رقم ( 5 )
الباب الثالث : صناعة أساطير الشفاعة

 

   الباب الثالث : صناعة أساطير الشفاعة

الفصل الأول : المحمديون بالاسرائيليات متمسكون 

أولا : لم يكن للشفاعة ذكر فى عصر الخلفاء الراشدين والأمويين

 1 ـ دخل صحابة الفتوحات فى الكُفر السلوكى بالله جل وعلا وباليوم الآخر بارتكابهم جريمة الفتوحات ، ثم قام العصر العباسى فيما بعد بتشريع هذا الكفر السلوكى وتسويغه بالأحاديث التى توجب قتال الناس جميعا حتى يقولوا لا اله الا الله ، والتى تبرّر العصيان وتحصّنه من عذاب الجحيم بتأليف أساطير تُعطى النبى محمدا قوة الشفاعة التى يستطيع بها إدخال المسلمين الجنة بل وأن يُخرج من النار من كان فى قلبه ذرة إيمان . ثم أدخلوا فى قائمة الشفعاء الأولياء الصوفية وأئمة السنيين وآل البيت عند الشيعة بحيث جعلوا رب العزة لا يملك شيئا يوم الدين .

2 ـ وخلال عصر الخلفاء الراشدين والأمويين إنشغل العرب بالسياسة والحرب ( الفتوحات والحروب الأهلية فيما بينهم ) مع تعصبهم ضد أهل الكتاب عُنصريا ودينيا . وجاء العباسيون بمساعدة الفُرس والموالى فكانوا أكثر تسامحا وأقل تعصبا ممّن سبقهم من الخلفاء ، كما شهد عصرهم إنتهاء الفتوحات الخارجية والالتفات فى الداخل نحو النواحى العلمية والثقافية بالتدوين والانفتاح والتفاعل مع المدارس العلمية الفلسفية فى الاسكندرية والرها وانطاكية وحرّان حيث الفلسفات اليونانية والهلّينية والشرقية وإمتزاجها بالمسيحية .  وبدأ مع العصر العباسى ترجمة هذا التراث ( الأجنبى ) للعربية والتفاعل معه والتأثر به ، مع دخول أبناء أهل الكتاب فى الاسلام ، ومعهم جيل من مثقفى أبناء وأحفاد الموالى الذين كانوا من قبل رقيق الفتوحات فى عصرى الراشدين والأمويين .

3 ـ هؤلاء المسلمون الجُدُد أدخلوا ثقافتهم الدينية ومعتقداتهم فى شفاعة البشر فى الحياة الدينية للعصر العباسى الذى شهد ولادة وتدوين الديانات الأرضية للمسلمين وتحويلهم الى ( محمديين ) يؤلهون محمدا  نفس مضمون التأليه الذى كان للمسيح ، ويؤلهون الأئمة بنفس التأليه الذى كان للأحبار والرهبان . ومن عناصر هذا التأليه : الشفاعة. كان هذا تجسيدا للتاثر بالتراث والتراكم المسيحى واليهودى والمجوسى والفرعونى المصرى لدى السُّكان الذين دخلوا الاسلام بنفس المتوارث لديهم ، ولكن مع تغير فى الأسماء والشخصيات واللغة المنطوقة . وتم صياغة هذا التدين باللغة العربية فى صورة أحاديث نبوية و قدسية مزورة منسوبة للنبى محمد بعد موته بقرنين وأكثر . ولأنها تعبر عن الثقافة الشعبية الكامنة و السائدة فقد كان سهلا إنتشارها ، خصوصا وهى تمنح الناس بالشفاعة أملهم فى الدخول فى الجنة مع إستمرارهم فى الفسوق والعصيان .

4 ـ  أى تحول ( المسيحيون ) الى ( محمديين ). تركوا (أمة المسيح ) وعبادة ( المسيح ) إلى (أمة محمد ) وعبادة ( محمد ) رغم أنف ( محمد ). أى إنتقلوا من جيب الشيطان الأيسر الى جيبه الأيمن .

5 ـ وفى هذا كله إتّخذوا القرآن مهجورا . وهذا يستلزم الرجوع للقرآن الكريم لنعرف موقف أكثرية أهل الكتاب الضالين المغضوب عليهم المعاصرين للنبى محمد عليه السلام فى موضوع الشفاعة .

أولا : المحمديون بالاسرائيليات متمسكون      

1 ـ أهل الكتاب فى عهد النبى عليه السلام كانوا من حيث الهداية والضلال ثلاثة أنواع : مؤمنون سابقون :( آل عمران   113 ـ  ، 199)( النساء 162 ) ( المائدة 83 ـ  )( الاسراء 107  ــ ) ومقتصدون خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا، واكثرية فاسقة ضالة مغضوب عليها ( المائدة 66 )، وهو نفس التقسيم للمسلمين ( فاطر 32 )، ونفس التقسيم الذى سيكون عليه البشر يوم القيامة ( الواقعة  7 ـ ). أى إنه فيما بعد نزول القرآن سيكرر المحمديون مسيرة الأغلبية الضالة المغضوب عليها من أهل الكتاب ، وأنهم سيحصنون فسقهم وعصيانهم بأساطير الشفاعة .  وكان أهل الكتاب يرفضون الاحتكام الى القرآن الكريم : ( أَلَمْ تَرَى إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنْ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23)آل عمران )، والمحمديون الذين يزعمون الايمان بالقرآن فى عصرنا يتهموننا بالكفر لأننا ندعوهم الى الاحتكام الى القرآن الكريم ، وهو فريضة اسلامية: ( أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً )(114 الانعام ).

2 ـ كان من ملامح أديانهم الأرضية أن الضالين المغضوب عليهم من أهل الكتاب قاموا بتزكية أنفسهم ، فقال رب العزة عنهم ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلْ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (49) انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْماً مُبِيناً (50) النساء ).

3 ـ وفى هذا الافتراء الكاذب وقع المحمديون من ذرية أهل الكتاب بعد أن دخلوا فى الاسلام . وحتى اليوم  يرى السنيون أنهم المُختارون من دون الناس للتحكم فى الناس . ويرى الشيعة نفس الرأى فى أنفسهم وفى أئمتهم . ويرى الصوفية أنهم أولياء الله من دون الناس جميعا . ومن قبلهم قال الذين هادوا أنهم شعب الله المُختار ، وجاء الرد عليهم فى القرآن الكريم بأنهم لو كانوا فى الحقيقة أولياء الله من دون الناس فليتمنوا الموت ليسعدوا بلقاء الله : ( قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوْا الْمَوْتَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (6) وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (7 ) الجمعة ) . وزعموا أنهم وحدهم لهم الجنة خالصة من دون الناس ، أى بالشفاعة والتحكم فى يوم الدين فتحداهم رب العزة أن يتمنوا الموت إن كانوا صادقين : ( قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمْ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوْا الْمَوْتَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (94) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95) وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنْ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96) البقرة ). وهو نفس إعتقاد المحمديين بأن ( أمة محمد ) هى التى لها الآخرة خالصة من دون ( أمة المسيح ) وبقية ( الأمم ).

4 ـ وفى أديانهم الأرضية كانت ولا تزال كل فرقة من أهل الكتاب تحتكر لنفسها الهداية فردّ عليهم رب العزة يدعوهم الى الهدى والتمسك بملة ابراهيم حنيفا ( وَقَالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (135)  البقرة 135 ) وكانت كل فرقة تحتكر لنفسها الجنة دون الأخرين ، فردّ عليهم رب العزة بالتأكيد على أن الجنة من نصيب من يُسلم لله جل وعلا وجهه وهو مُحسن من كل البشر:( وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (111) بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (112) البقرة ). وقامت كل فرقة بتكفير الأخرى ، وردّ رب العزة بأنه سيحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون : ( وَقَالَتْ الْيَهُودُ لَيْسَتْ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتْ النَّصَارَى لَيْسَتْ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113)  البقرة )وهو نفس حال المسلمين المحمديين أمس واليوم .

5 ـ والأمانى هى الأصل فى موضوع الشفاعة . أى أن يتمسك الناس بالضلال ثم يتمنون النجاة فى الآخرة بالشفاعات . ولهذا يرتبط الضلال بالتمنى ، وبالتمنى يستمر الضال فى ضلاله ، لأنه لو أدرك أن عاقبة الضلال هو الخلود فى النار لربما تاب وأناب. ولكن وجود من يشفع له وينجيه من العقوبة كفيل بأن يستمر فى ضلاله يعيش به ويموت عليه. ولهذا قال الشيطان يقرن كيده للبشر بالإضلال والتمنى ( وَلأضِلَّنَّهُمْ وَلأمَنِّيَنَّهُمْ  )(119) النساء ) . ولهذا حذّر رب العزة المؤمنين من كيد الشيطان وغروره ووعوده الكاذبة   فقال جل وعلا : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33) إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34) لقمان  ) . وأخبر رب العزة مقدما إن الشيطان سيتبرأ وهو فى النار من أتباعه فيها وأنه سيتنكّر من وعوده معترفا أنه وعدهم بالباطل فصدقوه وكذّبوا بوعد الله الحق : (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22)( ابراهيم ).

وخدع الشيطان أغلبية أهل الكتاب فجعلهم يزيفون أحاديث للشفاعة يدخلون بها الجنة ، وتكاثرت تلك الأحاديث حتى أصبح الكتاب الالهى بعد تحريفهم له مجرد ( كتاب أمانى ) أو بتعبير رب العزة : ( وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (78) البقرة ). وهذا هو الأصل فيما ساد فى العصور الوسطى المسيحية باسم ( صكوك الغفران ) وقد قال رب العزة يتوعدهم : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79) ( البقرة ). وهو نفس ما يقال اليوم فى جمع أموال لبناء مساجد وهابية بترديد حديث كاذب يقول ( من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى الله له قصرا فى الجنة ). ومن الإعجاز والإخبار مقدما بالمستقبل إن الله جل وعلا حذّر مقدما بأن الأخرة لا مجال فيها للأمنيات ، سواء كانت أمانى المؤمنين أم اهل الكتاب ، فمن يعمل سوءا سيجد عقوبته ، ومن يعمل صالحا سيجد جزاءه الجنة : ( لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً (123) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنْ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً (124) النساء )

6 ـ  وبالافتراء وتزييف الأحاديث زعم الضالون المغضوب عليهم من أهل الكتاب إنهم سيخرجون من النار بالشفاعات مهما إقترفوا من الكبائر ، وجاء الرد من رب العزة  عليهم : هل أتخذوا بهذا عهدا من الله ؟ أم هو إفتراء بغير علم : ( وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَاتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (80) البقرة ) . ثم أوضح رب العزة أن العاصى الذى يموت على عصيانه وقد أحاطت به خطيئته فهو خالد فى النار : ( بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81). البقرة ) . أما المؤمن الذى يموت وقد أنفق حياته فى الايمان والعمل الصالح فسيكون خالدا فى الجنة : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82) البقرة ). ولأن الخروج من النار بالشفاعات كان عقيدة راسخة لدى الضالين المغضوب عليهم من أهل الكتاب فقد تكرر إستنكار رب العزة لهذا الافتراء فقال جل وعلا:( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24)آل عمران ) . أى (غرّهم ) و( اضلهم ) هذا الافتراء فخسروا الدنيا والآخرة . ثم يقول جل وعلا عن حالهم يوم القيامة :( فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (25) آل عمران ).

ومع هذا فقد إخترع المحمديون أحاديث الشفاعات وأحاديث الخروج من النار تمسُّكا بسنّة أسلافهم الضالين المغضوب عليهم من رب العزة. هذا مع إن المحمديين واسلافهم يقرأون فى صلاتهم الفاتحة:( بسمالله الرحمن الرحيم (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (7)

7 ـ ولأن أساطير الشفاعة كانت راسخة لدى بنى إسرائيل فقد قال جل وعلا يخاطبهم مرتين فى القرآن الكريم خطابا مباشرا : ( يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47) وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ (48) البقرة ) ، ( يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (122) وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ (123) البقرة ) .

