهداية ، وليس هناك من ولى دائم بسبب الصراع المستمر بين الخير والشر في نفس كل إنسان، تلك النفس التى وصفها سبحانه وتعالى بقوله ( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا  فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا  قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا )الشمس : 7 : 9 ، ولأمثال أولئك يقول تعالى عمن يسبغون ما شاؤا من صفات على أنفسهم (فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اتَّقَى ) النجم : 32 ، ويقول (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنْ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) آل عمران : 188 ، ولو أنصفوا لنظروا في حالهم ــ وقد اتخذوا بدافع من انفسهم هم ــ ودون اختيار من الله ــ اولياء لهم، ثم لم يكتفوا بذلك بل توسلوا بهم واعتقدوا فيهم المنفعة والضرر وأضفوا عليهم التقديس والتأليه ، مع أن الولى بهذا المفهوم لا يكون إلا الله تعالى ، وسبق أن رب العزة ردّ عليهم مقدما ، في قوله تعالى (أَمْ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ المَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) الشورى : 9 ، ويؤنبهم (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) الزمر : 36 ..والتفاصيل فى هذا سبقت فى كتابنا ( السيد البدوى بين الحقيقة والخرافة ) و ( أثر التصوف فى الحياة الدينية فى مصر المملوكية / الجزء الأول الخاص بالعقائد ).

ولقد سبق المستشرقون في بحث جهد الصوفية في التفسير. فيرى نيكلسون (أن القرآن في جملته لا يصلح لأن يتخذ أساسا لأي مذهب صوفي ،ومع ذلك فقد استطاع الصوفية بالتأويل شرح بعض الآيات بما يخدم غرضهم، وادعوا أن كل آية في القرآن تخفى وراءها  معنى باطنا لا يعرفه إلا الأولياء )  [109]

و جولد زيهر يقول أن الصوفية (عبروا عن تفسيرهم بلفظ إشارات للتحايل على العلماء الآخرين في التأويل الصوفي ، ومراعاة لذلك لا يسمون تأويلهم للقرآن تفسيرا ، لأن ذلك يقتضي أن يكون مصحوبا لمعاني القرآن بالشرح والتفسير )، ويجعل من خصائص التفسير الصوفي تحريف النصوص القرآنية لتكون سندا للتصوف ، ويستدل على ذلك بكثرة تفسيرهم للآيات التي تحث على الذكر الكثير ، ويتجاهلون الآيات التي توضح كيفية الذكر في الإسلام لأنها تتعارض مع طريقتهم في الذكر ، وهي قوله تعالى (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنْ الْقَوْلِ) الأعراف 205)[110]) .

وأقول ويتجاهلون  أيضا الآيات التي تنهى عن اتخاذ الدين لهوا بمثل ما يفعلونهم في ذكرهم القائم على الرقص والغناء والموسيقى في بيوت الله كما سبق بيانه بالتفصيل فى الجزء الثانى ( كتاب العبادات)/ ( فصل الذكر ) من كتاب ( الحياة الدينية فى مصر المملوكية ) .

وقد يستنكف البعض من الاستشهاد بكلام المستشرقين (سيىء النية) مع ان الحق ينبغي اتباعه بغض النظر عن شخصية قائله .  ولذلك فإننا سنعيش مع التفسير الصوفي ولن نجد فارقا بينه وبين اقوال المستشرقين عنه.

إتجاهات ( التفسير الصوفى)   :

 ( التفسير) الرمزى :ــ

1 ـ الرمز هو الذي دخلوا به لتفسير القرآن على هواهم تحت اصطلاح الإشارات التي حدثنا عنها جلود زيهر آنفا .ويعترف شيخ الأزهر الأسبق ( الصوفى ) عبدالحليم محمود بهذا ، فيقول : (كان للصوفية في التفسير اسهامات واعترافات يسمونها إشارات) الا انه يرى ان تلك الإشارات ( لا تتعارض مع التفسير المألوف) وهو ما لا نسلم به ــ ويرى في نفس الوقت أنها ــ أي الإشارات ــ ( لا تحل محله ) [111]!!!( عبد الحليم محمود : أبوالعباس المرسى 91 : أعلام العرب 2 / 1967  ).

2 ــ وطبيعي أن يستخدم الصوفية تلك الإشارات فى تسويغ عقائدهم ، بتحريف معانى القرآن الكريم ، وهم بذلك يختلفون عن بقية المفسرين السنيين الذين يقومون ( بتفسير) كل القرآن الكريم . فالصوفية يختارون آيات معينة ، يرونها تتصل وتتشابك مع عقائدهم ، ثم يقومون بتحوير وتحريف معنا بقطعها عن السياق وتغيير مدلولها ، وإعطائها ( تفسيرا ) متفقا مع تصوفهم ، مع تجاهل الايات الأخرى التى تتناقض معهم . ففي قوله جل وعلا : ( اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) يقول ابن عطاء السكندرى : (الناس على قسمين : قوم وصلوا بكرم الله إلى طاعة الله وهو قد اجتباهم (ويقصد بهم الأولياء الصوفية) ، وقوم وصلوا بطاعة الله إلى كرم الله وهؤلاء قد هداهم ) [112]  ( ابن عطاء : لطائف المنن : 110 ) ، ويعني بهم المتقين من المسلمين العاديين . وواضح أنه يفضل الصوفية على غيرهم حتى من اتقياء المسلمين فيجعل الله سبحانه وتعالى يعطى قداسة للصوفية من دون الخلق واوصلهم بكرمه إلى طاعته اما غيرهم من الطائعين لله بدافع من انفسهم فقد هداهم الله ووصلوا بطاعتهم هذه الى كرم الله الذي حصل عليه الصوفية بلا عناء .وهذا يعنى وصفا لله جل وعلا بالتحيّز للصوفية ، وإتهاما له عز وجل بالظلم ، تعالى عن ذلك علوا كبيرا .!

ومن السهل الرد على هذا التفسير لابن عطاء ، وذلك بتوضيح المراد من الآية بأكملها لا مجرد الاجتزاء بنهايتها ،  فالآية الكريمة هى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ)( الشورى 13 )، وهى تتحدث عن وحدة العقيدة والتشريع لدى الرسل، وأن الهدف إقامة الدين وعدم التفرق فيه ، وأن ذلك من شانه ان يثقل على كاهل المشركين حين تتم دعوتهم الى الحق ، والله جل وعلا يجتبى ويختار ويصطفى من يشاء ليكونوا رسلا ، ويهدى الى الحق من يريد من البشر الهدائة ، وينيب ويؤوب ويتوب الى الله جل وعلا. فالرسل هم المقصودون بلفظ (يجتبي) بدليل ان الرسل دائما بالاختيار والاصطفاء ( ص 47 ) ( الحج 75  ) ( الانعام 124 ) ، وهداية البشر هى البداية ، ومن يشاء من البشر أن يهتدى يزده الله جل وعلا هدى ( محمد  17 ) ( مريم 76  )( العنكبوت 69 ).

التأويل الصوفى

1 ــ وبعض ( إشاراتهم ) فى ( التفسير )  استخدمت ( التأويل ) الذى إشتهر به الشيعة والمعتزلة ــ  في التلاعب بالنص القرآني ، حتى لو كان النّص القرآنى واضحا صريحا .  ففى قوله سبحانه وتعالى (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ  أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ)( الشورى 50) نرى أبا العباس المرسي يقول ( "ذكرانا " يعني علوما ، "اناثا " يعني حسنات ، "عقيما " يعني لا علم ولا حسنة) [113].

2 ــوصنف باحث معاصر تأويلات الصوفية في (التفسير) ، فهناك آيات وجد فيها الصوفية منطلقا للتعبير عن معانيهم الباطنية في غير تكلف مثل آية النور وآيات المعراج والنفس والولاية، وقصص القرآن وقد اطلقوه عن القيد الزمنى والمكاني إلى معان خارجة عن حدود الزمان كما في تفسير (إن الله يأمركم ان تذبحوا بقرة) [114]فالبقرة هنا هي النفس ، وفي قصة موسى العصا وهي الدنيا ) [115]..

3 ــ وبعضهم استخدم ( التأويل ) في اخضاع النص القرآني للعقائد الصوفية ، فابن عطاء السكندرى أوّلَ آيات الشرك في نطاق دعوته لترك الأسباب او التواكل ، وجعل معنى آيات الرجعة (إليه تُرجعون) وامثالها على معنى القيام بالاتحاد ، متناسيا تفسيرها القرىنى بأنه جل وعلا ( إليه المصير ). ، وأوّل ابن عربي آيات كثيرة لتتمشّى مع عقيدتهم فى ( وحدة الوجود ) ،  مثل ( ولله المشرق والمغرب) . ( جولد زيهر : مذاهب التفسير .. 248 وما بعدها ) . وجدير بالذكر ان ابن عربي بحث بآية (ان كل شيء خلقناه بقدر) ليستدل بها على نظريته في وحدة الوجود التي تنادي بأن الله ــ تعالى عن ذلك ــ هو عين المخلوقات فجعل ابن عربي لفظ (كل) (وهو في الآية  مفعول به) خبرا للضمير مرفوعا ليصبح المعنى ان الحق تعالى هو كل المخلوقات ) .

4 ــوتلاعب ــ  في العصر المملوكي ـ الشيخ الصوفى محمد الكلائي الشاذلي بقوله سبحانه وتعالى (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) لكى يثبت الشفاعة للأولياء الصوفية ، فيقول متلاعبا بالآية الكريمة (ذل ) أي ذلّ نفسه (ذي) إشارة للنفس (يشف) أي تحصل له شفاعة (ع) أي افهموا ..... ) [116].... أي من ذل نفسه يشفع .

5 ـ ولم يتورع بعضهم عن إضفاء القدسية على تفسيره كالمرسي الذي قال عن سورة التين : ( تفكرت فى معنى هذه الآية فكشف لي عن اللوح المحفوظ فإذا مكتوب فيه لقد خلقنا انسان في احسن تقويم : روحا وعقلا ، ثم رددناه أسفل سافلين : نفسا وهوى ) [117]

(التفسير) بالعلم اللدني  

1 ــ وملامحه تتضح من قول المرسي السابق عن اللوح المحفوظ وسورة التين ....

2 ــ إلا ان إضفاء هذه المسحة على التفسير الصوفي ازدادت بالازدهار المضطرد للتصوف في العصر المملوكي ولوجود كثرة أمية وجاهلة قليلة العلم بين مشاهير الصوفية ، وقد اكتسبوا قداسة وأضيفت لهم الكرامات ومنها العلم اللدنى ،  وكان لهم أن يدلوا بدلوهم في (تفسير) القرآن ، فقالوا فيه ما شاء لهم جهلهم ، ووجدوا مع ذلك من يؤمن يهذا (التفسير) ويتقبله، بل يزداد إيمانه  بتزايد غموض ذلك التفسير وخروجه عن دائرة الفهم.

3 ــ وإذا كان التفسير بالرمز والإشارات والتأويل اتخذ غرضا صوفيا لدي المتقدمين في العصر المملوكي فإن المتأخرين وقد سيطر عليهم الجهل وتمتعوا بقدر أكثر من التقديس فاستخدموا الرمز والايغال فيه سترا للجهل، وانعكس ذلك على التفسير الرمزي بالإشارات فشهد في أواخر العصر نظريات في التخريج على درجة مضحكة نشهدها في مناقب الوفائية في قوله جل وعلا حكاية عن المسيح عليه السلام : ( فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم)، فزعم كاتب ( مناقب الوفائية ) قائلا عن عيسى عليه السلام : ( معلوم انه كان باقيا لو أراد الموتة الحقيقية لقال:" فلما توفانى" ، فالمعني أي فلما ادخلنى في الدائرة الوفائية) [118] ، أى إن عيسى عليه السلام قال لربه جل وعلا ( فلما أدخلتنى فى الدائرة الوفائية ، أى الطؤيقة الوفائية ، وصار من أتباع ( على وفا).!!

4 ـ ويحكي الشعراني عن شيخه الأمى ( الخواص ) قدرته على استخراج (240999) علما من سورة الفاتحة وحدها )..وهذا ما نقله جولد زيهر متعجبا فى كتابه ( مذاهب التفسير الاسلامى : 280 ).

ونقل الشعرانى ( تفسير) شيخه الأمى الخواص لسورة الكوثر ، ونقرأ الأعاجيب، قال : ( اذا الشمس لطفت وباسمه الباطن ظهرت ولم تظهر ولم تبطن، انك لعلى خلق عظيم ، وانقسمت بعد أن توحدت،  ثم تعددت وانعدمت بظهور المعدود. والقمر  إذا تلاها. ثم نزلت بما عنه إنفصلت ، لما به اتصلت واتحدت . والنجم اذا هوى.  ثم تنوعت بالأسماء واتحدت بالمسمى ، وظهرت في اعلى عليين الى اسفل سافلين ، ثم رجعت الى نحو ما تنزلت.  ولولا دفع الله الناس بعضهم بعض لفسدت الأرض.  وبالجبال سكن بيدها وبعدها هو فسادها . ثم تصفت وبعدت فيما وصفت به اتصفت وما اتصفت إلا لما خلقت ، واغرقت فحشرت ، وباعمالها انحشرت. ولوحوشها انتشرت . كل ميسر لما خلق له. كل يعمل على شاكلته ......) إلخ. ويستمر الخواص في هذا (التفسير ) العجيب إلى أن يصل إلى قوله تعالى( واذا السماء كشطت) فيقول : ( لا أطيق التعرض لمعناه . )

ويعلق الشعراني منبهرا : ( وهذا لسان لا اعرف له معنى على مراد قائله. وإنما ذكرته تبركاً )...( الطبقات الكبرى للشعرانى : 2 / 145 : 146  ).

5 ــ وفى ( ميعاد الحنفى ) ــ أو الندوة ( العلمية ) التى كان يعقدها الشيخ الصوفى الأمى شمس الدين الحنفى ـ كان يقول ما يرد على خاطره من تخريف ، بزعم ( التفسير ) ويجد المستمعين يصرخون به وجدا وإعجابا. وفي مناقبه قيل عنه: (ثم تكلم في علوم التفسير بكلام فيه رموز عجيبة واشارات غريبة ، ودقّق في الكلام حتى خرج عن الافهام. ).! وعبارة (حتى خرج عن الأفهام) تتردد كثيرا فى ( مناقب الحنفى ) للتأكيد على مقدرته الفذة في فروع العلم . ولم يرد في كتاب مناقبه شيء من ( تفسيره ) ، إلا أننا يمكن أن نتعرف على مقدرته في التفسير مما جاء في المناقب من شرحه  فى ندوته العلمية لقول الناس (يا فقيه . فق فاقه . يا صريم الناقه . قلت له قوم صلي . قام جرى في الطاقة) يقول كاتب المناقب وقد نقل ذلك عنه الشعراني بنصه (وجعل سيدي يتكلم في هذا المعنى بالأسرار العجيبة والإشارات والرموز والعبارات حتى أذهل العقول وخرج الكلام عن الأفهام وارتفعت الأصوات بالصراخ والصياح وكثر الضجيج ........ الخ .... حتى تعين للحاضرين أن القيامة قامت .......وقد كان من بين الحاضرين قاضي القضاة شهاب الدين العجمي وقضاة المحلة وأعيانها) [119]..وكل ذلك لشرحه معضلة ( يا صريم الناقة ........ قام جري في الطاقة)  .!!

6 ــ وفي طبقات الشرنوبي تفسير إجمالي لسور القرآن منسوب للدسوقي، وهو على أى حال يعبر عن أفكار أصحاب (التفسير) اللدني ، وقد كان الدسوقي من مدعى العلم اللدني ــ وننقل بعض فقراته:  ( لما تـَقـَطّـبـتُ) يقصد عندما أصبح قطبا ــ يقول ( فكيت طلاسم سورة البقرة وآل عمران التي لم يقدر على فكها ميكائيل . وفكيت طلاسم سورة النساء التي لم يقدر على فكها اسرافيل) وهكذا تحدث عن تفسيره لكل سورة في القرآن ويلاحظ أنه في تفسيره المزعوم للسور الكبيرة اكتفى بتفضيل نفسه علما على غيره من الملائكة او الأنبياء والصالحين ، أما في السور الصغيرة فأعطى إشارة ضئيلة لمعرفته بإحدى آياتها وادعى بها معجزة تساويه بالله او بالرسل يقول (فكيت طلاسم سورة النبأ فرفصت برجلي جبل قاف فاهتزت الدنيا من رفصتي فعرفت أن الجبال أوتاد الأرض .... النازعات تعرفت من جاء ينازع في الجحيم ...) وهكذا إلى الفاتحة [120]...( طبقات الشرنوبى : مخطوط 2 : 4 )

ومن هذا النوع من التفسير ذكر المؤرخ ابو المحاسن تفسير للشيخ (على وفا ) وهو شيخ صوفى مشهور مع كونه أميا . ( المنهل الصافى : مخطوط : 4 / 166 ).

وتعرض هذا ( التفسير ) لانتقادات متفرقة من بعض الفقهاء المؤرخين . وفى  تاريخ قاضى شهبة عن الشيخ صلاح الدين الشاذلي أنه كان (يتعرض لتفسير القرآن على طريقة بعض الجهلة فأتى بأشياء منكرة ) [121].. ( تاريخ قاضى شهبة 2 / 152 ). وقال المؤرخ المحدث الفقيه القاضى ابن حجر أن أبا بكر العلوي الشاذلي كان (يفسر القرآن برأيه على عادة شيخه فاضبطوا عليه أشياء ) [122]( إنباء الغمر بأبناء العمر : مخطوط 1023 : 1024 ).ومع ذلك فإن ( التفسير) اللدني أعتبر كرامة للصوفي يعبر عنها أحدهم بقوله (فمن ذلك اليوم فتح على في فهم القرآن  ) وهذا ما ذكره ابن الزيات فى كتابه : (الكواكب السيارة فى ترتيب الزيارة: 263 ) .

وافتخر الشعراني بتسليمه للعارفين في تفسيرهم اللدني وإن خالف جمهور المفسرين (فان تفسير أهل الكشف اعلى من تفسير غيرهم لعدم تغيره في الدنيا والآخرة بخلاف تفسير أهل الفكر والفهم  )  [123]

ويعتبر الشعراني كلام شيحه الخواص يشبه القرآن وجاء ذلك في قوله عنه (ونسمع شيئا من أجوبة الشيخ فيكتبه بلفظ الشيخ خاصة ولا يتصرف في عبارته فإنه لا مرقى في فهم كلامه .. وأنى لأمثالنا ذلك . وأسأل الله ان يحفظ لساني وقلبي من الزيغ عن مراده). ويقول أيضا فى مقجمة كتابه ( درر الغواص ) الذى قصره على أقوال شيخه ( الخواص ) ( فإذا علمت أن الجواب لايدرك إلا ذوقا ذكرت جوابه بلفظه من غير شرح لمعناه ، نظير الحروف فى أوائل سور القرآن ). .

 وقال ( حسن شمه ) نحو ذلك عن كلام شيخه الدسوقى : ( ويحتمل لن تكون سريانية وكل حرف منها يدل على أسماء على نمط فواتح السور ) (مسرة العينين : ـ مخطوط صـــ 15) أي انهم نظروا بالتقديس الى ذلك الهراء الذي يقوله الأشياخ بدعوي العلم اللدني ...

( التفسير ) الصوفى المادي:

 والدافع إليه هو حرمان بعض الصوفية من نعيم الدنيا ومحاولة تعويضه بوصف من الجنة في الآيات القرآنية .

وفي تفسير (ومساكن طيبة في جنات عدن) أنه قصر من لؤلؤة بيضاء في ذلك القصر سبعون دارا من ياقوت حمراء، في كل دار سبعون بيتا من زمرد ، وفي كل بيت سرير يا له من سرير .! ، على كل سرير سبعون فراشا من كل لون ، على كل فرش زوجة من الحور العين . وفي كل بيت سبعون مائدة ،على كل مائدة سبعون لونا من الطعام، وفي كل بيت سبعون وصيفة ، ويعطى المؤمن في كل يوم من القوة ما يأتي على ذلك كله. والرجل من اهل الجنة يتزوج خمسمائة حور وأربعة الآف بكر وثمانية ألآف ثيّب، يعانق كل واحدة منهن مقدار عدد سنين مقدار عمره في الدنيا ....)

وفي تفسير قوله تعالى ( يطاف عليهم بصحاف من ذهب) انه يطاف بسبعين صحفة من ذهب ... وفي تفسير قوله تعالى( (ختامه مسك) انه شراب أبيض مثل الفضة ، ولو أن رجلا في الدنيا ادخل يده فيه ثم اخرجها لم يبقى ذو روح الا وجد ريح طيبها . وفي قوله تعالى : وفرش مرفوعة: ان ما بين الفراشين كما بين السماء والأرض ولو ان إمرأة  من نساء الجنة طلعت على الأرض ملأت ما بينهما ريحا طيبا ..........الخ) ( الكواكب السيارة  263 ، روض الرياحين 259 إلى 260 )

 

 

 

 

 

الصوفية و تزييف ( الحــــديـث ) فى العصر المملوكى

 كتاب : أثر التصوف  المعمارى والثقافى والاجتماعى فى مصر المملوكية

الفصل الثانى  :( أثر التصوف الثقافى فى مصر المملوكية )

 اثر التصوف فى العلوم : فى تزييف الحديث  

الصوفية و تزييف ( الحــــديـث ) فى العصر المملوكى

تزييف الحديث بين ( السنة والتصوف )

1 ــ بدأ أئمة السنّة فى إختراع أحاديث تحمل آراءهم الفقهية وتؤيدها ، بدءا من مالك والشافعى وابن حنبل ، ثم ظهرت أحاديث تتخصّص فى رواية وتسجيل الحديث ( علما قائما بذاته ) وإن كان الترتيب قائما على اساس فقهى كما فعل البخارى ومسلم ، ثم تكاثر إخترع الأحاديث بسيطرة السّنة وفكرها ، مما شجع كل من هبّ ودبّ على أن يقول ما يشاء ثم يخترع له إسنادا بالعنعنة ، ينسبه للرسول عليه السلام ، كما أشار الامام (مسلم ) لذلك فى مقدمة كتابه ( صحيح مسلم ).

2 ــ وكما حدث فى (علم التفسير) لم يقتنع أحد بما كتبه السابقون مما زعموا أنه (وحى ) بالسنة ، فظل كل قادم يصنع أحاديث جديدة ، ويؤلف كتبا فى الحديث ، مما إستدعى التأليف فى أتجاهات جديدة فى (علم الحديث )، فبالاضافة الى كتب الفقه القائمة على الحديث مثل كتاب ( الأم ) للشافعى ، وكتب رواية الحديث مثل صحيح البخارى وصحيح مسلم وبقية كتب ( المسانيد ) المشهورة برزت إتجاهات جديدة :

ــ منها ما يضع مناهج لتنقية الأحاديث ومعرفة الرواة والحكم عليهم ،هل هم ثقة أو غير ثقة ، وهو (علم المصطلح ) الذى حكم بأن كل الرواة الصحابة عدول ثقة معصومون من الخطأ ، هذا مع ان الله جل وعلا وصم ووصف الصحابة المنافقين بالكذب وأنهم إتخذوا أيمانهم جُنّة ووقاية ، وتركز (علم المصطلح ) على نقد الرواة بأحكام غيبية قاطعة ، مع ان الحكم على غيب النفوس وومعرفة السرائر لا يكون إلا للذى يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور . لذا إختلفوا فى تقييم الرواة ، ولم يتفقوا جميعا على ان هذا الراوى ثقة أو أنه ضعيف . وعلى هذا الأساس الهشّ جعلوا للحديث أقساما ساذجة .

ــ ومنها ما يعالج الأحاديث المتعارضة بالتأويل والتبرير ( تأويل مختلف الحديث )

ــ ومنها ما ينصّ على الأحاديث الموضوعة كما فعل ابن الجوزى فى القرن السادس ، ثم ابن تيمية وابن القيم فى القرن الثامن ، ثم السيوطى فى القرن العاشر .

3 ــ دخل العوام أفواجا فى دين وإنخرطوا فيه لأنه يعفيهم من تعلم الحديث وسماعه وتدوينه فى صحاف ، وشجهم الرواد الذين إتخذوا موقفا معارضا للحديث وعلوم السُّنة عموما ، وكان عوام الصوفية حتى القرن السادس  يمسحون ألواح الكتابة المكتوب عليها الأحاديث كراهية فى علم الحديث. ثم جاء عصر شيوع التصوف ودخول الكثرة الكاثرة فيه وعقد الصلح بين التصوف والسنة ـ بظهور ما يعرف بالتصوف السنى بريادة الغزالى الذى حشا كتبه بالأحاديث المفتراة . هذا التطور جعل ( الحديث ) من وسائل الصوفية فى نشر التصوف . ليس فقط بدخولهم ميدان إختراع الأحاديث كما فعل الغزالى فى كتبه ـ والتى عرضنا لها من قبل فى الجزء الأول والثانى من كتاب ( اثر التصوف فى الحياة الدينية فى مصر المملوكية ) ، ولكن أيضا بقيامهم بشرح الأحاديث التى توافق أهواءهم .

4 ــ أى نفس الموقف من ( تفسير القرآن ) جعلوا الحديث في خدمة التصوف باختراع أحاديث أو بإختيار أحاديث معينة قاموا بتفسيرها من خلال الرؤية الصوفية كما في شرح المرسي للحديث ( لو تدرون على ما تكونون عندى من الذكر لصافحتكم الملائكة ...) [124] وشرح الشاذلي حديث ( من شغله ذكري عن مسألتي اعطيته أفضل ما أعطى السائلين) ويعطي الشاذلي انطباعا بان شرحه هذا يوحي إليه من الله او  الرسول ،يقول : ( سمعت الحديث الوارد عن الرسول عليه السلام : انه ليغان في قلبي ــ فأشكل علىّ معناه فرأيت الرسول وهو يقول لي يا مبارك ذاك غين الأنوار لا غين الأغيار) ومصطلح ( الأغيار ) يعنى غير الصوفية ، وهو تعبير ومصطلح جديد نبت بعد القرن الثالث الهجرى ، ولم يكن معروفا من قبل ، ولكن الشاذلى ـ بجرأة شديدة ـ يفترى ان النبى جاءه فى المنام بهذا التفسير الصوفى لحديث تم إختراعه من قبل . ويفسر آخر الحديث المشهور الذى يزعم : ( ينزل ربكم في كل ليلة الى سماء الدنيا .. ) بأن سماء الدنيا هو الرجل العارف ،  [125] ومن الطبيعي ان تحظى الاحاديث التي وضعها الصوفية بالنصيب الأكبر من الشرح والتفسير ، مثل حديث : من عادى لى وليا "  [126]..وسنتوقف معه فيما بعد .

 الصوفية وتزييف الأحاديث...

1 ــ بعد أن أوضحنا رأينا فى موضوع الحديث نبدأ بما قاله بعض من سبقنا من الباحثين ، فيرى الدكتور عبدالحليم محمود ان عوامل الوضع للحديث هى : ان بعض الناس كاذبون بطبيعتهم فكذبوا على الرسول عليه السلام، وبعضهم يسيطر عليه مذهب من المذاهب او نزعة من النزعات فيكذب على الرسول عليه السلام تأييدا لمذهبه وتأكيدا لنزعته وارضاء لهواه، وبعضهم دخل الإسلام ليكيد له، وآخرون استباحوا الكذب على رسول الله والإسلام في سبيل موعظة الآخرين وهدايتهم.  [127] .

وما قاله الشيخ الصوفى عبد الحليم محمود ينطبق على أكثرية الصوفية الذين كانوا يتمتعون بوصف الصلاح ، فقيل في ذلك ( لم نر الصالحين في شيء أكذب منهم في الحديث). ويرى الاستاذ أحمد أمين ـ تأثرا بما قاله الامام (مسلم ) فى مقدمة صحيح مسلم ) أن هؤلاء  الصالحين تساهلوا فى رواية أحاديث في باب الفضائل (تفضيل الأشخاص من صحابة وتابعين بل وصوفية وتفضيل سور القرآن سورة سورة تحت عنوان من قرأ سورة كذا فله كذا ) وكان للشيعة الجهد الأكبر في بداية الوضع في الحديث. [128] وتابعهم كثيرا من المتصوفة حيث نشأ التصوف في أحضان التشيع .

2 ـ ونعود إلى الصوفية ونذكر أن بعض أئمتهم اتهم بالوضع في الحديث مثل ذي النون المصري في القرن الثالث . وقد اعترف المناوى بأسبقيته في التصوف وفي الوضع في الحديث لذا يقال عنه أنه ( اول من تكلم بمصر في ترتيب الأحوال ومقامات الأولياء وكان زاهدا ضعيف الحديث ) [129] وفي الكواكب السيارة حديث موضوع راويه الوحيد هو ذو النون يقول فيه( سمعت جبريل عليه السلام يقول : يا محمد من قال من أُمّتك كل يوم مائة مرة .. الخ) [130] أي أن ذا النون سمع جبريل يخاطب محمدا عليهما السلام .! والأكثر من هذا ما يذكره المؤرخ الصوفى عبد الرحمن السلمى أن ذا النون المصرى انفرد برواية ( حديث قدسي ) يزعم أنه سمعه من رب العزة رأسا ، ويظهر الانتحال في هذا الحديث  واضحا ، فيدعي ان الله يقول (من كان لي مطيعا كنت له وليا فليثق بي وليحكم علىّ ، فوعزتي لو سألني زوال الدنيا لأزلتها له ) [131] . والفجور فى هذا الحديث أنه يجعل الولى الصوفى متحكما فى رب العزة جل وعلا . وعلى أية حال فإن هذا الحديث الفاجر المروى عن ذى النون المصرى متأثر قطعا بالحديث المشهور  الذى وضعه الصوفية الأوائل :"عبدي أطعنى تكن عبدا ربانيا تكون للشىء : كن فيكون " .

وعلى نفس الطريق فى وضع وتزييف الأحاديث سار الشيخ الصوفى عبد الرحمن السلمي في كتابة ( السنن)، وقد جمع فيه روايات ما يسمى ب ( التفسير بالمأثور)  من غير اسناد ، فقال فيه المؤرخ الفقيه الحنبلى ابن الجوزي فى القرن السادس الهجرى : ( وكان السلمي غير ثقة ولم يكن سمع من الأصم شيئا كثيرا ، ) (الأصم) هو أحد شيوخ السنة الذين زعم عبد الرحمن السلمى أنه سمع منه الحديث ، ونتابع ابن الجوزى وهو يقول عن عبد الرحمن السلمى :  ( وكان يضع للصوفية الأحاديث. ). ويقول ابن الجوزى أيضا عن أحد مشاهير الصوفية الأوائل ( أبو طالب المكى ) وكتابه المشهور ( قوت القلوب ) : (  وصنّف أبو طالب المكي "قوت القلوب " ، فذكر فيه الأحاديث الباطلة ومالا يستند على أصل من صلوات الأيام والليالى . ) [132] . وقبيل العصر المملوكي وصف احدهم بانه (كان متسامحا في باب الرواية متساهلا فيه إلى غاية .! ) [133]  

3 ــ وفي العصر المملوكي جعلوه سوقا نافقة للأحاديث الموضوع لدرجة ان الحافظ الذهبي يجعل من "المحدث الصوفي " ( احد النوادر الثلاث ) [134] . وهذا شيء طبيعي في عصر كان العلم مجرد الجمع والنقل ، فكان مقياس الاجتهاد العلمي في الحديث هو جمع أو حفظ أكبر كمية منه ، فقيل مثلا في مجد الدين الطبري أنه اهتم بحديث النبي عليه السلام ( وجمع منه مالم يجمع لأحد ) [135] .

