رقم ( 8 ) : الدرس المستفاد من تحالف المتصوفة ( رجال الدين ) مع حُكام العسكر المماليك
خاتمة كتاب: أثر التصوف السياسى فى الدولة المملوكية

 

خاتمة كتاب: أثر التصوف السياسى فى الدولة المملوكية

الدرس المستفاد من  تحالف المتصوفة ( رجال الدين ) مع حُكام العسكر المماليك 

1 ــ من بؤس أى شعب أن يقوم الجيش المدافع عن الشعب بالتحكم فى الشعب . نقول التحكم وليس الحكم ـ لأن حكم العسكر بما هو معروف عنهم من غلظة وقتل وقتال وتعامل مع السلاح والدم يؤسّس نظرتهم لغير العسكريين ، أى الشعب ، فيصبح الشعب أسيرا لدى العسكر ، والعسكر بهذا لا يحكمون الأسرى لكن يتحكمون فى الأسرى . هذه هى نظرة العسكر لو تحكموا فى شعب ما ، وحكموه بمنطقهم العسكرى ، وهم يختكرون السلاح ، ويمنعون الشعب من إستعماله حتى فى مقاومة جيش عدو مهاجم .

مقالات متعلقة :

2 ــ فى العصور الوسطى كان البؤس مُعتادا ، سواء من حُكم خليفة أو نظام عسكرى ، إذ كان الاستبداد هو ثقافة العصر يعيش عليها ويتعايش معها كل شعب فى الغرب والشرق . أما الان فى عصر الديمقراطية وحقوق الانسان وثورة الاتصالات والمواصلات وحرية التعبير على الانترنت فقد أصبح البؤس مؤلما وغير محتمل ، وأصبح ضحايا المستبدين بين نارين : الخضوع للمستبد القائم وصراعه مع حركة معارضة أكثر إستبدادا ، أو الثورة على هذا الحاكم وتحمل النتائج بتقديم آلاف الضحايا ، مع ما يستلزمه هذا من حرص حتى لا يختطف الثورة كلاب الصيد من بقايا المستبد أو من خصومه . هذه هى تجربة ما حدث وما يحدث فى الربيع العربى الملتهب فى مصر وسوريا واليمن والعراق وتونس..وما سيحدث فى الجزيرة العربية والخليج والجزائر والسودان . وغيرها.

3 ــ المستفاد من أثر التصوف السياسى فى الدولة المملوكية العسكرية أن المستبد ـ وخصوصا المستبد العسكرى ـ يحتاج الى طُغمة من رجال الدين الأرضى ، يركبها ، وهى تركب الشعب . هى فى الوسط ، هى راكبة ومركوبة ، تتمتع بتقديس الشعب الجاهل وبأنها واسطته لدى المستبد . وكونها فى الوسط ( راكبة ومركوبة ) فبضاعتها النفاق وفنّ الاسترزاق ممن يركبها وممن تركبه . وهذا الوضع يجعلها أسرع فى التخلى عن الحاكم لو فقد سلطانه ، فهى تهتف له فى سطوته وتُنكره فى محنته . وبنفس الحال مع النظام بأكمله ، سرعان ما تتخلى عنه وتقدم خدماتها للنظام الجديد حتى لو كان غازيا مُحتلّا . وهذا ما فعله الصوفية مع كل سلطان مملوكى فى محنته ، وما فعلوه مع المماليك فى صراعهم مع العثمانيين .