ومع ذلك أعادت المحمديون أساطير الشفاعة فى أحاديث مُفتراة فى العصر العباسى فى البخارى وغيره . أى أنها ضمن ما يطلق عليه ( إسرائيليات ). وكل الأحاديث إفتراءات سواء كات إسرائيليات أو مجوسيات أو فرعونيات . يجمعها كلها أنه (أمنيات شيطانيات ) يؤمن بها المحمديون والمسيحيون .

أخيرا :

1 ـ تكاثرت الكتب والأسفار المقدسة لدى أهل الكتاب الصحيح منها والزائف ، بدءا من التوراة وما تلاها . ومع تقديسها فلم تحظ بالدراسة والبحث. كانوا كالحمار يحمل أسفارا ، يحملها ولا يقرؤها . يقول جل وعلا : ( مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) الجمعة ) وهو نفس ما يحدث حتى الآن . فكتب التراث تملأ أرفف المكاتب للشيوخ ، وهم لا يقرأونها . بدليل أنهم لا يقرأون البخارى . وحين فضحنا البخارى واضطروا للدفاع عنه جاء دفاعهم يضيف فضائح بجهلهم .

 2 ـ كان القزوينى (605 : 682 ) من القضاة فى خلافة المستعصم العباسى . وروى فى كتابه ( آثار البلاد وأخبار العباد ) الشائع من الروايات عن أشهر المدن فى عصره من خلال الروايات المتداولة عنها وعن المشاهير الذين عاشوا فيها . وعن  ( بغداد ) يقول : ( ينسب إليها القاضي أبو يوسف. ذكر أنه كان رآه رجل يهودي وقت الظهيرة يمشي راكباً على بغلة واليهودي يمشي راجلاً جائعاً ضعيفاً فقال للقاضي‏:‏ أليس نبيكم يقول الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ؟ قال‏ :‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ فأنت في السجن وأنا في الجنة والحالة هذه‏ ؟ !‏ فقال القاضي‏:‏ نعم يا عدو الله . بالنسبة إلى ما أعدّ  الله لي من الكرامة في الآخرة في السجن وأنت بالنسبة إلى ما أعد الله لك في الآخرة من العذاب في الجنة‏!‏ ) .  يعنى لأنه من ( أمة محمد ) فهو يحتكر نعيم الدنيا والآخرة . أما من ليس من ( أمة محمد ) فهو ( تعيس فى الدنيا تعيس فى الآخرة ) ، أو بالتعبير الشعبى المصرى : ( يا بختنا بالنبى .! ) .

3 ـ ويوم القيامة سيكتشف المحمديون والمسيحيون وغيرهم ممن يعبد البشر والحجر أنهم إخترعوا   أحاديث شيطانية ضلوا بها وفقدوا بها مستقبلهم يوم القيامة بالخلود فى النار .

أحسن الحديث :

( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5) إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6) الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7) أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8) ( فاطر )

ودائما : صدق الله العظيم .!!

 

 الباب الثالث :  صناعة أساطير الشفاعة   

 الفصل الثانى : المقام المحمود ليس شفاعة النبى 

مقدمة

عجز أئمة المحمديين عن تحريف ألفاظ القرآن لأنه محفوظ من لدن الله جل وعلا  فاتجهوا الى تحريف معانى القرآن عن طريق ما يّعرف بالتفسير ، وقاموا بتأليف أساطير الشفاعة فى صورة أحاديث نسبوها زورا للنبى محمد بعد موته بقرنين وأكثر. وبهذه الأحاديث توجهوا للتلاعب بالقرآن الكريم وتحريف معانيه. ووجدوا ضالتهم فى الايات المتشابهات كالآيات الى تجعل الشفاعة بإذن الله جل وعلا ورضاه . وقد تعرضنا لهذا من قبل . كما دخلوا بأساطيرهم المصنوعة عن الشفاعة فى تحريفهم لمعنى ( المقام المحمود ) فى قوله جل وعلا للنبى ( عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً) ، وزعموا أن المقام المحمود هو الشفاعة العُظمى . ونرد على هذا الزعم .

أولا : المقام المحمود هو الجنة :

1 ـ تفسير القرآن هو بالقرآن ، فالقرآن يفسّر بعضه بعضا ويبين بعضه بعضا ، ومن خلاله نفهم معانى ألفاظه . هذا هو المنهج العلمى فى التعامل البحثى مع أى مصدر تراثى ومع القرآن الكريم أيضا. أى أن تلتزم بمصطلحات الكتاب فى فهم ما يأتى فى هذا الكتاب . أما إذا فهمت مفردات الكتاب حسب المألوف فى عصرك فهذا خطأ علمى وبحثى . أكثر من هذا أن تنتقى آيات معينة لتُخرج معناها من السياق الخاص والسياق العام ، وتضع لها تفسيرا من خلال تراثك أنت متجاهلا عشرات الآيات الأخرى التى تخالفك فهذا يقع ضمن الجرائم البحثية و قلب الحقائق . وهذا بالنسبة للقرآن الكريم من أكبر الكبائر . وأئمة المحمديين الذين وقعوا فى هذه الجريمة يزدادون بقراءتهم للقرآن خسارة بينما يزداد المؤمنون بالقرآن شفاءا ورحمة . يقول جل وعلا فى سورة الاسراء : (  وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً (82)). ومن الإعجاز الالهى فى القرآن الكريم أن تأتى الآية الكريمة(  وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً (82)) مباشرة بعد موضوع ( المقام المحمود ) ، كإشارة الى ما سيقع فيه الظالمون المحمديون من إستغلال لمصطلح ( المقام المحمود ) فى إثبات أسطورة الشفاعة للنبى محمد خلافا للقرآن الكريم .

2 ـ إنّ السياق الخاص بالمقام المحمود فى سورة الاسراء يقول فى خطاب موجّه للنبى وللمؤمنين معه :

( أَقِمْ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً (78) وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً (79) وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً (80) وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً (81) وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً (82)الاسراء ). وكل  المؤمنون مُطالبون بإقامة الصلاة من قبيل طلوع الشمس (الفجر) الى ما بعد العشاء ، أى أوقات اليقظة ، عليهم فيها أن يحافظوا على أنفسهم من الوقوع فى الكبائر ، فهذه هى إقامة الصلاة أو المحافظة على ثواب الصلاة . فالمفروض أن نخشع فى تأدية الصلاة ، وأن نتقى ربنا جل وعلا بين أوقات الفرائض الخمسة للصلاة .

3 ـ وفى السياق العام فأن قوله جل وعلا ( أَقِمْ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ ) يفسره قوله جل وعلا فى سورة (هود):( وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114) هود ). فإقامة الصلاة بالمحافظة عليها تعنى أن تتكاثر الحسنات فلا يتبقى وقت لارتكاب السيئات . وبالتالى تكون المكافأة يوم القيامة هى الجنة أو المقام المحمود .

4 ـ وقوله جل وعلا عن قيام الليل فى سورة الاسراء (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً (78) وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ ) تشرحه آيات كثيرة عن قيام الليل بالصلاة وقراءة القرآن ، منها قوله جل وعلا عن النبى والمؤمنين معه : (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمْ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً (2) نِصْفَهُ أَوْ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (4)المزمل ) وقد أطاع النبى عليه السلام وأطاع المؤمنون معه فنزل التخفيف عنهم فى قوله جل وعلا (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَي اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنْ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20) المزمل ) . والجنة هى الجزاء الذى سيجدونه عند الله جل وعلا خيرا وأعظم أجرا .!

وهناك آيات كثيرة تجعل من من صفات المتقين قيام الليل ، منها قوله جل وعلا : (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (15) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (16) السجدة )، ثم يقول جل وعلا عن جزائهم فى الجنة : ( فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17) السجدة ). كما يقول جل وعلا عن الجنة جزاءا للمتقين  ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) الذاريات ) .ويصفهم جل وعلا بقيام الليل وعمل الصالحات: ( كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) الذاريات ).

5 ـ وبالتالى فإن الجنة هى جزاء قيام الليل وإقامة الصلاة كما جاء فى سورتى الذاريات والسجدة . أى فإن جزاء ( المقام المحمود ) فى سورة الاسراء يعنى الجنة . أى إن قوله جل وعلا (عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً (79) الاسراء )  يفسره قوله جل وعلا : ( فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17) السجدة )، ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18)الذاريات ).

6 ـ  يؤكّد هذا وصف الجنة بالمقام المحمود الذى أعدّه رب العزة للسابقين من المسلمين الذين يتمسكون بالقرآن ، يقول جل وعلا عمّن أصناف ورثة القرآن الكريم : ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) فاطر )

وعن جزاء أولئك السابقين بالخيرات من المتمسكين بالقرآن يقول جل وعلا فى الآية التالية : ( جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33) فاطر) . أى إن الجنة مصيرهم . ويقول رب العزة عنهم وهم فى الجنة : ( وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35)) فاطر ). أى هم يصفون الجنة بأنها ( دار المُقامة ) ويقولون هذا فى معرض الحمد لله جل وعلا (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ) لأنه (الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ ). أى إن الجنة هى ( المقام المحمود ) الذى جاء فى سورة الاسراء (عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً ) .

وفى مقابل المقام المحمود المُشار اليه فى سورة (فاطر ) تأتى الآيات التالية فى نفس السورة تتكلم عن مصير و ( مقام ) الكفار فى جهنم، يقول جل وعلا : ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37) فاطر ). أى إننا فى سورة فاطر بإزاء موقفين متناقضين  للمؤمنين السابقين فى الجنة والكافرين فى الجحيم ، والجنة موصوفة بالمقام المحمود ، بينما يصطرخ الكفار فى جهنم يرجون الخروج ليعملوا صالحا بينما هم خالدون فيها . أى فالجنة ( مقام محمود ) و جهنم ( مقام سىء )

7 ـ ومصطلح ( المقام ) هنا يعنى الاقامة الخالدة والاستقرار الخالد فى الجنة أو فى النار ، وفى الجنة يكون ( المقام والمستقر ) .  يقول جل وعلا عن ( مقام المتقين فى الجنة ) : (خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً (76) ( الفرقان )أى حسُنت مستقرا ومُقاما . ويأتى فى سورة الدخان تفصيل ذلك المقام المحمود للمتقين ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51)الدخان ) وتأتى تفاصيل النعيم لهم فى هذا المقام : ( فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53) كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (55) الدخان ).

وفى هذا المقام الخالد فى الجنة فإنّ أعظم دعاء أهل الجنة هو ( الحمد لله رب العالمين ) يقول جل وعلا عنهم:( دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10) يونس ). أى إنه ( المقام المحمود ).

وفى مقابل الجنة التى (حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً (76) الفرقان ) فإن جهنم ساءت مستقرا ومُقاما ، لذا فإن عباد الرحمن يدعون ربهم جل وعلا أن يصرف عنهم عذابها : ( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً (66) الفرقان).

8 ـ وفى مكة فى بداية الدعوة قال جل وعلا للنبى يشجعه على أن يتأهّل للجنة بالعمل الصالح (( أَقِمْ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً (78) وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً (79) الاسراء ) أى هو وعد بالجنة مشروط بعمل صالح . وفى نهاية حياته كان عليه السلام قد حقّق هذا الشرط بالجهاد والتقوى ومعه السابقون إيمانا وعملا من أصحابه ، فنزل تبشيرهم بالجنة قبيل موته عليه السلام :( لَكِنْ الرَّسُولُوَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89) التوبة ).

المقصود أن المقام المحمود هو الجنة ، وقد حاز النبى عليه السلام هذا المقام بعمله ويحوزه أيضا المؤمنون الذين يموتون وقد حققوا الايمان الخالص والعمل الصالح . ويوم القيامة سيكونون جميعا فى صُحبة واحدة معا (وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً) : (وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً (69) ( النساء ) .