4 ــ والسيوطي أشهر من يعبر عن العصر وتناقضه وعن سطحية وضحالة ( العلم ) فى العصر المملوكى ؛ فهو من ناحية أفرد للأحاديث الموضوع كتابه اللأليء المصنوعة ثم عرض للأحاديث التي وضعها الصوفية ) [136] ، ومن ناحية أخرى يذكر كل ما يحفظه من احاديث يقال انها صحيحه او موضوعة في مؤلفاته الكثيرة ، ومنها رسائله التي خصّص بعضها فى إيراد الأحاديث في حادثة عرضت له او سأله أحد فيها ، وكان يخترع لها أسانيد من عنده بلا حياء أو خجل ، أي أنه استخدم الأحاديث لأغراضه الشخصية، فحين عرضت له ازمة مع قايتباي وضع رساله تنهى عن التردد للملوك،  وانكروا عليه لباس الطيلسان فألف: ( الأحاديث الحسان في فضل الطيلسان) مع أن الطيلسان لباس فارسي لم يعرف إلا بعد العصر الأموي [137] ووضع رسالة أخرى في ذم تولى القضاء ، فى هجوم على أقرانه الفقهاء ممن تولى منصب القضاء ، عدا الرسائل التي كتبها في الفضائل،  ومنها (الروض الأنيق في فضل الصديق)  و( الدرر في فضل عمر ) و( تحفة العجلان في فضل عثمان)  و( القول الجلي فى فضل على ) . وقدم تحية لصديقه الخليفة العباسي في القاهرة في رسالة : ( الأساس في مناقب بني عباس)، وكتب للأشراف رسالة فى ( فضائل اهل النبي) .  وفي كتبه الأخرى تعرض للأحاديث ، ففي (كوكب الروضة ) أورد احاديث في فضل النيل وفضل مصر والنزهة ودفن يوسف  [138] , وزعم فى كتابه ( حًسن المحاضرة ) حديثا يمدح مدينة الجيزة المصرية ، ويورد أحاديث مختلفة فى فضل مصر وفى ذمها أيضا .وفى كتابه ( اخبار الخلفاء ) أورد الأحاديث الموضوعة فى فضل الخلفاء  ، حتى خلفاء بنى العباس.!. بل ( كتب ) السيوطي أحاديث في أغراض تافهه مثل رسائله عن (الاتكاء على الوسادة ) و( أصول التهاني ) و( قلم الاظفار)  و( أخبار العقرب ) و ( قص الشارب)  و( فضل السبحة) و( الطرثوث ) فى  مناقب البرغوث. وفي النهاية أفرغ السيوطي جعبته في (الجامع الكبير) الذي أورد فيه كل ما يعرفه من حديث مشهور وموضوع ، وقد قام شيخ الأزهر الأسبق عبد الحليم محمود بنشر هذا ( الجامع الكبير ) بكل ما فيه من خبل . والسيوطي يفخر بعمله وبحفظه لمائتي ألف حديث، يقول : (ولو  وجدت أكثر لحفظته ، ولعله لا يوجد على وجه الأرض أكثر من ذلك ) [139]. وفي مناقبه التى يذكرها عن نفسه انه حدّث وله عشرون سنة وأملى الحديث بعد ذلك بسنين )[140]، أي انه (تزبب قبل أن يتحصرم)، أى صار زبيبا وهو أخضر ، أى صار (عالما ) بلا إستعداد ،  كما يصفه معاصره وخصمه المحدث الفقيه المؤرخ السخاوي ، الذى يقول أيضا عنه ( لم أزل اعرفه بالهوس) وذكر أكاذيبه وانتحاله لمؤلفات غيره ) [141]. ولقد كتب السيوطى رسالة يهاجم فيها منافسه السخاوى بعنوان ( الكاوى على السخاوى ) . وكان السيوطى والسخاوى معا أشهر (علماء ) الحديث فى أواخر القرن التاسع بعد موت ابن حجر واالعينى اشهر ( علماء الحديث ) فى منتصف القرن التاسع . وقارن بعضهم بين السيوطي والسخاوي في الحديث فرأى السخاوى قد تفرد بمعرفة علل الحديث وتفرد السيوطي بالحفظ  ) [142] . وفى رسائل السيوطى الدليل الأكبر على تفاهته وتفاهة عصره وجرأته على تزييف الحديث ، دون إنكار عليه . ولا يزال حتى الآن ملء السمع والبصر ، بما يجعل القارىء يشعر بالدهشة لما نقوله عنه هنا .

5 ــ وبعيدا عن السيوطي نذكر صوفية وضّاعين أخرين، كالشريف الناسخ الكعبي الموصوف بالضعف بين المحدثين وبأنه (مزور كذاب سمع لنفسه وزور ) [143] .

وقال ابن حجر عن احدهم (كنت قد تتبعت اوهامه في كتابه معجم الزوائد فبلغني أن ذلك شق عليه فتركته رعاية له ) [144]..أى راعى خاطر هذا الوضّاع الكذّاب دون أن يراعى حق الرسول عليه السلام ووجوب تبرئته من الكذب عليه . وقد منعوا الشيخ الصفوري من القراءة لأنه جمع كتابا باسم ( نزهة المجالس) ملأه أحاديث موضوعة ، وقد اعلن توبته ) [145] إلا أن كتابه الان مطبوع ومتداول.

وجمع الشعراني أحاديث موضوعة تصل التصوف بالنبي عليه السلام، [146] واحتال ليضع أحاديث بالمنامات ومنها ان الرسول عليه السلام قال له في مناك بالسرياني (ومن واظب على النوم بعد صلاة الصبح ابتلاه الله تعالى بالجنب ) [147] ، أى كذب الشعرانى على الرسول بالعربى وبالسريانى .!

6 ــ وجمع الصوفية ما وضعوه من احاديث كاذبة بين الناس في كتبهم ومؤسساتهم . يقول الصاغاتي في مقدمة رسالته عن الأحاديث الموضوعة: ( وقد كثرت في زماننا الأحاديث الموضوعة ، يرويها القصاص على المنابر والمجالس ، ويذكرها الفقراء والفقهاء في الخوانق والمدارس ، وتداولوها في المحافل )[148]..

 

 

 

تقديس البخارى فى العصر المملوكى : نقد حديث ( من عادى لى وليا .. )

كتاب : أثر التصوف  المعمارى والثقافى والاجتماعى فى مصر المملوكية

الفصل الثانى  :( أثر التصوف الثقافى فى مصر المملوكية )

 اثر التصوف فى العلوم : فى تزييف الحديث  

تقديس البخارى فى العصر المملوكى

1 ــ كان لميعاد البخاري أهمية قصوى فى العصر المملوكى ، حتى ان الحوليات التاريخية كانت تذكره كل سنة في موعده وحضور السلطان له. ومثلا ، في تاريخ ابن حجر ( إنباء الغمر بأبناء العمر ) والذى أرّخ فيه ابن حجر لسنوات عمره ، يقول :  ( في قراءة البخاري بالقلعة ــ  على العادة ــ حضر الهروي القاضي وقد اختلق  لنفسه اسنادا ليقرأ عليه به صحيح البخاري،  وأرسل إلى القمازى ... فتناوله منه،  وهو من اهل الفنّ ، فعرف فساده ، فاقتضى رأيه ان جامله ) [149] . أى إن قاضى القضاة الهروى إختلق لنفسه إسنادا ، أى شهادة بأنه سمع الحديث وتعلمه من فلان عن فلان ، وأنه روى من فلان عن فلان ، كى يكون أحد الأعلام فى ميعاد البخارى الذى كان يتم عقدة كل عام فى شهر رمضان ، حيث يُتلى ( صحيح البخارى ) بحضور السلطان والأمراء والأعيان . وقدّم الهروى ( مؤهلاته ) الى القمازى أحد (علماء ) الحديث ، ولم يكن القمازى من منافسى الهروى ، فجامله ، واعترف بصحة مؤهلاته . وقيل في سبب عزل الشيخ القرمي عن مشيخة الخانقاة عند بيبرس وعن درس الحديث (لأنه افتضح بين الناس لجهله بالحديث ) 2 ــ وبسبب الجهل بالحديث والوضع فيه ، فلا نثصور وجود (علماء ) فى الحديث بنتقدون البخارى ، خصوصا وان من يتفوق فى (علم ) الحديث كان يتعرض للمحن إذا لم تكن له صلة بالسلطان . وكان هناك من تفوق فى (علم ) الحديث ، فحورب وتعرض للمحن ، ومنهم ابن الصقلى الذي وصف بأنه (تفوق على كثير من مشايخه ، وازدحم عليه أصحاب الحديث) [150] ولذلك (جرت عليه محن شارك فيها الفقهاء والأولياء ) (6)[151] على حد قول الصوفي صاحب تحفة الأحباب . وهذا مفهوم فى عصر التقليد والجهل والجمود .

3 ــ وكان الشيخ "أحمد صارو" ناردة عصره . وقد وصفه المقريزي بأنه ( حسن الاعتقاد كثير الأنكار على المبتدعين، مُحبّا في السنة وأهلها ) [152] .

وذكر ابن حجر عن "صارو " هذا قوله للسلطان  برقوق : ( لا يُلتفت لما فى البخارى ومسلم ، إذ أكثر ما فيهما كذب ). فقال له السلطان برقوق : ( يا شيخ . إنهما كانا فى زمن لو كذب فيه أحد على النبي صلى الله عليه وسلم قتلوه ) [153]...نحن هنا أمام (عالم) جرىء مُنكر للبخارى ومسلم ، يسبق عصرنا الراهن البائس الذى لا يزال يعيش محنة تقديس البخارى ، ولكن هذا ( العالم )  نجا من الاضطهاد بسبب صلته بالسلطان برقوق ، وهذا الدفاع من برقوق عن البخارى ومسلم فيه اتهام واضح لعصره و( علماء ) وصوفية عصره .

4 ـ ولكن صحيح البخارى إكتسب قدسية هائلة فى العصر المملوكى برغم أنف الشيخ أحمد صارو ، ولا تزال هذه القداسة للبخارى وكتابه سارية حتى الآن .

نقد حديث ( من عادى لى وليا .. )

1 ـ بسبب هذا الحديث :  ( من عادى لى وليا .. ) الذى إختلقه البخارى حظى (صحيح البخارى ) بقدسية فى العصر المملوكى ، ليس فقط فى تخصيص ( ميعاد البخارى ) طوال شهر رمضان ، بل أيضا لأنه  صار فى العصر المملوكى محور (علم ) الحديث ، قام بشرحه الفقيه الزركشى (  745 : 794 ) فى ( التنقيح بشرح الجامع الصحيح )، وقاضى القضاة شهاب الدين ابن حجر ( 773 : 852 ) فى ( فتح البارى فى شرح صحيح البخارى  ) وقاضى القضاة بدر الدين العينى ت 855 ، فى ( عمدة القارى  شرح صحيح البخارى ) وشهاب الدين القسطلانى ( 851 : 923 ) فى ( إرشاد السارى فى شرح صحيح البخارى  ).     

2 ـ حديث البخارى : ( من عادى لى وليا فقد آذنته بالحرب ..) يدافع عن الأولياء الصوفية ويُشرّع عقيدتهم فى الاتحاد ، وهى العقيدة المناقضة للاسلام ، كما  سبق شرحه فى الجزء الأول من كتاب ( الحياة الدينية فى مصر المملوكية ) . ونتوقف مع هذا الحديث بالتحليل والنقد ؛ نناقشه من حيث السند وفق منهج ( علم المصطلح ) لدى (علماء ) الحديث ، ثم نناقش متن الحديث وتعارضه مع القرآن الكريم .

  من حيث السند : 

رُوى هذا الحديث على سبع روايات ، كلها ضعيفة .

1 ـ رواية أبى هريرة عن طريق خالد بن مخلد عن سليمان بن بلال عن شريك عن عطاء بن يسار عن ابى هريرة . قال الذهبى فى ( ميزان الاعتدال ) وقد أسنده عن طريق خالد : ( هذا حديث غريب جدا ، ولولا هيبة الجامع الصحيح ( اى صحيح البخارى ) لعددته فى منكرات خالد . ، وذلك لغرابة لفظه . ولأنه مما ينفرد به ( شريك ) وليس بالحافظ . ولم يرد هذا المتن إلا بهذا الاسناد ، ولا أخرجه من عدا البخارى ، ولا أظنه فى مسند أحمد ). أى أن المسوغ الوحيد فى قبول هذا الحديث ــ  طبقا لما قاله الامام الذهبى ــ هو أنه مذكور فى (صحيح البخارى ). والحديث ليس مذكورا يقينا بهذه الرواية فى مسند أحمد ابن حنبل .

2 ـ رواية عائشة ، ولها طرق متعددة ، فيروى عن أحمد فى الزهد ، وابن أبى الدنيا وأبى نعيم فى الحلية ( حلية الولياء ) ، والبيهقى فى الزهد ، والقشيرى فى الرسالة القشيرية عن طريق عبد الواحد بن ميمون عن عروة عن عائشة . وعبد الواحد بن ميمون موصوف بأنه ضعيف فى الرواية ، والرواة الذين زعموا النقل عنه صوفية . وقد رواه الطبرانى عن هارون بن كامل ، ووصف بأنه مجهول .

3 ــ رواية أبى أُمامة ، رواه الطبرانى والبيهقى فى الزهد باسناد عثمان بن أبى عاتكة وعلى بن يزيد ، وهما ضعيفان . وفى رواية على بن أبى طالب ، رواه الاسماعيلى فى سند على باسناد ضعيف .

3 ـ رواية ابن عباس ، رواه الطبرانى باسنادين ضعيفين ،

وفى رواية ( أنس ) رواه الطبرانى والقشيرى فى الرسالة القشيرية ، وهذا السند ضعيف أيضا .

7 ـ وفى رواية معاذ بن أبى جبل ، رواه ابن ماجه وابو نعيم مختصرا باسناد ضعيف . ( راجع تحقيق الحقيقة العلية  الشاذلية 4 هامش 2 ).

وهكذا كانت روايات هذا الحديث تتراوح فى وصفه بين الغريب والمجهول والضعيف ، وقد تفوق الامام الذهبى فى نقده حين اشار الى أن متن الحديث غريب .

على أن الملفت للنظر هو إختلافات متن الحديث  :

1 ــ فهو فى رواية ابى هريرة فى البخارى ( من عادى لى وليا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب الىّ عبدى بشىء أحبّ الىّ مما إفترضته عليه . ولا يزال عبدى ..الخ ) وذكر ابن تيمية صيغة أخرى : ( من عادى لى وليا فقد بارزنى بالمحاربة ) الى أن يقول ( فبى يسمع وبى يبصر وبى يبطش ..) ( رسالة الصوفية لابن تيمية ) . وذكر ابن عطاء السكندرى صيغة أخرى : ( من آذى لى وليا فقد آذنته بالحرب ) ( لطائف المنن 16 ). وفى صحيح البخارى من طريق عائشة زيادة ، هى : ( وفؤاده الذى يعقل به ، ولسانه الذى يتكلم به ). هذا عدا الاختلافات الأخرى فى رواياته السبع فى كتب الحديث الأخرى .

 2 ـ فقرات متن الحديث تتناقض مع بعضها . ففى هذا الحديث : ( وما تقرب الى عبدى بشىء أحب الى مما إفترضته عليه ) ومعناه ان الله لا يحب من عبده أكثر من أدائه الفرائض ، ولا عبرة بغيرها لأن كلمة ( أحبّ ) أفعل تفضيل . ثم يتناقض هذا مع الفقرة التالية : ( ولا يزال عبدى يتقرب الىّ بالنوافل حتى أحبه ) .

وابتدأ الحديث بقول ( من عادى لى وليا فقد آذنته بالحرب ) ومعنى ذلك أن هذا الولى ضعيف مقهور الى درجة ان الله فى زعمهم من يعاديه أو يؤذيه باعلان الحرب. ويتنافى ذلك مع صف الولى الضعيف بأن له يدا يبطش بها ، فالضعيف لا يد له يبطش بها ، فكيف يبطش المقهور الضعيف  ؟ بل كيف تكون يد هذا الولى الضعيف المقهور متحدة بالله جل وعلا ويبطش بها ويحتاج الأمر الى أن يستعدى الله جل وعلا على من يؤذيه ؟ وهل يستطيع بشر أن يؤذيه ؟ ومن يستطيع إيذاءه حينئذ ؟ .!

ثم هناك نوع من عدم الترابط والانسجام بين الفقرة الأولى والثانية . فالآولى تتحدث عن الحرب والعداء ، والثانية تتحدث عن العبادات والقُربات .

3 ـ يتعارض الحديث جملة وتفصيلا مع القرآن الكريم ، تؤكد أن الله جل وعلا يبادر بإعلان الحرب على من يتجرأ على مجرد عداء الولى أو إيذائه . وهذه الصيغة الرهيبة لم ترد فى القرآن الكريم . فالله جل وعلا قال فى موضع مماثل ــ مع فارق ــ بلهجة هادئة ( من كان .. البقرة 98 ) مفارقة كبيرة يُحسّها القارىء لللآية الكريمة ولبداية ذلك الحديث . ففى الآية نرى أن الله سبحانه وتعالى يكتفى بردّ العداء بمثله على من يبدأ بالعداء لله جل وعلا وملائكته ورسله، واستمر على هذا العداء . أما الصوفية فقد جعلوا الله جل وعلا فى هذا الحديث يبادر بالاعلان بالحرب على من عادى وليا ، وفى ذلك تفضيل للولى الصوفى على الله جل وعلا ورسله وملائكته . هذا لو وُجد أولياء لله جل وعلا دائمون ، وقد سبق أن ولى الله جل وعلا هى صفات عامة مطروحة للبشر جميعا وهى الايمان والتقوى ، وتتعرض للزيادة والنقصان تبعا للظروف التى يتقلب فيها كل فرد . أى لا يوجد على الأرض ( ولى ) حىُّ يسعى . وعند الاحتضار سيعرف كل فرد هل هو من اولياء الله أو من أولياء الشيطان ــ طبقا لعمله وإيمانه . أما هذا الولى الصوفى فينطبق عليه تماما حديث رب العزة عن المشركين وإتخاذهم ( أولياء ) من البشر، يقدسونهم ويقدمون لهم القرابين والنذور ، وهو بالضبط ما كان الصوفية يفعلون فى العصر المملوكى ، ولا يزالون .

4 ـ والملفت للنظر تلك الصيغة الصوفية العقيدية التى لم ترد بالتفصيل لدى مشركى الجاهلية العربية الذين أتخذوا الأولياء أربابا يعبدونهم لتقربهم الى الله جل وعلا ولفى . ونقصد تلك الصيغة الاتحادة الصوفية التى يؤمن بها الصوفية ، فى عقائدهم من الحلول والاتحاد . وقدجاءت صريحة فى هذا الحديث الذى يقول ( كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصر به ، ويده التى يبطش بها ورجله التى يمشى عليها ) . هذا كفر شنيع نستنكره ، ونتعجب من قائليه وواضعيه والمؤمنين به .

5 ــ وبدلا من استنكار هذه الصياغة الكافرة فى الحديث نجد محاولات التبرير . والسيوطى الذى عهدناه يجمع وينتحل بلا تفكير ، نراه يخرج عن مألوف عادته وعقليته ، ويفرد فصلا كاملا من كتابه ( تأييد الحقيقة العلية ) لتبرير عبارات الكفر فى هذا الحديث . والشوكانى ــ وهو من تلاميذ ابن تيمية فى العصر العثمانى ــ أرهق نفسه فى تبرير وتاويل عبارات الكفر الصوفية فى هذا الحديث ، وفى كتاب خاص لذلك هو ( قطر الولى فى حديث الولى ) ( راجع صفحات 410 : 428 . تحقيق د ابراهيم هلال ) . هى عبارات صريحة فى كفرها شنيعة فى سبّ رب العزة ، ولكن لأنه حديث كتبه البخارى فإن حق البخارى أعظم عندهم من حق الله جل وعلا . والانحياز للبخارى والتصديق بما جاء به فريضة عندهم ، وعلى أساسها يدافعون عن البخارى ضد رب العزة جل وعلا .

6 ــ جدير بالذكر أن الصوفية فى العصر المملوكى إبتهجوا بهذا الحديث ، ونسجوا على منواله أكاذيب أخرى ، فيروون ان ابا الحجاج الأقصرى روى بزعمه حديثا نبويا يقول : ( من آذى وليا من أولياء الله تعالى فكأنما هدم الكعبة سبعين مرة ) . وقد استعظم بعضهم هذا الحديث فردّ عليه الفقيه ابن دقيق العيد بقياسه على حديث الولى فى البخارى ، وأن محاربة الله لمن يعادى الولى هى أشدُّ من هدم الكعبة . ( النويرى الاسكندرى : الاعلام . مخطوط : 1 : 3 ) . وليس هناك أشنع من حديث الولى فى البخارى إلا قول أبى العباس المرسى يُشبّه رب العزة باللبؤة  ـ دفاعا عن الولى الصوفى ، يقول لعنه الله : ( مثل ولىُّ الله مع الله كمثل اللبؤة مع ولدها . أتراها تاركة ولدها لمن يؤذيه ) .  وهذا القول الكافر الشنيع رددته كتب الصوفية : رواه ابن عطاء عن قائله شيخه ابى العباس المرسى فى كتاب ( لطائف المنن ) الذى يتحدث فيه عن مناقب المرسى والشاذلى ، وذكره الشعرانى فى الطبقات الكبرى : 2 / 12 ، وعبد الصمد الأحمدى فى مناقب السيد احمد البدوى : (الجواهر 66 ).

7 ــ أخيرا : وقد حقق حديث ( من عادى لى وليا ) اغراضا هامة للمتصوفة أرهبوا به المنكرين عليهم وأظهروا به عقيدتهم فى الاتحاد بالله ورفعوا من شأن الولى وقدسوه كجزء من الله ــ تعالى عن ذلك علوا كبيرا ــ لذا أدخل مجد الدين الفيروزبادي في شرحه لصحيح البخاري كثيرا من كلام ابن عربي في الفتوحات [154] .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

طائفة من ( الأحاديث) الصوفية فى العصر المملوكي

كتاب : أثر التصوف  المعمارى والثقافى والاجتماعى فى مصر المملوكية

الفصل الثانى  :( أثر التصوف الثقافى فى مصر المملوكية )

 اثر التصوف فى العلوم : فى تزييف الحديث 

 طائفة من ( الأحاديث) الصوفية فى العصر المملوكي  :

الصوفية يضعون ( يفترون ) الأحاديث

1 ـ وقد صنف أبو شامة كتاب ( الباعث..) ذكر فيه الأحاديث النبوية الموضوعة في صلاة ليلة النصف من شعبان وقال عن الوضّاعين ( حمّلوا عباد الله بالأحاديث فوق طاقتهم )[155]  وهناك فقيه مجهول كتب رسالة فى الأحاديث الموضوعة فى العصر المملوكى ـ لا تزال محطوطة لم يتم نشرها بعد ـ وقد كتبها بدون أن يكتب إسمهه عليها ، والسبب معروف ، وهو خوف الاضطهاد . وقد قال فى رسالته أن هناك أحاديث وضعوها في فضائل شهر رجب وليلة الرغائب [156] ، وأورد الأبشيهي فى كتابه ( المستظرف  ..) احاديث في فضل سور القرآن  [157] ، وعدها المؤلف المجهول لرسالة الأحاديث الموضوعة ضمن الأحاديث الموضوعات  [158]. ويذكر أن صوفيا كان يروي حديثا في قراءة سورة يس صيغته طويلة مهلهلة مختلفة عن الصيغ الأخرى [159] ، مما يدل على أنه وُضع في وقته . ومع ذلك قيل في أحدهم انه كان (يداوم على قراءة سورة يس في كل حال ويسند فيها حديثا موضوعا )[160] ...

2 ـ ووضع الصوفية احاديث نبوية في فضل الصوفية مثل صلة ابن أشيم الذي يدخل الجنة بشفاعته كذا وكذا ) [161] واويس القرني الذي يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر ،) [162]. وهذه الشفاعات ميزة للصوفية حرموا منها الصحابة انفسهم حتى في الموضوع من الحديث.

3 ــ ومن خلال كتاب السيوطي (اللأليء المصنوعة فى الأحاديث الموضوعة ) نجد اغلبها في المناقب ثم الزهد والمواعظ والذكر والدعاء ،وتلك موضوعات التصوف . وأغلب الاحاديث الضعيفة في الجامع الكبير للسيوطي  ـــ وهو سجل للأحاديث المتداولة في العصر المملوكي ــ ترتب الثواب الجزيل على الأعمال السهلة ولاسيما الذكر باللسان . ويوجد فى (الجامع الكبير) للسيوطى حوالى مائة ألف حديث، منهما تسعون ألفا من الأحاديث الموضوعة فى العصر المملوكى فقط .

4 ــ وبعض الأحاديث النبوية السائدة فى العصر المملوكى تصرخ بأن واضعيها صوفية ،  حيث وضعت في أمور تعبر عنهم كأفضلية السراج والقناديل في المسجد [163] ، وحديث (من خرج من بيته قاصدا الحج ومات قبل ان يخرج فان الله جل يوكل ملكا ينوب عنه بالحج في كل عام الى يوم القيامة ) [164] ، ومثله في وضوح وضع الانتحال حديث رواه فخر الدين الفارسي أحد أصحاب المنامات يقول فيها بإسناده( من ادعى مناما ليضحك الناس ويل له ويله ويل له )[165]  وأظنه انتحل هذا ليبعد الشبهة عن نفسه كأشهر الناس في ادعاء المنامات فى عصره.

5 ــ ونمثل بأحاديث وضعها الصوفية تعبر عنهم ونشروها فى العصر المملوكى :ـــ

العزلة:  روى اليحمودي شيخ التصوف بسنده هو (يأتي على الناس زمان لو سمعت باسم رجل خير لك من ان تلقاه ، ولو لقيته خير لك من أن تجربه، ولو جربته لابغضته وبصقت عليه ) [166]

العلم اللدني : إفتروا هذا الحديث ونشروه وشهروه ، وهو :( من اخلص لله أربعين صباحا فجر الله ينابيع الحكمة من قبله على لسانه ) [167]

الزهد (حب الدنيا رأس كل خطيئة الدنيا جيفة وطالبيها كلاب) (الدنيا قنطرة فاعتبروا ولا تعمروها) ( ومن تكلم بكلام الدنيا في المساجد أحبط الله اعماله أربعين سنة) (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر) (الفقر فخرى وبه افتخر) (صاحب القميصين لا يجد حلاوة الايمان) ( خير الناس بعد المائتين ـ أي بعد ظهور التصوف ــ الخفيف الذي لا أهل له ولا ولد ) [168]

واحاديث الصلاة على النبي والحقيقة المحمدية كثيرة .ومنها (من صلى علىّ مرة لم يبقى من ذنوبه ذرة)( من شم الورد الأحمر ولم يصلّ علىّ فقد جفاني) (الورد الأحمر من عرق النبي) (أنا أكرم على الله من أن يتركني في التراب الف عام )  ، (لولاك لولاك ما خلقت الأفلاك ) [169] .

وأقيمت لهم الولائم قبل وفى العصر المملوكى فصنعوا لها أحاديث مثل : ( الوضوء قبل الطعام ينفى الفقر ويصحح البصر) (الأرز منى وأنا من الأرز) (خلقت الأرز من بقية نفس ) ( لو كان الأرز حيوانا لكان آدميا ولو كان رجلا لكان صالحا ولو كان صالحا لكان نبيا ولو كان نبيا لكان مرسلا ولو كان مرسلا لكان إماما) (من أكل الأرز أربعين يوما ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه )  ( عليكم بالعدس فإنه مبارك، فقد بارك فيه سبعون نبيا في اخرهم عيسى ابن مريم) ، (لا تقطعوا الخبز واللحم بالسكين كما تقطع الأعاجم ولكن انهشوه نهشا)

ومنها الأحاديث الموضوعة في تفضيل البطيخ والباذنجان والكرفس والثوم والبصل وقولهم (الباذنجان لا آكل له ) (ولقد سئل عبد الله ابن مبارك عن من قدّس العدس من الأنبياء قال ولا نصف نبي )

وفى تنفيرهم من الاعتراض إخترعوا حديث(من عيّر اخاه بذنب لم يمت حتى يُصاب به ).

الحشيش ) [170] (ان في بلاد الهند أوراق مثل آذان الخيل فكلوا منها فإن فيها منفعة) واقاويل أخرى تروي في أكل الحشيش لم يثبت منها شيء  [171]

الزعم بعلم الغيب أو الكشف: ( اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله )

ومارس بعضهم التسول فقالوا حديث : (الحياء يمنع الرزق ).

وأظهر التصوف العقائد الفرعونية ، ومنها تقديس القطة ، فصاغوا حديث (حب الهرة من الإيمان).

وعن الشذوذ ، صاغوا حديث : (اطلبوا الخير عند حسان الوجوه)  [172]

ونشروا الاعتقاد فى جدوى التفاؤل والتشاؤم، فانتشرت أحاديث تعبر عن هذا مثل :  (من بشرني بخروج صفر بشرته بدخول الجنة)  [173]، (البلاء موكل بالمنطق).

السياحة الصوفية : (سافروا تصحوا) .

ولم ينس الأشياخ خدامهم فوضعوا لهم الأحاديث (خادم الفقراء يحشر مع الأولياء).

 ومن الموضوع قولهم بمسخ ستة عشر حيوانا كالقرود والدب والعقرب والضبع والسلحفاة والخنزير وغير ذلك . وهذا المسخ او التشكل بين الحيوانات والجان والآلهة القديمة عقيدة فرعونية وضعت فيها الأحاديث، ونشر الصوفية هذا ضمن كراماتهم التى أسموها بالتطور .وقد ذكر بعضها في ( آكام الجان ) [174]   و( حياة الحيوان )[175] .

الفقهاء الحنابلة يرفضون الأحاديث الصوفية المشهورة فى العصر المملوكى

1 ـ ابن قيم الجوزيه:

 صنف (المنار المنيف في الصحيح والضعيف) وضع فيه قواعد يعرف بها الحديث الموضوع من وجهة نظره ، منها : مناقضة الحديث للسنة الصريحة مناقضة بينة كاشتماله على فساد او ظلم او مدح باطل او ذم حق ، ومنها كل حديث ذكر فيه حسان الوجوه او الثناء عليهم او الأمر بالنظر إليهم او ان النار لا تمسهم.الخ ...