4 ــ وما فعله الصوفية فى الدولة المملوكية لا يختلف عما فعله ويفعله شيوخ الأزهر فى العصر الحديث . كانوا مركوبين من الملك فاروق ، وقد إصطنعوا له نسبا شريفا يصله بالنبى محمد عليه السلام ، ثم ركبهم عبد الناصر واستخدمهم فى سياسته فأطاعوه ، وفى صراعه مع اسرائيل هنتفوا بين يديه بالآية الكريمة ( وأعدوا لهم ما إستطعتم من قوة ) . وجاء السادات بسياسة مختلفة فهللوا له وللصلح مع اسرائيل يقولون ( وإن جنحوا للسلم فإجنح لها ) . وركبهم مبارك فكانوا نعم الركوبة . وشيخ الأزهر الحالى كان عضوا فى لجنة السياسات مركوبا لجمال مبارك ، وظل على ولائه لمبارك حتى إذا تيقن إذا سقط إنتقل الى خدمة المجلس العسكرى ، وبعده إنحاز الى الاخوان ورئيسهم مرسى مع إحتقار الاخوان العلنى له ، وهو الان مركوب من الرئيس السيسى ، ولو عاش بعد السيسى سيكون مركوبا ممن سيأتى بعده .

5 ــ فى كل الأحوال فهذه الطُّغمة من رجال الدين لا دين لها سوى البقاء فى المنصب والتمتع بحُطامه الدنيوى على حساب الدين الالهى أو حتى الدين الوضعى الأرضى ، وعلى حساب الأخلاق وعلى حساب الشعب ، وحتى على حساب المستبد نفسه ، ليس فقط لأنهم يتخلُّون عنه فى محنته ، بل أيضا لأنهم لو لمسوا ضعفا من هذا المستبد فسرعان ما يتآمرون عليه ، بل قد يطمحون للجلوس مكانه .

6 ــ الأزهر منذ إنشائه على يد الفاطميين ـ وحتى الآن ـ وهو مركوب للسلطة ، سواء كانت شيعية فاطمية أو مملوكية عسكرية أو عثمانية ، أو من أسرة محمد على أو من العسكر المصرى الذى يدمّر مصر منذ 1952 . شيوخ الأزهر من خدم السلطة لم ينتفضوا ضد الظلم والفساد ولم يأبهوا بحال الشعب المقهور الذى يدمّر مصر منذ 1952 .  شيوخ الأزهر من خدم السلطة ليس لهم على الاطلاق سجل فى الاجتهاد العلمى أو الاصلاح الدينى ، سجلهم الوحيد الذى يتفوقون فيه منذ أكثر من ألف عام هو كونهم حميرا للسلطان القائم ، يتنافسون فى إرضائه طالما كان قويا ، فإذا سقط إنفضوا عنه ليرقصوا فى موكب السلطان القادم . لا يهمهم إسلام ولا سنة ولا تشيع ولا تصوف ولا أخلاق ولا مظاليم . يهمهم ان يظلوا فقط فى ( تكية ) السلطان القائم يسبحون بحمده ، ثم إذا لمسوا منه ضعفا حازوا سلطة أكبر ، ثم إذا سقط لم يستحق منهم دمعة واحدة ولا حتى برقية عزاء .!! هم متفوقون فى الجهل وفى النذالة أيضا .

7 ــ   وإذا كان صعبا التخلص من حكم المستبد ، فإن الأصعب التخلص من هذه الطُّغمة الحقيرة من رجال الدين . وتجربة الغرب ( الشيوعى ) تعتبر دينهم أفيون الشعوب وتنادى بشنق آخر مستبد بأمعاء آخر قسيس. وتجربة الغرب البرجوازى الرأسمالى بعد معاناة قرون من الكنيسة البابوية هو إعتقال الدين فى الكنيسة وحظر تجوله خارجها . والعرب والمحمديون يعيشون الآن نفس العصر الذى عانته أوربا من القرن 16 الى القرن العشرين بعد هزيمة هتلر وموسولينى آخر واشرس الطُّغاة .  حربان عالميتان والعديد من الحروب والثورات والحروب الأهلية دخلتها أوربا والعالم معها حتى وصلت الى الديمقراطية الغربية الراهنة . فقدت أوربا فى تلك الحروب ما يقرب من اربعين مليونا من البشر وتدمير العشرات من المدن وسقوط دول وأمبراطوريات وتأسيس دول ، وتغيير خرائط وتحالفات وعقد مختلف المعاهدات . ويبدو أن طريق المحمديين مفروش بالدم ومحفوف بالأشلاء والجماجم كى يتخلصوا من نفس الاكليروس ( تحالف أو تصارع المستبد والكهنوت الدينى )، وأن مدائن المحمديين ينتظرها نفس التدمير  الذى يجتاح الآن مدن سوريا والعراق . وليس مستغربا أن يتحالف الخصوم ( المستبد والوهابيون ) ضد أى حركة تنوير تدعو الى الاصلاح السلمى بالديمقراطية والعدل وحقوق الانسان والحرية المطلقة فى الدين . وهذه هى تجربتنا ــ أهل القرآن ــ مع العسكر والوهابيين ، وهم الكهنوت الدينى الذى يخدم المستبد فى بلد ويعارضه فى بلد آخر.