وفى النهاية فإن خاتم النبيين هو من ( عباد الرحمن ) . تنطبق عليه كل الصفات التى ذكرها عنهم رب العزة . ينطبق عليه قوله جل وعلا  : ( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً (63)الفرقان ) . فقد كان عليه السلام هينا لينا متواضعا رءوفا رحيما بالمؤمنين . وينطبق عليه قوله جل وعلا : ( وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً (64) فكان عليه السلام يبيت ليله قائما قارئا للقرآن متهجدا به . وكان عليه السلام يخاف ـ إن عصى ربه ـ من عذاب عظيم  خوفا من جهنم التى ساءت مستقرا ومُقاما : ( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً (66) أى فالجحيم ساءت مستقرا ومقاما . وتنطبق عليه كل الصفات الصالحة الباقية . وبالتالى يستحق الجنة التى حسُنت مستقرا ومقاما : ( أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً (76)  الفرقان ). وهذا يجمعه بالمتقين يوم القيامة فى مقعد صدق عند مليك مقتدر : (  إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55) القمر) . 

هل هناك أعظم من هذا مقاما محمودا ؟ 

ودائما : صدق الله العظيم .

أخيرا :

ائمة المحمديين حرّفوا معنى ( المقام المحمود ) وزعموا أنه ( الشفاعة ) وإستشهدوا على هذا باساطير  البخارى وغيره . وفى كتاب ( أيسر التفاسير ) جاء تلخيص كتب التفاسير كلها فى عبارات سهلة مبسطة . وفى قوله جل وعلا : ( وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79)} يقول باختصار : (مَقَاماً مَّحْمُوداً- مَقَامَ الشَّفَاعَةِ العُظْمَى. ). أما ما جاء فى كتب ( التفسير السّنى ) فى تحريف ( المقام المحمود ) فهو غابة متكاثفة من الغموض ( مع إن إسمه تفسير ) مع الأقاويل الكاذبة والخرافات تصل فى كُفرها الى الزعم بأن الله جل وعلا أجلس النبى معه على العرش . وننقل ــ  لمن يتمتع بالصبر وطول البال ـ الخرافات والأباطيل التى كتبها أئمة المحمديين من الطبرى فى القرن الثالث الهجرى حتى الشعراوى فى عصرنا البائس . وهم كلهم ينهلون من نفس مستنقع الرجس المسمى بالسّنة والأحاديث.  واليكم ما قالوه فى تحريف كلمتى ( المقام المحمود ) :

( تفسير الطبرى ( مولود عام 224 ، وتوفى عام  310 )