ومنها اشتماله على مجازفات مثل من فعل كذا أعطى في الجنة كذا وكذا ، ومنها تكذيب الحس مثل الباذنجان منه شفاء لكل داء وحديث اذا عطس الرجل فهو دليل صدقه ، ومنها سماجة الحديث وكونه ما يسخر منه مثل (لو كان الأرز رجلا لكان حليما.و لو يعلم الناس ما في الحلبة لاشتروها بوزنها ذهبا  ، بئست البقلة الجرجير ، وفضل الكرات على  سائر البقول كفضل البر على الحبوب ،و ان للقلب فرحة عند أكل اللحم، وربيع امتى العنب والبطيخ ، ومن اتخذ ديكا ابيض لم يغوه شيطان ولا سحر.. ومنها الأحاديث في مقدار الدنيا ، والأحاديث التي يذكر فيها الفقر ، وكل الأحاديث فى حياة الخضر كلها كذب ولا يصح في حياته حديث واحد . ومنها مخالفة الحديث صريح القرآن كمقدار الدنيا وأنها كذا فلا يعلم الساعة إلا الله ، والحديث الذي يروي في صخرة بيت المقدس وأنها عرش الله الأدنى ، ومنها صلوات الأيام والليالي كصلاة يوم الأحد وليلة الأحد يوم الاثنين ويوم الاثنين ليلة الثلاثاء وليالي الأسبوع،  كل احاديثها كذب، كمثل من صلى ليلة الأحد أربع ركعات يقرأ في كل ركعة كذا ... وكذلك في الرغائب ليلة اول الجمعة من رجب كلها كذب ، وقد وضع ابن جهضم  [176] حديثا يقول فيه (رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر امتي ) وكل حديث في ذكر شهر رجب وصومه وفضائل الأعمال فيه موضوع قال ابن حجر في كتابه( تبيين العجب بما ورد في فضل رجب) ، ومنها احاديث صلاة النصف من شعبان، وحديث يمدح العدس والأرز والباقلاء والباذنجان والرمان والزبيب والهندياء والكرات والجزر والجبن والهريسة والبطيخ والأزهار ،ومنها احاديث اللحوم كالنهي عن قطع اللحوم بالسكين وانه من صنع الاعاجم  ،والنهى عن الأكل من السوق ، ومنها أحاديث الابدال والاقطاب والاغنياث والنقياء والنجياء والاوتاد (طبقات الصوفية) وكلها باطلة ، وأحاديث المهدى المنتظر ) [177] .

ابن تيمية

وابن قيم الجوزيه يتابع استاذه ابن تيمية الذى كان أكثر جرأة من تلميذه في تحليله للأحاديث ، ويتضح ذلك فى كتابه ( أحاديث القُصّاص) الذي أورد فيه احاديث موضوعة في خدمة التصوف ، وبعضها مشهور ومتداول حتى في عصرنا هذا.ومنها : ( ما وسعنى سمائي وأرضي بل وسعني قلب عبدي المؤمن) يقول ابن تيمية فيه (هذا مذكور في اسرائيليات وليس له سند معروف .. والا فمن قال ان ذات الله تحل في قلوب الناس فهو اكفر من النصارى الذي خصوا ذلك بالمسيح وحده) يشير بذلك الى الصوفية .( كنت كنزا لا يعرف فاحببت أن اعرف فخلقت  خلقا فعرفتهم بي فبي عرفوني) يقول فيه ليس هذا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم و يعرف له اسناد صحيح ولا ضعيف) والحديث يعبّر عن الأولياء الصوفيين العارفين .(الدنيا خطوة مؤمن) يقول فيه (هذا لا يعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن سلف الأمة ولا خلفها ولا أئمتها) وطى الأرض بخطوة واحدة من أشهر كرامات الصوفية في زعمهم. (اتخذوا مع الفقراء ايادي فان لهم دولة )وقد ذكر ابن قيم الجوزية هذا الحديث في المكذوبات صـــ 140 تحت صيغة (اتخذوا مع الفقراء ايادي فان لهم في غد دولة وأي دولة)،والفقر والفقراء من صفات المتصوفة .(الفقر فخرى وبه افتخر) يقول عنه ابن تيمية وعن سابقه : كلاهما كذب لا يعرف له لأي من كتب للمسلمين المعروفة . حديث: ( إن أبا محذورة انشد بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم :

قد لسعت جمرة الهوى كبدى       فلا طيب لها ولا راقي ... الى اخرها

وتواجد النبي صلى الله عليه وسلم ووقعت البردة من كتفه فتقاسمها فقراء الصفة وجعلوها رقعا في ثيابهم . يقول ابن تيمية : هذا كذب باتفاق اهل الحديث لكن قد رواه بعضهم لكنه من الأحاديث الموضوعة) .ويتضح فى الحديث الجو الصوفي من الانشاد والوجد والحب الإلهي  والتبرك بالمرقعات على نحو ما كان في العصر المملوكي ..( ان عمر ابن الخطاب قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا تكلم مع ابي بكر كنت بينهما كالزنجي الذي لا يفهم) هذا كذب ظاهر لم ينقله احد من أهل العلم بالحديث ولا يرويه إلا رجل جاهل او ملحد ) . ومن وجهة النظر الصوفية يعني الحديث أن الرسول عليه السلام يحدث ابي بكر حديث العارفين الذي لا يعرفه الأغيار كعمر مثلا . ( ان الله (تعالى عن ذلك) يعتذر الى الفقراء (الصوفية) ويقول : وعزتى وجلالي ما زويت الدنيا عنكم لهوانكم علىّ ولكن اردت ان ارفع قدركم في هذا اليوم . انطلقوا الى الموقف فمن احسن لكم بكسرة او سقاكم شربة من ماء أو كساكم خرقة انطلقوا به الى الجنة) يقول ابن تيمية (هذا الثاني كذب لم يروه احد من أهل العلم بالحديث فهو باطل مخالف الكتاب والسنة والاجماع ). وهو حديث يسند الى ان الصوفية يشفعون في الاخرة وهذا باطل. ( من زارني وزار أبي إبراهيم في عام واحد دخل الجنة) هذا حديث كذب موضوع ولم يروه أحد من اهل العلم بالحديث )   (فقراؤكم حسناكم) يقول ابن تيمية : هذا ليس مأثورا ولكن معناه صحيح (الشيخ في قومة كالنبي في أُمّته) يقول فيه (ليس من كلام النبي حتى في أصله ) . وحديث (كنت نبيا وأدم بين الماء والطين وكنت نبيا وآدم لا ماء ولا طين) ويقول (هذا اللفظ كذب باطل) .وهذا الحديث يعبر عن المذهب الصوفي فى الحقيقة المحمدية . ( من اخلص لله عز وجل أربعين يوما تفجرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه) يقول ( رواه يوسف الصفار وهو ضعيف لا يجوز الاجتماع بحديثه) وهو يعبر عن العلم اللدني الصوفي . ( من اكل مع مغفور له غفر له) يقول (هذا ليس له اسناد عند اهل العلم ولا هو في سنن ..المسلمين وليس معناه صحيحا على الاطلاق فقد يأكل المسلم مع الكفار والمنافقين....)  وهذا الحديث خلقته حاجةالصوفية للمآدب والولائم.. وقد ذكره ابن القيم الجوزيه في كتابه السابق صـــ 14  (من اشبع جوعة أو ستر عورة ضمنت له على الله الجنة) يقول (هذا اللفظ لا يعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم )،(اللهم احييني مسكيناوامتنى مسكينا واحشرني في زمرة المساكين) يقول فيه : يروى لكنه ضعيف لا يثبت .... ) وذلك حديث مشهور حتى وقتنا مع انه تعارض مع القرآن الكريم الذي يصف اليهود المعتدين بالذلة والمسكنة(البقرة 61) ويصف المؤمنين بالعزة ( المنافقون :8)   (حسنات الأبرار سيئات المقربين) يقول ( هذا من كلام الناس ليس من كلام الرسول عليه السلام  ) [178] وأقول لا يمكن للحسنة ان تكون سيئة، والأبرار والمقربون ليسوا طوائف دينية ، والإسلام لا يعرف التمايز بين الناس الا في الايمان والعمل الصالح ولا يعلم هذا إلا من يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور . ويتضح التشابه بين كتاب ( حديث القثصّاص ) لابن تيمية وكتاب ( المنار المنيف ) لتلميذه ابن القيم . إلا إن ابن القيم حافظ على هدوئه أغلب الوقت فى نقده لتلك الأحاديث وواضعيها من الصوفية ، ولكنه كان أحيانا يهيج غضبا كشيخه ، فحين عرض في كتابه (المنار المنيف) لحديث( حضر رسول الله مجلسا للفقراء ورقص حتى شق قميصه )  فقال : ( فلعن الله واضعه ما أجرأه على الكذب... السمج ) [179] ، وقال في حديث( لو احسن احدكم ظنه بحجر لنفعه) : ( وهو من وضع المشركين عباد الأصنام ) [180]...

(الوضع في التاريخ )

هذا موضوع يستحق بحثا مكتملا ، يخرج عن موضوعنا . وبسرعة نقول أن التاريخ عرف الكذب مع بدايته . كما أن الأحاديث السنية والصوفية والشيعية المخالفة للقرآن الكريم تعتبر تزييفا في التاريخ النبوي . على أن المناقب او سير الصوفية كانت المثل الحي على تزييف التاريخ .

وعن التصوف بالذات فإن كتب المناقب والكرامات أكبر مثل على التزييف فى تاريخ الأولياء ، وإن كانت صادقة فى التعبير عن عقائد عصرها وقائليها . وقيل في ترجمة نور  الدين الشطنوفي ت 713 انه (جمع أخبار مناقب عبد القادر الجيلي في نحو ثلاث مجلدات وكتب فيها عمن اقبل وأدبر فراج عليه حكايات كثيرة مكذوبة ) [181] واسهمت كتب المزارات بدورها في تزييف التاريخ حين ذكرت عنه الكثير من المشاهد المزورة  لصحابة وتابعين لم يأتوا لمصر  [182] . ومن المؤسف ان كتب التاريخ قد نقلت بعض مفتريات كتب المناقب : كأسطورة ابن اللبان الذي اعترض على البدوي فسلبه العلم والقرآن ، وقد نقل ابن العماد الحنبلي تلك الأسطورة عن الجواهر السنية مع ان ابن اللبان كان صوفيا ملحدا من أصحاب الدعوات المتطرفة ولم يكن فقيها  [183]

ومن الطبيعي أن يكون المؤرخ متأخرا عن زمن مؤلف المناقب فينقل المؤرح عنه معتقدا صحة ما كتب مؤلف المناقب .ويختلف الحال بالنسبة للمؤرخ المعاصر للولي صاحب المناقب فبينما يتحدث المؤرخ عن ذلك الولى باعتدال يتطرف مؤلف المناقب في تقديس شيخه ، وعلى سبيل المثال اعتدال العيني وأبو المحاسن وابن حجر في وصف علاقة الحنفي بالسلطان الظاهر ططر  [184] وبالغ المتصوفة في سبك روايات تؤكد خضوع ططر للحنفي ) [185] وما سبق مجرد امثلة تفتح شهية من أراد التعمق فى هذا البحث .

 

 

 

 

 

 

 

أثر التصوف فى الحركة التعليمية : التعليم ومؤسسات الصوفية

كتاب : أثر التصوف  المعمارى والثقافى والاجتماعى فى مصر المملوكية

الفصل الثانى  :( أثر التصوف الثقافى فى مصر المملوكية )

مدخل عن أثر التصوف فى الحركة التعليمية :

قاد الصوفية الحركة التعليمية في العصر المملوكي ، وكانت المؤسسات الصوفية مسرح الحركة التعليمية، وقد أقامها المماليك أو الصوفية انفسهم ، مع اجتذاب المؤسسات الصوفية لمشاهير العلماء من غير الصوفية. وهذا ولا شك جهد إيجابي، الا  ان هذا الجهد للأسف ــ لم يجن الثمار المأمولة منه ، وذلك راجع لأن التصوف نفسه هو السبب في تدهور الحياة العلمية. لذا فإن النشاط التعليمي مع اتساعه وسيطرة التقليد ثم الجمود بدأ فى الانحدار شيئا فشيئا . فالتعليم لا يمكن ان يتقدم الا بقيادة حركة علمية متطورة وأساتذة باحثين ، وإلا تحكم في قيادته انصاف المتعلمين ، ولا عبرة حينئذ بالكثرة التي لا تغني . 

(1)  التعليم ومؤسسات الصوفية..

وهي الخوانق والربط والزوايا والترب والقباب والمشاهد والجوامع ، بالإضافة الى المدارس التي أضحت مؤسسات صوفية بانتشار التصوف.

المدارس والتصوف

1 ــ بدأ التصوف والصوفية يزحفون للسيطرة على المدارس التي كان وجودها سابقا للعصر المملوكي ، وظل بعضها يمارس نشاطه التعليمي بلا تصوف فيها وقد ذكر المقريزي كثيرا من هذه المدارس وأغلبها في القرن الثامن  [186].

2ــ ثم بدأ دور الصوفية يتقرر في المدارس بالتدريج وبانتشار التصوف ، وتجلي ذلك فيما عرف في العصر ب(الحضور) ودعاء الصوفية الحاضرين  في المدرسة للواقف ، مع وجود طلبة اخرين غير صوفية يتعلمون بالمدرسة . وكانت المدرسة (الاقبغاوية)  اول مدرسة ورد فيها ذكر متصوفة [187] ، وتم تعيينهم فيها أو (قُرّروا) بها ، ويقال حينئذ عن المدرسة ومن فيها من الصوفية والطلبة : ( رُتّب فيها درس للحنفية ) أى للطلبة الفقهاء من المذهب الحنفى ( وصوفية يحضرون عصر كل يوم .) ، (ورتب فيها حضور  [188]  في كل يوم للصوفية بالإضافة إلى دروس للمذاهب الأربعة).  وقد تنشأ زاوية للصوفية تجاه المدرسة ، ثم يصبح الصوفية هم الطلبة في المدراس ويصبح شيخهم هو الشيخ للمدرسة فتتخذ المدرسة بذلك الصبغة الدينية ، فيقال: ( انشأ مدرسة وبها خطبة وصوفية ) [189]..

3 ـ ثم حدث الخلط بين الخانقاة والمدرسة فقيل عن الخاناقاه الجاولية والمهمنارية وخانقاه جمال الاستادار ومدارس برسباي انها مدراس [190] وكان يقال على ذلك :( ان سنجق من عبد الله التركي أوقف مدرسة ورباطا )[191]  بل وقف بعض الصوفية (مدرسة )[192]

4 ــ وإنقلب الحال ، فكانت المدرسة تنشأ داخل الخانقاه الصوفية ، ويعني بها مكان تلقى العلم فأنشأ الأمير سودون مدرسة بخانقاه سرياقوس وجعل بها  خطبة  [193] . وحكى عن صوفي من خانقاه سعيد السعداء (انه سرق قمحا من حاصل المدرسة، فقام الصوفية عليه) [194] ، أى كانت هناك مدرسة داخل تلك الخانقاة الصوفية المشهورة ، وأن أحد الصوفية سرق قمحا من مخزن تلك المدرسة الملحقة بالخانقاة ، وقال ابن الصيرفي عنهم (ان لهم مباشرة بالمدرسة بالخانقاه المذكورة)[195] ، وهنا ترادف بين المدرسة والخانقاة .

5 ــ وفي عصر المماليك البرجية وجدت المؤسسات الصوفية المكتملة او المدرسة الخانقاه كالظاهرسة وبرقوق والغورية ) [196] . وفي هذا العصر كان الصوفية هم الطلبة والمدرسون والناس جميعا...

6 ــ وما لبث الخلط أن وقع بين المدرسة والزاوية حين أقيمت المدارس في القرافة وبني بها ضريح ويسكنها شيخ .  يقول السخاوى عن مدرسة زين العابدين الدهوطي : بها قبر الشيخ العارف بالله (ودفن بزاويته ) [197]...

7 ــ وحدث خلط آخرين بين المدرسة والجامع ، فقيل عن جامع المؤيد شيخ : ( ذكر نزول السلطان مدرسته.. نزل السلطان الى جامعه الذي بناه بحذاء باب زويلة ) [198] وقيل عن جامع السلطان حسن (هذا الجامع يعرف بمدرسة السلطان حسن ) [199] .

ونتعرض سريعا للتعليم في المؤسسات الصوفية الأصلية ...

التعليم في الخوانق:ـــ

1 ــ ظهرت بعض الخوانق في أوائل القرن الثامن وأضيفت اليها وظيفة التدريس بجانب وظيفتها الأصلية ) [200] وكان ذلك مبررا للخلط بينهما وبين المدرسة . واشتهرت خانقاه جمال الدين الاستادار بالتدريس حتى يقال (أن الأصح أن يقال فيها مدرسة ) [201] وقد قسم الصوفية بها الى المجردين ( المتفرغين ) للعبادة وغير مجردين ، ورتب الطلبة من المجردين ودرسوا الفقه على المذاهب الأربعة كمادة أساسية الى جانب التفسير والحديث والعربية اختيارية  . وكان الاهتمام في تلك الخانقاه بالفقه الشافعي ، وعينت وثيقة الوقف مكان جلوس الشيخ في كل مادة، فشيخ الفقه الشافعي مثلا يجلس في الايوان فيما بين طلوع الشمس على الظهر. وبينت الوثيقة طريق التعليم : ( فهو حل المشكلات وكشف الغامض وتسهيل العسير والإرشاد ) بالنسبة للفقه الشافعي ، وبالنسبة للحديث (يقرأ الطالب ما تيسر من الأحاديث ويفيدهم الشيخ .. ) بل شارك فيها الراغبون من خارج الخانقاة ،  فعن الحديث تقول وثيقة الوقف : ( على ان الشيخ المذكور يتصدر في كل سنة الاستماع للطلبة ومن تيسر حضوره من المسلمين كتب الصحاح السند) وعن القراءات (ويفهمهم القرآن ومن تيسر حضوره من المسلمين من اهل  المذكور ومن غيرهم تجويدا او تجهيرا وتلقينا  ) [202] ولقد كان الفقه على المذاهب الأربعة مع الحديث والتجويد أهم المواد التي درست في الخوانق .

التعليم في الجوامع :ـــ

صار الجامع مؤسسة صوفية في العصر المملوكي ، فكان الصوفية يقررون في الجوامع بعد انشائها . وقد بنى السلطان الناصر محمد بن قلاوون الجامع الجديد (ورتب فيه صوفية يحضرون بعد العصر كما في الخوانق ، وهو من احسن الجوامع ) [203] وقيل عن جامع شيخون (جعل فيه خطبة وعشرين صوفيا  ) [204]

 ونشاط الصوفية والجوامع على نوعين :

1 ـ وظيفة التصوف . وهى حضور الصوفية في مواعيد معينة في الجامع : في الصباح أو بعد العصر ، وتُفرق عليهم أجزاء القرآن الكريم فيقرأ الشيخ ما تيسر وتقرأ الصوفية ويختمون القراءة مع الشيخ ثم يدعون للواقف  ) [205] وتُذكر وظيفة  التصوف في المؤسسات الصوفية الأخرى  [206].

2ــ التعليم : أو ترتيب الدروس في الجوامع ) [207] فقد قرر الشيخ الديري في مشيخة الصوفية وتدريس الحنفية في جامع المؤيد شيخ  [208] . بل ان بعض الصوفية اقام الجوامع مثل ابن المنزلاوي..  [209]  الذي انتمى إليه في جامعة الفقراء والمريدون والطلبة  [210] . ورتبت دروس الفقه على المذاهب الأربعة في الجامع المالكي الذي جدده بيبرس الجاشنكير ت 704 والجامع الأشرفي برسباي الذي قدر المعاليم ( المرتبات ) للطلبة على ان يحضروا وظيفة التصوف ) [211] وفي الجامع الحاكمي رتب إلى جانب الفقه دروس الحديث والقراءات والنحو والقاء العلوم وميعادا للعامة وفقيهين لتعليم الايتام ) [212]

وفي حجة أو وثيقة وقف المؤيد شيخ على جامعه أعدّ مكان الدرس: ( واما الأواوين المشار إليها أعلاه فانه وقفها وجعلها معدة لإقامة الصلوات الخمسة فيها ولجلوس المدرسين وطلبتهم والصوفية فيها على العادة ) وكان مدرس الحنفية من بين الصوفية والطلبة من الصوفية : ( فيرتب من أرباب الوظائف بالجامع المذكور الآتي ذكرهم رجلا من اهل الصلاح والعلم حنفي المذهب عالما بمذهب الامام ابي حنيفة النعمان ، ويكون شيخا للصوفية ، ويكون له قدم عالى في شروط الصوفية ، ويكون حسن الهيئة حسن الاعتقاد حافظا لنقول الفقهاء واختلاف المذاهب ونصوص الامام ابي حنيفة ، عارفا بحل كتب الحنفية) (ويسهل عسيرها...) ( ويكون الرجل المذكور الموصوف بما ذكر والقائم بتدريس الحنيفية بالجامع الكبير .... ويحضر وظيفة التصوف بعد الصلاة للعصر... على العادة في الخوانق والجوامع بالديار المصرية ... ويحضر معه جماعة الصوفية .... وطلبة العلم وغيرهم المرتبون  بالجامع المذكور وظيفة التصوف ) [213] وقد واردنا ما سبق للتدليل على أن نشاط الصوفية في الجوامع سار في اتجاهي التصوف والتدريس معا...

التعليم للصوفية في الجامع الأزهر :ـــ

1 ــ قام صلاح الدين الأيوبى بتعطيل الجامع الأزهر ( الشيعى ) وأقام  خانقاة سعيد السعداء الصوفية السنية لتنشر التصوف السنى بدلا من التشيع ، واستمر الأزهر معطلا طيلة العصر الأيوبى ، ثم عاد للعمل فى العصر المملوكى لينشر التصوف السنى الدين الواقعى للدولة المملوكية . بلغت عدة الفقراء الصوفية فى الأزهر  سنة 818 سبعمائة وخمسون ، بين عجم وزيالعة ( من الصومال ) ومن اهل ريف مصر ومغاربة ، ولكل طائفة رواق يعرف بهم، يقول المقريزى  ( ولا يزال الجامع عامرا بتلاوة القرآن ودراسته والاشتغال بأنواع العلوم والفقه والحديث والتفسير والنحو ومجالس الوعظ وحلق الذكر. وصار أرباب الأموال يقصدون الفقراء في الأزهر بأنواع البر . وقد امر الأمير سودون القاضي بإخراجهم من الجامع وإخراج ما كان لهم من خزائن وكراسي و مصاحف ) [214]  .

2 ــ ومع ذلك استمر المماليك في اكرام المجاورين بالأزهر ، فكان الغوري ينفق فيهم في شهر رمضان الدنانير والعسل والقمح ) [215] وأوقف بشيك على الفقراء في الأزهر أراضي بالوجه البحري والقبلي . وأوقف اخر مكتبة على الفقراء في الأزهر . ورتب الأمير قرماس صوفية بالجامع (يحضرون كل يوم مع الشيخ ، بالجامع داخل المقصورة بعد صلاة العصر) [216] .

3 ــ ومن الطبيعي ان يتميز المجاورون في الأزهر بين صوفية فقراء مجردين متفرغين للعبادة وطلبة صوفية ، يقول ابن الصيرفي عن الشيخ المجذوب صالح الأزهرى (المشهور بالأزهري لكثرة إقامته بجامع الأزهر ومخالطة اهله من الفقراء والطلبة ) [217] .

4 ــ وكان بعض الصوفية معلمين في الأزهر، فالدميرى اشتغل بالعلم وانقطع بالجامع الأزهر وكان يقرىء الناس تبرعا ) [218] وكان فخر الدين البلبيسي امام الجامع الازهر ومعلما صوفيا ) [219] ودرّس زروق الفاسى في الأزهر، وكان يحضر درسه زهاء ستة آلاف نفس من القاهرة ومصر وأجوارها ) [220] وقد سمع المقريزي ميعاد الشاب التائب بالجامع الأزهر )[221]

 الزوايا

 وجدت زوايا التعليم في الجوامع القديمة مثل الخشابية والمجدية والصاجية والكمالية والتاجية والعلانية في الجامع العتيق ) [222] وقد درس ابن المرحل بزاوية بجامع عمرو ) [223] وكان للخاذندار وقف بالجامع الازهر  وزاوية لمن يشتغل بمذهب الشافعي ) [224] ..

وفي الزوايا الصوفية وجد القراء ومؤدبو الأطفال وخزائن كتب لأن الزوايا كانت معاهد للعلم النافع في هذا العصر ) [225] ويقول السبكي : ( على شيخ الزاوية ان يسمع ما يقرأونه عليه ) ) [226] واتخذ إبراهيم الأبناسي الصوفى له زاوية في المقس، وجمع فيها الطلبة على التفقه وسعى لهم في الرزق ) [227] ونفس الحال في زاوية ابي عبد الله الكتاني ) [228] وافتخر الشعراني بمواصلة الذكر وقراءة القرآن والحديث والفقه والتصوف في زاويته ) [229]..

الرباط :ــ

قرر السلطان الأشرف شعبان في رباط الأثار درسا للفقهاء الشافعية بمدرس وعدة من الطلبة ،  وأوقف عليها . وكان الفقهاء يحضرون في الرباط العلائي يوما في الأسبوع ) [230] وقد تولى مشيخة الناصري ابن الشربيني وهو احد المشتغلين بالعلم ) [231] وفي رباط ابن نصر  الفقيه درس ابن عيسى القوصى ) [232]..

التعليم في المشاهد والترب والقباب ( الأضرحة ):ــ

1 ـ وكان هناك درس علم في مشهد الحسين تولاه بعض المشهورين من العلماء مثل ابن حمويه ) [233] والعلامة شمس الدين الأصبهاني الذي تخرج به خلق كثير  ) [234] وشرف الدين الأرموي ) [235] .

2 ــ وقد أثار التعليم في القرافة اهتمام ابن بطوطة الرحالة ، فقال :( ومنهم من بنى الزاوية والمدرسة في جانب التربة ) ( رحلة ابن بطوطة : 1 / 21 ) . وقرر برسباي مدرسا وخطيباً بتربته التي انشاها بالصحراء ) [236] وفي وثيقة برسباي عن الترب (يصرف لأربعة نفر من الحنفية المشتغلين بالعلم المشهورين بالخير ...على أن يحضروا صحبة الدرس المذكورين كل يوم بالمدرسة ، ليلقي عليهم المدرس المذكور من العلوم الشريفة من السنن او الحديث الشريف او الفقه او النحو او مجموع ذلك . على أن يسكن المدرس بالمسكن المقرر له وتسكن الطلبة بالتربة ...بحيث لا ينقطع أحد منهم إلا لمرض يعرض له أو ضرورة شرعية ) [237] ..

3 ــ وسارت الحركة التعليمية في القباب أو الأضرحة . ففي القبة الركنية بيبرس درس الحديث بمدرس وعدة من المحدثين  ) [238] وتخرج فيها الشهاب الحجازي على الكمال الدميرى ) [239] وأقام الناصر محمد (القبة الناصرية) وجلس بها شيخ الحديث عند افتتاحها سنة 703 ) [240] وتابع مشايخ القبة بعده.  ولقد رتب الناصر القرّاء وشيخ الحديث للاشتغال به ولإسماعه ) [241]

 وأعد المنصور قلاوون القبة المنصورية ورتب فيها درس حديث بمدرس وعددا من الطلبة وقارئا يقرأ الحديث ، ويأتي المدرس في أوقات الدروس، ويقرأ ميعادا للعوام بين يديه في صبيحة كل يوم أربعاء، ورتب درسا بمدرس وطلبة [242] . وممن تولى درس التفسير في القبة المنصورية النمراوي وابن لاجين الرشيدي وابن المنفلوطى ) [243] والعلم العراقى الفقيه ) [244]  وسراج الدين القرمي )[245]ومن مدرسى الحديث ابن الكتاني والعسجدي) [246] ....

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  شيوخ الصوفية والتعليم المملوكى

كتاب : أثر التصوف  المعمارى والثقافى والاجتماعى فى مصر المملوكية

الفصل الثانى  :( أثر التصوف الثقافى فى مصر المملوكية )

شيوخ الصوفية والتعليم المملوكى

1ــ التدريس في المؤسسات الصوفية كمنصب :

1ــ وقد تولى تلك الحركة العلمية ( الدينية ) مشاهير الفقهاء ، فابن حجر درس الحديثبالشيخونية الجمالية والبيبرسية ودرس الفقه بالمؤيدية والشيخونة الصلاحية مع منصب قاضي القضاة. ولم يكن اكمل الدين البابوتي متصوفا ومع ذلك بنى له شيخونة خانقاه وقرره فباشرها أحسن  مباشرة [247] ، وكان لقاضي القضاة ابن بنت الأعز سبعة عشر منصبا منها مشيخة الشيوخ وتدريس الصلاحية ، ومشهد الحسين  [248] , وجمع غيره من القضاة بين أكثر من منصب ، مثل ابن جماعه وابن العماد المقدسي [249]  والغاياتى والسراج  [250] والبلقيني .

وتقلب غيرهم في وظائف التدريس كابن الحسن القونوي ولم يكن صوفيا  [251]  والافقهسي [252] والسراج القرمي  [253]   وابن ثابت الاندلسي الذي (ارتفع شانه فأضيفت له تداريس ومشايخ وأنظار وغيرها   [254]   . واشتهر الكثير من مشايخ الخانقاه بالعلم حسب المؤرخين لهم ، مثل بدر الدين الزركشي شيخ خاقناه كريم الدين بالقرافة وابن الصوفي  [255]   وابن الكتاني  [256]   والاصبهاني ، وغيرهم  [257]  ...

وكانت تجري بينهم حركة تنقلات، ففي حوادث سنة 798 (استقر الشيخ زادة الجزيرلى شيخا بخانقاه الشيخوينة عوضا عن القاضي الكلستاني كاتب السر الشريف، واخلع على القاضي بدر الدين الكلستاني كاتب السر أيضا واستقر مدرسا بالمدرسة الصرغتمشية عوضا عن القاضي جمال الدين القيصري بحكم ان الصرغتمشية  كانت أولا مع القاضي الكلستاني كاتب السر فلما استقر شيخ الشيخونية اخذ القاضي القيصري مشيخة الصرغتشية، فلما تولى الشيخ زادة مشيخة الشيخونية استقر الكلستاني مشيخته بالصرغتشية في عادته ) [258]...

وفي حوادث 829 (خلع على القاضي العينتابي باستقراره قضى قاضي قضاة الحنفية عوضا عن الزين ..الذي استقر في مشيخة صوفية خانقاه شيخون بعد موت قاريء الهداية) [259] ....

وتولى عيسى بن الخضر بعدأبيه في الوزارة ، ثم عُزل ، وتولى نظر الاحباس وخانقاه سعيد السعداء ثم درس بمدرسة زين الدين النجار مدة  [260].. واستدعى علاء الدين القونوي شيخ خانقاه سعيد السعداء وتولى منصب قضاء القضاة بدمشق، وعين بدله مجد الدين الاقصراني شيخ خانقاه سرياقوس في مشيخة سعيد السعداء، على ان يستنيب عنه جمال الدين الحديزاني ، واستقر في مشيخة الخانقاه الركنية الشيخ الخوارزمي عوضا عن مجد الدين الزنكلوني ونقل الزنكلوني الى مشيخة الحديث بالقبة البيبرسية [261] .. وهكذا تنقل الصوفية بين مناصب السياسة والقضاء ومشيخة الخوانق والتداريس.