8 ــ ولكن يمكن إختصار الطريق وتقليل المعاناة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه بالتنوير الدينى من داخل الاسلام ، وهذا هو ما نفعله الآن . التنوير يقضى على نفوذ وصُدقية أحقر البشر ، وهم طُغمة رجال الدين ، يكفى أنه ليس فى الاسلام ( رجال الدين ) ولا كهنوت . هو قتل معنوى لهم يُظهرهم على حقيقتهم مستحقين للإحتقار بدلا من التقديس والاحترام . بالتخلص من هذه الطغمة التى تركب الشعب ويركبها الحاكم يصبح المستبد بلا غطاء عاريا أمام الشعب فيسهل القضاء عليه .

9 ــ ماذا لو تعاون أو تنافس الأحرار المثقفون فى إنتاج حلقات على اليوتوب تسخر من كل رجال الدين الشيعى والسنى والصوفى والمسيحى ، لتدمر هيبتهم المزعومة ، وتظهرهم على حقيقتهم ، مجموعات من الحمير  يركبها المستبد ، ويتحكم من خلالهم فى االشعب ؟.. هذا الجهاد السلمى التنويرى أفضل كثيرا من الشعار الشيوعى القائل :" إشنقوا آخر مستبد بأمعاء آخر قسيس ."

هذا مجرد إقتراح لتقصير أمد المعاناة .. إذ لا أمل فى أن يتنازل مستبد عن سلطانه بإختياره ، ولا أمل فى أن يتوب أحقر البشر عن إستغلالهم لدين الله جل وعلا وخداعهم للناس . بالنسبة للمستبد وأعوانه من أحقر الخلق ـ هو صراع وجود . ومعهم القوة والثروة .. فلا سبيل إلا المقاومة للحصول على الحرية ، والتنوير هو السلاح الفعّال ــ لو كنتم تعلمون .!!

أحمد صبحى منصور

21 مايو 2015

أثر التصوف السياسي في الدولة المملوكية
فكرة عن الكتاب
كان بابا من أبواب رسالة الدكتوراة التى نوقشت فى قسم التاريخ جامعة الأزهر فى اكتوبر 1980 . بعد حذف ثلثيها. وقد نشرنا معظم المحذوف فى كتاب ( اثر التصوف فى الحياة الدينية فى مصر المملوكية ) وننشر الآن الباب الأول من الرسالة التى نوقشت عن اثر التصوف السياسى فى الدولة المملوكية . ولم يسبق نشره من قبل. وأنشره كما هو بالصيغة المكتوب بها عام 1977 مع بعض تعديلات ، ومع حذف فصل كبير عن الصراع السياسى بين التصوف السنى والتصوف الشيعى وحركة السيد البدوى الفاشلة التى كانت تعمل لتأسيس دولة شيعية فى مصر على نسق الدولة الفاطمية . وهذا الفصل المحذوف كان أول كتاب أنشره فى مصر عام 1982 بعنوان ( السيد البدوى بين الحقيقة
more