وَقَوْله : { عَسَى أَنْ يَبْعَثك رَبّك مَقَامًا مَحْمُودًا } وَعَسَى مِنْ اللَّه وَاجِبَة , وَإِنَّمَا وَجْه قَوْل أَهْل الْعِلْم : عَسَى مِنْ اللَّه وَاجِبَة , لِعِلْمِ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ اللَّه لَا يَدَع أَنْ يَفْعَل بِعِبَادِهِ مَا أَطْمَعَهُمْ فِيهِ مِنْ الْجَزَاء عَلَى أَعْمَالهمْ وَالْعِوَض عَلَى طَاعَتهمْ إِيَّاهُ لَيْسَ مِنْ صِفَته الْغُرُور , وَلَا شَكَّ أَنَّهُ قَدْ أَطْمَعَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ لَهُ فِي نَفْعه , إِذَا هُوَ تَعَاهَدَهُ وَلَزِمَهُ , فَإِنْ لَزِمَ الْمَقُول لَهُ ذَلِكَ وَتَعَاهَدَهُ ثُمَّ لَمْ يَنْفَعهُ , وَلَا سَبَب يَحُول بَيْنه وَبَيْن نَفْعه إِيَّاهُ مَعَ الْأَطْمَاع الَّذِي تَقَدَّمَ مِنْهُ لِصَاحِبِهِ عَلَى تَعَاهُده إِيَّاهُ وَلُزُومه , فَإِنَّهُ لِصَاحِبِهِ غَارّ بِمَا كَانَ مِنْ إِخْلَافه إِيَّاهُ فِيمَا كَانَ أَطْمَعَهُ فِيهِ بِقَوْلِهِ الَّذِي قَالَ لَهُ . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ غَيْر جَائِز أَنْ يَكُون جَلَّ ثَنَاؤُهُ مِنْ صِفَته الْغُرُور لِعِبَادِهِ صَحَّ وَوَجَبَ أَنَّ كُلّ مَا أَطْمَعَهُمْ فِيهِ مَنْ طَمِعَ عَلَى طَاعَته , أَوْ عَلَى فِعْل مِنْ الْأَفْعَال , أَوْ أَمْر أَوْ نَهْي أَمَرَهُمْ بِهِ , أَوْ نَهَاهُمْ عَنْهُ , فَإِنَّهُ مُوفٍ لَهُمْ بِهِ , وَإِنَّهُمْ مِنْهُ كَالْعِدَةِ الَّتِي لَا يُخْلَف الْوَفَاء بِهَا , قَالُوا : عَسَى وَلَعَلَّ مِنْ اللَّه وَاجِبَة . وَتَأْوِيل الْكَلَام : أَقِمْ الصَّلَاة الْمَفْرُوضَة يَا مُحَمَّد فِي هَذِهِ الْأَوْقَات الَّتِي أَمَرْتُك بِإِقَامَتِهَا فِيهَا , وَمِنْ اللَّيْل فَتَهَجَّدْ فَرْضًا فَرَضْته عَلَيْك , لَعَلَّ رَبّك يَبْعَثك يَوْم الْقِيَامَة مَقَامًا تَقُوم فِيهِ مَحْمُودًا تَحْمَدهُ , وَتُغْبَط فِيهِ . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى ذَلِكَ الْمَقَام الْمَحْمُود , فَقَالَ أَكْثَر أَهْل الْعِلْم : ذَلِكَ هُوَ الْمَقَام الَّذِي هُوَ يَقُومهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الْقِيَامَة لِلشَّفَاعَةِ لِلنَّاسِ لِيُرِيحَهُمْ رَبّهمْ مِنْ عَظِيم مَا هُمْ فِيهِ مِنْ شِدَّة ذَلِكَ الْيَوْم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17061 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ صِلَة بْن زُفَر , عَنْ حُذَيْفَة , قَالَ : يُجْمَع النَّاس فِي صَعِيد وَاحِد , فَيَسْمَعهُمْ الدَّاعِي , وَيَنْفُذهُمْ الْبَصَر , حُفَاة عُرَاة كَمَا خُلِقُوا , قِيَامًا لَا تَكَلَّم نَفْس إِلَّا بِإِذْنِهِ , يُنَادَى : يَا مُحَمَّد , فَيَقُول : " لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْك وَالْخَيْر فِي يَدَيْك , وَالشَّرّ لَيْسَ إِلَيْك , وَالْمَهْدِيّ مَنْ هَدَيْت , عَبْدك بَيْن يَدَيْك , وَبِك وَإِلَيْك , لَا مَلْجَأ وَلَا مَنْجَا مِنْك إِلَّا إِلَيْك , تَبَارَكْت وَتَعَالَيْت , سُبْحَانك رَبّ هَذَا الْبَيْت " ; فَهَذَا الْمَقَام الْمَحْمُود الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه تَعَالَى . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ صِلَة بْن زُفَر , عَنْ حُذَيْفَة , قَالَ : يُجْمَع النَّاس فِي صَعِيد وَاحِد . فَلَا تَكَلَّم نَفْس , فَأَوَّل مَا يَدْعُو مُحَمَّد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَيَقُوم مُحَمَّد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَيَقُول : " لَبَّيْكَ " , ثُمَّ ذَكَرَ مِثْله . 17062 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بْن عَمْرو بْن خَالِد الرَّقِّيّ , قَالَ : ثنا عِيسَى بْن يُونُس , عَنْ رِشْدِين بْن كُرَيْب , عَنْ أَبِيهِ عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { عَسَى أَنْ يَبْعَثك رَبّك مَقَامًا مَحْمُودًا } قَالَ : الْمَقَام الْمَحْمُود : مَقَام الشَّفَاعَة . 17063 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ سَلَمَة بْن كُهَيْلٍ , قَالَ : ثنا أَبُو الزَّعْرَاء , عَنْ عَبْد اللَّه فِي قِصَّة ذَكَرَهَا , قَالَ : ثُمَّ يُؤْمَر بِالصِّرَاطِ فَيُضْرَب عَلَى جِسْر جَهَنَّم , فَيَمُرّ النَّاس بِقَدْرِ أَعْمَالهمْ ; يَمُرّ أَوَّلهمْ كَالْبَرْقِ , وَكَمَرِّ الرِّيح , وَكَمَرِّ الطَّيْر , وَكَأَسْرَع الْبَهَائِم , ثُمَّ كَذَلِكَ حَتَّى يَمُرّ الرَّجُل سَعْيًا , ثُمَّ مَشْيًا , حَتَّى يَجِيء آخِرهمْ يَتَلَبَّط عَلَى بَطْنه , فَيَقُول : رَبّ لِمَا أَبْطَأْت بِي , فَيَقُول : إِنِّي لَمْ أُبْطِئ بِك , إِنَّمَا أَبْطَأَ بِك عَمَلك , قَالَ : ثُمَّ يَأْذَن اللَّه فِي الشَّفَاعَة , فَيَكُون أَوَّل شَافِع يَوْم الْقِيَامَة جَبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام , رُوح الْقُدُس , ثُمَّ إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن , ثُمَّ مُوسَى , أَوْ عِيسَى , قَالَ أَبُو الزَّعْرَاء : لَا أَدْرِي أَيّهمَا قَالَ ; قَالَ : ثُمَّ يَقُوم نَبِيّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَابِعًا , فَلَا يَشْفَع أَحَد بَعْده فِيمَا يَشْفَع فِيهِ , وَهُوَ الْمَقَام الْمَحْمُود الَّذِي ذَكَرَ اللَّه { عَسَى أَنْ يَبْعَثك رَبّك مَقَامًا مَحْمُودًا } 17064 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ عَوْف , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى { وَمِنْ اللَّيْل فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَة لَك عَسَى أَنْ يَبْعَثك رَبّك مَقَامًا مَحْمُودًا } قَالَ : الْمَقَام الْمَحْمُود : مَقَام الشَّفَاعَة يَوْم الْقِيَامَة . 17065 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى : وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : { مَقَامًا مَحْمُودًا } قَالَ : شَفَاعَة مُحَمَّد يَوْم الْقِيَامَة . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 17066 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ عَاصِم الْأَحْوَل , عَنْ أَبِي عُثْمَان , عَنْ سُلَيْمَان , قَالَ : هُوَ الشَّفَاعَة , يُشَفِّعهُ اللَّه فِي أُمَّته , فَهُوَ الْمَقَام الْمَحْمُود . 17067 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { عَسَى أَنْ يَبْعَثك رَبّك مَقَامًا مَحْمُودًا } وَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُيِّرَ بَيْن أَنْ يَكُون نَبِيًّا عَبْدًا , أَوْ مَلِكًا نَبِيًّا , فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ جَبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام : أَنْ تَوَاضَعْ , فَاخْتَارَ نَبِيّ اللَّه أَنْ يَكُون عَبْدًا نَبِيًّا , فَأُعْطِيَ بِهِ نَبِيّ اللَّه ثِنْتَيْنِ : إِنَّهُ أَوَّل مَنْ تَنْشَقّ عَنْهُ الْأَرْض , وَأَوَّل شَافِع . وَكَانَ أَهْل الْعِلْم يَرَوْنَ أَنَّهُ الْمَقَام الْمَحْمُود الَّذِي قَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى { عَسَى أَنْ يَبْعَثك رَبّك مَقَامًا مَحْمُودًا } شَفَاعَة يَوْم الْقِيَامَة . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة { مَقَامًا مَحْمُودًا } قَالَ : هِيَ الشَّفَاعَة , يُشَفِّعهُ اللَّه فِي أُمَّته . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر وَالثَّوْرِيّ , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ صِلَة بْن زُفَر , قَالَ : سَمِعْت حُذَيْفَة يَقُول فِي قَوْله : { عَسَى أَنْ يَبْعَثك رَبّك مَقَامًا مَحْمُودًا } قَالَ : يَجْمَع اللَّه النَّاس فِي صَعِيد وَاحِد حَيْثُ يَسْمَعهُمْ الدَّاعِي , فَيَنْفُذهُمْ الْبَصَر حُفَاة عُرَاة , كَمَا خُلِقُوا سُكُوتًا لَا تَكَلَّم نَفْس إِلَّا بِإِذْنِهِ , قَالَ : فَيُنَادَى مُحَمَّد , فَيَقُول : لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْك , وَالْخَيْر فِي يَدَيْك , وَالشَّرّ لَيْسَ إِلَيْك , وَالْمَهْدِيّ مَنْ هَدَيْت , وَعَبْدك بَيْن يَدَيْك , وَلَك وَإِلَيْك , لَا مَلْجَأ وَلَا مَنْجَى مِنْك إِلَّا إِلَيْك , تَبَارَكْت وَتَعَالَيْت , سُبْحَانك رَبّ الْبَيْت , قَالَ : فَذَلِكَ الْمَقَام الْمَحْمُود الَّذِي ذَكَرَ اللَّه { عَسَى أَنْ يَبْعَثك رَبّك مَقَامًا مَحْمُودًا } * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ صِلَة بْن زُفَر , قَالَ حُذَيْفَة : يَجْمَع اللَّه النَّاس فِي صَعِيد وَاحِد , حَيْثُ يَنْفُذهُمْ الْبَصَر , وَيُسْمِعهُمْ الدَّاعِي , حُفَاة عُرَاة كَمَا خُلِقُوا أَوَّل مَرَّة , ثُمَّ يَقُوم النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُول : " لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْك " , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : هُوَ الْمَقَام الْمَحْمُود . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ الْمَقَام الْمَحْمُود الَّذِي وَعَدَ اللَّه نَبِيّه أَنْ يَبْعَثهُ إِيَّاهُ , هُوَ أَنْ يُقَاعِدهُ مَعَهُ عَلَى عَرْشه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17068 - حَدَّثَنَا عَبَّاد بْن يَعْقُوب الْأَسَدِيّ , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { عَسَى أَنْ يَبْعَثك رَبّك مَقَامًا مَحْمُودًا } قَالَ : يُجْلِسهُ مَعَهُ عَلَى عَرْشه . وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ مَا صَحَّ بِهِ الْخَبَر عَنْ رَسُول اللَّه . وَذَلِكَ مَا : 17069 - حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ دَاوُدَ بْن يَزِيد , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { عَسَى أَنْ يَبْعَثك رَبّك مَقَامًا مَحْمُودًا } سُئِلَ عَنْهَا , قَالَ : " هِيَ الشَّفَاعَة " . 17070 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن حَرْب , قَالَ : ثنا مَكِّيّ بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا دَاوُدَ بْن يَزِيد الْأَوْدِيّ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله : { عَسَى أَنْ يَبْعَثك رَبّك مَقَامًا مَحْمُودًا } قَالَ : " هُوَ الْمَقَام الَّذِي أَشْفَع فِيهِ لِأُمَّتِي " . 17071 - حَدَّثَنَا أَبُو عُتْبَة الْحِمْصِيّ أَحْمَد بْن الْفَرَج , قَالَ : ثنا بَقِيَّة بْن الْوَلِيد , عَنْ الزُّبَيْدِيّ , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن كَعْب بْن مَالِك , عَنْ كَعْب بْن مَالِك , أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " يُحْشَر النَّاس يَوْم الْقِيَامَة , فَأَكُون أَنَا وَأُمَّتِي عَلَى تَلّ , فَيَكْسُونِي رَبِّي حُلَّة خَضْرَاء , ثُمَّ يُؤْذَن لِي , فَأَقُول مَا شَاءَ اللَّه أَنْ أَقُول , فَذَلِكَ الْمَقَام الْمَحْمُود " . 17072 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم , قَالَ : ثنا شُعَيْب بْن اللَّيْث , قَالَ : ثني اللَّيْث , عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , أَنَّهُ قَالَ : سَمِعْت حَمْزَة بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر يَقُول : سَمِعْت عَبْد اللَّه بْن عُمَر يَقُول : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ الشَّمْس لَتَدْنُو حَتَّى يَبْلُغ الْعَرَق نِصْف الْأُذُن , فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ اِسْتَغَاثُوا بِآدَم عَلَيْهِ السَّلَام , فَيَقُول : لَسْت صَاحِب ذَلِكَ , ثُمَّ بِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام , فَيَقُول كَذَلِكَ ; ثُمَّ بِمُحَمَّدٍ فَيُشَفَّع بَيْن الْخَلْق فَيَمْشِي حَتَّى يَأْخُذ بِحَلَقَةِ الْجَنَّة , فَيَوْمئِذٍ يَبْعَثهُ اللَّه مَقَامًا مَحْمُودًا " . 17073 - حَدَّثَنِي أَبُو زَيْد عُمَر بْن شَبَّة , قَالَ : ثنا مُوسَى بْن إِسْمَاعِيل , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن زَيْد , عَنْ عَلِيّ بْن الْحَكَم , قَالَ : ثَنْي عُثْمَان , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ الْأَسْوَد وَعَلْقَمَة , عَنْ اِبْن مَسْعُود , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنِّي لَأَقُوم الْمَقَام الْمَحْمُود " فَقَالَ رَجُل : يَا رَسُول اللَّه , وَمَا ذَلِكَ الْمَقَام الْمَحْمُود ؟ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " ذَاكَ إِذَا جِيءَ بِكُمْ حُفَاة عُرَاة غُرْلًا فَيَكُون أَوَّل مَنْ يُكْسَى إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام , فَيُؤْتَى بِرَيْطَتَيْنِ بَيْضَاوَيْنِ , فَيَلْبَسهُمَا , ثُمَّ يَقْعُد مُسْتَقْبِل الْعَرْش , ثُمَّ أُوتَى بِكِسْوَتِي فَأَلْبَسهَا , فَأَقُوم عَنْ يَمِينه مَقَامًا لَا يَقُومهُ غَيْرِي يَغْبِطنِي فِيهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ , ثُمَّ يُفْتَح نَهَر مِنْ الْكَوْثَر إِلَى الْحَوْض " . 17074 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ عَلِيّ بْن الْحُسَيْن , أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِذَا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة مَدَّ اللَّه الْأَرْض مَدّ الْأَدِيم حَتَّى لَا يَكُون لِبَشَرٍ مِنْ النَّاس إِلَّا مَوْضِع قَدَمَيْهِ " , قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَأَكُون أَوَّل مَنْ يُدْعَى وَجَبْرَائِيل عَنْ يَمِين الرَّحْمَن , وَاَللَّه مَا رَآهُ قَبْلهَا , فَأَقُول : أَيْ رَبّ إِنَّ هَذَا أَخْبَرَنِي أَنَّك أَرْسَلْته إِلَيَّ , فَيَقُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : صَدَقَ , ثُمَّ أُشَفَّع , قَالَ : فَهُوَ الْمَقَام الْمَحْمُود " . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر . عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ عَلِيّ بْن الْحُسَيْن , قَالَ : قَالَ النَّبِيّ : " إِذَا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة " , فَذَكَرَ نَحْوه , وَزَادَ فِيهِ : " ثُمَّ أُشَفَّع فَأَقُول : يَا رَبّ عِبَادك عَبَدُوك فِي أَطْرَاف الْأَرْض , وَهُوَ الْمَقَام الْمَحْمُود " . 17075 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَامِر , قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيم بْن طَهْمَان , عَنْ آدَم , عَنْ عَلِيّ , قَالَ : سَمِعْت اِبْن عُمَر يَقُول : إِنَّ النَّاس يُحْشَرُونَ يَوْم الْقِيَامَة , فَيَجِيء مَعَ كُلّ نَبِيّ أُمَّته , ثُمَّ يَجِيء رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِر الْأُمَم هُوَ وَأُمَّته , فَيَرْقَى هُوَ وَأُمَّته عَلَى كَوْم فَوْق النَّاس , فَيَقُول : يَا فُلَان اِشْفَعْ , وَيَا فُلَان اِشْفَعْ , وَيَا فُلَان اِشْفَعْ , فَمَا زَالَ يَرُدّهَا بَعْضهمْ عَلَى بَعْض يَرْجِع ذَلِكَ إِلَيْهِ , وَهُوَ الْمَقَام الْمَحْمُود الَّذِي وَعَدَهُ اللَّه إِيَّاهُ . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَوْف , قَالَ : ثنا حَيْوَة وَرَبِيع , قَالَا : ثنا مُحَمَّد بْن حَرْب , عَنْ الزُّبَيْدِيّ , عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن كَعْب بْن مَالِك , عَنْ كَعْب بْن مَالِك , أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " يُحْشَر النَّاس يَوْم الْقِيَامَة فَأَكُون أَنَا وَأُمَّتِي عَلَى تَلّ , فَيَكْسُونِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ حُلَّة خَضْرَاء , ثُمَّ يُؤْذَن لِي فَأَقُول مَا شَاءَ اللَّه أَنْ أَقُول , فَذَلِكَ الْمَقَام الْمَحْمُود " . وَهَذَا وَإِنْ كَانَ هُوَ الصَّحِيح مِنْ الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله { عَسَى أَنْ يَبْعَثك رَبّك مَقَامًا مَحْمُودًا } لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الرِّوَايَة عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه وَالتَّابِعِينَ , فَإِنَّ مَا قَالَهُ مُجَاهِد مِنْ أَنَّ اللَّه يُقْعِد مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَرْشه , قَوْل غَيْر مَدْفُوع صِحَّته , لَا مِنْ جِهَة خَبَر وَلَا نَظَر , وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا خَبَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَا عَنْ أَحَد مِنْ أَصْحَابه , وَلَا عَنْ التَّابِعِينَ بِإِحَالَةِ ذَلِكَ . فَأَمَّا مِنْ جِهَة النَّظَر , فَإِنَّ جَمِيع مَنْ يَنْتَحِل الْإِسْلَام إِنَّمَا اِخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى أَوْجُه ثَلَاثَة : فَقَالَتْ فِرْقَة مِنْهُمْ : اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بَائِن مِنْ خَلْقه كَانَ قَبْل خَلْقه الْأَشْيَاء , ثُمَّ خَلَقَ الْأَشْيَاء فَلَمْ يَمَاسَّهَا , وَهُوَ كَمَا لَمْ يَزَلْ , غَيْر أَنَّ الْأَشْيَاء الَّتِي خَلَقَهَا , إِذْ لَمْ يَكُنْ هُوَ لَهَا مُمَاسًّا , وَجَبَ أَنْ يَكُون لَهَا مُبَايِنًا , إِذْ لَا فِعَال لِلْأَشْيَاءِ إِلَّا وَهُوَ مُمَاسّ لِلْأَجْسَامِ أَوْ مُبَايِن لَهَا . قَالُوا : فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فَاعِل الْأَشْيَاء , وَلَمْ يَجُزْ فِي قَوْلهمْ : إِنَّهُ يُوصَف بِأَنَّهُ مُمَاسّ لِلْأَشْيَاءِ , وَجَبَ بِزَعْمِهِمْ أَنَّهُ لَهَا مُبَايِن , فَعَلَى مَذْهَب هَؤُلَاءِ سَوَاء أَقْعَدَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَرْشه , أَوْ عَلَى الْأَرْض إِذْ كَانَ مِنْ قَوْلهمْ إِنَّ بَيْنُونَته مِنْ عَرْشه , وَبَيْنُونَته مِنْ أَرْضه بِمَعْنًى وَاحِد فِي أَنَّهُ بَائِن مِنْهُمَا كِلَيْهِمَا , غَيْر مُمَاسّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا . وَقَالَتْ فِرْقَة أُخْرَى : كَانَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره قَبْل خَلْقه الْأَشْيَاء , لَا شَيْء يُمَاسّهُ , وَلَا شَيْء يُبَايِنهُ , ثُمَّ خَلَقَ الْأَشْيَاء فَأَقَامَهَا بِقُدْرَتِهِ , وَهُوَ كَمَا لَمْ يَزَلْ قَبْل الْأَشْيَاء خَلْقه لَا شَيْء يُمَاسّهُ وَلَا شَيْء يُبَايِنهُ , فَعَلَى قَوْل هَؤُلَاءِ أَيْضًا سَوَاء أَقْعَدَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَرْشه , أَوْ عَلَى أَرْضه , إِذْ كَانَ سَوَاء عَلَى قَوْلهمْ عَرْشه وَأَرْضه فِي أَنَّهُ لَا مُمَاسّ وَلَا مُبَايِن لِهَذَا , كَمَا أَنَّهُ لَا مُمَاسّ وَلَا مُبَايِن لِهَذِهِ . وَقَالَتْ فِرْقَة أُخْرَى : كَانَ اللَّه عَزَّ ذِكْره قَبْل خَلْقه الْأَشْيَاء لَا شَيْء يُمَاسّهُ , وَلَا شَيْء يُبَايِنهُ , ثُمَّ أَحْدَثَ الْأَشْيَاء وَخَلَقَهَا , فَخَلَقَ لِنَفْسِهِ عَرْشًا اِسْتَوَى عَلَيْهِ جَالِسًا , وَصَارَ لَهُ مُمَاسًّا , كَمَا أَنَّهُ قَدْ كَانَ قَبْل خَلْقه الْأَشْيَاء لَا شَيْء يَرْزُقهُ رِزْقًا , وَلَا شَيْء يُحَرِّمهُ ذَلِكَ , ثُمَّ خَلَقَ الْأَشْيَاء فَرَزَقَ هَذَا وَحَرَّمَ هَذَا , وَأَعْطَى هَذَا , وَمَنَعَ هَذَا , قَالُوا : فَكَذَلِكَ كَانَ قَبْل خَلْقه الْأَشْيَاء يُمَاسّهُ وَلَا يُبَايِنهُ , وَخَلَقَ الْأَشْيَاء فَمَاسَّ الْعَرْش بِجُلُوسِهِ عَلَيْهِ دُون سَائِر خَلْقه , فَهُوَ مُمَاسّ مَا شَاءَ مِنْ خَلْقه , وَمُبَايِن مَا شَاءَ مِنْهُ , فَعَلَى مَذْهَب هَؤُلَاءِ أَيْضًا سَوَاء أَقْعَدَ مُحَمَّدًا عَلَى عَرْشه , أَوْ أَقْعَدَهُ عَلَى مِنْبَر مِنْ نُور , إِذْ كَانَ مِنْ قَوْلهمْ : إِنَّ جُلُوس الرَّبّ عَلَى عَرْشه , لَيْسَ بِجُلُوسٍ يَشْغَل جَمِيع الْعَرْش , وَلَا فِي إِقْعَاد مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوجِبًا لَهُ صِفَة الرُّبُوبِيَّة , وَلَا مُخْرِجه مِنْ صِفَة الْعُبُودِيَّة لِرَبِّهِ , كَمَا أَنَّ مُبَايَنَة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ مُبَايِنًا لَهُ مِنْ الْأَشْيَاء غَيْر مُوجِبَة لَهُ صِفَة الرُّبُوبِيَّة , وَلَا مُخْرَجَته مِنْ صِفَة الْعُبُودِيَّة لِرَبِّهِ مِنْ أَجْل أَنَّهُ مَوْصُوف بِأَنَّهُ لَهُ مُبَايِن , كَمَا أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مَوْصُوف عَلَى قَوْل قَائِل هَذِهِ الْمَقَالَة بِأَنَّهُ مُبَايِن لَهَا , هُوَ مُبَايِن لَهُ . قَالُوا : فَإِذَا كَانَ مَعْنَى مُبَايِن وَمُبَايِن لَا يُوجِب لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخُرُوج مِنْ صِفَة الْعُبُودَة وَالدُّخُول فِي مَعْنَى الرُّبُوبِيَّة , فَكَذَلِكَ لَا يُوجِب لَهُ ذَلِكَ قُعُوده عَلَى عَرْش الرَّحْمَن , فَقَدْ تَبَيَّنَ إِذًا بِمَا قُلْنَا أَنَّهُ غَيْر مُحَال فِي قَوْل أَحَد مِمَّنْ يَنْتَحِل الْإِسْلَام مَا قَالَهُ مُجَاهِد مِنْ أَنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُقْعِد مُحَمَّدًا عَلَى عَرْشه . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَإِنَّا لَا نُنْكِر إِقْعَاد اللَّه مُحَمَّدًا عَلَى عَرْشه , وَإِنَّمَا نُنْكِر إِقْعَاده . 17076 - حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن عَبْد الْعَظِيم , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن كَثِير , عَنْ الْجَرِيرِيّ , عَنْ سَيْف السَّدُوسِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن سَلَام , قَالَ : إِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الْقِيَامَة عَلَى كُرْسِيّ الرَّبّ بَيْن يَدَيْ الرَّبّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى . وَإِنَّمَا يُنْكِر إِقْعَاده إِيَّاهُ مَعَهُ . قِيلَ : أَفَجَائِز عِنْدك أَنْ يُقْعِدهُ عَلَيْهِ لَا مَعَهُ . فَإِنْ أَجَازَ ذَلِكَ صَارَ إِلَى الْإِقْرَار بِأَنَّهُ إِمَّا مَعَهُ , أَوْ إِلَى أَنَّهُ يُقْعِدهُ , وَاَللَّه لِلْعَرْشِ مُبَايِن , أَوْ لَا مُمَاسّ وَلَا مُبَايِن , وَبِأَيِّ ذَلِكَ قَالَ كَانَ مِنْهُ دُخُولًا فِي بَعْض مَا كَانَ يُنْكِرهُ وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ غَيْر جَائِز كَانَ مِنْهُ خُرُوجًا مِنْ قَوْل جَمِيع الْفِرَق الَّتِي حَكَيْنَا قَوْلهمْ , وَذَلِكَ فِرَاق لِقَوْلِ جَمِيع مَنْ يَنْتَحِل الْإِسْلَام , إِذْ كَانَ لَا قَوْل فِي ذَلِكَ إِلَّا الْأَقْوَال الثَّلَاثَة الَّتِي حَكَيْنَاهَا , وَغَيْر مُحَال فِي قَوْل مِنْهَا مَا قَالَ مُجَاهِد فِي ذَلِكَ . )