ومن الطبيعي ان يتأثر التعيين والعزل بالسياسة ورضى السلطان ودسائس الصوفية. فلما  تغير الناصر محمد بن قلاوون على ابن جماعة لأنه أيد عدوه المظفر بيبرس الجاشنكير ـــ عزله من مشيخة سعيد السعداء [262] .. وغضب على ابن حجر فأخذ (في مقاهرته حتى اخرج عنه نظر شيخونية ومشيختها ) [263] . ودرس الشيخ زادة العجمي في الشيخونية مدة طويلة حتى سعى عليه قاضي ابن العديم فعزل واستقر مكانه بجاهه  [264] وغلب ابن الكركي على السلطان قايتباي فزادت مناصبه ، ثم تغير عليه قايتباي فجرده منها .....) [265]

الـمــيـــعــــــــــاد :

1ــ وهو يشبه بالندوة العلمية في عصرنا الراهن .يقول السبكي (قاريء الكرسي يجلس على الكرسي يقرأ على العامة شيئا من الرقائق والحديث والتفسير. وجلوسه في الجامع او في مدرسة او خانقاة، ولا يقرأ من كتاب ) [266]..

2ــ وعقدت المواعيد الصوفية في المؤسسات الصوفية حيث كانت احدى وسائل الصوفية في جذب الاتباع اليهم، وقد صار إسماعيل الامبابي يعمل ميعادا بعد موت والده ــ في كل ليلة اثنى عشر وتوجه اليه الناس في المواكب للفرجة ) [267] وكانت رواية ابي السعادات في أيامه ( يعجز الوصف عن جميع محاسنها ..... وكان يوم سبت العادة يروج بها أوقات عظيمة لا يتأخر عنه كبيرة ولا صغيرة ولا مقريء ولا واعظ .....)[268] وكان القضاة والعلماء والفقهاء والصوفية وأرباب الدولة يحضرون ميعادا في زوايا أخرى [269] . وعملت للسلاطين مواعيد في المؤسسات الصوفية ) [270] وأقيمت المواعيد في المساجد ) [271] واقيمت مواعيد فى الخوانق حيث أبيح للمترددين سماع الدروس . وفي وثيقة مغلطاي الجمالى (فيقرأ القاريء المذكور بحضرة الشيخ ومن عساه يحضر من المسلمين ما تيسر له قراءته من كتب تفسير القرآن الكريم ومن كتب الحديث النبوي المشهورة المعتمدة ومن كتب الرقايق والأذكار ) [272]....اى القرى، وكتب السنة وكتب التصوف فى الوعظ.

3ــ وللحصول على الشهرة أقام كثير من الصوفية المواعيد ، فالشاب التائب (صحب الفقراء وتصوف فعمل الميعاد وتكلم في التفسير ، وأقبل عليه الناس، وزاد اعتقادهم فيه ) [273] واجتمع الناس على ميعاد الصوفي إبراهيم الجعبرى  ) [274] وعقد الحنفي ميعاده كل ثلاثاء ثم جعله يوم الأحد،  وتميزت مواعيده بتواجد الناس وصراخهم وضجيجهم، كما يحكى في مناقب الحنفي  )[275] ويبتديء ميعاده بمجلس الذكر . وحدد ميعاد للنساء على أيام الظاهر خشقدم ) [276] . وغلب الوعظ والتفكير والتذكير وعمل المواعيد  على الشيخ الصوفي أبن العباس القدسي،  وله باع واسع في الحفظ للأحاديث والتفسير وكرامات الصالحين ) [277] وحضر ميعاد ابن السكندري )[278] الكثيرون . وكذا احمد وفا حين جلس مكان أخيه )[279]..

يعقد ميعاد صحيح البخاري ــ كالعادة في القلعة أمام السلطان وبحضور القضاة الأربعة والأعيان من العلماء وكان يبدأ به في رجب ويختم في رمضان ) [280]...

وعقد آخرون مواعيد غير صوفية قصدوا بها الشهرة العلمية ) [281] وذلك أن الميعاد كان فرصة للقاء بين الجماهير والعالم ) [282] وانتهز بعضهم الفرصة وعقد ميعادا في الجهاد ليبالغ في أجور المجاهدون )[283] ...

الصوفية   معلمون :ـــ

وصف الكثير من الصوفية بأنهم خير المعلمين . بعضهم (تخرج به أكثر علماء المصريين ) [284]، وأخر (سمع منه خلق من المصريين ) [285]وكانت الناس تأتى لآخر لتقرأ عليه ) [286] ووصف الكثيرون بانتفاع الطلبة بهم ) [287] أو انتفع جماعة من العلماء والعلماء والفقهاء ) [288] . وأقبلت الخلائق على السمهودي طائفة أثر طائفة فكان لا يجد وقتا يأكل فيه خاليا ) [289] وكان بهاء الدين النحاس اذا ضجر من الاشتغال عن الطلبة مشى بهم بين القصرين وألقى لهم الدروس ) [290] وقد صار اكثر الطلبة من تلاميذه )[291] واشتهر البلالي فرحل إليه الطلبة من الآفاق . واشغل الكرماني القاهريين من الأعيان ، وانتفع بالمولجي خلق كثيرون ، ودرس البيجوري احتسابا،  وانتفع الكثيرون في قوص  بالاصفوني ، واشتغل الخلق على المهلبي ، طبقة بعد طبقة . ولازم الزنكلوني الاشتغال ليلا ونهارا ، ومزج الدروس بالوعظ وحاكات الصالحين )[292] ..

المؤلفات العلمية التى تعلمها الطلبة :ـــ

يمثل القرن التاسع عشر ازدهار التصوف في العصر المملوكي، وفيه تمت سيطرته على شئون التعليم ومقرراته . لذا يمكن معرفة العلوم التي درست للطلبة من خلال ما كتبه السخاوي الذي ترجم لأعلام القرن في سفره الضخم (الضوء اللامع)، ونختار من بين آلاف التراجم ترجمة لأحدهم ، وهو أبو المجد الطلخاوي، يقول فيه ( نشأ بطلخا فقرأ القرآن ومختصر أبي شجاع ، وتلقن الذكر من يوسف الزهري أحد أصحاب الغمري الكبير ، ثم قدم القاهرة وأقام بالأزهر ، فجوّد القرآن ، وحفظ المنهاج ، وألفية النحو والفقه الفرائض لابن الهائم واللمحة للعفيف في الطب. وغالب جمع الجوامع والفقه والحديث والتلخيص ، وأخذ الفرائض والحساب والميقات والهندسة والجبر والمقابلة وحل الشمس .. عن الشهاب السجيني وراجع ابن الجيعان في شيء من الفرائض والحساب والبيئة مع الرياضيات .... وأخذ الحرف عن ناصر الدين بن قرقماس والرمل عن التحريري والفقه عن العبادي والوردي)، وكان من تلامذة المخلوى في الحديث) وعن هذه العلاقة أورد السخاوي تفصيل حياته العلمية .( الضوء اللامع 3 / 115 ).

.ونبدأ هذا النص يمكن ان نخرج بالنتائج الآتية :ـــ

(1)انه تلقى تعليمه الأولى في بلدله مقترنا بالتصوف حيث( تلقى الذكر عن يوسف الأزهري أحد أصحاب الغمرى الكبير) وإلا أدل على أهمية ذلك بالنسبة لموضوعنا هو ان تعليمه الأولى عمل على جانب التصوف شيئين هامين هما قراءة القرآن ودرس مختصر ابي شجاع في الفقه ) [293]..

(2) ان أثر التصوف لازمه في القاهرة بعد نشأته في بلدته، فهو يحفظ العلوم مع اختلافها من فقه وحديث وطب ونحو ، ثم هو بعد ذلك يدرس على الحرف وعلم الرمل ولا يجد تعارضا بين ذلك وبين دراسته للفقه. وقد ضمت هذه العلوم المتون مع الشرح المستفيض ومراجع دراسته مع جمع الجوامع والفروع المختلفة للعلم الواحد ...

(3)وفي القاهرة والأزهر تدرج علميا فأصبحت قراءة القرآن تجويدا ، واتسعت دراسته للفقه من بعد مختصر ابي شجاع الى دراسة الفرائض وكتب الفقه المختلفة على أساتذة مختلفين مع علوم أخرى.

(4) ان الدراسة في القاهرة شملت علوما كثيرة لم يدرس بعضها في القرن الرابع من الهجرة، ثم تعارضها مع بعضها بحيث يتعذر الجمع بينها كالفقه مع علمى الحرف والرمل. ولا يمكن التبحر في تلك العلوم كلها من نحو وطب وحديث وحساب وهيئة وهندسة ومقابلة . والواضح ان العلوم سارت على مبدأ الأخذ من كل علم بطرف .  وربما اتخذت دراسة الفروع الكثيرة من الرياضة (كالحساب والهيئة والهندسة والجبر والمقابلة) لخدمة العلوم الأخرى التي اشاعها الصوفية في العصر كالحرف والرمل ، بل ان دراسة فروع الرياضة كانت متقدمة على اخذه لعلم الحرف (عن ناصر الدين بن قرقماس عن التحريري) كما يقول السخاوى .

 والشعراني كصوفي متعلم ، بدأ يحفظ كتب الفقه والعلوم ، ثم طالع باختياره في كتب الشريعة ، فحفظ أولا المتون كأبي شجاع والأجرومية والمنهاج وألفية ابن مالك وتوضيح ابن هشان وجمع الجوامع) ثم الفيه العراقي، ثم تلخيص المنهاج ثم الشاطبية ثم قواعد ابن هشام.  ثم ارتفعت الهمة على حد قوله ــ الى حفظ كتاب الروض من مختصر الروضة ..... وعدد من المنن مطالعته في كتب الشريعة ) [294]..

وذكر السبكي كتب التصوف التي كانت تدرس في المواعيد مثل )احياء علوم الدين ورياض الصالحين والأذكار للنووى وصلاح المؤمن في الأوعية لابن الامام وشفاء الاسقام في زيارة خير الانام للسبكي وكتب ابن الجوزي في الوعظ ) [295] .

وعلى هذا النظام تخرج الأساتذة في العصر المملوكي ثم العصر العثماني بعده الا أن عوامل أخرى عجلت بانهيار التعليم في العصر المملوكي ....

اثر التصوف فى انحدار التعليم :ـــ  

بإنحدار المستوى العلمى إنحدر  مستوى التعليم بنفس القدر . وعجلت أسباب بانهياره ، منها بيع الوظائف فابن خلدون تنازل عن درس الحديث في الصرغتشية لعبد الرحمن التفهني نظير مال ) [296] وابن المحرة درس بخانقاه شيخون بمال ) [297] واستشرت المحسوبية في التعيين بالوظائف ، وبرز الصوفية اعتمادا على صلاتهم بالسلاطين والأمراء، فالحافظ علاء الدين مغلطاي لازم الجلال زيني فتكلم مع السلطان فولاه تدريس الحديث بالظاهرية  ) [298] وكان حاجى فقيه شيخ مشايخ الظاهرية (عريا عن العلم الا ان له اتصالا بالترك كدأب غيره ) [299] وتولى الهوريني مشيخة الخانقاه القوصونية حين تزوج قرابة الشيخ شمس الاصبهاني ) [300] ودرس ناصر الدين بن الدرديري (ففخم أمره بمصاهرته ، ووجد أبوه بذلك سبيلا الى تقديمه للتدريس مع صغر سنه وخلو وجهه عن الشعر جملة ) [301] .

وأصبح الابن يرث التدريس عن ابيه فنزل السراج البلقيني عند عبد الرحمن عن عدة وظائف وهي تدريس الخشابية والميعاد بالظاهرية )[302] وهذا شبيه بتوريث الولاية الصوفية ، وبعد موت قاريء الهداية اعطى السلطان برسباي تداريسه معها لابنه الصغير (واستنابوا عن ذلك في الوظائف فانه كان صغيرا جدا ) [303] ، أى جعلوا آخرين ينوبون عن هذا الطفل الى أن يكبر . ويذكر ان قاريء الهداية تمتع في حياته بالثراء من كثرة وظائفه ) [304] .

ولقد اثار بيع التداريس ثائرة بعض السلاطين ، يقول المقريزي في حوادث سنة 835 (نودى بألا ينزل احد من الفقهاء عن وظيفته أو أى شىء من الأوقاف وهدد من ينزل منهم عن وظيفة . فامتنعوا عن النزول ثم عادوا كما كانوا ، ينزل هذا عن وظيفة من الطلب في الدروس او التصوف في الخوانق أو القراءة أو المباشرة بالمال في الخوانق غير أهلها ويحرمها مستحقوها ، فان الوظائف المذكورة صارت بأيدي من هي بيده  بمنزلة الأموال المملوكة ، فيبيعها اذا شاء ويسمى بيعها نزولا عنها ويرثها من بعده  صغار . وسرى ذلك حتى في التداريس الجليلة والأفكار المعتبرة وفي ولاية القضاء والاعمال، يليه الصغير بعد موت أبيه ، ويستناب عنه ، كما يستناب في تدريس الفقه والحديث في نظر الجوامع ومشيخة التصوف..) ويعلق المقريزى فى حسرة قائلا : ( فيانفس جدّى إن دهرك هازل .!! ) [305].

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اثر التصوف فى المكتبات  المملوكية

كتاب : أثر التصوف  المعمارى والثقافى والاجتماعى فى مصر المملوكية

الفصل الثانى  :( أثر التصوف الثقافى فى مصر المملوكية )

اثر التصوف فى المكتبات المملوكية  

مدخل :

 التصوف لم يخترع المكتبات ، والصوفية لم يكونوا متخصصين فى الكتب ، نسخا ونشرا وحفظا ( وكانت تسمى مهنة الوراقة ) . ولكن التصوف أضحى الدين الواقعى الفعلى السائد ، وبه نطقت المؤسسات التعليمية و ( العلمية ) والعاملون فيها ، والأنشطة الملحقة بها ، من فصول الدراسة الى الندوات ( الميعاد والمواعيد ) وحتى فى الحديث العادى وشتى المناحى الثقافية ، وطبيعى أن ينعكس هذا على المكتبات ، سواء فى إنتشارها فى مؤسسات التصوف أو فى قواعد التعامل فى إستعارة الكتب .

 ليس للتصوف دخل فى إختراع شىء من هذا ، ولكن لكى ندخل تلك المكتبات لا بد أن ندخل المؤسسة الصوفية وأن نرى العاملين فيها من الصوفية والمستعيرين من الصوفية . شئنا هذا أم أبينا . ولهذا نقول ( أثر التصوف فى المكتبات ) لأنه العنوان للحياة الثقافية للعصر المملوكى .

المكتبات فى مصر المملوكية فى المؤسسات الصوفية

1 ـ  أُقيمت المكتبات ضمن المؤسسات الصوفية كضرورة علمية للطلبة فيها ، يقول المقريزي عن القبة المنصورية (وبهذه القبة وهي جليلة كان فيها عدة أحمال من الكتب في أنواع العلوم مما وقفه المنصور وغيره ) [306] .

2 ـ واحتوت المكتبة على( الختمات الشريفة) أى المصاحف التى كان يتم ختمها أى تلاوتها حتى الختام ( والربعات المنسوبات بالخط ) أى تقسيم المصحف الى اربعة أجزاء لتسهيل الحفظ ، وكانت مكتوبة بالخط العثمانى الذى لا يزال مستعملا حتى الآن ، ( وكتب التفسير والحديث والفقه واللغة والطب والأدبيات والدواوين .

3 ـ وكان في رباط الآثار( مكتبة عامرة بالرباط )  [307]  ، ومكتبة في زاوية إبراهيم القس مكتبة (أوقف بها كتبا جليلة ، ورتّب فيها درسا وطلبة وحبس عليها رزقه ) [308] ،أى مورد يرتزق منه العاملون فى الرباط والمكتبة. وهناك مكتبة في الخانقاه البكتمرية ، وأيضا فى الخانقاه البرقوقية التي عمرها السلطان فرج بن برقوق ، وهو أيضا الذى أقام الجامع الأبيض بالقلعة ، وجعل به مكتبة . وقد جاء في وثيقة وقفة على هذا الجامع فيما يخصُّ المكتبة : ( وبالجانب الشرقي باب يُدخل منه الى بيت ومنافع وحقوق ، وهو مُعدُّ لوضع المصاحف والريعات الشريفة وكتب العلم )[309] .وفي جامع قايتباي (وقف خزانة الكتب التي بالسدلة  ) [310] . وفي وثيقة مغلطاي الجمالى: ( وأما الخزائن الكتبية التي بأيوانها الكبير ، فيُحفظُ فيها ما لعلّه يكون بهذه الخانقاه من الكتب الموقوفة والربعات الشريفة والآلات المختصة بها )[311] وفي وثيقة السلطان إينال ( وبدور القاعة خزانة كتبية والباقيان مكتبتان أيضا )[312] . وجلب سرور الحبشى كُتُبا لخانقاته وعمل لها مكتبة ، أو بتعبيرهم (خزانة للكتب ) وهى ( غير خزانة كتب الوقف ) أى غير مكتبة الخانقاة المنشأة وفقا لكتاب الوقف عليها. [313]

مكتبات خاصة بشيوخ التصوف

وكان لبعض الصوفية مكتباتهم الخاصة ، وسمح بعض الصوفية بالاستعارة من مكتباتهم،  فكان صالح البلقيني سمحا بعارية الكتب) [314] اما بهاء النحاس فكان فى مكتبته كتب بألف دينار ، وكان يحضر السوق ليجدد مشترياته من الكتب ، وإقتنى كتبا نفيسة.

عمل الصوفية فى المكتبات من خلال وثائق الوقف

1 ـ وعمل بعض الصوفية في المكتبات التى فى مؤسسات التصوف .

2 ـ وفي وثيقة جمال الاستادار على خانقاته : ( ويرتب من الصوفية المذكورين المجردين من اهل الخير والديانة والصيانة والأمانة يكون خازنا لما بالخانقاه من الريعات والمصاحف وكتب العلم الشريف... وما لعله يتحصل من نفايس الأشياء على  العادة ... ويرتب أيضا من عدة الصوفية المذكورين أعلاه من المجردين أعلاه  ثلاثة أنفس لخدمة الريعات الشريفة بالخانقاه المذكورة على ان يحضروها وقت حصور الوظيفة ، ويفرقوا أجزاءها على الجماعة القائمين بوظيفة التصوف... ويصرف للخازن المذكور في كل شهر عشر دراهم .... وليس عليه حضور وظيفة التصوف ولا يلزم بها  ) [315] .

وفي حجة وقف السلطان برسباي على خانقاته : ( يُصرف لرجل من اهل الأمانة يتولى خزانة كتب العلم على العادة مبلغ ثلثمائة درهم  ) [316] وإشترط قايتباى أن يكون خازن للكتب (من اهل الخير والديانة والأمانة ، يتولى خزن الكتب بها وحفظها وتنظيفها وتفقدها وعمل مصالحها ) [317] أي بينت واجباتها خازن الكتب ، أو أمين المكتبة فى عصرنا. ويذكر ان الوصف والديانة والأمانة كان يقصد به الصوفية . وقد عين اكمل الدين البايرتي الشيح الصوفى ابن زين العرب خازنا ( خزانة كتب الخانقاه الشيخونية ) [318] وقيل في ترجمة الصوفي سالم العبادي وأضيفت له خزانة المحمودية ) [319]..أى كان أمين هذه المكتبة فى الخانقاة المذكورة .

قواعد العمل والاعارة فى المكتبات من خلال الوثائق

1 ــ ووضعت بعض الوثائق قواعد للإعارة:  فأمين المكتبة (يتسلم المصاحف والمربعات والكتب بها ويشهد عليها بتسليمها ويقرها بالرواق العالى ........... ويحفظها من البلل ويعهدها بالتقليب والإصلاح .....) .

2 ـ وبينت الوثيقة كيفية الاستعارة الداخلية : (ومن حضر من طلبة العلم الشريف من أهل الخانقاه المذكورية لاستعارة شيء من الكتب المذكورة ليشتغل فيه سلّمه ان كان ثقة . وان كان ممن يخشى منه منعه إلا ان يضمنه ثقة من اهل الخانقاة ) .

3 ـ وعن مُدّة الاستعارة تشترط الوثيقة (ولا يعر شيئا من الكتب المستعارة بيد المستعير أكثر من شهر واحد من حين استعارته، بل يأخذه منه عند مضى الشهر).  

4 ـ وعن الاستعارة لغير أهل الخانقاة أو الاستعارة الخارجية تقول الوثيقة : (ولا يمكن احدا من اخراج شيء من الكتب الى خارج الخانقاه المذكورة) او الاستعارة لغير اهل الخانقاه (واذا كان المستعير من غير اهل الخانقاه المذكورة وما يريد استعارته فليطالع فيه نهارا بالخانقاه المذكورة ثم يبيتها عند الخادم ثم يستعيدها صباحا ) [320] .

مدى تطبيق تلك القواعد

1 ــ ولم يُعمل بهذا الشرط فقد كان علم الدين البلقيني وشرف الدين المناوى يستعيران الكتب من تلك الخانقاه ويخرجان بها الى منزلهما وتمكث عندهما الأيام الكثيرة , ولم يكونا من العاملين فيها .  وقد وضع السيوطي رسالة في ذلك يدافع عنهما ويقول: ( فلولا رأيا ذلك جائزا ما فعلاه ) [321] . وتناسى السيوطى ضرورة الالتزام الشرعى بشروط الواقف .

مواعيد فتح المكتبات

اما عن مواعيد فتح المكتبة للاطلاع فقد كانت في الغالب في الأوقات المخصصة للدروس طبقا لشرط الواقف كما تشير الى ذلك وثيقة وقف الغوري (ويفتح الخزانة في أيام الدروس ويومين في الجمعة للعلم ) [322]..

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تربية الأطفال فى المؤسسات الصوفية فى مصر المملوكية .

كتاب : أثر التصوف  المعمارى والثقافى والاجتماعى فى مصر المملوكية

الفصل الثانى  :( أثر التصوف الثقافى فى مصر المملوكية )

تربية الأطفال فى المؤسسات الصوفية فى مصر المملوكية .

مدخل :

إستفاد ( بعض ) الأيتام فى بعض المدن فى مصر المملوكية ( خصوصا القاهرة )، إذ كفلتهم (بعض ) المؤسسات الصوفية بإقامة كتاتيب لهم ، بعضها كان قائما بذاته أو ملحقا بالمنشأة الصوفية أو فوق ( سبيل ) أى مخزن للماء العذب يسقى الناس . الاحسان لليتيم فرض إسلامى تكرر فى القرآن الكريم ، وهو بهذا ناحية إيجابية للتصوف المملوكى ، وكان من النتائج الايجابية التى تنتج من ظلم مستقر ومستفزّ ، فالمماليك بالمال السُّحت والسخرة أقاموا المؤسسات الصوفية تكفيرا عن ذنوبهم وحتى يشفع فيهم الأولياء الصوفية طبقا لاعتقاد العصر فى شفاعة الأولياء ، وجعلوا من مهام الصوفية فى تلك المؤسسات الدعاء لمنشىء المؤسسة الصوفية ، واستفاد (بعض) الأيتام من هذا فوجدوا الرعاية والتعليم والمرتبات . وهو على أى حال تكافل إجتماعى ربما لم يكن موجودا بنفس المستوى فى أوربا وقتها . ونعطى لمحة عن تربية الأطفال فى المؤسسات الصوفية فى مصر المملوكية .

 الصوفية مؤدبو أطفال خارج المؤسسات الصوفية

1 ــ بتعبير العصر كانت تلك الوظيفة تعنى ( التأديب ) و ( الإقراء ).  ووظيفة ( التأديب)   تشمل الى جانب التعليم العادى تعليم الآداب والسلوكيات المهذبة . كما أن وظيفة الإقراء تعنى تعليم القراءة والكتابة .

2 ــ وقد عمل بعض الصوفية معلمين خصوصيين لأولاد المماليك والأعيان ، فكان شهاب الدين الكناني احد صوفية سعيد السعداء يؤدب أولاد السلطان حسن  [323] ،. لذا يقال (أدّدب الإمام فخر الدين التركي الملك الناصر في صغره ) [324] واحضر ابن المغلى  الناصري صوفيا من الخانقاة الجاولية هو احمد السنباطي لاقراء ولده الكمال ) [325] وادب ابن المواز أولاد ابي هريرة ابن النقاش )[326]...

3 ــ واشتغل بعضهم (مؤدبا عاما) فوصف الكثير منهم بانه اقرأ الأطفال مثل يوسف البحيري )[327] وسليمان المنوفي ) [328] وابن قومه ) [329] والزنكلوني ) [330] ونور الدين )[331] وبلال المعتقد ) واشتغل بدر الدين القطبى ــ وهو صوفي في الشيخونية ــ لإقراء الأطفال ، وكان يأخذ معه السخاوى لمكتبه حتى ختم عنده القرآن، حسبما يذكر السخاوى فى كتابه( الضوء اللامع )[332] . وتعين البرهان القلقشندي صوفيا بالخانقاة البيبرسية والخانقاة ا لجمالية. وأقرأ كثيرا من الأطفال [333] . وأقام البهوتي بدمياط مؤدبا للأطفال )[334] وأدب الشيخ بلال الدين الاطفال بالجملون العتيق )[335] وأقرأ المرصوفي أطفال مصر العتيقة )[336] وادب البدر الفيومي الأطفال بالمقسم .

ويبدو أن شهرة الصوفى المصرى فى تعليم وتأديب الأطفال قد جاوزت مصر ، فكان بعضهم يُبعثّ به مثل المتعارف عليه اليوم بالبعثات التعليمية ، فذُكر ان الشيخ المعتقد نور الدين المصري كان يؤدب الأطفال بحلب )[337] .

واشتهر بعضهم بكثرة تلاميذه من الأطفال فابن السراج تفرغ لاقراء القرآن وتعلم الخط وانتفع به جماعة ) [338] وانتفع الأطفال فى مدينة بلبيس بإبراهيم الفاقوسي يؤدب بها ، بحيث لم يكن بها من هو أصغر منه فى السّن إلا وقد قرأ عليه . واشتهر بينهم ان من لم يقرأ عنده ليس له اكمال القرآن بل يقال ان بعد موت ما ختم من أهلها القرآن ) [339] وأدّب الشيخ حسن جماعة من اكابر الخروبية و (اعيانها وغيرهم طبقة بعد طبقة ) [340] .

( وتكسب النحريري  من تأديب الطفال وانتفع به من لا يحصى كثرة ، واشتير إليه بالتقدم مع الحُرمة الوافرة وشدة البأس على الأطفال حتى حاولوا قتله بالسم .! ) [341] وتكسب آخرون من الصوفية بتأديب الأطفال واتخذوها وظيفة عليها الأجر ) [342] بينما أقام آخرون بذلك العمل احتسابا مثل الدميري )[343] والمرحومى  ) [344] والأوكاوى ) [345] وابن مصلح المنزلاوي)  [346] وعلى بن شهاب جد الشعراني )[347] . ويزعم الشعرانى أنه قد اخذت عليه العهود الّا يأخذ معلوما على تعليم الأطفال للقرآن )[348]

واهتم الصوفية من المؤلفين في بحث تربية الأطفال فقعد ابن الحاج فصلا في تعليم الأطفال ومشيهم [349]  ويقول السبكي (ينبغي ان يكون معلم الكتاب صحيح العقيدة ، فلقد نشأ صبيان كثيرون عقيدتهم فاسدة لأن فقيههم كان كذلك ) وتلك ناحية خطيرة أشار اليها  وهي تسرب العقائد الصوفية المتطرفة الى الأطفال بتأثير مؤدبي الأطفال من الصوفية يقول السبكي ( ومن حق معلم الصغار ان لا يعلمهم شيئا قبل القرآن ثم بعده حديث النبي عليه السلام ولا يتكلم معهم في العقائد بل يدعهم الى ان يتأهلوا حق التأهيل ) [350] ..

اقراء الأطفال في المؤسسات الصوفية :ــ

1 ـ وكان ( الكُتّاب ) أو مكان تعليم الأطفال تابعا أحيانا للمؤسسة الصوفية من خانقاة او تربة او زاوية وغيرها .

فالمنصور قلاوون عيّن أو ( رتّب) فقيهين يعلمان ستين صغيرا من ايتام المسلمين )[351] وعمّر برقوق صهريجا للماء ومكتبا للأيتام بقلعة الجبل ـ مقرّ الحكم . [352] و وأقام الأمير يونس النوروزى مكتبا للأيتام بجانب خانقاته [353] ومثله الأمير الجن بغا المظفرى )[354] . وأجرى الأمير جانبك الجوامك أى المرتبات على الأيتام المنزلين أى المعينين  في الكُتّاب بتربته ) [355] . وأقام الأمير دولات بأي مكتبا للأيتام وسبيلا في جامع الحاكم  ) [356] وجعل تاج الدين بن حنا فى تربته مكتبا للأيتام وجعل فى شروط الوقف إلزامهم وهم يكتبون القرآن في الواحهم فاذا أرادوا مسحها غسلوا الألواح وسكبوا ذلك على قبره.  وسجله في وثيقة الوقف ) [357] وعمل ابن الجيعان مكتبا للأيتام وسبيلا بجانب مدرسته ) [358] .

وأقام عثمان الخطاب خلاوي لتعليم الأطفال في المدرسة السيفية )[359] وكانت الصبية تتعلم في زاوية الشعراني ) [360]...

2 ــ ويجمع كثير من وثائق الوقف على أن يكون الأطفال المنزلون بالمكاتب من الأيتام الذين لم يبلغوا سنّ الحلم والذين فيهم قابلية التعليم.  بينما تشترط وثائق أخرى ان تكون الأطفال من الفقراء مع تفضيل الايتام منهم . واشترط بعضهم ان يكون الأطفال من أبناء السادة الأشراف الأيتام .

3 ـ وكان المكتب أو ( الكُتّاب ) يوجد عادة فوق ( السبيل) أى المكان المُعدّ للتزود بالماء للناس طلبا للثواب . وكان هذا الكُتّاب يوجد  في مكان متسع طلق الهواء وتدخله الشمس  ليساعد الأطفال في الاقبال على الدرس والانتباه . ونادرا ما يوجد مكتب الايتام في غير المكان , وتفرش المكاتب عادة بالحُصر ويجلس عليها الأطفال حول مؤدبهم ، كما كانت في حائط  المكتب كتيبات و(دواليب) توضع فيها المصاحف والاقلام والالواح والدوى ( جمع دواة ) . وإذا كان عدد الأطفال في مكتب الايتام كبيرا فانه كان يعين لهم الكثرة من مؤدب وعريف ، ويؤذن لكل مؤدب عدد محدد من الأطفال لكي تكون عملية التربية اجدى وانفع ) [361] .

وإذا بلغ الأطفال الحلم يترك مكانه ويتعين عوضه بالمكتب طفل آخر، اللهم الا اذا اظهر نبوغا وميلا للدرس، وبقى عليه شىء لم يحفظه من القرآن ويرجى حفظه وفلاحه ــ على حد تغير اكثر الوثائق ــ استمر الى محله.  وهذا احترام لمبدأ تكافؤ الفرص .

واقتصر تعليم الأطفال الكتاب على قدر معين من التحصيل ثم يحترف الصبي مهنة . وقد يعين الناظر على الوقف من بلغ الحلم في احدى الوظائف ، على ان يكون صالحا للقيام بها او يصرف له من ريع الأوقاف مبلغا من المال يستعين به حياته العلمية ) [362] .