( تفسير الرازى ( فخر الدين الرازى ) 543 ـ 606 هجرية

البحث الثاني: في تفسير المقام المحمود أقوال:
الأول: أنه الشفاعة قال الواحدي أجمع المفسرون على أنه مقام الشفاعة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي وأقول اللفظ مشعر به وذلك لأن الإنسان إنما يصير محموداً إذا حمده حامد والحمد إنما يكون على الانعام فهذا المقام المحمود يجب أن يكون مقاماً أنعم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه على قوم فحمدوه على ذلك الإنعام وذلك الإنعام لا يجوز أن يكون هو تبليغ الدين وتعليم الشرع لأن ذلك كان حاصلاً في الحال وقوله: {عسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُودًا} تطميع وتطميع الإنسان في الشيء الذي وعده في الحال محال فوجب أن يكون ذلك الانعام الذي لأجله يصير محموداً إنعاماً سيصل منه حصل له بعد ذلك إلى الناس وما ذاك إلا شفاعته عند الله فدل هذا على أن لفظ الآية وهو قوله: {عسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُودًا} يدل على هذا المعنى وأيضاً التنكير في قوله مقاماً محموداً يدل على أنه يحصل للنبي عليه السلام في ذلك المقام حمد بالغ عظيم كامل ومن المعلم أن حمد الإنسان على سعيه في التخليص عن العقاب أعظم من حمده في السعي في زيادة من الثواب لا حاجة به إليها لأن احتياج الإنسان إلى دفع الآلام العظيمة عن النفس فوق احتياجه إلى تحصيل المنافع الزائدة التي لا حاجة به إلى تحصيلها وإذا ثبت هذا وجب أن يكون المراد من قوله: {عسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُودًا} هو الشفاعة في إسقاط العقاب على ما هو مذهب أهل السنة ولما ثبت أن لفظ الآية مشعر بهذا المعنى إشعاراً قوياً ثم وردت الأخبار الصحيحة في تقرير هذا المعنى وجب حل اللفظ عليه ومما يؤكد هذا الوجه الدعاء المشهور وابعثه المقام المحمود الذي وعدته يغبطه به الأولون والآخرون واتفق الناس على أن المراد منه الشفاعة.
والقول الثاني: قال حذيفة، يجمع الناس في صعيد فلا تتكلم نفس فأول مدعو محمد صلى الله عليه وسلم فيقول: «لبيك وسعديك والشر ليس إليك والمهدي من هديت وعبدك بين يديك وبك وإليك لا ملجأ ولا منجاً منك إلا إليك تباركت وتعاليت سبحانك رب البيت» فهذا هو المراد من قوله: {عسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُودًا} وأقول القول الأول أولى لأن سعيه في الشفاعة يفيده إقدام الناس على حمده فيصير محموداً وأما ذكر هذا الدعاء فلا يفيد إلا الثواب أما الحمد فلا فإن قالوا لم لا يجوز أن يقال إنه تعالى يحمده على هذا القول قلنا لأن الحمد في اللغة مختص بالثناء المذكور في مقابلة الأنعام فقط فإن ورد لفظ الحمد في غير هذا المعنى فعلى سبيل المجاز.
القول الثالث: المراد مقام تحمد عاقبته وهذا أيضاً ضعيف للوجه الذي ذكرناه في القول الثاني.
القول الرابع: قال الواحدي روى عن ابن مسعود أنه قال: يقعد الله محمداً على العرش وعن مجاهد أنه قال يجلسه معه على العرش، ثم قال الواحدي وهذا قول رذل موحش فظيع ونص الكتاب ينادي بفساد هذا التفسير ويدل عليه وجوه:
الأول: أن البعث ضد الإجلاس يقال بعثت النازل والقاعد فانبعث ويقال بعث الله الميت أي أقامه من قبره فتفسير البعث بالإجلاس تفسير للضد بالضد وهو فاسد.
والثاني: أنه تعالى قال مقاماً محموداً ولم يقل مقعداً والمقام موضع القيام لا موضع القعود.
والثالث: لو كان تعالى جالساً على العرش بحيث يجلس عنده محمد عليه الصلاة والسلام لكان محدوداً متناهياً ومن كان كذلك فهو محدث.
والرابع: يقال إن جلوسه مع الله على العرش ليس فيه كثير إعزاز لأن هؤلاء الجهال والحمقى يقولون في كل أهل الجنة إنهم يزورون الله تعالى وإنهم يجلسون معه وإنه تعالى يسألهم عن أحوالهم التي كانوا فيها في الدنيا وإذا كانت هذه الحالة حاصلة عندهم لكل المؤمنين لم يكن لتخصيص محمد صلى الله عليه وسلم بها مزيد شرف ورتبة.
والخامس: أنه إذا قيل السلطان بعث فلاناً فهم منه أنه أرسله إلى قوم لإصلاح مهماتهم ولا يفهم منه أنه أجلسه مع نفسه فثبت أن هذا القول كلام رذل ساقط لا يميل إليه إلا إنسان قليل العقل عديم الدين، والله أعلم . )

( تفسير القرطبى  ( توفى عام 671 هجرية )

قوله تعالى: {عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً} اختلف في المقام المحمود على أربعة أقوال: الأول- وهو أصحها- الشفاعة للناس يوم القيامة، قاله حذيفة بن اليمان. وفى صحيح البخاري عن ابن عمر قال: إن الناس يصيرون يوم القيامة جثا كل أمة تتبع نبيها تقول: يا فلان اشفع، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود. وفى صحيح مسلم عن أنس قال حدثنا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: «إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم إلى بعض فيأتون آدم فيقولون له اشفع لذريتك فيقول لست لها ولكن عليكم بإبراهيم عليه السلام فإنه خليل الله فيأتون إبراهيم فيقول لست لها ولكن عليكم بموسى فإنه كليم الله فيؤتى موسى فيقول لست لها ولكن عليكم بعيسى عليه السلام فإنه روح الله وكلمته فيؤتى عيسى فيقول لست لها ولكن عليكم بمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأوتى فأقول أنا لها»وذكر الحديث.
وروى الترمذي عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه في قوله: {عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً} سئل عنها قال: «هي الشفاعة» قال: هذا حديث حسن صحيح.
إذا ثبت أن المقام المحمود هو أمر الشفاعة الذي يتدافعه الأنبياء عليهم السلام، حتى ينتهى الامر إلى نبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيشفع هذه الشفاعة لأهل الموقف ليعجل حسابهم ويراحوا من هول موقفهم، وهو الخاصة به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولأجل ذلك قال: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر». قال النقاش: لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاث شفاعات: العامة، وشفاعة في السب إلى الجنة، وشفاعة في أهل الكبائر. ابن عطية: والمشهور أنهما شفاعتان فقط: العامة، وشفاعة في إخراج المذنبين من النار. وهذه الشفاعة الثانية لا يتدافعها الأنبياء بل يشفعون ويشفع العلماء.
وقال القاضي أبو الفضل عياض: شفاعات نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم القيامة خمس شفاعات: العامة. والثانية في إدخال قوم الجنة دون حساب.
الثالثة في قوم من موحدى أمته استوجبوا النار بذنوبهم فيشفع فيها نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومن شاء الله أن يشفع ويدخلون الجنة. وهذه الشفاعة هي التي أنكرتها المبتدعة: الخوارج والمعتزلة، فمنعتها على أصولهم الفاسدة، وهى الاستحقاق العقلي المبني على التحسين والتقبيح.
الرابعة فيمن دخل النار من المذنبين فيخرجون بشفاعة نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيره من الأنبياء والملائكة وإخوانهم المؤمنين.
الخامسة في زيادة الدرجات في الجنة لأهلها وترفيعها، وهذه لا تنكرها المعتزلة ولا تنكر شفاعة الحشر الأول. قال القاضي عياض: وعرف بالنقل المستفيض سؤال السلف الصالح لشفاعة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورغبتهم فيها، وعلى هذا لا يلتفت لقول من قال: إنه يكره أن تسأل الله أن يرزقك شفاعة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأنها لا تكون إلا للمذنبين، فإنها قد تكون كما قدمنا لتخفيف الحساب وزيادة الدرجات. ثم كل عاقل معترف بالتقصير محتاج إلى العفو غير معتد بعمله مشفق أن يكون من الهالكين، ويلزم هذا القائل ألا يدعو بالمغفرة والرحمة، لأنها لأصحاب الذنوب أيضا، وهذا كله خلاف ما عرف من دعاء السلف والخلف. روى البخاري عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: «من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة».
القول الثاني- أن المقام المحمود إعطاؤه لواء الحمد يوم القيامة. قلت: وهذا القول لا تنافر بينه وبين الأول، فإنه يكون بيده لواء الحمد ويشفع. روى الترمذي عن أبى سعيد الخدري قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر وبيدي لواء الحمد ولا فخر وما من نبى آدم فمن سواه إلا تحت لوائي» الحديث. القول الثالث- ما حكاه الطبري عن فرقة، منها مجاهد، أنها قالت: المقام المحمود هو أن يجلس الله تعالى محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معه على كرسيه، وروت في ذلك حديثا. وعضد الطبري جواز ذلك بشطط من القول، وهو لا يخرج إلا على تلطف في المعنى، وفية بعد. ولا ينكر مع ذلك أن يروى، والعلم يتأوله. وذكر النقاش عن أبى داود السجستاني أنه قال: من أنكر هذا الحديث فهو عندنا متهم، ما زال أهل العلم يتحدثون بهذا، من أنكر جوازه على تأويله. قال أبو عمر ومجاهد: وإن كان أحد الأئمة يتأول القرآن فإن له قولين مهجورين عند أهل العلم: أحدهما هذا والثاني في تأويل قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ. إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ} قال: تنتظر الثواب، ليس من النظر. قلت. ذكر هذا في باب ابن شهاب في حديث التنزيل.
وروى عن مجاهد أيضا في هذه الآية قال: يجلسه على العرش. وهذا تأويل غير مستحيل، لان الله تعالى كان قبل خلقه الأشياء كلها والعرش قائما بذاته، ثم خلق الأشياء من غير حاجة إليها، بل إظهارا لقدرته وحكمته، وليعرف وجوده وتوحيده وكمال قدرته وعلمه بكل أفعاله المحكمة، وخلق لنفسه عرشا استوى عليه كما شاء من غير أن صار له مماسا، أو كان العرش له مكانا. قيل: هو الآن على الصفة التي كان عليها من قبل أن يخلق المكان والزمان، فعلى هذا القول سواء في الجواز أقعد محمد على العرش أو على الأرض، لان استواء الله تعالى على العرش ليس بمعنى الانتقال والزوال وتحويل الأحوال من القيام والقعود والحال التي تشغل العرش، بل هو مستو على عرشه كما أخبر عن نفسه بلا كيف. وليس إقعاده محمدا على العرش موجبا له صفة الربوبية أو مخرجا له عن صفة العبودية، بل هو رفع لمحله وتشريف له على خلقه. وأما قوله في الاخبار: «معه» فهو بمنزلة قوله: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ}، و{رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ}. {وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} ونحو ذلك. كل ذلك عائد إلى الرتبة والمنزلة والحظوة والدرجة الرفيعة، لا إلى المكان.
الرابع- إخراجه من النار بشفاعته من يخرج، قاله جابر بن عبد الله. ذكره مسلم. وقد ذكرناه في كتاب التذكرة والله الموفق.
السادسة: اختلف العلماء في كون القيام بالليل سببا للمقام المحمود على قولين: أحدهما: أن البارئ تعالى يجعل ما شاء من فعله سببا لفضله من غير معرفه بوجه الحكمة فيه، أو بمعرفة وجه الحكمة.
الثاني: أن قيام الليل فيه الخلوة مع البارئ والمناجاة دون الناس، فأعطى الخلوة به ومناجاته في قيامه وهو المقام المحمود. ويتفاضل فيه الخلق بحسب درجاتهم، فأجلهم فيه درجة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنه يعطى ما لا يعطى أحد ويشفع ما لا يشفع أحد. و{عَسى} من الله عز وجل واجبة. و{مَقاماً} نصب على الظرف. أي في مقام أو إلى مقام. وذكر الطبري عن أبى هريرة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: «المقام المحمود هو المقام الذي أشفع فيه لامتي». فالمقام الموضع الذي يقوم فيه الإنسان للأمور الجليلة كالمقامات بين يدي الملوك. )

( تفسير ابن كثير ( 700 : 774 )