ودارت العملية التعليمية للأطفال حول تعلم القراءة والكتابة ومباديء الدين وحفظ القرآن وبعض الحديث ، هذا الى جانب حكايات الصالحين والشعر والحساب وقواعد اللغة . وقام التعليم على قوة الحافظة والاستظهار والاعتماد على الذاكرة اللفظية . وقام الأطفال بالكتابة على الألواح أولا ثم كتابته بالحبر بعد ذلك . وهذا يتمشى مه ما تنادي به التربية الحديثة في تعليم الصغار. كما روعيت القدرات الخاصة للطفل ومدى استعداده لتقبل العلوم والمعارف. و ونصّت الكثير من وثائق الوقف على مراعاة (ما يطيقون تعليمه) وهذا يتفق مع ما يدعو اليه علم النفس التربوي من التدرج في تربية الصغار ومراعاة قدراتهم .

هذا .. وتشبه مكاتب الايتام الى حد كبير المدارس الابتدائية الراقية او المرحلة الأولى الإعدادية في مصطلح التنظيم التعليمي في العصر الحديث .  والمؤدب هو الاسم الذي تطلقه معظم وثائق المماليك على المعلم في مكاتب الايتام بينما يسمى بالفقيه في وثيقة جمال الاستادار وغيرها كوثيقة قايتباي . واشترط في المؤدب شروطا خلقية منها ان يكون خيّرا ديّنا ذا عقل امينا على الأطفال المسلمين مع سلامة العقيدة ( الصوفية ) ، واشترط لبعضها ان يكون ملمّا بمادته ومراعيا لميول و حاجات الأطفال النفسية ..الخ.  وإشترط فى مساعد المدرس أو ( العريف ) : الأهلية للتأديب ، وكان يبدأ عمله عندما ينتهي المؤدب المدرس، بأن يعين المتخلفين من الأطفال زمنيا وعقليا ، وهذا يقرر لنا حقيقة هامة هي إيمان التربية  فى هذا العصر بمبدأ الفروق الفردية الذي تنادي به التربية الحديثة في القرن العشرين . وكان (العريف ) من جملة الايتام المنزلين بالمكتب والذين انتهوا من دراستهم في المرحلة بشرط ان يظهر تفوقا ونبوغا ،  ويستمر في المكتب ولو كان بالغا . وكان الأطفال يعرضون عليه ألواحهم في غيبة الفقيه المدرس.  وتذكر وثيقة الغوري وظيفة شخص كان يعلم الأطفال الخط العربي ، وهو لون من اولان التربية الجمالية له أهمية في تربية الذوق وتكوين الإحساس الفني في ناشئى فى ذلك العصر ....

وتستعرض وثيقة جمال الاستادار كمثل على النشاط التربوي في الخوانق : تقول عن شروط المعلم : ( ويرتب الناظر أيضا من عدة الصوفية المذكورين أعلاه من غير طائفة المجردين رجلا حافظا لكتاب الله العزيز ذا عفّة وصيانة وامانة متزوجا ذا خبرة ومعرفة صالحا لتعليم ....) أي جعلت المعلم للأطفال من أفضل العاملين داخل الخانقاة. وتقول عن العلوم التي يدرسها للصبيان انها (القرآن والخط والهجاء والاستخراج )، اى الاستدلال . وعن طريقة التربية والتعليم اوجبت الوثيقة على المعلم ان ( يعلمهم المؤدب بالإحسان والتلطف والاستعطاف فيما يرغبهم به في الاشتغال ) وعن عقاب المخطيء قالت (ومن اتى منهم بما لا يليق من فعل أدّبه بفعل ما اباح الشرع الشريف، ولا يضرب الضرب المبرح ) [363]. و حددت مواعيد الدراسة بكل دقة، فالغورى جعلها من اول النهار الى العصر سوى الثلاثاء او يوم الجمعة، فيمكث الى وقت الظهر ، مع اسقاط الاجازات وهي الجمعة والاعياد والمواسم . أما قايتباي فقد جعل الدراسة نصف اليوم فى يوم الخميس.

وحدّدت الوثائق سنّ الأطفال ، وسمحت لهم بالغياب بعذر كالمرض او التقلبات الجوية او ما عبر عنه قايتباي بالأعذار الشرعية. وفي وثيقة الاستادار (ومن مرض منهم اجرى عليه معلومه ( أى راتبه ) الى حين زوال مرضه ) . واذا انتهى الصبي من حفظ القرآن يقام له احتفال كبير يسمى (الاصرافة) .ومن يظل بالمكتب لحين البلوغ دون حفظ القرآن يصرف ليحل مكانه يتيم آخر . وكان يستبدل باليتيم يتيم آخر في حالة سفره سفر إقامة او تعذر حضوره . واهتموا بأنشاء المكاتب وتوفير المعلمين والعريفين والطعام والكساء والمعلوم الشهري بل وقرروا بها ادوات الكتابة . )[364]

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أثر التصوف فى الأدب المملوكي : فى النثر والقصّة

كتاب : أثر التصوف  المعمارى والثقافى والاجتماعى فى مصر المملوكية

الفصل الثانى  :( أثر التصوف الثقافى فى مصر المملوكية )

 أثر التصوف فى الأدب المملوكي : النثر والقصّة .

مدخل :ــ انعكس تأثير التصوف المملوكي على الحياة العلمية فأثر في المستوى العلمي ومسيرة بعض العلوم ، وأضعف التأثير الإيجابي لجهود الصوفية في مجال التعليم . ولكن يبدو ان تأثير الصوفية في الأدب يميل إلى نوع من التوازن ، فالنثر الصوفي أشاع دفئا وحرارة في نفس الوقت الذي تأثرت فيه الكتابة بالجمود العلمي والعقلي فقبعت تحت سلاسل المحسنات اللفظية دون معنى جليل أو فكرة هامة. وادعاء الكرامات أمر ممقوت دينيا إلا انه رب ضارة نافعة كما يقولون فمن هذا الطريق وجدت القصة الصوفية القصيرة والطويلة وأثر التصوف في الروايات ــ الشهيرة . والشعر المملوكي أثرى بالتصوف في اغراضه من حب الهى ومديح نبوى وابتدع أغراضا جديدة أهمها دخول الصراع الفقهي الصوفي إلى ميدان الشعر وما أثاره من فريحة وتجويد لدى الفقهاء ، فأشاع ذلك كله حرارة وصدقا شعريا بين الخصوم . يقابل ذلك انعكاس الحياة العقلية والثقافية الهابطة على بعض الشعراء خاصة في أواخر العصر وانتشار التصوف فقبعوا تحت التقليد وأثر فيهم الجهل ..والى بعض التفاصيل ، مع التذكير بأننا نتعرض لرءوس موضوعات تصلح لأبحاث متعمقة فى تحديد وتفصيل وتفريع أثر التصوف فى تلك النواحى ....

أثر التصوف في النـثــر : ...

 "السجع" أهم ميزة في الأسلوب النثري للعصر المملوكي ، والسجع يعبر عن ملمح أساس فى الدين الأرضى ، وهو التدين السطحى بدون إعتبار للتقوى القلبية . ساد هذا فى الأدب منذ سيطرة الحنابلة ودينهم السُّنى فى العصر العباسى الثانى ، فأضحى الأدب والشعر ضحية الاهتمام بالمظهر ( اى المحسنات اللفظية من سجع وتورية وجناس وطباق ومقابلة ) على حساب المضمون، أى إختنق المعنى بسلاسل السجع والمحسنات اللفظية، ولم يعد مُهمّا ما يقال ، بل المهم هو السجع والتورية و الطباق والمقابلة .

على أن السجع بالذات هو الذى تميّز وساد ، حتى فى عناوين معظم المؤلفات ، ومثلا : تاريخ ابن حجر الذى يؤرخ فيه من سنة مولده جعل عنوانه ( إنباء الغمر بأبناء العمر ) وجاء تلميذه الصيرفى فكتب على منواله يؤرخ لعصره تحت عنوان ( إنباء الهصر بأبناء العصر ) ، وليس لكلمة الهصر معنى محدد ، أى جاء بها لمجرد السجع . كان هذا ساريا فى العصر العباسى الثانى ، ثم ساد وسيطر فى العصر المملوكى ، وظل حتى مطلع العصر الحديث ، ونتذكر كتاب رفاعة الطهطاوى ( تخليص الابريز فى تلخيص باريز ) . وفى أواخر العصر المملوكى صار السجع مقياس الفصاحة ، يقول السخاوى عن احد الكتاب : ( أتى بما يٌستظرف من السجعات المتوالية والكلمات المنتظمة [365] . ويقول أبو المحاسن عن كتاب أرسله ابن عثمان : وأظن أن منشئه غير كاتبه لأنه ارتج في كثير من السجع فكتبه غير محرر فتعب واتعب )[366] . وقد عد بعض الباحثين من خصائص الرسائل والدواوين : الإكثار على قلة المعاني والتزام السجع الطويل الفواصل والاحتفال بأنواع البديع وكثرة الحشو اللفظي والبديعي وكثرة الألقاب والأدعية ) [367] .

وبالسجع نشر التصوف نوعا جديدا من النثر ، هو تلك الأوراد الصوفية التي تفيض بالتضرعات الحارة والابتهالات  [368] . كما يبدو أثر التصوف في افتتاح المكاتبات والمحاضر بقول الكاتب عن نفسه ( الفقير إلى الله فلان ) [369] ويقول ابن حجر (فسأل السلطان عن الفقير الى الله تعالى كاتبه القاضي المالكي عن حقيقة ذلك ) [370] . وتردد ذلك في كتب التاريخ الأخرى ، يقول القاضى المؤرخ العينى عن نفسه : (  والعبد الضعيف كان يتيما في تلك الأيام بمدينة عين تاب ) وكرر هذا الوصف.  [371]  . وقال آخر  عن نفسه  فى مقدمة كتابه : ( قال العبد الفقير إلى الله تعالى مؤلف هذا التاريخ وجامعه )[372] وفي كتب التاريخ المتأخرة في العصر كان المؤرخ يقول ــ ( أو كما قال) تعقيبا على لفظ البركة او ذكر الكرامة [373]. كما أن الانحلال الخلقى الذى اشاعه التصوف وجعله دينا إنعكس على الأدب المملوكى شعرا ونثرا ، بألفاظ خارجة بذيئة تعود الناس على قولها وسماعها بحيث لم تعد عيبا ، بل ووصلت الى تأليف مؤلفات خاصة بها ، وجعل عنوانينها بألفاظ خارجة . وسبقت الاشارة لذلك .

هذا .. وهناك مؤلفات وأبحاث فى الأدب المملوكى تخصّص بعضها فى النثر . ولذا نُعرض عن هذا الموضوع لنلتفت الى ناحية جديدة فى النثر لم تتوجّه اليها إهتمامات الباحثين ، وهى القصّة فى العصر المملوكى ، وتأثير التصوف فيها .

أثر التصوف في القصة في العصر المملوكي : ..

1ــ وظهرت "القصة " فى أقاصيص تسرد الكرامات الصوفية ، وكانت هذه الأقاصيص إحدى وسائل الصوفية في خدمة اغراضهم ، لذا كانت تحتشد بالحوار العاطفي الملتهب عن الوجد والأشواق ، وتتخلله الاغماءات وربما موت البطل وجدا وعشقا ، فيتأثرالقاريء وجدانيا وقد تنهمر دموعه ويتشرب أراءهم في الاتحاد أو يعطف على متصوفة أخرون من أصحاب الشطح ، ويصدق أن شطحهم كان بقوة الحب المتمكن في نفوسهم  [374]  ، على أن الاهتمام الأكبر للقصة الصوفية كان إرهاب المنكرين بشتى الوسائل  [375] . هذا فى القصة القصيرة التى تكتمل فيها عناصر القصة بالمفهوم الحديث .

ونفس الحال مع القصة الطويلة، أو الرواية فى عصرنا ، مثل رواية فاطمة بنت برى مع البدوى،والتى أُستكملت فيها شخصية البدري فيها كفارس تشتهيه النساء خاصة وان البدوي لم يتزوج ولم ( يتسر ) أى لم تكن له جوارى وسرارى ملك اليمين كالشائع فى عصره. ويرى بعضهم أن تلك القصة قد وضعت لتغطية فشل البدري في رحلته للعراق  [376]...

2ــ ومن عوامل اجادة القصة الصوفية الفراغ والخيال وحديث النفس والوجدان بالإضافة للحرمان، فأبدع اليافعي في كتابه ( روض الرياحين ) قصصا زعم حدوثها ، وهى من وحى خياله ، يصف فيها مدن الأولياء ( السحرية ) ، و يقول عن إحداها "فأقمنا بها أربعين يوما ليس لنا فيها من عمل إلا الصلاة والأكل " ) [377] . ولقد كان للقصة في العصر المملوكي خصائصها الفريدة  [378]  وشخصيتها التي أثرت على مجرى القصص في ذلك العصر ، الذي كان فيه للقصّاص أو الراوى الشعبى شعبية واسعة بين الناس في مجتمع سادت فيه البطالة . وكان القصّاص المصري أبرع صناعة وأرفع مكانة وأتسع خياله بعد نكبة بغداد والحروب الصليبية بقدر ما ضاق عقله وضاع علمه وأصبح أسيرا للتصوف ــ فاعتمد في السرد على الخوارق وحكاية الكرامات ومناقب الأشياخ والغيبيات والخرافات التى تشُدُّ إهتمام السامع والقارىء . لذا قيل أنه لم يتقيد بقواعد المنطق او الخُلق او الوقائع التاريخية الثانية فاصطنع اللهجة الصريحة والألفاظ القبيحة ، [379] وكان القصص من عمل الوعاظ الصوفية يمارس في المؤسسات الصوفية ولدى الأولياء منهم كما في كتب المناقب عادة .وما وصلنا من قصص ترجع للعصر المملوكي يبدو أثر التصوف فيها ، فقصة بيبرس فيها إضافات غريبة وخرافات خارقة للعادة، [380] .

3ـ وقصص (ألف ليلة وليلة ) تحتاج إلى وقفة لتبين أثر التصوف فيها. ورغم أنها كتبت بعد انتهاء العصر المملوكي أي في سنة 933 إلا أنها ذخيرة حية لحياة المجتمع المصري الذي استمر تأثيره بالتصوف على ما بعد العصر المملوكي ــ وقد تداولتها الألسن عهدا طويلا ، ومن الواضح ان جامعها مصري أخذ صيغتها النهائية من مجتمع القاهرة [381] ، الذي صار أسير التصوف. ففي الليالي فصل كامل بعنوان حكايات تتضمن عدم الاغترار بالدنيا والوثوق بها وما شابه ذلك ، [382] وفي باقي الحكايات يمثل الخضر دورا هاما في انقاذ المؤمنين ويدعو غيرهم للإسلام ، وإبراهيم الخواص ـ وهو  اسم ولى صوفي ــ انقذ ابنة ملك كافر وحُجب عن العيون بالكرامة ، والحاكم يخبر وردان الجزار بالكشف الصوفي بما فعله في الغيب . هذا عدا زيارة قبور المشايخ تبركا كما فى قصة دليلة المحتالة . وظهر عبد القادر الجيلاني وبركة السيدة نفيسة في قصة علاء الدين الشامات والذي انجته تلك البركة من عدو كاد يقتله ، وفتن قاصّ الليالي بما يحض على الزهد بنوع خاص ، فأنشأ على منواله قصة طويلة تتضمن الكلام عن قماقم سيدنا سليمان ،وأضاف اليها قصة مدينة النحاس التي تتلخص في انها مواعظ سردت تقريريا في فناء الحياة الدنيا وان الزهد خير زاد في الحياة.....

4ــ وكتاب اليافعى ( روض الرياحين فى حكايات الصالحين ) هو المصدر الصوفي الذى استوحى منه مؤلف ( الف ليلة وليلة ) ، ومنه مثلا حكايات عن الجان وعلاقة الأولياء بهم ومدن الأولياء وأسفارهم وقبر سليمان وجنوده من الجن والطير وذخائره وخاتمه وبساط بلقيس وعرشها وسجن إبليس بل ووردت قصص عن هارون الرشيد وعلاقته بابنه الزاهد وعلاقته بمجذوب يسمى بهلول ) [383].  ويذكر ان اليافعي صاحب روض الرياض قد جمعه من كتب صوفية سابقة  وأضاف الى ما جمعه وتوفي 768  [384] ، أي قبل كتابة الليالي بأكثر من قرن ونصف، فأخذ عنه وعن غيره كاتب الليالي وقلده حتى في ايراد الاشعار في غضون حوادث القصص. تلك الأشعار التي يبدو التشابه واضحا بينهما .وندخل على الشعر .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أثر التصوف في الشعر في العصر المملوكي :

 كتاب : أثر التصوف  المعمارى والثقافى والاجتماعى فى مصر المملوكية

الفصل الثانى  :( أثر التصوف الثقافى فى مصر المملوكية )

أثر التصوف في الشعر في العصر المملوكي :

 1ــ الأغراض ::ــ

المدح أثر التصوف في المديح عظيم فابتكروا شعر الحب الإلهي والمدح النبوي والتشويق للأماكن المقدسة ثم مدح المريد لشيخه ، هذا بالإضافة إلى ما قام به بعض الشعراء من إنكار على الصوفية:

الحب الإلهي :ــ تطور في القرن السابع وبلغ الذروة على يد عمر بن الفارض وتابعه أخرون كابن الصباع القوصي والدريني والقسطلاني )[385] ومحمد بن إسرائيل ) [386] وشرح الكاساني قصدية ابن الفارض في مجلدين  )[387]..

المديح النبوي :ــنافس الحب الإلهي كسبيل للوجد الصوفي ، ولعلنا لا نجد شاعرا كبيرا في العصر لم يقل في المديح النبوي . وقد عرفت بعض القصائد بالبديعيات وهي ضرب من النظم   حول المديح النبوي وضمنوه أبوابا من البديع ) [388] ..وأعجب المماليك بالمدائح النبوية فكان السلطان قايتباي لا يلتفت لمن يمدحه بالشعر ويقول لو اشتغل بالمدح النبوي كان أعظم من هذه المسالك ) [389].. وعنى الأمير على بن أمير ... بالمدائح النبوية فوجد في تركته لما مات خمسة وتسعون مجلدا كلها مدائح )[390].

ومن الصعب حصر الشعراء المادحين للنبي عليه السلام ولكن نقسمهم إلى نوعين :ــ شعراء صوفية تخصصوا في المدائح النبوية أو أكثر شعرهم فيه ، مثل احمد بن مسعود المادح )[391] ومحمد البديوي المادح [392] وسراج الدين التكريتي [393] والفيومي  وابن سيد الناس [394].،وابن عامرية  [395] وابن حنا وأحمد الخواص [396] وابن الزين  [397] وشمس الدين الطبندي [398]..

وهناك قصائد صوفية ، قالها أكثرية من الشعراء المشهورين كالشاب الظريف وابن نباتة الإسرائيلي [399] من الصوفية وغيرهم [400] .

والبوصيري أشهر المادحين. ومدائحه تنقسم على قسم نظمه قبل ان يحج وقسم بعده ، وفيه قال الهمزية والبردة التي أثبت المحققون كذب أن تتسبب في شفاء صاحبها  [401] . وقد وضع الصوفية لقراءتها شروطا لم يوضع مثلها للقرآن، مثل الوضوء والتوجه الى القبلة وتصحيح الألفاظ والعلم بمعانيها . وعن طريق البردة استمر المغاربة الصوفية والشاذلية فى رغج العسش بعد انهيار الدولة الفاطمية ، فاحتكروا نسخها وتأجيرها وقراءتها في حلقات الأذكار والأفراح ونشروها في العالم الإسلامي .[402] ، وشرحها الحلبي وخمسها [403] ، وعاش ابن عرب من نسخها . وبسبب شهرتها عارضها ـ أى صاغ على منوالها ـ الشعراء المشاهير مثل صفي الدين الحلي وابن جابر الأندلسي وابن حجة الحموي [404] .

ومن خلال المدائح شوّق الشعراء للأماكن المقدسة حيث ابتدأوا به الشعر النبوي [405]..

المـريد وشيخه :ــالبوصيري مدح أشياخه المرسى الشاذلي  [406] ومدح ابن عطاء شيخه المرسي  [407] ، ومدح آخرون البدوي ، ومدح أبوالعز بن حبيب شيخه صالح بن نجم المصري [408]  ، ولا يلزم ان يكون الممدوح حيا يرزق ، فالبوصيرى ــ مثلا ـ  مدح السيدة نفيسة ...

ولقد خيم الركود على العصر المملوكي بأثر التصوف وانعكس ذلك على الوصف الشعري بإغفالهم الأمور واكتفوا بوصف التافه منها [409]....

التـغــــــزل بالـمــذكــــــر ...غرض شعري قديم ولكن ساد في العصر المملوكي بأثر التصوف حتى غلب المديح عند بعض شعراء فتغزل الشعراء في قاض مليح وفي فقيه وفي محدث وفي إمام ومريد وفقير [410] .. وتصدرت قصائد الغزل بالمذكر قصائد المدح  [411] .

وفى التغزل بالنساء كانوا يذكرون المرأة بالمذكّر ، كأنها شاب ، ولم يعد ذلك عيبا كشأن الفساد حسن حين يعُمّ ويستشرى.  وقد روى ابن شاكر الكتبى قصائد للقاضي ابن خلكان يتغزل فيها بالمردان )[412].

ونمثل ــ في الختام ــ بالشاب الظريف وهو شاعر عريق فى التصوف ، فأبوه هو الصوفي الشهير العفيف التلمساني . يقول الشاب الظريف يتغزل فى قاضي القضاة [413]

صدودك هل له أمد قريب    ووصلك هل يكون بلا رقيب

قضاة الحُسن ما صُنعى بطرف  تمنى مثله الرشأ الرتيب

 رمى فأصاب قلبي باجتهاد         صدقتم كل مجتهد مصيب

ويتغزل فى قاضى القضاة حسام الدين الرازى فيقول :

لى من هواك بعيده وقريبه   ولك الجمال بديعه وغريبه

يا من أُعيذ جماله بجلاله   حذرا عليك من العيون تصيبه

هل من حرمة او رحمة لمتيم  قد قلّ فيك نصيره ونصيبه

أؤلف القصائد فى هواك تغزلا  حتى كأن بك النسيب نسيبه 

المفجع هنا ان الشاب الظريف يتغزل فى " قاضى القضاة ". !!

 هذا او اذا كان التصوف قد أثر في ( إتّجاه ) و( كمية ) بعض الأغراض كالمديح والغزل بالذكران ، فانه ابتدع اغراضا جديدة كالحشيشة والتوسل بالأولياء والدعوة للتصوف ،  وأثر ذلك في ناحية أخرى حيث أثار الفقهاء فهاجموا الصوفية بالشعر ..ونعطى بعض التفصيل مع التنويه على أهمية هذه الموضوعات وحاجتها لأبحاث متعمقة .

الحشيشة :ــ اكتشاف صوفي أثار عاصفة فقهية وشعرية بين التأييد من المدمنين والاحتجاج من المعترضين، واحتلت مكان الخمر فى العصر العباسى ، واشتركت كعنصر ـ في أخيلة شعراء الشذوذ الجنسي  والمجون ....

قال ابن الصاحب الصوفي : ..

فى خمار الحشيش معنى رامي      يا أهيل العقول والافهام

حرموها من غير عقل ونقل            وحرام تحريم غير الحرام [414]

وردّ عليه الفقيه  الزركشي ( 745 ــ 794 ) فى كتابه ( زهر العريش فى تحريم الحشيش ) يفنّد رأيه :( [415])

قل لمن قال فى الحشيش جهلا    أو عنادا لمحكم الأحكام

فى خمار الحشيش سرُّ خفىُّ       دقّ تعبيره عن الأفهام

حرموها من غير عقل ونقل     وحرام تحريم غير الحرام

أو ما قلت ان فيها خمارا          وهو قاض بوصفها بالحرام

إن حفظ العقول يطلب عقلا      وهو فرض فى شريعة الاسلام

وفى التوسل الصوفى :

يقول ابن ناشي فى التوسل وتقديس بعض الأولياء الصوفية [416] :

قد كان في الدنيا شيوخ صوالح   اذا دهم الناس الدواهي توسلوا

مفرج منهم في البلاد وشيخنا     أبونا أبو الحجاج ذاك المبجل

وشيخ شيوخ الأرض كان بأرضنا  ابو الحسن الصباغ ذاك المدلل

ويقول العيدروس  فى التوسل بروّاد التصوف [417] :

يا رب بالشيخ الجنيد وخاله      وشقيق والشبلي وشهرة حاله  

وبحبيب العجمي وداود فتى        طىّ  وبصرى وطبب وصاله

وبتسترى الدار سهل وما سرى   بشراه فى الاسرار ومن سلساله

وبزهد ابراهيم صفوة أدهم            وتقبيل الضافى على افضاله   

ويقول العيدروس فى التوسل بالرسول :

يا رسول الله عونا ومدد     انتم الوالد والعبد ولد

يا رسول الله فى جاهك ما       يبلغ القاصد أفضل ما قصد

يا رسول الله مالى عتد          غير حبك ويا نعم العتد

يا رسول الله قوّم أودى         فلكم قوّمت بالدين أود

يا رسول الله هل من نظرة     تصلح القلب سريعا والجسد

يا رسول الله هل من حذبة    تجذب العبد الى التهجى الجدد

يا رسول الله كن لى شافعا   انت والله شفيع لا تُرد

وهذا كُفر شنيع .!!

انكار الفقهاء والشعراء على الصوفية :

إنحلال الصوفية الدينى العقيدى والسلوكى أثار عليهم عاصفة من الاحتجاج أو ( الانكار ) بتعبير العصر المملوكى . وانعكس هذا على الشعر المملوكى .

الطريف ان شعر الفقهاء يتضح من خلال قراءته، بسبب غلبة الاسلوب الفقهى عليه كما يظهر من شعر الزركشى فى الرد على ابن الصاحب فى موضوع الحشيش. على أن كثيرا منهم لم يعلن نسبة القصيدة لنفسه ، ربما خوفا من نفوذ الصوفية ، ومع ذلك فنبرة الفقه والوعظ سمة واضحة..

والشعر ــ فى الإنكار على الصوفيةــ قد ركز على مظاهر التصوف المملوكي وتعرض لها بالسخرية ــ وذلك يوجد لدى أكثر الشعراء الأصليين ــ واما بالتفنيد والرد ــ وذلك واضح في شعر الفقهاء خاصة . ومع ذلك فان هناك فارقا ملحوظا بين الفقهاء والشعراء ، فالشعراء المملوكيون تأثروا بعصرهم وانحلاله وظهر ذلك في شعرهم الساخر اما الفقهاء فقد ارتقوا بالشعر والفاظه ومعانيه حتى في معرض السخرية .ونعطى بعض التفاصيل :

انكار الفقهاء على الصوفية :

وقد أثار الفقهاء انحرافات الصوفية ، وقد سبقت الاشارة الى رد الزركشي على ذلك الصوفى الذي نادى بحل الحشيش . وحفل شعر الفقهاء بالإنكار على السماع الصوفي بما فيه من غناء ورقص طعام ومآدب وأعراض مع ذلك عن القرآن الكريم..

يقول فقيه  :

متى سمع الناس في دينهم            بأن الغُنا سُنّة  تتبــــــــــع

وأن يأكل المرء اكل البعير         ويرقص في الجمع حتى يقع

ولو كان طاوى الحشا جائعا      لما دار من طرب واستمع 

وقالوا سكرنا بحب الاله          وما أسكر القوم إلا القصع

كذلك البهائم إن  أُشبعت                يرقّصُها ريُّها والشبع

الى ان يقول

ويُسكره الناى ثم الغُنا    و"يس " لو تُليت ما إنصدع

فيا للعقول ويا للنُهى               ألا مُنكر منكم للبدع

تُهان المساجد بالسماع       وتُكرّمُ عن مثل ذاك البيع [418]

وقال فقيه آخر ، وقد روى السخاوى هذا الشعر على انه (لأحد السادة الأوائل)(التبر المسبوك 220 : 221 ) وواضح انه فقيه حنبلى :

الضرب بالطار والتشبيب بالقصب   شيئان قد عرفا باللهو والطرب

انى لأعجب من قوم وطيشهم         وان أمرهم من اعجب العجب

إن نقروا الطار أمسوا يرقصون له  شبه القرود ألا سحقا لمرتكب

صوفية أحدثوا فى ديننا لعبا    وخالفوا الحق دين المصطفى العرب

من اقتدى بهم قد ضل مثلهم       سحقا لمذهبهم لو كان من ذهب

اهل المراقص لا تأخذ بمذهبهم  فقد تمادوا على التمويه والكذب

اُنكر عليهم إذا ما كنت مقتدرا   واضرب ظهورهم بالسوط والخشب 

 ويقارن فقيه آخر، يبّن حالهم حين سماع القرآن وحين الغناء فيقول :

تُلى الكتاب فأطرقوا لا خيفة             لكنه أطراق ساه لاهي

وأتى الغناء فكالحمير تناهقوا           والله ما رقصوا لأجل الله

دفُّ ومزمار ونغمة شادن                فمتى رأيت عبادة بملاهى

ثقل الكتاب عليهم لما رأوا                 تقييده بأوامر ونواهى

ورأوه أعظم قاطع للنفس عن       شهواتها يا ويحها المتناهى

وأتى السماع موافقا أغراضها      فلأجل ذاك غدا عظيم الجاه

ويقارن السماع بالخمر فيقول

ان لم يكن خمر الجسوم فانه   خمر العقول مماثل ومضاهى

فانظر الى النشوان عند شرابه   وانظر الى النشوان عند ملاهى

وانظر الى تمزيق ذا أثوابه         من بعد تمزيق الفؤاد اللاهى

واحكم فأى الخمرين أحق              بالتحريم والتأثيم عند الله ؟

وقال فقيه آخر يائسا ساخرا

برئنا الى الله من معشر  بهم مرض من سماع الغُنا

وكم قلت يا قوم أنتم على   شفا جرف ما به من بنا

وتكرار ذا النصح منا لهم      لنعذر منهم الى ربنا

فلما استهانوا بتنبيهنا     رجعنا الى الله فى أمرنا

فعشنا على سُنّة المصطفى  وماتوا على ( تنتنا تنتنا ) ( أى نغمة الموسيقى )

ويردد فقيه آخر يأسه منهم فيقول

فدع صاحب المزمار والدف والغنا  وما اختاره عن طاعة الله مذهبا

ودعه يعش فى غيّه وضلاله        على ( تاتنا ) يحيا ويبعث أشيبا

وفى ( تنتنا ) يوم المعاد  نجاته      الى الجنة الحمراء يدعى مقربا

وقد أورد ابن القيم الجوزية فى كتابه ( إاثة اللهفان ) قصيدة طويلة يهجو الانحرافات الصوفية فى عصره ـ ولا ينسبها لنفسه ، وواضح انه صاحبها ، ومنها : فابن النقيب إعترض شعرا على إستخدام الصوفية الكيمياء للتحايل : فقال :

يا طالب الكيمياء مجتهدا    أو ما تملُّ السؤال والطلبا

دع ابن حيان والشذور وما أُلغز فيها ودونك العتبا

 ( عيون التواريخ : مخطوط 2 / 384 ).

وللصوفية تعبيراتهم الخاصة فى عقائدهم فى الحلول والاتحاد ووحدة الوجود ، ولهم مصطلحاتهم ، وهم يقولونها بإعتبارها دينا ، ولكن الشاعر المصرى المملوكى ـ الظريف خفي الظل ـ البهاء زهير يحاكيهم ساخرا ـ يقول ، وما أروعه :

رفعت رايتي على العشاق             واقتدى بى جميع تلك الرفاق

وتنحى اهل الهوى عن طريقي       وانثنى عزم من يروم لحاقي

سرتُ في الحب سيرة لم يسرها     عاشق في الورى على الاطلاق

ودعانى أجول فى كل ارض             وطبولى يضربن فى الآفاق

مثُل العاشقون فوق بساطى             فى مقام الهوى وتحت رواقى

ضربت سكّة المحبة باسمى                و دعت لى منابر العشاق

كان للقوم في الزجاجة باق           انا وحدى شربت ذاك الباقي

شربة لا أزال اسكر منها              ليت شعري ماذا سقاني الساقي

أنا فى الحب ألطف الناس معنى       دمث الخلق ذو حواش رقاق

........... الخ .... وهي طويلة )[420]

يبدو انه تأثر بأمين الدين الديسرى ت 680  الذي تهكم بأصحاب الاتحاد فأجاد :

متُّ في عشقي معشوقا انا            ففؤادي من فراقي في عنـــا

غبت عني فمتى يجمعني             انا من وجدى منى في فنـــا

أيها السامع تدرى ما الذي        قلت ؟ والله فــ أدرى انـــــــا  [421])

وسادة العصر المملوكى كانوا المماليك والصوفية . لذا يقول شهاب الدين المالكى ينصح من يريد السعادة من أهل عصره بتقليد المماليك أو الانخراط فى التصوف :

إذا شئت أن تحيا حياة سعيدة  ويُستحسنُ الأقوام منك المُقبحا

تزيا بزى التُّرك واحفظ لسانهم وإلا فجانبهم وكن متصولحا ( إنباء الغمر لابن حجر : 2 / 210 )

 والبوصيري كان شاعرا صوفيا ولكن اضطر لهجاء بعض الصوفية من الكتاب والقضاء فيقول )[422]

تنسّك معشر منهم وعُدّوا           من الزهاد والمتورعينا

وقيل لهم دعاء مستجاب           وقد ملأوا من السحت البطونا

وما أخشى على اموال مصر          سوى من معشر يتأولونا

وما أروع البيت الأخير الذى ينطبق على مصر فى كل عصر.

وفى واقعة الأمير المملوكى يلبغا السالمى مع صوفية خانقاة سعيد السعداء وقد إكتشف إنحرافاتهم وفضحهم وعاقبهم ، يقول شاعر :

يا أهل خانقاة الصلاح أراكم    ما بين شاك للزمان وشاتم

يكفيكموا ما قد أكلتم باطلا     من وقفها وقد خرجتم بالسالمى ( خطط المقريزى 4 / 274 ، تاريخ ابن الفرات 9 / 2 / 406 )

وكان النُصيبى شاعرا ظريفا ، وقد إجتمع فى مجلس مع الشيخ الصوفى الحريرى الذى حكى كرامة له انه رأى هرّة تقرأ سورة يس ، فقال النصيبى متهكما : وكان غراب يقرأ سورة السجدة فإذا جاء عند آية السجدة ّسجد وقال: سجد لك سوادى وإطمأن بك فؤادى.( الوافى بالوفيات 1 / 164 ، الطالع السعيد فى أخبار الصعيد للأدفوى : 354 )

 وقد أدخل بعضهم المذاهب الصوفية في الشعر  .

فالحقيقة المحمودية أدخلت في شعر المديح ، وأدخلوا عقائد الحلول والاتحاد في شعر ابن الفارض وغيره ، حيث عبر بعضهم عن الحب الإلهي بتعبير حسى حتى لتحسبه من شعراء التغزل فى المرأة . ويقول أحدهم [423]

لما رأيتك مشرقا في ذاتي      بدلت من حالى ذميم صفاتي

وكان الشرنوبي   ينظم الموشحات الغريبة في معالم  الطريق الصوفى [424] ..

في الأسلوب والمسار : ـــ

1 ــ لبعض الباحثين رأي طيب في الشعر الصوفي [425] وهو رأي صحيح في بعض نواحيه . ومع تحفظنا الدينى على مدائح البوصيرى إلّا أننا نقول من وجهة نظر أدبية نقدية أنها تحوى الصدق في المشاعر ، وهذا عكس الاسفاف فى بقية شعره . ومثله ابن برشق المادح يقول فيه ابن حجر "وكانت مدائحه في الأعيان سافلة وفي المدائح النبوية في الأوج  ) [426] .فالمنهج العلمي لا يناسبه التعميم في الأحكام ، فقد كان من الصوفية من نظم في الحب الإلهي بأسلوب علمي ولغة دارجه يقول ابن حجر عن ابن البصيص " وكان ينظم نظما عاريا من الاعراب على طريق الصوفية ) [427]  ، فالرأي الأقرب للصواب أن كل شاعر صوفي تأثر بمدى ثقافته وموهبته ، واذا كان الشعر الصوفي معبرا عن كل صوفي فإن التصوف نفسه ككل قد أثر على أسلوب الشعر المملوكي ومساره ، فكان ــ خصوصا  في أواخر العصر وسيادة التصوف ــ كما قال أحد الباحثين ( تقليدا لا استقلال فيه وصدى لا حياة فيه وصورة معكوسة في الأيام الخالية وأجدر به اذا كان كذلك الا ان يكون فيه ابتكار ولا تجديد )[428]   .

2 ــ وشاع التضمين الشعرى فى العصر المملوكى ، والتضمين هو أن يدخل الشاعر في أبيانه بيتاً (أو أبياناً) مشهورة، وكأنه يستشهد بها، وعادة ما يضع ما ضمن بين قوسين، كما أنه قد يضمن شعره الأمثال أو الحكم السائرة ليعطيه رونقاً وقوة..ولكن هذا التضمين فى العصر المملوكى كان يعكس التقليد فى الحياة العلمية التى صارت ترديدا لما سبق وشرحا له وتلخيصا للشرح . أى عاش العصر المملوكى عالة على التراث العباسى فى الفقه والحديث والتفسير والتصوف ..وفى الشعر ايضا ، بل كانوا يضعون ما يقتبسونه من السابقين فى شعرهم دون مراعاة للتناسق فى المعنى أو وحدة الموضوع ، لأن الذى غلب ذعليهم هو التناسق اللفظى بين شعرهم و ما يضاهيه لفظا وقافية من أقوال السابقين أو من القرآن الكريم . والتعمق فى هذا الموضوع يخرج عن المنهج ، لذا نكتفى بالاشارة الى ديوان ابن نباته ( 686 : 768 ) ونعطى أمثلة : صفحات 392 ، 425 ، 462 ، 476 ، 477 .

3 ـ وبصمات التصوف واضحة في الشعر المصري بوجه عام وقد عدّ احمد امين من خصائص الشعر المصري العناية غالبا بالجناس اللفظي والذوبان في الحب وتسلط النغمة الحزينة  )[429] . وتلك آثار صوفية ..

العقائد والتعبيرات الصوفية فى الشعر المملوكى

وقد تردد في الأشعار المملوكية عقائد وتعبيرات التصوف .

ففي ديوان البوصيري:  [430]

واختفى منهم على قرب مرآه     ومن شدة الظهور الخفاء 

والكرامات منهم معجزات         حازها عن نوالك الأولياء

وسلام على ضريحك تحصل به           منه قربة وعساء.

 وله :

توسل به في كل ما انت طالب فكم نلت بالتوسل مطالبا

على أننى ما زلت من بركاته   غنيا وفى نعمائه متقلبا

وله

واستمطر البركات من دعواته حيث استقل سحاب راحته الندى

وله

معنى الوجود الذى قام الوجود به   وهل بغير المعانى قامت الصور

وله

وما هو إلا كيمياء سعادة         ووصفي لتلك الكيمياء شذور

وله:

ولم تفته من الأوراد ناشئة في   ليلة قام يحييها ولا سحر

وله :

 قرن الوزارة بالولاية فهو في    حبل من التقوى ومن إحرام   

وفي ديوان الشاب الظريف يقول فى تأليه أبيه الشيخ عفيف الدين التلمسانى   [431]

                    يا حاضرا غابت عشاقه         عن كل ماض في الزمان وآت

إلى أن يقول  : وأرى الوجود بأسره رجع الصدى     وأرى وجودك منشأ الأصوات

وفي ديوان االبهاء زهير :  ) [432]

لك في الأرض دعاء       سدّ آفاق السماء

يسّر الله للقياك               سرور الأولياء

وله يُحاكى أسلوب الاتحاد الصوفى ولكن بطريقته الظريفة الخفيفة :

انا في الحقيقة انتمو     وهذا اعتقادي فيكمو

فالحب منى فيّ        والاعراض منكمو عنكمو

وفى ديوان ابن نباته )[433]

من له في طريق الزهد             حال وفي المشكلات كشف

وله:

يا شيخ اهل العلم والزهد      سادات أهل الرفق والرقعة  

لي خوفة ضاعت وانت الذي         نلبس من عرفانه الخرقة

قد وصف ابن الخيمس سبحة سوداء ) [434] 

ويقول ابن كميل  )[435]

قلت لما جاءنى صباحا        يسئل عيني عن المنامات

يا سائل العين عن كراها        صبحت بالخير والكرامات

وظهر أثر علم الحرف الصوفي بالشعر في أواخر العصر خاصة وذلك بالتأريخ بحروف الجمل . فنظم الجعبرى قصيدة ذكر فيها الخلفاء كلا منهم بلقب وعمره ومدة خلافته بحروف الجمل )[436]

وقال آخر على سبيل المثال : )[437]

ان الرفاعي امام الاولياء      لا ثم كف خير خلق الله

مولده وعمره وموته          أرّخه غيبا   بشير الله 578

ورقم 578 هو حساب جملة ( بشير الله ) وهو فى نفس الوقت تاريخ وفاة الشيخ الصوفى  الرفاعى .

 ومن ناحية أخرى أدى شيوع الرمز الصوفي الى الجهل وظهور الشعراء الأميين الذين يسترون جهلهم بقول كلام مُبهم غريب ، يزعمونه رمزا صوفيا . ومن هؤلاء الشيخ ابي النجا الفوى الصوفي ، وقد كانت له موشحات غريبة منها (أيها النموس يطلع كاقادوس ملا واندق روس ..... الخ )[438] .

وذكر شعراء أميون من غير الصوفية كالأمير بيبرس الفارقاني وابن الربيع الخياط وابن أسد وغيرهم [439]...

 

أثر التصوف في الموسيقى فى العصر المملوكى

كتاب : أثر التصوف  المعمارى والثقافى والاجتماعى فى مصر المملوكية

الفصل الثانى  :( أثر التصوف الثقافى فى مصر المملوكية )

أثر التصوف في الموسيقى فى العصر المملوكى

 مدخل : سبق التعرض لأثر التصوف فى الغناء والرقص فى الجزء الثانى ( العبادات ) من كتاب ( أثر التصوف فى الحياة الدينية فى مصر المملوكية ) فى موضوع ( الذكر ) كما تعرضنا للأثر الصوفى فى الرقص فى الجزء الثالث من نفس الكتاب عن ( إنعكاسات للإنحلال الخلقى ). ولذا لا داعى لتكرار ما سبق ، ونكتفى هنا بما لم يسبق التعرض له ، وهو اثر التصوف فى الموسيقى .   ونعطى لمحة عن أشهر  الصوفية في الغناء والموسيقى :...

شيوخ نظم  الأغا نى :

بعض الشيوخ أوتى موهبة التأليف الموسيقى والغنائى ، ومنهم الشيخ ( على وفا ) شيخ الطريقة الوفائية الشاذلية ،الذى ( رتّب لأصحابه اذكارا بتلاحين مطبوعة تستميل بها قلوب السامعين ) [440]، وقد اتخذت قصائد المديح الصوفية مادة ينشدها المداحون في المحافل الدينية وحفلات السماع . واشتهر الشاعر المداح شهاب الدين السنهوري الضرير بأغاني مديح شهيرة جرت على ألسنة المداحين . وعلى مثال ( على وفا ) نظم عبدالغفار بن نوح شعر اللحن لينشد في حلقات الصوفية  . ومارس بعض شعراء الصوفية الانشاد بنفسه مثل حمزة الاسنوى الواعظ الذي( تغانى النظم ومدح وهو من ذوى الأصوات الطيبة ، وكلما طال غناؤه جاد صوته ) [441].

شيوخ الغناء ( الطرب ) و الــعــــزف : .. 

1 ـ كان أكثر مطربو الصوفية من الوعاظ والمداحين، واستعمل اللقبان للدلالة على المطرب،  وفي مناقب الحنفي يتكرر فى صفحات : 174 302،  482 ، أنه بعد اختتام الميعاد يبتدى المادح أي الواعظ فى الكلام ، ويتلقى النقوط الجزيل من الحاضرين، وأن الشيخ الحنفى إذا فرغ من إلقاء ميعاده أو ندوته يقوم الوعاظ ( أو المداحون ) فى المديح والانشاد.    ويقول السبكي فى كتابه ( معيد النعم : 145 ) :(وينبغي على المنشد أن يذكر من الأشعار ما هو واضح اللفظ صحيح المعنى ، مشتملا على مدائح النبي صلى الله عليه وسلم وعلى ذكر الله وآلائه وعظمته وذكر الموت وما بعده )

2 ــ وأضيف للواعظ المنشد المداح لقب المطرب ، فكان ابن حلة منشدا مطربا واعظا مادحا ومن مشاهير الوعاظ  على حد قول ابن اياس ( 2 / 242، ط بولاق )  ، وكان ابن العينولى مطربا واعظا بالجامع الأزهر كما يقول المقريزى فى المقفى ( مخطوط 4 / 21 )  ، وكان أبو الفداء مطربا ( واعظا مادحا حسن الصوت جيد الغناء) ( تاريخ ابن اياس : 2 / 218 ط بولاق ). واشتهر الواعظ عبدالقادر الوفائي الشاذلى بحُسن الصوت والنغمة (حتى يضرب بحُسن صوت المثل ، مع ذكره بذلك غربا وشرقا )، على حد قول المؤرخ ابى المحاسن فى ( حوادث الدهور 3 / 729 ، وابن الصيرفى فى ( إنباء الهصر 87 ، 68 ) . وذكر الشعرانى  فى ( الطبقات الكبرى) أن الشيخ عبدالعال المجذوب كان (يمدح النبي عليه السلام فيُبكى الناس ، وكان يطوف القرى ويرجع الى مصر ) [442]...

3 ـ واشتهر صوفية آخرون بالغناء مثل ركن الدين الأربيلي شيخ رباط علاء الدين و( كان حسن الصوت ) ( تاريخ الجزرى : مخطوط : 2 / 79 )، وجمع بعضهم بين الغناء و ( الخلاعة ) مثل الشيخ زوين الصوفي الذى كان (حسن الغناء والخلاعة )، وهذا وصف المؤرخ ابن الفرات له ( تاريخ ابن الفرات : 9 / 2 /  356 ) . وبرع محمد برقوق التونسي في الغناء والانشاد ( وله شهرة طائلة)( تاريخ ابن اياس 2 / 128 ط بولاق ) ، ويصف المؤرخ ابو المحاس الشيخ الصوفى سليمان المادح، أنه كان  (ذا صوت شجي طروب يروح النفوس) [443]وقال المؤرخ المحدث ابن حجر عن الشيخ عبدالله المارداني أنه نشأ (مع قراء الجوق وله صوت مطرب ) ( إنباء الغمر : 2 / 368 .  ويذكر المقريزى فى تاريخه ( السلوك : 3 / 2 / 576 ) أنه اتفق في سنة 790 موت  خمسة من مشهوري المطربين الصوفية لم يخلفهم مثلهم في فنهم وهم سليمان المادح وابن الجمّال وأخوه خليل المشبب، وابن الشاطر رئيس المؤذنين بالجامع الأزهر وإسماعيل الوجيجانى )  .

4 ــ وكان بعضهم عازفا مطربا مثل الواعظ ابن القرداح الذي مدحه السخاوى فى تاريخ ( الضوء اللامع : 2 / 142 : 143 ) بأنه (انتهى اليه حُسن الانشاد في زمانه، حسن الوجه والكلام ورخامة الصوت وله اليد الطولى في الضرب بالعود والبراعة في الضرب بالسنطير ) ، وقليلا ما كان السخاوى يمدح أحدا.!!. وكان للشيخ الكومي علّامة في ضرب العود وفي فن الموسيقا في زمنه ، طبقا لما قاله ابن اياس ( تاريخ ابن اياس 1 / 2 / 301 ) . وانتهت الرئاسة في الضرب بالعود  للشيخ الصوفى ابن باباي أحد ندماء السلطان فرج والسلطان المؤيد شيخ ). هذا ما ذكره المقريزى فى السلوك( 4 / 1 / 476 ) وأبو المحاسن فى النجوم الزاهرة : 14 / 151 : 152 ).

شيوخ الفنون الموسيقية .

1ــ إشتهر شيوخ صوفية بمعرفة الموسيقى، فالسيواسى (كان علّامة في الفقه والتصوف والموسيقى ودرّس بالمنصورية والشيخونية ) ( 444)  ، أى جمع العلم بالمتناقضات ( الفقه السنى والموسيقى ).وقال المؤرخ العينى عن ابن شرنكار الحنفى إنه كان فاضلا في علم الموسيقى) [444]وكان الشيخ عارف العجمى أحد الصوفية بالخانقاة البيبرسية ( عارفا بالموسيقى وانتهت اليه الرئاسة في ذلك ) [445]وكان ابن عرب شاة ( يدري بالموسيقى ويقرأ في الترب) [446]، أى يستخدم موهبته الموسيقية فى التلاوة على القبور .

وقال المؤرخ السخاوى إنه : ( لم يُر بعد الشيخ حيدر وأخيه من يدانيهما في الموسيقى  )[447]  ولم يمنع إنشغال الشيخ شمس الدين الادفوى بالعلم والعبادة عن علمه بالموسيقى إذ ( كان يدري الموسيقى )على حد قول المؤرخ ابن حجر فى تاريخه ( الدرر الكامنة ) [448]، ويقول المؤرخ ابو المحاسن أنه كان لأبي عبد الله الحمصى (  يد ، في علم الموسيقى ) [449].

2 ــ وألف بعض الصوفية في علم الموسيقى مثل شرف الدين الصوفي المصري (وكانت له يد طولى في الموسيقى ، وله تصانيف في ذلك مشهورة ، منها نوتة الدوكاة : "وغيرى يغيره  البُعاد الجافي." ) [450]أى ألّف قطعة موسيقية مشهورة بهذا العنوان . ويقول الصيرفى أن ابن تغرى بردي أخذ علم النعمات والموسيقى وادوار صفي الدين عبد المؤمن عن الشيخ الامام فتح الدين العجمي وعن غيره،  وذكر له ( كتاب في الرياض والموسيقى) [451]. وانتهت الرئاسة في الموسيقى والالحان للشيخ حيدر الرومى الحنفى( وصنف فيهما مع الديانة والعبادة ) [452] ، أى كان موسيقيا ملحنا متدينا متعبدا .! وللصوفي الشهير أبو المواهب الشاذلي مؤلف في حل سماع العود ) [453]..

3 ــ وكان من الصوفية من ألف في الموسيقى مع موهبته في الشعر أو العزف مثل الشيخ شمس الدين المغازي الذي ( انتهت إليه الرئاسة في ضرب العود والموسيقى وهو صاحب التصانيف الهائلة في الموسيقى ) [454]وكان للشيخ شمس الدين البرهان ( نظم ونثر ويدري بالموسيقى وكان ينظم الشعر بالإيقاع على الضروب المختلفة يغني به المغنون ، وكان أيضا يلعب بالقانون . وقد رثى مملوكا له بشعر كثير ولحّنه ، فتداوله الناس ) [455]وكان الشيخ شرف الدين الصوفي الواعظ ينظم الشعر وله معرفة بالأنغام والألحان .. ) [456]..

  4 ــ ومن الصوفية المطربين الواعظين من ألّف فى الموسيقى مثل ابن رحاب (المغنى الناشد المادح فريد عصره ، وكان من نوادر الزمان، ينظم الشعر ،ويلحّن الخفائف بألحان غريبة ، وكان أخر مغاني الدكة في الدخول والطرب ، ولم يجيء أحد في الدخول مثله ) [457]، روبما يعنى ( الدخول ) إفتتاح الأغنية .

وكان إسماعيل الزفتاوي( من المنشدين الذين يماشون الملك في تلك التلحينات ولقد تعانى الأنغام وذاق الفن ووزن الشعر) وألمّ أبوبكر التركستاني نزيل القبة الداودارية) [458](بعلم الموسيقى مع حُسن الصوت ) [459]ومثله في حسن الصوت الشيخ ابن القرداح الذي (صار له جوق ) أى فرقة موسيقية ) وحظى عند الملوك والأكابر، وأحسن العزف على بعض آلات الطرب ، وعرف طرفا من الموسيقى والأنغام ) [460].

الشيخ الموسيقار المجهول : إبن كُرّ

1 ــ ونتوقف مع المؤلف الموسيقى المشهور فى عصره : ( إبن كُرّ ). كان هذا الشيخ الصوفى إمام أهل عصره في الموسيقى. ومن خلال ما ذكره عنه المؤرخان ابن حجر وأبو المحاسن ـ وقد عاصراه ـ نعرف أن إبن كُرّ ـ كان شيخا للزاوية التي بجوار المشهد الحسيني ، وشيخا لزاوية أخرى بالقرب من شاطيء الخليج . وقد قرأ فن الموسيقى على الشيخ القاضي علاء الدين التراكيشي وغيره، وتفوق ابن كُرّ على أقرانه فى علم الموسيقى ،  وصنّف فيه تصنيفا بديعا سماه (غاية المطلوب في فن الانغام والضروب) .

2 ــ يقول المؤرخ أبوالمحاسن ابن تغرى بردى : (سمغت مقدمته منه بمنزله فى الزاوية الذكور في شوال سنة 745 ، وقال: " ظهر لي خطأ جماعة من المتقدمين في هذا الفن مثل الفارابي وغيره وقد برهنت ذلك."). ويقول أبوالمحاسن عن فقهاء عصره الرافضين للموسيقى : (وعلماء عصرنا يستعيبون هذا الفن لعدم معرفتهم به ، وظنهم ان هذا الفن ليس هو غير ما يقوله العامة من الغناء والطرب . وليس هو كذلك . وإنما هو علم مستقل بذاته مشتق من العروض ، وفيه أراجيز ومصنفات نظم ونثر . وهو فن صعب إلى الغاية ، ولا يصل إليه إلا من له قوة في عصبه ، مع معقول جيد وذكاء وحُسن صوت . ومن الأراجيز في هذا العلم قول بعضهم :

 أصل الضرب على أربع انقسم وانحسب  فاصلة ومنفصلة والوتد والسبب

وأما علم النغمة فهو بحر لا قرار له . ) .

3 ــ ثم يعود المؤرخ أبو المحاسن ليقول عن الموسيقار ( إبن كُرّ) : ( وان ابن كُرّ هذا كان لا يمرّ به صوت مما ذكره أبوالفرج الاصفهاني في الأغاني إلا ويجي به ويجيده .) ومعروف أن أبا الفرج الأصفهانى ( 284 : 356 ) فى كتابه المشهور ( الأغانى ) كان يذكر الألحان للقصائد المُغنّاه المشهورة فى عصره العباسى . ونرجع الى أبى المحاسن وهو يقول عن إبن كُرّ يمدحه : ( وكان فيه شمم وعفاف ، لم يتخذ صناعة الموسيقى إسترزاقا ، بل فكاهة يروّح بها نفسه ) . أى كان مع علمه بالموسيقا هاويا لها وليس محترفا بها. ويقول عنه الفقيه قاضى القضاة المؤرخ ابن حجر: ( وقد رآه أحدهم غنّى فأضحك ثم غنى فأبكى ثم غنى فنوّم ، يقول : فرأيت بعيني ما كنت سمعت بأذني عن الفارابي . وقال أخر مر ابن كر على قوم يُغنُّون فحرك بغلته حتى مشت على إيقاعهم )[461].

4 ــ ومن أسف أن هذه الشخصية الموسيقية الفذّة لا يعلم بها أحد فى عصرنا ، والكتاب الذى صنّفه فى علم الموسيقى لم أعثر عليه فى المخطوطات . ويا حبذا لو إهتم بهذا الموسيقار ( الشيخ إبن كُرّ ) بعض الباحثين فى تاريخ الموسيقى ، ومن يفهم فى مصطلحات الموسيقى فى العصر المملوكى ، وأعترف بجهلى فى هذه المصطلحات حتى ما ذكره أبو الفرج الأصفهانى منها فى العصر العباسى . ويكفينا أننا أمطنا اللثام عن هذه العبقرية الموسيقية المجهولة .

 

أثر التصوف فى المغنى والغناء لغير الصوفية

كتاب : أثر التصوف  المعمارى والثقافى والاجتماعى فى مصر المملوكية

الفصل الثانى  :( أثر التصوف الثقافى فى مصر المملوكية )

 أثر التصوف فى المغنى والغناء لغير الصوفية :..

وتأثر الأخرون بذلك الجو الفني الذي أشاعه الصوفية وجعلوه دينا في العصر المملوكي، فازدهر الغناء العادى ، أو ( العلمانى )..

 من الأمراء والسلاطين :  

فالسلطان المؤيد شيخ الذي عُرف بحب السماع ( الغناء ) كان يحسن عزف الموسيقى  في مجالس أُنسه، وباهي أرباب الفن من ندمائه بحسن معرفته ) [462]. والسلطان الغوري كان له ولع بالموسيقى والغناء ، وكان له نظم والحان يُتغنى بها ) [463]. وتوفى في أيامه نديمه الأمير الناصري محمد بن قجق ، وكان (علّامة في ضرب الطنبورة عارفا بصنعة الأنغام ) [464]. وكان الماردينى نائب السلطنة (يجيد ضرب العود وقد حظى عند الناصر محمد ) [465]واجاد الناصري محمد بن على القلاووني ت 852 الغناء والموسيقى ) [466]وكانت للأمير ناصر بن البابا (مشاركة في الموسيقى ، وفضّل مجالسة الصوفية على مجالسة الأمراء) [467]

العوام :

 ولم يتخلف العوام عن الركب الفني الذي قاده الصوفية فبرعوا في الغناء والتلحين ( الشعبى ) ،بل اظهروا به رأيهم في الحوادث السياسية وغير السياسية ، وسبقت الاشارة لذلك فى المبحث الخاص بأثر الانحلال الخلقى . وفي سنة 818 " سافر السلطان المؤيد شيخ للشام بسبب عصيان النواب المماليك هناك ، وقد هبط النيل فطلع وغطى الجسر الذي كان قد اقامه السلطان المؤيد ، يقول ابن اياس : ( فتهتك الناس على الفرجة عليهم، ونصبوا الخيام على شط الروضة والمنشية ، وصنفوا في ذلك أغنية...:

يا رايح الشام غــادي                  سلم وبوس الأيادي

وقل لجيش المؤيد                آدي الحريم في الكوادي ) [468]

وقد وفى النيل سنة 845  فصنف العوام غنوة :

النيل أوفى في أبيب              تعالى خش يا حبيب

يقول ابن اياس عن تلك الأغنية : ( وهو كلام مطول ولحّنوه ) [469]. وفي فتنة الأمير قرقماس  الذى ثار وانتهى الأمر بقتله ، يقول ابن اياس عنه : ( صنف العوام غنوة :

يا قرقماس أُفُّو عليك   عملت عملة وجت عليك). يقول ابن اياس : (  وهو كلام مُلحّن ) [470]، هذا عدا أمثلة أخرى تدخل في الاستشهاد بمواضع لغير هذا البحث...

حفلات الغناء :

1 ــ وهذا العصر الذى إتخذ  الغناء شعيرة دينية إزدهرت الحفلات الغنائيةأو ( المغانى ) بتعبير العصر، ووجدت طريقها للتسجيل فى الحوليات التاريخية. فالمؤيد شيخ (أحضر المغاني وأرباب الالآت الى بركة النيل ، وانشرح في ذلك اليوم جدا ) على حد قول المؤرخ ابن اياس [471]..

2 ــ ويقول المؤرخ المملوكى ابو المحاسن ( وهو نفسه ابن الأمير المملوكى تغرى بردى ) ان العادة أن يكون لكل سلطان او ملك جوقة ( أى فرقة موسيقية )  من المغاني في داره، [472]. ويقول المؤرخ ابن اياس ( وهو ايضا من أصل مملوكى وقد عاصر السلطان الغورى) أن السلطان الغورى الهاوى للموسيقى كان يهتم  بأصحاب المغاني وأرباب الالآت، ويصطحبهم معه في سفراته ونزهاته [473]. هذا فى أواخر الدولة المملوكية.

3 ــ ومن قبل وفى الدولة المملوكية البحرية القلاوونية أقام السلطان الناصر محمد بن قلاوون حفلا لابنه ، فأحضر كل امير من الأمراء فرقة طرب أو (جوقة من المغاني)، ( وحصل لكل جوقة من المغاني ألف وخمسمائة دينار ، غير الخلع ( أى الهدايا من الملابس والتشريفة ) ، ورقصت نساء الأمراء بأمر السلطان ) [474].

4 ــ وشاركت فرق أو جوق (المغاني ) في الاحتفالات الرسمية، فى انتصار السلطان او فى توديعه أو فى إستقباله عند قدومه من السفر . وعندما دخل برقوق القاهرة بعد إنتصاره على غريمه الأمير منطاش وكان الى جانبه السلطان القلاوونى الطفل المنصور ( لاقتهما المغاني ) [475]..

وحين انتصر السلطان المنصور قلاوون على التتار (غنت المغاني في الأسواق وعلى أبواب الأمراء ) [476]وحين عاد السلطان المؤيد شيخ إلى مصر( قعدت المغاني صفوفا على الدكاكين تدق بالدفوف ) [477].

5 ــ ومن الطبيعي أن تروج حرفة الغناء وتصبح حفلاتها احد معالم الشارع المصرى وقتها ، إذ كانت فرق الغناء او جوق المعانى  تهرع لتتكسّب رزقها تنتهز أي حادث سعيد للكبار . ( وعندما شفى ناظر الخاص .... قعدت جوق المغاني على الدكاكين ) [478]. وكانت المغاني تزفُّ كتاب الوقف على المؤسسات الصوفية فى شوارع القاهرة ، [479]  ..

6 ــ وتكونت فرق غنائية او جوقات تتزعمها مطربات ، واشتهرن ، فذكرتهن حوليات التاريخ. وفى نهاية العصر اشتهرت منهن الريّسة ( أنغام ) من أعيان مغاني البلد،  والريسة خديجة ام خوجة من أعيان مغاني الدكة ، وعزيزة بنت السطحي فريدة عصرها في النشيد ، وهيفة اللذيذة التى صادر السلطان الغوري اموالها . [480]...