وَقَوْله " عَسَى أَنْ يَبْعَثك رَبّك مَقَامًا مَحْمُودًا " أَيْ اِفْعَلْ هَذَا الَّذِي أَمَرْتُك بِهِ لِنُقِيمَك يَوْم الْقِيَامَة مَقَامًا مَحْمُودًا يَحْمَدك فِيهِ الْخَلَائِق كُلّهمْ وَخَالِقهمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى . قَالَ اِبْن جَرِير : قَالَ أَكْثَر أَهْل التَّأْوِيل ذَلِكَ هُوَ الْمَقَام الَّذِي يَقُومهُ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الْقِيَامَة لِلشَّفَاعَةِ لِلنَّاسِ لِيُرِيحَهُمْ رَبّهمْ مِنْ عِظَم مَا هُمْ فِيهِ مِنْ شِدَّة ذَلِكَ الْيَوْم ذَكَرَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ " حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن حَدَّثَنَا سُفْيَان عَنْ أَبِي إِسْحَاق عَنْ صِلَة بْن زُفَر عَنْ حُذَيْفَة قَالَ : يُجْمَع النَّاس فِي صَعِيد وَاحِد يُسْمِعهُمْ الدَّاعِي وَيَنْفُذهُمْ الْبَصَر حُفَاة عُرَاة كَمَا خُلِقُوا قِيَامًا لَا تُكَلَّم نَفْس إِلَّا بِإِذْنِهِ يُنَادَى يَا مُحَمَّد فَيَقُول " لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْك وَالْخَيْر فِي يَدَيْك وَالشَّرّ لَيْسَ إِلَيْك وَالْمَهْدِيّ مَنْ هَدَيْت وَعَبْدك بَيْن يَدَيْك وَمِنْك وَإِلَيْك لَا مَنْجَى وَلَا مَلْجَأ مِنْك إِلَّا إِلَيْك تَبَارَكْت وَتَعَالَيْت سُبْحَانك رَبّ الْبَيْت " فَهَذَا الْمَقَام الْمَحْمُود الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ بُنْدَار عَنْ غُنْدَر عَنْ شُعْبَة عَنْ أَبِي إِسْحَاق بِهِ وَكَذَا رَوَاهُ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَر وَالثَّوْرِيّ عَنْ أَبِي إِسْحَاق بِهِ وَقَالَ اِبْن عَبَّاس هَذَا الْمَقَام الْمَحْمُود مَقَام الشَّفَاعَة وَكَذَا قَالَ اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد وَقَالَهُ الْحَسَن الْبَصْرِيّ وَقَالَ قَتَادَة هُوَ أَوَّل مَنْ تَنْشَقّ عَنْهُ الْأَرْض يَوْم الْقِيَامَة وَأَوَّل شَافِع وَكَانَ أَهْل الْعِلْم يَرَوْنَ أَنَّهُ الْمَقَام الْمَحْمُود الَّذِي قَالَ اللَّه تَعَالَى " عَسَى أَنْ يَبْعَثك رَبّك مَقَامًا مَحْمُودًا " قُلْت لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشْرِيفَات يَوْم الْقِيَامَة لَا يُشْرِكهُ فِيهَا أَحَد وَتَشْرِيفَات لَا يُسَاوِيه فِيهَا أَحَد فَهُوَ أَوَّل مَنْ تَنْشَقّ عَنْهُ الْأَرْض وَيُبْعَث رَاكِبًا إِلَى الْمَحْشَر وَلَهُ اللِّوَاء الَّذِي آدَم فَمَنْ دُونه لِوَائِهِ وَلَهُ الْحَوْض الَّذِي لَيْسَ فِي الْمَوْقِف أَكْثَر وَارِدًا مِنْهُ وَلَهُ الشَّفَاعَة الْعُظْمَى عِنْد اللَّه لِيَأْتِيَ لِفَصْلِ الْقَضَاء بَيْن الْخَلَائِق وَذَلِكَ بَعْدَمَا تَسْأَل النَّاس آدَم ثُمَّ نُوحًا ثُمَّ إِبْرَاهِيم ثُمَّ مُوسَى ثُمَّ عِيسَى فَكُلّ يَقُول لَسْت لَهَا حَتَّى يَأْتُوا إِلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُول " أَنَا لَهَا أَنَا لَهَا " كَمَا سَنَذْكُرُ ذَلِكَ مُفَصَّلًا فِي هَذَا الْمَوْضِع إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يَشْفَع فِي أَقْوَام قَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى النَّار فَيُرَدُّونَ عَنْهَا وَهُوَ أَوَّل الْأَنْبِيَاء يَقْضِي بَيْن أُمَّته وَأَوَّلهمْ إِجَازَة عَلَى الصِّرَاط بِأُمَّتِهِ وَهُوَ أَوَّل شَفِيع فِي الْجَنَّة كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيح مُسْلِم. وَفِي حَدِيث الصُّور أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ كُلّهمْ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّة إِلَّا بِشَفَاعَتِهِ وَهُوَ أَوَّل دَاخِلٍ إِلَيْهَا وَأُمَّته قَبْلَ الْأُمَم كُلّهمْ وَيَشْفَع فِي رَفْع دَرَجَات أَقْوَام لَا تَبْلُغهَا أَعْمَالهمْ وَهُوَ صَاحِب الْوَسِيلَة الَّتِي هِيَ أَعْلَى مَنْزِلَة فِي الْجَنَّة لَا تَلِيق إِلَّا لَهُ وَإِذَا أَذِنَ اللَّه تَعَالَى فِي الشَّفَاعَة لِلْعُصَاةِ شَفَعَ الْمَلَائِكَة وَالنَّبِيُّونَ وَالْمُؤْمِنُونَ فَيَشْفَع هُوَ فِي خَلَائِق لَا يَعْلَم عِدَّتهمْ إِلَّا اللَّه تَعَالَى وَلَا يَشْفَع أَحَد مِثْله وَلَا يُسَاوِيه فِي ذَلِكَ وَقَدْ بَسَطْت ذَلِكَ مُسْتَقْصًى فِي آخِر كِتَاب السِّيرَة فِي بَاب الْخَصَائِص وَلِلَّهِ الْحَمْد وَالْمِنَّة وَلْنَذْكُرْ الْآن الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي الْمَقَام الْمَحْمُود وَبِاَللَّهِ الْمُسْتَعَان . قَالَ الْبُخَارِيّ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن أَبَان حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَص عَنْ آدَم بْن عَلِيّ سَمِعْت اِبْن عُمَر يَقُول : إِنَّ النَّاس يَصِيرُونَ يَوْم الْقِيَامَة جُثًا كُلّ أُمَّة تَتْبَع نَبِيّهَا يَقُولُونَ يَا فُلَان اِشْفَعْ يَا فُلَان اِشْفَعْ حَتَّى تَنْتَهِي الشَّفَاعَة إِلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَلِكَ يَوْم يَبْعَثهُ اللَّه مَقَامًا مَحْمُودًا. وَرَوَاهُ حَمْزَة بْن عَبْد اللَّه عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ اِبْن جَرِير حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم حَدَّثَنَا شُعَيْب بْن اللَّيْث ثَنَا اللَّيْث عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر أَنَّهُ قَالَ : سَمِعْت حَمْزَة بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر يَقُول سَمِعْت عَبْد اللَّه بْن عُمَر يَقُول : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ الشَّمْس لَتَدْنُو حَتَّى يَبْلُغ الْعَرَق نِصْف الْأُذُن فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ اِسْتَغَاثُوا بِآدَم فَيَقُول لَسْت بِصَاحِبِ ذَلِكَ ثُمَّ بِمُوسَى فَيَقُول كَذَلِكَ ثُمَّ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَشْفَع بَيْن الْخَلْق فَيَمْشِي حَتَّى يَأْخُذ بِحَلْقَةِ بَاب الْجَنَّة فَيَوْمئِذٍ يَبْعَثهُ اللَّه مَقَامًا مَحْمُودًا " وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيّ فِي الزَّكَاة عَنْ يَحْيَى بْن بُكَيْر وَعَلْقَمَة عَنْ عَبْد اللَّه بْن صَالِح كِلَاهُمَا عَنْ اللَّيْث بْن سَعْد بِهِ . وَزَادَ فَيَوْمئِذٍ يَبْعَثهُ اللَّه مَقَامًا مَحْمُودًا يَحْمَدهُ أَهْل الْجَمْع كُلّهمْ . قَالَ الْبُخَارِيّ : وَحَدَّثَنَا عَلِيّ بْن عَيَّاش حَدَّثَنَا شُعَيْب بْن أَبِي حَمْزَة عَنْ مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِر عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ قَالَ حِين يَسْمَع النِّدَاء : اللَّهُمَّ رَبّ هَذِهِ الدَّعْوَة التَّامَّة وَالصَّلَاة الْقَائِمَة آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَة وَالْفَضِيلَة وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْته . حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْم الْقِيَامَة " اِنْفَرَدَ بِهِ دُون مُسْلِم . " حَدِيث أُبَيّ بْن كَعْب " قَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا أَبُو عَامِر الْأَزْدِيّ حَدَّثَنَا زُهَيْر بْن مُحَمَّد عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عُقَيْل عَنْ الطُّفَيْل بْن أُبَيّ بْن كَعْب عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِذَا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة كُنْت إِمَام الْأَنْبِيَاء وَخَطِيبهمْ وَصَاحِب شَفَاعَتهمْ غَيْر فَخْر " وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث أَبِي عَامِر عَبْد الْمَلِك بْن عَمْرو الْعَقَدِيّ وَقَالَ حَسَن صَحِيح . وَابْن مَاجَهْ مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عُقَيْل بِهِ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي حَدِيث أُبَيّ بْن كَعْب فِي قِرَاءَة الْقُرْآن عَلَى سَبْعَة أَحْرُف قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِره " فَقُلْت اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِأُمَّتِي اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِأُمَّتِي وَأَخَّرْت الثَّالِثَة لِيَوْمٍ يَرْغَب إِلَيَّ فِيهِ الْخَلْق حَتَّى إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام " . " حَدِيث أَنَس بْن مَالِك " قَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن سَعِيد حَدَّثَنَا سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة حَدَّثَنَا قَتَادَة عَنْ أَنَس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " يَجْتَمِع الْمُؤْمِنُونَ يَوْم الْقِيَامَة فَيُلْهَمُونَ ذَلِكَ فَيَقُولُونَ لَوْ اِسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبّنَا فَأَرَاحَنَا مِنْ مَكَاننَا هَذَا فَيَأْتُونَ آدَم فَيَقُولُونَ يَا آدَم أَنْتَ أَبُو الْبَشَر خَلَقَك اللَّه بِيَدِهِ وَأَسْجَدَ لَك مَلَائِكَته وَعَلَّمَك أَسْمَاء كُلّ شَيْء فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبّك حَتَّى يُرِيحنَا مِنْ مَكَاننَا هَذَا . فَيَقُول لَهُمْ آدَم لَسْت هُنَاكُمْ وَيَذْكُر ذَنْبه الَّذِي أَصَابَ فَيَسْتَحْيِي رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَيَقُول وَلَكِنْ اِئْتُوا نُوحًا فَإِنَّهُ أَوَّل رَسُول بَعَثَهُ اللَّه إِلَى أَهْل الْأَرْض فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُول لَسْت هُنَاكُمْ وَيَذْكُر خَطِيئَة سُؤَاله رَبّه مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْم فَيَسْتَحْيِي رَبَّه مِنْ ذَلِكَ وَيَقُول وَلَكِنْ اِئْتُوا إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن فَيَأْتُونَهُ فَيَقُول لَسْت هُنَاكُمْ وَلَكِنْ اِئْتُوا مُوسَى عَبْدًا كَلَّمَهُ اللَّه وَأَعْطَاهُ التَّوْرَاة فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُول لَسْت هُنَاكُمْ وَيَذْكُر لَهُمْ النَّفْس الَّتِي قَتَلَ بِغَيْرِ نَفْس فَيَسْتَحْيِي رَبّه مِنْ ذَلِكَ وَيَقُول وَلَكِنْ اِئْتُوا عِيسَى عَبْد اللَّه وَرَسُوله وَكَلِمَته وَرُوحه . فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُول لَسْت هُنَاكُمْ وَلَكِنْ اِئْتُوا مُحَمَّدًا غَفَرَ اللَّه لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبه وَمَا تَأَخَّرَ فَيَأْتُونِي قَالَ الْحَسَن هَذَا الْحَرْف فَأَقُوم فَأَمْشِي بَيْن سِمَاطَيْنِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ - قَالَ أَنَس - حَتَّى أَسْتَأْذِن عَلَى رَبِّي فَإِذَا رَأَيْت رَبِّي وَقَعْت لَهُ - أَوْ خَرَرْت - سَاجِدًا لِرَبِّي فَيَدَعنِي مَا شَاءَ اللَّه أَنْ يَدَعنِي - قَالَ - ثُمَّ يُقَال اِرْفَعْ مُحَمَّد قُلْ يُسْمَع وَاشْفَعْ تُشَفَّع وَسَلْ تُعْطَهُ فَأَرْفَع رَأْسِي فَأَحْمَدهُ بِتَحْمِيدٍ يُعَلِّمنِيهِ ثُمَّ أَشْفَع فَيَحُدّ لِي حَدًّا فَأُدْخِلهُمْ الْجَنَّة قَالَ ثُمَّ أَعُود إِلَيْهِ الثَّانِيَة فَإِذَا رَأَيْت رَبِّي وَقَعْت لَهُ - أَوْ خَرَرْت - سَاجِدًا لِرَبِّي فَيَدَعنِي مَا شَاءَ اللَّه أَنْ يَدَعنِي ثُمَّ يُقَال اِرْفَعْ مُحَمَّد قُلْ يُسْمَع وَسَلْ تُعْطَهُ وَاشْفَعْ تُشَفَّع فَأَرْفَع رَأْسِي فَأَحْمَدهُ بِتَحْمِيدٍ يُعَلِّمنِيهِ ثُمَّ أَشْفَع فَيَحُدّ لِي حَدًّا فَأُدْخِلهُمْ الْجَنَّة قَالَ ثُمَّ أَعُود الثَّالِثَة فَإِذَا رَأَيْت رَبِّي وَقَعْت - أَوْ خَرَرْت - سَاجِدًا لِرَبِّي فَيَدَعنِي مَا شَاءَ اللَّه أَنْ يَدَعنِي ثُمَّ يُقَال اِرْفَعْ مُحَمَّد قُلْ يُسْمَع وَسَلْ تُعْطَهُ وَاشْفَعْ تُشَفَّع فَأَرْفَع رَأْسِي فَأَحْمَدهُ بِتَحْمِيدٍ يُعَلِّمنِيهِ ثُمَّ أَشْفَع فَيَحُدّ لِي حَدًّا فَأُدْخِلهُمْ الْجَنَّة ثُمَّ أَعُود الرَّابِعَة فَأَقُول يَا رَبّ مَا بَقِيَ إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآن " فَحَدَّثَنَا أَنَس بْن مَالِك أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " فَيَخْرُج مِنْ النَّار مَنْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَكَانَ فِي قَلْبه مِنْ الْخَيْر مَا يَزِن شَعِيرَة ثُمَّ يَخْرُج مِنْ النَّار مَنْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَكَانَ فِي قَلْبه مِنْ الْخَيْر