أخيرا : ملامح للتأثر بالتصوف فى الغناء المصرى الحديث والمعاصر

هذا يحتاج بحثا مستقلا ، ونشير اليه فى لمحة:

1 ـ لاتزال بصمات المتصوف واضحة في الغناء المصري الحديث والمعاصر . كانت مجالس الذكر الصوفى مدرسة لتخريج المغنيين ، ففيها نبغ عبده الحامولى ومحمد عثمان والشيخ سلامة حجازى و الشيخ يوسف المنيلاوى والشيخ سيد درويش. وفي القرى المصرية مئات من قراء الموالد هم في الأصل من أتباع الصوفية . وليس غريبا أن يُلقب اعلام الفن المتأخرون بالمشيخة كالشيخ صالح عبدالحي والشيخ زكريا أحمد، وفى عصرنا الشيخ إمام والشيخ سيد مكاوى. وليس غريبا أن تبدأ ام كلثوم حياتها بالإنشاد الصوفي في حلقات الذكر ، وأن يكون استاذها فى الغناء الشيخ أبو العلا ، وأن يبدأ محمد عبدالوهاب حياته صبيا مغنيا  في مسجد الشعراني..!....

2 ــ  وحقيقة والأمر أن التصوف مؤثر في الغناء المصري، إمّا  بالأصالة حيث كان المتصوفة هم اهل صناعة الغناء المصري تأليفا وتلحينا وتطريباً ، وإما بالتأثير غير المباشر حيث أوجدوا الجو الملائم لازدهار الغناء . بل كانت ولا تزال الحفلات الدينية للذكر الصوفى يصدح فيها الغناء العادى بالعاطفة الملتهبة للمحبوب ، ويرقص عليها الصوفية وهم يتخيلون إلاههم هو ذلك المحبوب طبقا لعقيدتهم فى الاتحاد والحلول ووحدة الوجود. كما نلمح مظاهر الوجد الصوفي من المستمعين فى الحفلات العادية والشعبية ،حيث التهليل وصراخ الاستحسان من الجمهور ـ مقترنا بلفظ الجلالة والدعاء والصلاة على النبي عليه السلام والعبارات الدينية الأخرى، حتى في سماع الأغاني الماجنة ..

3 ــ والأغنية المصرية المعاصرة لا تزال محملة بالتأثير الصوفى : إذ يغلب عليها الاتجاه العاطفي المبالغ فيه كما لو كان المحبوب  كائنا مقدسا ، أو ( وليا صوفيا ) ويكون المغنى ( مريدا له ) . ومع التهافت المزرى على المحبوب فإن المُحبّ لا يتحرك الى لقاء المحبوب ، بل يظل فى مكانه ينادى من يأتي له بحبيبه ، وهو دائما يظل يهتف بهذا لا يملّ ، مكتفيا بالنداء والقعود ، مثلا : هو لايذهب للمحبوب يعترف له بالحب ـ بل يجلس مكانه متكاسلا يقول ( قولوا له الحقيقة ..قولوا له بأحبه من أول دقيقة ) ، وحين يريد أن يعطى هدية للمحبوب يظل فى مكانه يطلب من الآخرين إحضار هدية للمحبوب ( يا رايحين الغورية هاتوا لحبيبى هدية ) . وحتى لو جاءه المحبوب يريد الزواج فإنه يظل قاعدا فى مكانه ينادى ( قولوا لمأذون البلد ييجى يكمل فرحنا ). وهذا التواكل من القيم الاجتماعية التى أرساها التصوف، وتعبر عنه الأغنية المصرية حتى الآن بلا خجل ولا وجل .

ولقد أشاع التصوف الشذوذ الجنسى وتعرضنا لذلك فى كتاب الانحلال الخلقى .وانعكس هذا فى التعبير عن المحبوبة الانثى بالمذكر ( يا حبيبى ـ وليس حبيبتى ) وشاع هذا فى قصائد الغناء ولا يزال ساريا ، حيث يصدح المطرب ينادى الحبيب وليس الحبيبة ـ هذا فى الأغلب طبعا.

هذا مع نغمة الحزن والسهر والسُهد بلا مبرر، والشكوى بلا طائل ، والهجر والحرمان والشوق الذى يعصف بالأبدان ، ( ثم إذا تزوج حبيبته عاملها كجارية بلا حقوق واعتبرها ناقصة عقل ودين .!!) .

الأغانى الشعبية فى الدلتا والصعيد والمقترنة بالمواويل يتسع مجالها ، ليس فقط فى الحب  ولكن أيضا فى رواية الحكايات الشعبية التراثية أو المصنوعة والتى تعبر بصدق عن العقلية الجمعية للعوام . وهى لا تتوانى فى إعطاء المواعظ والنصائح ، بالحث على الصبر والرضى بالأمر الواقع أى (المقسوم) والتخويف من غدر الأيام ومن ( العزول ) أى الخصم  الشامت و ( العويل ) أى البخيل ناكر الجميل ، والإشادة ب ( الأصيل ) أى الشهم أو ( الجدع ) .

إلّا أن الأغانى العادية التى تطارد الناس فى ( وسائل )الاعلام و( وسائل المواصلات) تركّز على الحب بين الذكر والأنثى ، وتتوارى فيها مشاعر الحب خارج هذا النطاق ؛ فقلما تجد أُغنية عن الحب الأخوى والصداقة والجيرة والأقارب والوالدين وحُب الانسانية والقيم العليا،  بل لا تجد أثرا لوصف جمال الطبيعة ومباهج الحياة ، كل ذلك يتم إختزاله فى عشق رجل لمراة أو إمرأة لرجل .

كل هذا فى رأينا يهون ولا بأس به ، أما الذى نرفضه فهو استخدام لفظ الجلالة " الله" ليس فقط فى الغناء ، ولكن أيضا كفاصلة موسيقية . هذا يعكس الأصل الدينى الصوفى الذى جعل الدين  لهوا ولعبا .

 

 

 

 

 

أثر التصوف في الفنون المعمارية والزخارف المملوكية

كتاب : أثر التصوف  المعمارى والثقافى والاجتماعى فى مصر المملوكية

الفصل الثانى  :( أثر التصوف الثقافى فى مصر المملوكية )

  أثر التصوف في الفنون المعمارية والزخارف المملوكية ...

مدخل

1 ـ ليس فى الاسلام اهتمام بالمظهر لأنه دين التقوى القلبية فى الايمان بالخالق جل وعلا وحده ، وبإخلاص العبادة له وحده . والصلاة فى الاسلام لا يشترط فيها أن تكون فى جماعة ، بل ربما تكون صلاة الجماعة فرصة للرياء كما كان يفعل المنافقون خداعا لله جل وعلا : (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً (142) التوبة) .ولا يشترط ان تكون الصلاة فى مساجد ، بل المهم ان يكون العابدون فى ( بيوت ) يعمرونها بالتقوى (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (36) رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38) النور )  وأن تكون الصلاة خاشعة لرب العزة ، فالمؤمنون المفلحون هم الذين فى صلاتهم خاشعون وعليها يحافظون (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) المؤمنون). هى ( إقامة الصلاة) التى تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر (وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ   )(45)العنكبوت )، وتعمير المساجد ليس بزخرفتها ولكن بتعمير قلوب روادها بالخشوع والتقوى : ( مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17) إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ (18) أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19)التوبة ). هذا فى الاسلام القائم على تعمير القلوب والسمو بالسلوك .

2 ــ أما الدين الأرضى فهو مؤسس على الاحتراف الدينى والتدين السطحى المظهرى ، لذا ترتفع فيه المعابد سامقة عالية مزخرفة مزينة ، تبعث الرهبة فى النفوس ، ليحوز الحجر على التقديس ، وخصوصا حجر القبر المقدس أو الصنم المقدس أو الوثن المقدس .

والعمائر المملوكية الدينية لا تزال شاهدا على الفخامة حتى الآن ، وهى تشكل معظم الآثار الدينية فى القاهرة . ومن عجب أننا لا نجد من آثار المماليك قصورا لهم ، وحتى القلعة مركز الحكم ومقر السلطة ـ بناها صلاح الدين الأيويى . ولم يحرص المماليك على بناء قصور لهم بجوارها ، بل حرصوا على بناء (ترب ) أو مدافن ومقابر لهم ، وأقاموا على تلك الترب مؤسسات صوفية فخمة من الخارج مزخرفة من الداخل ، وعينوا فيها من يتفرغ فى الدعاء لهم ليدخلوا الجنة ، ووظّفوا من يقوم فيها بتدريس العلوم الشرعية من فقه وحديث وتفسير وقراءة قرآن وتعليم أيتام ليكون هذا ثمنا لدخولهم الجنة وتكفيرا عن ظلمهم البشع . وهم بذلك ممثلون حقيقيون لأتباع أى دين أرضى ( مزخرف ) ( منمق ) ، تخفى زخرفته ظلما للخالق جل وعلا وللناس أيضا . ويوم القيامة سيرون أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار: ( كَذَلِكَ يُرِيهِمْ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْ النَّارِ (167) البقرة )

3 ــ ونعطى لمحة عن أثر التصوف فى الفنون المعمارية في القباب والزخارف بأنواعها حتى في غير المعمار....

 القــبــاب

1 ـ توجد القباب فى معظم معابد الأديان الأرضية ، بل تتشابه قباب بيوت العبادة للمحمديين والمسيحيين ، لذا كان سهلا تحويل كنيسة آيا صوفيا فى القسطنطينية الى مسجد محمد الفاتح بعد فتحها . ويرى الباحثون المتخصصون أن القباب كانت أهم مميزات العمارة المملوكية الذى كان العصر الذهبى للعمارة الدينية ، فهو عصر التصوف وعصر القباب أيضا.، وأُطلق على المماليك (بناة القباب) ، حيث كانت القبة إحدى ميزات ثلاث للعمارة المملوكية ، تلك العمارة التي كان يلحق بها ضريح المنشيء ، فانتشرت القباب على منشئات دينية وغير دينية وانتشر بناء المدافن الكبيرة وهى تتشابه فى تصميمها الى حد كبير [481].

2 ـ وتقدمت صناعة القباب الحجرية في العصر المملوكي ووصلت الى  الذروة جمال خطوطها وزخارفها من الداخل والخارج ، [482] ، وبذل معمار العصر جهده لتشرف القباب على الطريق [483] ..وظهرت أنواع مختلفة من القباب، منها نصف الكروية والمضلعة والبيضاوية،  بل وجدت قبة كبيرة تنتهي فى اعلاها بمنور فوقه مثمنة تحمل قبة صغيرة مضلعة ، وهي قبة الشيخ المنوفي [484]..

3 ـ وتنوع استخدام القباب فكانت تستعمل غطاء للأضرحة خصوصا . واستخدمت القباب الصغيرة كمناور في سقف المسجد وردهات الدور لإضاءتها ، بل وسُقفت الحمامات بالقباب ، وأُستعملت لتغطية الميضات (دورات المياه) في وسط صحون المساجد المكشوفة  [485] ، وعملوا على التنسيق بين القباب والمآذن.  [486]  ليصبحا معا أهم علامتين للعمارة الدينية فى العصور الوسطى .

4 ـ وتطورت القبة  فىعصر المماليك البحرية فكانت أكبر حجما وتدل على مكان  القبلة كما في مسجد بيبرس والناصر محمد والمارداني . وشهدت دولة المماليك البرجية نهاية تطور القبة ذات المقرنصات مع زيادة عدد صفوف المقرنصات ، وصغر حجم القبة والإسراف الشديد في زخارف القبة الخارجية .

5 ــ واعتنى عصر المماليك البرجية بالأضرحة مع التسيد المطلق وقتها للتصوف وتقديس أوليائه ، فأصبح الضريح أهم أجزاء المنشأة ، وكان الضريح قبل ذلك فى دولة المماليك البحرية فى ركن غير ظاهر . أكثر من هذا ، فقد أحيا عصر المماليك البرجية الأسلوب الفاطمى الشيعى فى تشييد أبنية مستقلة للأضرحة . [487] .

6 ـونذكر بعض الأمثلة لأهم القباب المملوكية :

فالقبة أهم ما يسترعى النظر فى مجموعة السلطان قلاوون ( الخانقاة وملحقاتها )، والقبة فى هذه المجموعة تعلو الضريح ،ويتوسطها قبر المنصور قلاوون  وقبر ابنه الناصر محمد وقبر الحفيد علاء الدين اسماعيل . وتعتبر من أروع المدافن الأثرية ، وتظهر فيها التأثيرات السورية من الشرق والتأثيرات الأندلسية من الغرب )[488] ، تبعا للقدوم الصوفى لمصر من الشرق والغرب .

وواجهة مسجد الأمير سلار والأمير سنجر الجاولى فريدة في نوعها ، وتجاورهما مئذنة ، وتمتاز القبتان بشكلهما المضلع من الخارج .

وفي الرواقين الجانبين فى ضريح وخانقاة السلطان برقوق تجري البائكات في اتجاهين متعامدين مكونين قبابا منخفضة محمولة على مثلثات كروية .

وتشمل خانقاه برسباي بالقرافة على قبة حجرية عظيمة تظهر فيها عظمة القباب المملوكية الطراز [489] ،

7 ـ وقد روعى فى تصميم بناء المسجد نفس تصميم المدرسة والضريح  [490]..وكان تشييد الخوانق سببا في إيجاد مظاهر معمارية متعددة كالمقعد لصاحب المنشأة ليجلس عليه عند زيارته لها. واتخذ  المقعد اشكالا واوضاعا مختلفة  [491]...

الـزخــــــرفــــة

1 ــ زادت العناية بواجهات المساجد كقاعدة متبعة في العصر المملوكي  [492] . وبتصغير مساحة  المنشأة في الدولة البرجية بولغ في النقش والزخرفة .[493] . ومن المعروف ان المساجد القديمة كانت خالية من أي نقش من الخارج ، وجدرانها كانت غاية في البساطة . أما مساجد المماليك فإن لها واجهات فخمة وقوارير غائرة ومداخل غير نافذة وأفاريز منقوشة  [494].. وتفنن المعمار المملوكى في "RTL"> زخــرفــة الـكــتــب

1 ــ ومن ناحية أخرى كانت العناية بزخرفة جلود المصحف والكتب . ويرى السبكي انه من الحلال تحلية المصحف بالذهب مطلقا ، واما غير المصحف فقد اتفق أنه لا يجوز تحليته بالذهب [497]. وزخرفة المصحف ــ كتلحين القرآن ــ جهد صوفي يهتم بالمظهر ويهمل المضمون،  لذا عمل الصوفية في ذلك الميدان . وازدهرت بهم حرفة تذهيب المصاحف مع حرفة تجليد الكتب وزخرفتها.

2 ــ وكان الشيخ شمس الدين بن هبة الله بارعا في تذهيب المصاحف [498] . وعمل اتباع الشيخ جمال الدين الشيرازي في تجليد الكتب  [499] ، وتكسب بصناعة تجليد الكتب الشيخ سالم ( القرشي ثم الحموي  ثم المكي ثم القاهري  [500] أي انه طوف بتلك البلاد من حماة الى مكة ومنها الى القاهرة التى استقر بها حيث تروج حرفته، وتوظف صوفيا في حانقاة سعيد السعداء .

3 ــ وانفردتمصر المملوكية بنوع معين من الجلود ، قوام زخرفته رسوم هندسية او أشكال متعددة الاضلع مجتمعة في اشكال نجمية . وقد اشتهرت صناعة التجليد عند الأقباط قبل الفتح العربى ، إلا انها تطورت واتخذت الشكل (الاسلامى ) منذ القرن السابع بابتداء ازدهار التصوف. ثم بلغ فن التجليد في مصر أرقى مراتب التقدم في القرن الثامن، ومنذ ذلك الوقت قادت القاهرة فن التجليد ، حتى لقد استقدم تيمورلنك إلى بلاطه مهرة المجلدين المصريين .

4 ــ ويمتاز تجليد الكتب العربية والمصاحف والربعات المملوكية ( أجزاء المصحف ) بتغطية جلدة الكتاب كلها بزخارف هندسية متشابكة مطبوعة بالآت محمّاة ، وكان يزيد في رونقها زخارف ذهبية مضغوطة ....

5 ـ وبلغت صناعة التجليد في مصر أوج عظمتها حقا في القرن التاسع الهجرى الذي شهد انتاج أفخر المخطوطات وأثمن المصاحف ذات الخطوط الجميلة والزخارف من الجلود الفاخرة . ويعتبر هذا القرن العصر الذهبي لصناعة تجليد الكتب والمصاحف من حيث المهارة الفنية والغنى والرشاقة التي تتضح في زخارف ورسوم الجلد التي تضم المخطوطات والمصاحف. ورأيت بنفسى بعضها فى قسم المخطوطات فى دار الكتب المصرية ـ لا تزال تحتفظ برونقها بعد مئات السنين .!

6 ــ وعنوا أيضا بباطن المجلد وألبستها مع الكعب واللسان . وقد اشتهر ذلك الابداع الفني عموما في القرن التاسع وبداية القرن العاشر . وغطت الزخارف أحيانا السطح كله بالضغط أو الدق بآلات بسيطة .

7 ــ ولا شك أن فنون العمارة المملوكية وزخارفها قد أثرت على فن التجليد لدرجة أننا نجد الأشكال الهندسية والطبيعية سواء في الحجر والحصى والخشب ــ في جلود بعض المخطوطات والمصاحف التي ترجع إلى نفس العصر . [501]

8 ــ  وقد تأثرت أوربا بذلك الفن عبر الحروب الصليبية . وتوسع بعض الباحثين في نواحي تأثير تلك الحرب في تقدم اوربا فى فن زخرفة جلود الكتب [502]..

الكتابة الفنية :ـــ( فنّ الخطّ العربى )

1 ــ كانت الكتابة الفنية إحدى عناصر الزخرفة في المعمار وتجليد الكتب . فواجهات الحوائط كان يتم زخرفتها بآيات قرآنية وأحاديث مكتوبة بخط رائع ، وكذلك الحال فى تجليد الكتب .

 2 ـ  وقد حرصوا على تدريس مادة ( الخطّ ) وأنواع الخطوط في المؤسسات الصوفية ، وإخترع الصوفية أنواعا جديدة من الخط ، أصبح منسوبا اليهم ، الى جانب الخطوط المختلفة المعروفة باسم ( النسخ ، الرقعة ، الكوفى )..الخ . وعرفت المؤسسات الصوفية وظيفة التكتيب أى تعليم هذه الخطوط المختلفة ، ومدرس الخطّ أو ( التكتيب ) كان يعلم الخط المنسوب للصوفية وغيرهم ، كما ورد في حجة جوهر اللالا . وممن تولى هذه الوظيفة في الخانقاة الأشرفية برسباي الشيخ فخر الدين موسى.  وممن اشتهر بخطه في العصر المملوكي الشيخ خطاب الدنجيهي ، وقد كتب عدة مصاحف وغيرها للسلطان قايتباي ويشبك الداودار ، وتصدر للتكتيب بالجامع الأزبكي .

3  ـ ومدرس الخط ( أو التكتيب ) كان ينال أجازة ( أو شهادة ) في الخط تسمح له بتدريس الأنواع المختلفة من الأقلام الصوفية بالخوانق وغيرهم . وكانت الاجازة أو الشهادة الدراسية ــ بوجه عام ــ  يمنحها الأساتذة لطلابهم في مادة معينة عندما يصبح الطالب قادرا على تدريسها لغيره كعنوان للإجادة . وكان الشيخ أبو الفضل بن الأعرج السنباطي كاتب وثائق الغوري (ممن تصدي للتكتيب ) فى عصره  . وجاء في وثائق وقف الغوري :( يصرف لرجل كاتب ديّن ( أى متدين ) خيّر مأمون عالم بعلم الكتابة مُجازا  بالأقلام السبعة ( انواع الخطوط السبعة ) يقرره الناظر في وظيفة التكتيب بهذا الوقف ، على أن يتردد للمكتب المذكور....فى كل أسبوع ، ويعلم الناس فنون كتابة ما يرغبون في تعليمه منه )[503]  [504]

هذا .... وقد كانت خيمة المولد النبوي التي صنعت لقايتباي من عجائب الزخرفة فى عصرها  يقول عنها ابن اياس : ( وكانت تلك الخيمة من جملة عجائب الدنيا ... وكانت كهيئة القاعد ولها أربعة أواوين وفوقهم قبه بقمريات ، والكل قماش ، وكان فيها تقاصيص غريبة وصنايع عجيبة ، لم يعمل الآن مثلها ابدا ، فكانت اذا جاءت أيام المولد يحضرون جماعة من النواتية نحو خمسمائة انسان ، حتى ينصبونها في الحوش السلطاني . وكانت ضمن شعار المملكة )... (تاريخ ابن اياس 5 / 172 تحقيق محمد مصطفى )

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 



[1]
ــ ابن الجوزي تلبيس إبليس 397 ، 343 ، 328 ، 329

[2]ــ ابن الجوزي تلبيس إبليس 397 ، 343 ، 328 ، 329

[3]ــ ابن الجوزي تلبيس إبليس 397 ، 343 ، 328 ، 329

[4]ــ أحمد محمود صبحي : التصوف إيجابياته وسلبياته .. عالم الفكر ص 361

[5]ــ لطائف المنن لابن عطية 68 ، 61

[6]ــ الطبقات الكبرى للشعرانى 2 / 91 ، 74

[7]ــ الطبقات الكبرى للشعرانى 2 / 74

[8]ــ الشعرانى آداب العبودية  15

[9]ــ لطائف المنن 167 وما بعدها ..

[10]ــ الطويل : الشعرانى إمام التصوف في عصره 101

[11]ــ الشعرانى الطبقات الكبرى 2 / 132

[12]ــ الشعرانى الجواهر والدرر 264

[13]ــ الشعرانى لطائف المنن 297 : 298

[14]ــ لطائف المنن 266 ، 374

[15]ــ لطائف المنن 266 ، 374

[16]ــ فتوح النصر مخطوط 2 / 259

[17]ــ مناقب الحنفى مخطوط : 181 : 183 ، 199 ، 202 ، 203

[18]ــ المدخل 2 / 166

[19]ــ الشعرانى كشف الران 63 الطبقات الكبرى للمناوى  ب255 مخطوط

[20]ــ الشعرانى الميزان الخضرية  39

[21]ــ الشعرانى الطبقات الكبرى 1 ــ 5

[22]ـ الشعرانى ـ الجواهر والدرر   257

[23]ــ أحمد محمود صبحي التصوف 361

[24]ــ الشعرانى الطبقات الصغرى  31

[25]ــ اليافعى روض الرياحين 171 ، 172

[26]ــ الدرر الكامنة 4 ــ 392

[27]ــ تاريخ البقاعى مخطوط 6 أ ..

[28]ــ الجواهر والدرر 286

[29]ــ السيوطى أعيان الأعيان 23  ، لطائف المنن للشعرانى 34 ــ الطبقات الكبرى للمناوى مخطوط 336

[30]ــ طبقات الشاذلية 111

[31]ــ الطبقات الكبرى للشعرانى 2 / 19

[32]ــ الشعرانى  لطائف المنن 404

[33]ــ درر الغواص 2

[34]ــ الطبقات الكبرى للمناوى مخطوط 254

[35]ــ لطائف المنن لابن عطاء 64 ، تعطير الأنفاس مخطوط 236 ، الطبقات الكبرى للشعراني 2 ــ 13 ، الطبقات الكبرى للمناوى 261

[36]ــ الطبقات الكبرى للشعرانى 2 ــ 27 : 28

[37]ــ نيكلسون  في التصوف الإسلامي 21

[38]ــ الطبقات الكبرى للشعرانى  2 / 19

[39]ــ لطائف المن للشعرانى 381 

[40]ــ أخبار القرن العاشر مخطوط 198 : 199

[41]ــ الطبقات الكبرى للشعرانى 2 ـ 86

[42]ــ لواقح الأنوار  271

[43]ــ عبد الصمد ــ الجواهر ــ 11 ، 84 ، 36

[44]ــ عبد الصمد ــ الجواهر ــ 11 ، 84 ، 36

[45]ــ عبد الصمد ــ الجواهر ــ 69 ، 35 ، 36

[46]ــ عبد الرؤوف سعد مقدمة الجوهرة للدسوقى

[47]ــ الطبقات الكبرى 1 ــ 154

[48]ــ الطبقات الكبرى 1 ــ 172 ،  الضوء اللامع 1 ــ 332

[49]ــ مناقب الفرغل مخطوط في مواضع متفرقة والطبقات  الكبرى للشعرانى 2 ــ 93

[50]دائرة المعارف الإسلامية 13 ــ 57

 

[51]ــ الطالع السعيد 317 : 338 ترجمته كاملة ..

[52]ــ ابن حجر رفع الأصر 351 ر 352 ، اليافعى مرآة الجنان 4 ــ 153 ، 154 ، الشعراني الطبقات الكبرى 1 ــ 15

[53]ــ تاريخ ابن اياس  1 ــ 112 طـ بولاق

[54]ــ راجع ثبت مؤلفات في القرعى : سلطان العلماء 27 : 29 ، على صافى حسين ابن دقيق العيد 50 : 51

[55]ــ السخاوى الذيل على رفع الأصر 85 ، التبر المسبوك 230 ، 235 ، ومثله إكمل الدين البابرتى السلوك 3 ــ 2 ــ 527   محمد عبدالغنى حسن : ابن خلدون المحلة عدد  53 ، ص 66 عبد الواحد وافى ، عبد الرحمن ابن خلدون 106 ، 107

[56]ــ دافع بعضهم عن العز وفسر علاقته بالشاذلى على انها صداقة وأن رقصه كان بمعنى الرقص الشائع في العصر المملوكي وأن تصوفه إشاعة سببها صلته بأشياخ الصوفية: ولكن لم ينقل عن العز إلا المدح للتصوف دون أدنى إشارة للإنكار مع ما عرف عنه  من حدة في الطبع وإنكار على الملوك .. راجع دفاع : محمد حسن عبد الله في كتابه : عز الدين بن عبد السلام ص 165 : 190

[57]ــ سعاد ماهر : مساجد مصر 1 ــ 168

[58]ــ أبو الفيض المنوفي : جمهرة الأولياء  2 ــ 241

[59]أخبار القرن العاشر  مخطوط 76

[60]ــ المدخل 2 ــ  102

[61]ــ أبو الفيض المنوفي   جمهرة الأولياء : 2 ــ 241

[62]ــ لطائف المنن 293 : 294

[63]ــ آداب العبودية 11 ، 102

[64]ــ لطائف المنن 100 ، 

[65]ــ لطائف المنن   ، 154

[66]ــ النجوم الزاهرة 11 ــ 389 الذيل على رفع الإصر للسخاوى  90 ، البدر الطالع 2 / 234 ، 235

[67]ــ أنباء الغمر 3 ــ 57 إلى 64 ،  

[68]ــ أنباء الغمر  2 / 80

[69]ــ النجوم الزاهرة 15/ـ 127

[70]ــ ابن العماد الحنبلى : شذرات الذهب 7 ــ 51 ، 52

[71]ــ الأبشيهى : المستظرف 1 ــ 22

[72]ــ  المقدمة : 531  ، 522

[73]ــ أخبار القرن العاشر 79

[74]ــ الطبقات الصغرى للشعرانى 80

[75]ــ معبد المنعم 99 ، 100

[76]ــ عبد الوهاب عزام مجالس الغورى 38

[77]ــ أحمد أمين :ي قاموس العادات والتقاليد 173

[78]ــ حمودة :  صفحات من عصر السيوطى 248

[79]ــ السيوطي أسئلة السلطان قايتباي مخطوط ورقة 27

[80]ــ ضحى الإسلام 4/ 210 ، 214 ، 215

[81]ــ ظهر الإسلام  4 ــ 191

[82]ــ ظهر الإسلام 4 ــ 191 : 195

[83]ــ محمد يوسف موسى ابن تيمية 48

[84]ــ لمحة عامة إلى مصر 1 ــ 554

[85]ــ ر اجع الكتب والرسائل في ثبت المراجع الخاص بالسيوطي

[86]ــ التبر المسبوك 401

[87]ــ تحفة الأحباب 217 ، 219

[88]ــ على صافى حسين : ابن الصباغ القوصى 161

[89]ــ المستظرف 1 ــ 98 ، 99 ، 136 ، 146 وما بعدها ..

[90]ــ المقصد في عمل المولد 306 مخطوط مجاميع تيمور ..

[91]ــ التنفير من الأمرد  255

[92]ــ حكم الأمرة مخطوط ورقة 40

[93]ــ التبر المسبوك 232

[94]ــ في كتب المناقب وفي الطالع السعيد الأدفوى

[95]ــ قواعد الصوفية 1 ــ 48

[96]ــ عمار : الشاذلى 1 ــ 202

[97]ــ الإلمام للنويري مخطوط  1 ــ 137 ، 231

[98]ــ الإلمام للنويري مخطوط 1ــ 137 ، 231

[99]ــ الدميري حياة السيوان 2 ــ 16

[100]ــ العيدروس  النور السافر 2 : 5 مخطوط

[101]ــ تاريخ ابن اياس 1 ــ 2 ــ 287

[102]ــ الضوء اللامع 4 ــ 252

[103]ــ ابن عطاء لطائف المنن 71 ،

[104]ــ الطبقات الكبرى للشعرانى 1 / 144 ، 146

[105]ــ طبقات الشرنوبي مخطوط ورقة 1

[106]ــ لواقح الأنوار 271

[107]ــ لطائف المنن للشعرانى 55..

[108]ــ لواقح الأنوار 284

[109]ــ في التصوف الإسلامي 76 / ونحو ذلك في : الصلة بين التصوف والتشيع 432 : 425

[110]ـ جولد زيهر ـ مذاهب التفسير الإسلامي 247 ، 282 ، 283

[111]ــ لطائف المنن 110

[112]ــ عبد الحليم محمود : أبوالعباس المرسى 91 : أعلام العرب 2 / 1967

[113]ــ عبد الحليم محمود المرسى 120

[114]ــ أحمد محمود صبحى : التصوف اجابياته وسلبياته مجلد 6 عدد 2 / 350 : 354 يراجع معه عبد الحليم محمود كتابه المرسى 91 وما بعدها وكتابه عن الشاذلى 106 وما بعدها ولطائف المنن لابن عطاء 110 ، 119 ، 122 ، 125

[115]ــ مذاهب التفسير الاسلامي 248 وما بعدها

[116]ــ أنباء الغمر 2 / 87 : 88

[117]ــ كتاب عبد الحليم محمود عن المرسى 122

[118]ــ مناقب الوفائية مخطوط 100 ، 101

[119]ــ مناقب الحنفى مخطوط 298 : 301 ، الطبقات الكبرى 2 ــ 83

[122]ــ طبقات الشرنوبي مخطوط 2 :: 4

[124]ــ راجع عبد الحليم محمود : الشاذلى 101  وما بعدها، وكتابه ( أبو العباس المرسى 76 وما بعدها و103 وما بعدها

[125]ــ مناقب الوفائية مخطوط 101

[126]ــ لطائف المنن لابن عطاء 16 وما بعدها

[127]ــ القرآن والنبي 343

[128]ــ أحمد أمين فجر الإسلام 254 و 257 ، 329

[129]ــ الطبقات الكبرى للمناوى 1 ــ 223

[130]ــ 234

[131]ــ السلمى طبقات الصوفية 19 تحقيق شرابة

[132]ــ تلبيس إبليس 164

[133]ــ المقريزي : المقفى :  مخطوط 3 ــ 40

[134]ــ النجوم الزاهرة 13 ــ 164

[135]ــ ابن حبيب درة الأسلاك مخطوط 1 / 113

[136]ــ تأيد الحقيقة العالية 5 وما بعدها

[137]ــ الطبقات الصغرى للشعرانى 33 وحاشية 1

[138]ــ كوكب الروضة مخطوط 1 ، 2 ، 33 ، 34 ، 75 

[139]ــ الكواكب السائرة 1 ــ 228

[140]ــ مناقب السيوطى مخطوط ورقة 3

[141]ــ الضوء اللامع 4 ــ 68 ، 69

[142]ــ العيدروس : النور السافر فى أعيان القرن العاشر : 55

[143]ــ الوافى بالوفيات 2 ــ 132

[144]ــ أنباء الغمر 2 . 309 ، 310

[145]ــ تاريخ ابن طولون 1 ــ 159

[146]ــ قواعد الصوفية 1 ــ 27 : 29 ، 50

[147]ــ الطبقات الصغرى 61

[148]ــ رسائل الأحاديث الموضوعة مخطوط ورقة 424 ، رقمها بالدار 122 . مجاميع تيمورية ، آخر رسالة في المجموعة

[149]ــ أنباء الغمر 3 ــ 165

[150]ــ السلوك 3 ــ 1 ــ 871

[151]ــ تحفة الأحباب 184

[152]ــ أورد السخاوى في الضوء اللامع 2 ــ 263 نقلا عن عقود المقريزى وهو كتاب مجهول

[153]ــ انباء الغمر 3 ــ 49

[154]ــ انباء الغمر 3 / 49

[155]ــ التفاصيل في الباعث على إنكار الحوادث 9 : 29

[156]ــ مؤلف مجهول : رسالة في الاحاديث الموضوعة 430 : 432 مخطوط 

[157]ــ المستظرف 1 / 19

[158]ــ رسالة في الأحاديث الموضوعة 425

[159]ــ نص الحديث في الكواكب السيارة 159

[160]ــ روض الرياحين 86 جوهرة الدسوقى 94

[161]ــ الكواكب السيارة 118  ، انباء الغمر 2 / 272

[162]ــ المستظرف 2 / 237 : 238

[163]ــ رسالة في الأحاديث الموضوعة 727

[164]ــ تعطير الأنفاس مخطوط 215 : 216

[165]ــ الكواكب السيارة 109

[166]ــ الكواكب السيارة 345

[167]ــ الإلمام  للنويرى السكندرى : مخطوط 1 / 133 ،  رسالة الأحاديث الموضوعة 430  ،  المستظرف 2 / 297 : 301

[168]ــ رسالة الأحاديث 428 : 429 ، رسالة الأحاديث 430

[169]ــ تكسير الأحجار مخطوط 146

[170]ــ اكتشفه الصوفية ونشروه اقرأه في خطط المويزي ط

[171]ــ ألف الزركشي رسالة في الرد على من نادى بحل الحشيش اعتمادا على الأحاديث الموضوعة في ذلك من أدعياء الصوفية

[172]ــ رسالة في الأحاديث الموضوعة 427 : 520

[173]ــ  رسالة في الأحاديث الموضوعة 427 : 520

[174]ــ مخطوط 18 ، 19 ، 20 ، 24 ، 25 ، 53 ، 64 ، 110 ، 130

[176]ــ هو صوفي كتب مناقب للصوفية بعنوان بهجة الأسرار

[177]ــ ابن القيم الجوزيه : المنار المنيف في الصحيح والضعيف تحقيق عبد الفتاح أبو غده .. متفرقات من صفحات 47 ، 52 ، 56 ، 61 ، 63 ، 50 ، 64 ، 66 ، 67 ، 76 ، 80 ، 95 ، 99 ، ــ 10 ، 106 ، 110 ، 112 ، 116 ، 117 ، 119 ، 128 ، 129 ، 130 ، 133 ، 134 ، 139 ... إلخ

[178]ــ ابن تيمية : أحاديث القصاص تحقيق الصباغ من ص 67 وما بعدها 1 ..

[179]ــ ابن القيم الجوزية المنار المنيف ــ 136 ، 139

[180]ــ ابن القيم الجوزية المنار المنيف ــ 136 ، 139

[181]ــ تحفة الأحباب 216

[182]ــ راجع الاستراحة المزورة في الأثر المعمارى

[183]ــ شذرات الذهب 5 / 347 والجواهر السنية لعبد الصمد 71 ــ 73 وانظر ما قبيل عن الحنبلي في تاريخ ابن كثير 14 / 7  والسلوك 2 / 2 / 48

[184]ــ أبناء الغمر : مخطوط 1226 ، 1227 ، عقد الجان وفيات 847 ، النجوم الزاهرة 11 ، 209 ، 15 ، 500 ، راجع مناقب الحنفى 356 وما بعدها

[185]ــ راجع مناقب الحنفى 352 وما بعدها ، 37 ، وارشاد المغفلين للشعراني 231 ، 232

[186]ــ خطط المقريزي : 4 / 201 : 256 ، 225 على الترتيب

[187]ــ مدرسة فخر الدين ابن الفرج نزهة النفوس 2 / 429 عقد الجمان 821 لوحة 470 مدرسة الجمالى

[188]ــ تاريخ ابن اياس 2 / 331 تحقيق محمد مصطفى وانظر تاريخ ابن اياس  1 / 230 ، 271 ، التبر المسبوك 276 ، أبناء الغمر 3 / 175 ، 425 ، انباء الهصر 194  المنهل الصافي ، الضوء اللامع 4 / 33 ، 6 / 216 ، وتحفة الأحباب 66 مجرد امثلة

[189]ــ تحفة الأحباب 84 ، المنهل الصافي 4 / 457 وانظر المنهل 4 / 394 حوادث الدهور 517

[190]ــ النجوم الزاهرة 14 / 266 تاريخ ابن اياس 1 / 221 بولاق

[191]ــ الخطط للمقريزي 4 / 241 ، 247 ، 248 ، 253 والمنهل الصافي 2 / 120 ، 121

[192]ــ تحفة الأحباب ، تاريخ ابن اياس 1 / 2 / 792 ..

[193]ــ المنهل الصافي 3 / 253 أي المدرسة للتعليم والرباط للإقامة ..

[194]ــ الدرر الكامنة 3 / 23

[195]ــ النجوم الزاهرة 16 / 195 الضوء اللامع 3 / 76

[196]ــ أبناء الهصر 222 ، 223  ، السلوك 4 / 1 / 313 ، 3 / 2 / 946  صبح الأعشى 3 / 33 النجوم 11 / 240 المنهل 2 / 134  ، تاريخ ابن اياس 4 / 68 ، 236  نفائس المجالس 36

[197]ــ تحفة الأحباب 102 ، وسمي أبو المحاسن مدرسة برقوق تربة : النجوم 13 / 102 : 103

[198]ــ عقد الجمان مخطوطة سنة 822

[199]ــ خطط المقريزي 4 / 117

[200]ــ دولت حسن كريم الخوانق 37

[201]ــ د .حسن حبشى في تحقيق نزهة النفوس هامش 1 في 3 / 25

[202]ــ هيئة وقف الجمال الاستادار انظر الملاحق إبراهيم 46 : 47

[203]ــ صبح الأعشى 3 / 345

[204]ــ خطط المقريزي 4 / 113 وانظر غيره في الخطط 4 / 140 ، 136

[205]ــ حجة قايتباي 67 ، 68 حيدرساى تشردراج  3 وانظر السلوك 4 / 2 / 717 الخطط 4 / 124

[206]ــ وثيقة الغوري 83 سطر 1487

[207]ــ المقريزي 4 / 936

[208]ــ الضوء اللامع 2 / 211

[209]ــ النجوم 14 / 91

[210]ــ الضوء اللامع 2 / 211

[211]ــ حجة برسباي نشر دراج 29 : 30

[212]ــ نهاية الإرب النويري مخطوط 30 / 22 : 33

[213]ــ وثيقة المؤيد شيخ

[214]ــ السلوك 4 / 1 / 322 ، 324

[215]ــ تاريخ المقدسي مخطوط 59 ، 60 وقد ورد في انباء الهصر 188 : أن الدودار عمل معروفا للفقراء القاطنيين بجامع الأزهر ..

[216]ــ محمد امين : تاريخ الأوقاف 287 ، 326 ، 272

[217]ــ أبناء الغمر 458

[218]ــ الدرر الكامنة 3 / 219

[219]ــ شذرات الذهب 7 / 44

[220]ــ طبقات الشاذلية 124

[221]ــ السلوك 4 / 2 / 816

[222]ــ الاقتصاد لابن دقماق 100 ، 101

[223]ــ السلوك 2 / 1 / 167

[224]ــ المنهل الصافي 2 / 376

[225]ــ الطويل : الشعرانى إمام التصوف في عصره 13

[226]ــ معيد النعم 146 ــ 147

[227]ــ أبناء الغمر 2 / 112

[228]ــ المنهل الصافي 4 / 456 ــ 574

[229]ــ لطائف المنن 498

[230]ــ خطط المقريزي 4 / 296

[231]ــ شذرات الذهب 6 / 47

[232]ــ الطالع السعيد  339  طـ 1914

[233]ــ السبكى طبقات الشافعية 5 / 145

[234]ــ المنهل الصافي 5 / 271

[235]ــ رحلة ابن بطوطة 1 / 21

[236]ــ إنباء الغمر 3 / 548

[237]ــ وثيقة برسباي نشر أحمد دراج صــ 53

[238]ــ خطط المقريزي 4 / 276

[239]ــ الضوء اللامع 2 / 147  ، الضوء اللامع 3 / 9

[240]ــ النويري نهاية الإرب 30 ــ 12  ، عقد الجان مخطوط سنة 818 لوحة 419

[241]ــ النويري 30 / 14 نفس المرجع ..

[242]ــ نهاية الدب ـ مخطوط 29 / 30 ابن الفرات 8 / 9 ، 10 ، وثيقة الوقف في ملاحق السلوك ص 100 ملحق رقم 9

[243]ــ شذرات الذهب 6 / 26 ، 158 ، 233

[244]ــ السلوك 2 / 1 / 13

[245]ــ المنهل الصافي 4 / 281

[246]ــ شذرات الذهب 6 / 117 ، 184

[247]ــ أعيان الأعيان 31 وراجع أبناء الغمر 3 / 324 شذرات الذهب 6 / 293

[248]ــ أبناء الغمر 1 / 98 ، الدرر الكامنة 4 / 327ر

[249]ــ تاريخ ابن الفرات 8 / 127 والسلوك 1 / 3 / 773 رفع الأصر عن فقاه مصر 327 ، 362 ــ شذرات الذهب 5 / 353

[250]ــ شذرات الذهب 6 / 105 ، 268 ، 362 ، 5 / 353 ، تاريخ ابن الفرات 1 / 2 / 477

[251]ــ تحفة الاحباب 48 / 50 ، المنهل الصافي 4 / 1 مخطوط ، السلوك 2 / 2 / 315  

[252]ــ تاريخ ابن الفرات 9 / 2 / 355

[253]ــ شذرات الذهب 7 / 85

[254]ــ الضوء اللامع 1 / 10 ، 11 ، وانظر 46 ، 47

[255]ــ شذرات الذهب 6 / 335

[256]ــ شذرات الذهب 5 / 447 ، 6 / 115 : 117

[257]ــ السلوك 2 / 2 / 504 ، 3 / 1 / 194

[258]ــ تاريخ ابن الفرات 9 /2 / 438

[259]ــ النجوم 14 / 285

[260]ــ تاريخ الذهبي مخطوط لوحة 18 ج 31

[261]ــ السلوك 2 / 1 / 287

[262]ــ السلوك 2 / 1 / 83

[263]ــ التبر المسبوك 115 ، أنظر 213 ، الذيل على رفع الأصر 84

[264]ــ شذرات الذهب 7 / 75

[265]ــ الضوء اللامع 1 / 59 ، 64

[266]ــ معيد النعم 149

[267]ــ تاريخ ابن اياس 1 / 2 / 391

[268]ــ ابن ايبك 153

[269]ــ تحفة الأحباب 75

[270]ــ السلوك 4 / 1 / 284

[271]ــ الانتصار لواسطة عقد الأمصار 4 / 15 ، 85 الذيل على ربع الأصر 69

 

[272]ــ وثيقة مغلاطاى الجمالى

[273]ــ السلوك 4 / 2 / 815 ، 816

[274]ــ تذكرة النبيه تحقيق محمد امين 1 / 116

[275]ــ 54 ، 59 

[276]ــ مناقب الحنفى 301 : 303 ، 286 : 287

[277]ــ النجوم 6 ، 347

[278]ــ النجوم 8 / 280

[279]ــ حوادث الدهور 2 / 353

[280]ــ ذكرته الحوليات التاريخية كل سنة

[281]ــ المنهل 4 / 357 ، 358

[282]ــ راجع بعضها في أبناء الغمر 3 / 18 أبناء الهصر 305 النجوم الزاهرة 15 / 494 ، الخطط 4 / 268

[283]ــ تاريخ ابن كثير 13 / 352

[284]ــ الدرر الكامنة 3 / 11

[285]ــ تاريخ الذهبي مخطوط 931 ، 52

[286]ــ المنهل الصافي مخطوط 3 / 143 : 144

[287]ــ المنهل الصافي 4 / 447 النجوم 13 / 4  أبناء الغمر 3 / 52 ، مناقب المنوفى 14 ، الطبقات الصغرى 37 نزهة النفوس 1 / 275

[288]ــ النجوم 11 / 94 ، حوادث الدهور 2 / 373

[289]ــ الطبقات الصغرى 61 / 62

[290]ــ الوافى بالوفيات 2 / 11

[291]ــ ذيل الدرر الكامنة مخطوط 19 : 20

[292]ــ شذرات الذهب : بالترتيب 7 / 147 / 6 / 158  7 / 44 ، 6 / 149 ، 6 / 44  الضوء اللامع 1 / 7= : 20  6 / 167 ، 6 / 120 / 5 / 125 

[293]ــ الضوء اللامع 3 / 115

[294]ــ الشعراني : لطائف المنن 43 / 44 ، 52 ، 55 ..

[295]ــ معيد النعم 149 : 150

[296]ــ رفع الأصر عن قضاة مصر 33

[297]ــ السلوك 4 / 2 / 699

[298]ــ شذرات الذهب 6 / 171

[299]ــ انباء الغمر 3 / 78

[300]ــ تاريخ ابن الفرات 9 / 2 / 421

[301]ــ السلوك 4 / 52

[302]ــ نزهة النفوس 1 / 388

[303]ــ نزهة النفوس 3 / 108              

[304]ــ السلوك 4 / 2 / 730 ، 4 / 2 / 619  وانظر 661 سنة 827

[305]ــ انظر السلوك :  4 / 2 / 619  وانظر 661 سنة 827

[306]ــ خطط المقريزي 4 / 219

[307]ــ ملحق السوك رقم 9 في 1 / 3 / 1000 : 1001 وانظر وثيقة العروبة نشر عبد اللطيف 44

[308]ــ خطط المقريزي 4 / 296

[309]ــ الضوء اللامع 1 / 172 / 173 نقلا عن المكتبة المملوكية عبد اللطيف 26

[310]ــ وثيقة فرج ابن برقوق ، خطط المقريزي 2 / 403 ، 424 ، 402 نقلا عن المكتبة المملوكية عبد اللطيف إبراهيم

[311]ــ وثيقة قايتباي 62

[312]ــ وثيقة مغلطاي الجمالي

[313]ــ وثيقة انيال

[314]الضوء اللامع 4 / 245 ، 246 ، الضوء اللامع 4 / 313

[315]ــ الوافى بالوفيات 2 / 12 ، وثيقة جمال الاستادار محكمة 106 محفظة 17

[316]ــ حجة برسباي نشر دراج 4

[317]ــ حجة قايتباي 62 ، 63 وثيقة الغوري 44 نشر عبد اللطيف

[318]ــ عقد الجمان مخطوط سنة 793 لوحة 38 ع

[319]ــ الضوء اللامع 4 / 240

[320]ــ وثيقة وقف جمال الاستادار

[321]ــ السيوطي : بذل المجهود في جزانة محمود مخطوط ص 1

[322]ــ وثيقة الغوري 44 نشر عبد اللطيف

[323]ــ تاريخ ابن الفرات 9 / 2 / 390

[324]ــ المنهل الصافي 5 / 279

[325]ــ الدرر الكامنة 2 / 264

[326]ــ الضوء اللامع 2 / 262  ، انباء الغمر 3 / 430

[327]ــ المنهل الصافي مخطوط 5 / 608

[328]ــ الطبقات الكبرى للمناوى مخطوط 342

[329]ــ أبناء الغمر مخطوط 1027

[330]ــ التبر المسبوك 246 ، 192

[331]ــ التبر المسبوك 246 ، 192

[332]ــ الضوء اللامع 3 / 135

[333]ــ التبر المسبوك 222

[334]ــ التبر المسبوك 380

[335]ــ الضوء اللامع 3 / 19

[336]ــ الطبقات الكبرى للشعراني 2 / 95

[337]ــ الضوء اللامع 3 / 111  الكواكب السائرة 1 ، 282

[338]ــ الدرر الكامنة 4 / 232 ــ 233

[339]ــ الضوء اللامع 1 / 188

[340]ــ الغزى الكواكب السائرة 1 / 282

[341]ــ التبر المسبوك 131

[342]ــ مراجع ترجمة في الضوء 3 / 93 ، 1 / 10 شذرات الذهب 7 / 108 أبناء الغمر 2 / 523 ، التبر المسبوك 131 ديوان البوصيري 8

[343]ــ ذيل ابن العراقي ـت مخطوط ورقة 75

[344]ــ الطبقات الكبرى للمناوى 350

[345]ــ الضوء اللامع 4 / 258

[346]ــ المغزى : الكواكي السائرة 1 / 224

[347]ــ الطبقات الكبرى للشعراني 2 / 96 : 97

[348]ــ البحر المورود 30 ، 269 ، 287

[349]ــ المدخل 3 / 180 ــ 182

[350]ــ معيد النعم 170

[351]ــ تاريخ ابن الفرات 8 / 10

[352]ــ السلوك 3 / 2 / 946

[353]ــ خطط المقريزي 4 / 291

[354]ــ خطط المقريزي 4 / 283

[355]ــ تحفة الأحباب 4 / 185

[356]ــ الضوء اللامع 3 / 220 : 221

[357]ــ عيون التواريخ مخطوط 3 / 126 ، الوافى بالوفيات 2 / 316  ، 1 / 218

[358]ــ التبر المسبوك 176

[359]ــ أبناء الهصر  384

[360]ــ الطبقات الكبرى 2 / 124

[361]ــ عبد اللطيف ابارهيم رسالة في الدكتوراة 347 دوريات القاهرة : نصّان جديدان من وثيقة 148 من وثيقة صرغتمش 243

[362]ــ عبد اللطيف إبراهيم : رسالة الدكتوراة 146 : 147 ، الدوريات 243

[363]ــ وثيقة وقف الأستادار

[364]ــ محمد أمين الأوقاف في العصر المملوكي 349 ، 351 ، 353 ، 355

[365]ــ  الضوء اللامع 4 ــ 79

[366]ــ حوادث الدهور 2 ــ 263

[367]ــ حمودة : صفحات من عصر السيوطى 120

[368]ــ محمد فهمى عبد اللطيف : البدوى 14

[369]ــ قوات الوفيات 1 ــ 453

[370]ــ أبناء الغمر 3 ــ 166

[371]ــ عقد الجان حوادث سنة 792 لوحات 398 ، 372 ، 407 ، 408 ، 470 ، 441

[372]ــ تاريخ سلاطين المماليك نشر زيزسين 122

[373]ــالتبر المسبوك 271 ، وغيرها ..

[374]ــ راجع نماذج في روض الرياحين 21 ، 22 ، 36 ، 37

[375]ــ راجع نماذج قصصية من مناقب الحنفى 403 : 408 مناقب الرفاعى 17 : 19 ، الجواهر الأحمدية 72 : 75  ، لواقح الأنوار 99 : 101

[376]ــ عاشور: البدوى 68

[377]ــ روض الرياض 410  وانظر أيضا 185 ، 186

[378]ــ للباحث بحث في خصائص القصة الصوفية في العصر المملوكي رأينا إهماله اختصارا ولأنه لا يدخل في صلب الموضوع ..

[379]ــ الزيات : دائرة المعارف 2 ــ 545 ــ 546

[380]ــ دائرة المعارف 4 ــ 376

[381]ــ أحمد أمين : ضُحي : الإسلام 4 ــ 205 ــ  سيرة القاهرة لين بول 219 ــ دائرة المعارف 2 ــ 547 : 548

[382]ــ  ــ ألف ليلة وليلة طــ بولاق 2 ــ 388

[383]ــ راجع كمتال : صفحاته : 29 ، 30 ، 204 : 207

[384]ــ راجع 3 ، 4  من روض الرياحين

[385]ــ على صامى حسين : ابن الصباغ القوصى 223 ، 223

[386]ــ زغلول سلام : الأدب في العصر المملوكي 2ر 111

[387]ــ الوافى بالوفيات 2/ 140   

[388]ــ زغلول سلام 1ر 228 ، 2ر 110 ، 111

[389]ــ النور السافر للعيدروس 15

391 الدرر الكامنة 3ر 99

 392 ـ الصفدى : نكت الهميان 115 : 116

 :  393 : النجوم الزاهرة 12 / 116

394 ــ  عقد الجان مخطوط وفيات 712 لوحة 466

 

395 ــ  البدر الطالع للشوكانى 1ر 37 / 2ر 251

396 ــ  السلوك 4ر 1ر 816

 

397 ــ  الدرر الكامنة 1 / 264 و الضوء اللامع 2ر 262

398 ــ السلوك 4ر 1ر 816

399 النجوم الزاهرة 15 / 490 تاريخ ابن اياس 2ر 229

 

  

   

[399]ــ  راجع ديوان ابن نباتة 1 ، 3 ، 4 ، 180 :  ـ 183 290، : 293 ، 372 ، 375 ، 428 : 429 و ديوان الشاب الظريف 56 : 154 المنهل الصافي 1 ؟ 31

[400]ــ   المنهل الصافي 3ر 348 ، 5ر 279 ، الدرر الكامنة 1ر 25 ، 2ر 385 ، 3ر 23  ، التبر المسبوك 22 ، 11، 111 الضوء اللامع 4ر 252 الوافى بالوفيات 1ر 266 الذيل على رفع الأصر 134

 

[401]ــ  كيلانى مقدمة ديوان البوصيرى 25 : 27 انظر المنهل الصافى 4ر 687 ، 688

[402]ــ  نفس المرجع السابق : كيلانى

[403]ــ المنهل الصافي 3ر 437

[404]ــ عقد الجمان وفيات 830 لوحة 201

[405]ــ ضحى الاسلام 4ر 203 زغلول سلام الأدب في العصر المملوكي 1ر 231 رزق سليم:  صفى الدين الحلى  66

[406]ــ ديوان البوصيري 201 : 212 المنهل الصافي 3ر 75 قوات الوفيات 2ر 485 : 486

408 ـ  ديوان البوصيري 38 ، 61 ، 77 ، 330 ختام الجواهر السنية 84 وما بعدها ، ديوان البوصيري 59

  ـ  

[408]ــ النجوم الزاهرة 11 ، 193

[409]ــ حمودة:  صفحات عصر السيوطى 137

[410]ــ المستظرف 2ر 199 : 203 راجع الأبيات فيها وديوان ابن نباتة 115 ، 187 ، 268 ، 269 الشاب الظريف 69 ، 70 ، 76 وما بعدها ..

[411]ــ ابن نباتة:  القصائد المؤيدات والناصريات وغير ذلك ، وديوان البهاء زهير 101  ،

[412]ــ فوات والوفيات 1ر 101 : 8 : 1 ..

414 ـ ديوان الشاب الظريف 32 ، 33 ومثلها 68

   

[414]ــ البداية والنهاية لابن كثير 13 ر 314

[415]ــ زهر العريش فى تحريم الحشيش مخطوط في ص 1  

[416]ــ تاريخ ابن الفرات 8ر 74

[417]ــ النور السافر للعيدروس  28 ، 37

[418]ــ الصفدى : شرح لامية العجم  1 / 106

420 : السخاوى : التبر المسبوك 220 : 221

[419]ــ إغاثة اللهفان 1 ــ 232 ، 233 ، 235  

[420]ــ ديوان البهاء زهير 81 ، 111

[421]ــ قوات الوفيات 214

[422]ــ ديوان  البوصيرى 103 ، الوافى بالوفيات 3/  106

[423]ــ كامل حسين دوريات القاهرة 16 / 69

[424]ــ الغزى الكواكب السائرة 1 / 284

[428]ــ حمودة :  صفحات من عصر السيوطى   135

[429]ــ قاموس العادات والتقاليد 249

[430]ــ ديوان البوصيري 5 ، 28 ، 29 ، 37 : 39 ، 49 ، 38 ، 80 ، 88 ، 100 ، 120

[431]ــ الديوان 76 : 77 وفيها تعبيرات أخرى

[432]ــ الديوان 10 ، 111 ، 87

[433]ــ الديوان 319 ، 329 ، 333 ، 355 ، 370 ، 161

[434]ــ التاريخ مخطوط 2 ــ 340

[435]ــ التبر المسبوك 111

[436]ــ العصر مخطوط 6 ــ 1 ــ 41 : 42

[437]ــ السيوطى :  مخطوطة :  نزول الرحمة في التحدث بالنعمة : ص 1

[438]ــ الشعرانى الطبقات الصغرى 15

[439]ــ رزق سليم مجلة الرسالة 825 ــ 777 : 778 سنة 17

 

[443]ــ شذرات الذهب 7 / 298 : 299

  

[444]ــ  عقد الجمان : مخطوط : وفيات 821 لوحة 471

[445]ــ  ابن حجر : إنباء الغمر : 1 / 184

[446]ــ ابن حجر : الدرر الكامنة 2 / 302

[447]ــ الضوء اللامع 3 / 105

[448]ــ الدرر الكامنة 2 / 302

 

[449]ــ المنهل الصافي 5 / 243

[450]ــ  المنهل الصافى 4 / 300

[451]ـ"">[454]ــ النجوم الزاهرة 11ر 220 ، 221

[455]ــ المنهل الصافي 5ر 114

[456]ــ تاريخ الجزرى 1ر353 مخطوط

[457]ــ تاريخ ابن اياس 2ر 368 طـ بولاق

[458]ــ الضوء اللامع 2ر300

[459]ــ الضوء اللامع 3ر 138 : 139

[460]ــ المنهل الصافى 1ر279 : 280 ، شذرات الذهب 7ر238

[461]ــ أبو المحاسن المنهل مخطوط 5ر149 ، 150 ، النجوم الزاهرة 10 ر 230 ، 231، ابن حجر الدرر الكامنة 4ر128

[462]ــ النجوم الزاهرة 14ر 110 ، تاريخ ابن اياس 2ر 61 ، 62 تحقيق محمد مصطفى

[463]ــ عزام :  مجالس الغورى 39

[464]ــ تاريخ ابن اياس 4ر 401

[465]ــ المنهل الصافي 4ر197 ، عقد الجمان مخطوط وفيات 791 لوحة 379

[466]ــ النجوم 15ر 528

[467]ــ الوافى بالوفيات 2ر310 ، 311

[468]ــ تاريخ ابن اياس 2ر 21  تحقيق محمد مصطفى

[469]ــ تاريخ ابن اياس 2ر 21 تحقيق محمد مصطفى

[470]تاريخ ابن اياس 2ر 229 تحقيق محمد مصطفى

[471]ــ تاريخ ابن اياس 2ر 202  تحقيق مصطفى

[472]ــ النجوم 11ر8

[473]ــ تاريخ ابن اياس 4ر 290 ، 291 ، 294 ، 337 ، 357 ، 415 ، 468 ، 473 ، 479

[474]ــ فتوح النصر مخطوط 7ر264

[475]ــ تاريخ ابن اياس 1ر2ر345 ، 346

[476]ــ عيون التواريخ 2ر242

[477]ــ النجوم 14ر60

[478]تاريخ ابن اياس 2ر335 تحقيق محمد مصطفى

[479]ــ خطط المقريزي 2ر89

[480]ــ تاريخ ابن اياس 4ر230 ، 258 ، 280 ، 285

[481]ــ لين بول سيرة القاهرة 199 ، 200 ــ عبدالجواد تاريخ العمارة 2/ 311 ، 237 ، 324 ، سامح : العمارة الاسلامية  78 ، عمائر اينال 57

[482]ــ عمائر اينال 57

[483]ــ نجيب : مدرسة قرقمافس 491 حاشية 3

[484]ــ عمائر اينال 69

[485]ــ دللى العمارة العربية 9 ، كلوت بك : لمحة عامة إلى مصر 1 / 584

[486]ــ كريستى :  تراث الإسلام 151 : 152

[487]ــ تاريخ العمارة 2 / 329 ، سامح 210 : 213

[488]ــ سامح 82

[489]ــ سامح 82

[490]ــ سامح 86 ، 97 ، 99 عمائر اينال 57

[491]ــ دولت الخوانق 182

[492]ــ تاريخ العمارة 2 / 326 ، عمائر اينال 59

[493]ــ عمائر اينال  62

[494]ــ لين بوك سيرة القاهرة 198

[495]ــ سامح . العمارة الإسلامية 78 ، عمائر إينال 59 ، 67 ، 68

[496]ــ دولت الخوانق 188 : 207

[497]ــ معيد النعم 172

[498]ــ المنهل الصافي مخطوط 5 / 255

[499]ــ شذرات الذهب 7 / 331

[500]ــ الضوء اللامع 4 / 242

[501]ــ عبد اللطيف إبراهيم دوريات القاهرة 20 / 82 : 93

[502]ــ كريستي  تراث الإسلام 88 : 91 عبد اللطيف ابراهيم دوريات القاهرة 20 ر 86

[503]ــ وثيقة الغورى وتعليق 267 عبد اللطيف إبراهيم

[504]ــ تاريخ ابن اياس 5 / 172 تحقيق محمد مصطفى

كتاب : ( أثر التصوف المعمارى والثقافى والاجتماعى فى مصر المملوكية
فكرة عن كتاب : ( أثر التصوف المعمارى والثقافى والاجتماعى فى مصر المملوكية ).
سبق نشر كتاب ( اثر التصوف السياسى فى الدولة المملوكية ) من رسالة الدكتوراة التى نوقشت فى جامعة الأزهر فى اكتوبر 1980. وننشر أهم ما بقى من فصول تلك الرسالة فى هذا الكتاب: ( أثر التصوف الثقافى والمعمارى والاجتماعى فى مصر المملوكية) ، ونتابع فيه ما سبق نشره ، أى كتاب ( اثر التصوف فى الحياة الدينية ) بأجزائه الثلاثة. وكتاب ( أثر التصوف السياسى فى الدولة المملوكية ). وستُضاف خاتمة لهذا الكتاب (أثر التصوف الثقافى والمعمارى والاجتماعى فى مصر المملوكية ).
مع ملاحظة أن هذا الكتاب بالذات تعرض لتفصيلات فى العصر المملوكى ، العلمية والتعليمية
more