مَا يَزِن بُرَّة ثُمَّ يَخْرُج مِنْ النَّار مَنْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَكَانَ فِي قَلْبه مِنْ الْخَيْر مَا يَزِن ذَرَّة " أَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيث سَعِيد بِهِ وَهَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَام أَحْمَد عَنْ عَفَّان بْن حَمَّاد بْن سَلَمَة عَنْ ثَابِت عَنْ أَنَس بِطُولِهِ . وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا يُونُس بْن مُحَمَّد حَدَّثَنَا حَرْب بْن مَيْمُون أَبُو الْخَطَّاب الْأَنْصَارِيّ عَنْ النَّضْر بْن أَنَس عَنْ أَنَس قَالَ حَدَّثَنِي نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنِّي لَقَائِم أَنْتَظِر أُمَّتِي تَعْبُر الصِّرَاط إِذْ جَاءَنِي عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ هَذِهِ الْأَنْبِيَاء قَدْ جَاءَتْك يَا مُحَمَّد يَسْأَلُونَ - أَوْ قَالَ يَجْتَمِعُونَ إِلَيْك - وَيَدْعُونَ اللَّه أَنْ يُفَرِّق بَيْن جَمِيع الْأُمَم إِلَى حَيْثُ يَشَاء اللَّه لِغَمِّ مَا هُمْ فِيهِ فَالْخَلْق مُلْجَمُونَ بِالْعَرَقِ فَأَمَّا الْمُؤْمِن فَهُوَ عَلَيْهِ كَالزَّكْمَة وَأَمَّا الْكَافِر فَيَغْشَاهُ الْمَوْت فَقَالَ : اِنْتَظِرْ حَتَّى أَرْجِع إِلَيْك فَذَهَبَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ تَحْت الْعَرْش فَلَقِيَ مَا لَمْ يَلْقَ مَلَك مُصْطَفًى وَلَا نَبِيّ مُرْسَل فَأَوْحَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِلَى جِبْرِيل أَنْ اِذْهَبْ إِلَى مُحَمَّد وَقُلْ لَهُ اِرْفَعْ رَأْسك سَلْ تُعْطَ وَاشْفَعْ تُشَفَّع فَشُفِّعْت فِي أُمَّتِي أَنْ أُخْرِج مِنْ كُلّ تِسْعَة وَتِسْعِينَ إِنْسَانًا وَاحِدًا فَمَا زِلْت أَتَرَدَّد إِلَى رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فَلَا أَقُوم مِنْهُ مَقَامًا إِلَّا شُفِّعْت حَتَّى أَعْطَانِي اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَنْ قَالَ يَا مُحَمَّد أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتك مِنْ خَلْق اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه يَوْمًا وَاحِدًا مُخْلِصًا وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ "" حَدِيث بُرَيْدَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ " قَالَ الْإِمَام أَحْمَد بْن حَنْبَل : حَدَّثَنَا الْأَسْوَد بْن عَامِر أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْرَائِيل عَنْ الْحَارِث بْن حَصِيرَة عَنْ اِبْن بُرَيْدَة عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَة فَإِذَا رَجُل يَتَكَلَّم فَقَالَ بُرَيْدَة : يَا مُعَاوِيَة تَأْذَن لِي فِي الْكَلَام ؟ فَقَالَ نَعَمْ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ سَيَتَكَلَّمُ بِمِثْلِ مَا قَالَ الْآخَر فَقَالَ بُرَيْدَة سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول " إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَشْفَع يَوْم الْقِيَامَة عَدَد مَا عَلَى الْأَرْض مِنْ شَجَرَة وَمَدَرَة " قَالَ فَتَرْجُوهَا أَنْتَ يَا مُعَاوِيَة وَلَا يَرْجُوهَا عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . " حَدِيث اِبْن مَسْعُود " قَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا عَارِم بْن الْفَضْل حَدَّثَنَا سَعِيد بْن الْفَضْل حَدَّثَنَا سَعِيد بْن زَيْد حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن الْحَكَم الْبُنَانِيّ عَنْ عُثْمَان عَنْ إِبْرَاهِيم عَنْ عَلْقَمَة وَالْأَسْوَد عَنْ اِبْن مَسْعُود قَالَ : جَاءَ اِبْنَا مُلَيْكَة إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَا : إِنَّ أُمّنَا تُكْرِم الزَّوْج وَتَعْطِف عَلَى الْوَلَد قَالَ وَذَكَرَ الضَّيْف غَيْر أَنَّهَا كَانَتْ وَأَدَتْ فِي الْجَاهِلِيَّة فَقَالَ " أُمّكُمَا فِي النَّار " قَالَ فَأَدْبَرَا وَالسُّوء يُرَى فِي وَجْهَيْهِمَا فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُدَّا فَرَجَعَا وَالسُّرُور يُرَى فِي وَجْهَيْهِمَا رَجَاء أَنْ يَكُون قَدْ حَدَثَ شَيْء فَقَالَ " أُمِّي مَعَ أُمّكُمَا " فَقَالَ رَجُل مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَمَا يُغْنِي هَذَا عَنْ أُمّه شَيْئًا وَنَحْنُ نَطَأ عَقِبَيْهِ . فَقَالَ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار وَلَمْ أَرَ رَجُلًا قَطُّ أَكْثَر سُؤَالًا مِنْهُ يَا رَسُول اللَّه هَلْ وَعَدَك رَبّك فِيهَا أَوْ فِيهِمَا . قَالَ فَظَنَّ أَنَّهُ مِنْ شَيْء قَدْ سَمِعَهُ فَقَالَ " مَا شَاءَ اللَّه رَبِّي وَمَا أَطْعَمَنِي فِيهِ وَإِنِّي لَأَقُوم الْمَقَام الْمَحْمُود يَوْم الْقِيَامَة " فَقَالَ الْأَنْصَارِيّ يَا رَسُول اللَّه وَمَا ذَاكَ الْمَقَام الْمَحْمُود ؟ قَالَ :" ذَاكَ إِذَا جِيءَ بِكُمْ حُفَاة عُرَاة غُرْلًا فَيَكُون أَوَّل مَنْ يُكْسَى إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فَيَقُول اُكْسُوَا خَلِيلِي فَيُؤْتَى بِرَيْطَتَيْنِ بَيْضَاوَيْنِ فَيَلْبَسهُمَا ثُمَّ يُقْعِدهُ مُسْتَقْبِل الْعَرْش ثُمَّ أُوتِيَ بِكِسْوَتِي فَأَلْبَسهَا فَأَقُوم عَنْ يَمِينه مَقَامًا لَا يَقُومهُ أَحَد فَيَغْبِطنِي فِيهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ " قَالَ : وَيُفْتَح لَهُمْ مِنْ الْكَوْثَر إِلَى الْحَوْض فَقَالَ الْمُنَافِق إِنَّهُ مَا جَرَى مَاء قَطُّ إِلَّا عَلَى حَال أَوْ رَضْرَاض فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " حَاله الْمِسْك وَرَضْرَاضه اللُّؤْلُؤ " فَقَالَ الْمُنَافِق لَمْ أَسْمَع كَالْيَوْمِ فَإِنَّهُ قَلَّمَا جَرَى مَاء عَلَى حَال أَوْ رَضْرَاض إِلَّا كَانَ لَهُ نَبْت ؟ فَقَالَ الْأَنْصَارِيّ : يَا رَسُول اللَّه هَلْ لَهُ نَبْت ؟ فَقَالَ : " نَعَمْ قُضْبَان الذَّهَب " قَالَ الْمُنَافِق لَمْ أَسْمَع كَالْيَوْمِ فَإِنَّهُ قَلَّمَا يَنْبُت قَضِيب إِلَّا أَوْرَقَ وَإِلَّا كَانَ لَهُ ثَمَر قَالَ الْأَنْصَارِيّ يَا رَسُول اللَّه هَلْ لَهُ ثَمَرَة ؟ قَالَ : " نَعَمْ أَلْوَان الْجَوْهَر وَمَاؤُهُ أَشَدّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَن وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَل مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَة لَا يَظْمَأ بَعْده وَمَنْ حُرِمَهُ لَمْ يُرْوَ بَعْده " وَقَالَ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن سَلَمَة بْن كُهَيْل عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي الزَّعْرَاء عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ : ثُمَّ يَأْذَن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي الشَّفَاعَة فَيَقُوم رُوح الْقُدُس جِبْرِيل ثُمَّ يَقُوم إِبْرَاهِيم خَلِيل اللَّه ثُمَّ يَقُوم عِيسَى أَوْ مُوسَى قَالَ أَبُو الزَّعْرَاء لَا أَدْرِي أَيّهمَا قَالَ , ثُمَّ يَقُوم نَبِيّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَابِعًا فَيَشْفَع لَا يَشْفَع أَحَد بَعْده أَكْثَر مِمَّا شَفَعَ وَهُوَ الْمَقَام الْمَحْمُود الَّذِي قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ " عَسَى أَنْ يَبْعَثك رَبّك مَقَامًا مَحْمُودًا " . " حَدِيث كَعْب بْن مَالِك رَضِيَ اللَّه عَنْهُ " قَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا يَزِيد بْن عَبْد رَبّه حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن حَرْب حَدَّثَنَا الزُّبَيْدِيّ عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه بْن كَعْب بْن مَالِك عَنْ كَعْب بْن مَالِك أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " يُبْعَث النَّاس يَوْم الْقِيَامَة فَأَكُون أَنَا وَأُمَّتِي عَلَى تَلّ وَيَكْسُونِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ حُلَّة خَضْرَاء ثُمَّ يُؤْذَن لِي فَأَقُول مَا شَاءَ اللَّه أَنْ أَقُول فَذَلِكَ الْمَقَام الْمَحْمُود "" حَدِيث أَبِي الدَّرْدَاء رَضِيَ اللَّه عَنْهُ " قَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا حَسَن حَدَّثَنَا اِبْن لَهِيعَة حَدَّثَنَا يَزِيد بْن أَبِي حَبِيب عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن جُبَيْر عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَنَا أَوَّل مَنْ يُؤْذَن لَهُ بِالسُّجُودِ يَوْم الْقِيَامَة وَأَنَا أَوَّل مَنْ يُؤْذَن لَهُ أَنْ يَرْفَع رَأْسه فَأَنْظُر إِلَى مَا بَيْن يَدَيَّ فَأَعْرِف أُمَّتِي مِنْ بَيْن الْأُمَم وَمِنْ خَلْفِي مِثْل ذَلِكَ وَعَنْ يَمِينِي مِثْل ذَلِكَ وَعَنْ شِمَالِي مِثْل ذَلِكَ " فَقَالَ رَجُل يَا رَسُول اللَّه كَيْف تَعْرِف أُمَّتك مِنْ بَيْن الْأُمَم فِيمَا بَيْن نُوح إِلَى أُمَّتك ؟ قَالَ " هُمْ غُرّ مُحَجَّلُونَ مِنْ أَثَر الْوُضُوء لَيْسَ أَحَد كَذَلِكَ غَيْرهمْ وَأَعْرِفهُمْ أَنَّهُمْ يُؤْتَوْنَ كُتُبهمْ بِأَيْمَانِهِمْ وَأَعْرِفهُمْ تَسْعَى مِنْ بَيْن أَيْدِيهمْ ذُرِّيَّتهمْ " . " حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ " قَالَ الْإِمَام أَحْمَد رَحِمَهُ اللَّه : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن سَعِيد حَدَّثَنَا أَبُو حَيَّان حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَة بْن عَمْرو بْن جَرِير عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : أُتِيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَحْمٍ فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاع وَكَانَتْ تُعْجِبهُ فَنَهَشَ مِنْهَا نَهْشَة ثُمَّ قَالَ " أَنَا سَيِّد النَّاس يَوْم الْقِيَامَة وَهَلْ تَدْرُونَ مِمَّ ذَاكَ ؟ يَجْمَع اللَّه الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي صَعِيد وَاحِد يُسْمِعهُمْ الدَّاعِي وَيَنْفُذهُمْ الْبَصَر وَتَدْنُو الشَّمْس فَيَبْلُغ النَّاس مِنْ الْغَمّ وَالْكَرْب مَا لَا يُطِيقُونَ وَلَا يَحْتَمِلُونَ فَيَقُول بَعْض النَّاس لِبَعْضٍ أَلَا تَرَوْنَ مَا أَنْتُمْ فِيهِ مِمَّا قَدْ بَلَغَكُمْ أَلَا تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَع لَكُمْ إِلَى رَبّكُمْ ؟ فَيَقُول بَعْض النَّاس لِبَعْضٍ عَلَيْكُمْ بِآدَم فَيَأْتُونَ آدَم عَلَيْهِ السَّلَام فَيَقُولُونَ : يَا آدَم أَنْتَ أَبُو الْبَشَر خَلَقَك اللَّه بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيك مِنْ رُوحه وَأَمَرَ الْمَلَائِكَة فَسَجَدُوا لَك فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبّك أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا ؟ فَيَقُول آدَم : إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْم غَضَبًا لَمْ يَغْضَب قَبْله مِثْله وَلَنْ يَغْضَب بَعْده مِثْله وَإِنَّهُ قَدْ نَهَانِي عَنْ الشَّجَرَة فَعَصَيْت نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي اِذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اِذْهَبُوا إِلَى نُوح فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُونَ : يَا نُوح أَنْتَ أَوَّل الرُّسُل إِلَى أَهْل الْأَرْض وَقَدْ سَمَّاك اللَّه عَبْدًا شَكُورًا اِشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبّك أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا ؟ فَيَقُول نُوح : إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْم غَضَبًا لَمْ يَغْضَب قَبْله مِثْله وَلَنْ يَغْضَب بَعْده مِثْله قَطُّ وَإِنَّهُ قَدْ كَانَتْ لِي دَعْوَة دَعَوْتهَا عَلَى قَوْمِي نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي اِذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اِذْهَبُوا إِلَى إِبْرَاهِيم فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيم فَيَقُولُونَ : يَا إِبْرَاهِيم أَنْتَ نَبِيّ اللَّه وَخَلِيله مِنْ أَهْل الْأَرْض اِشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبّك أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا ؟ فَيَقُول : إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْم غَضَبًا لَمْ يَغْضَب قَبْله مِثْله وَلَنْ يَغْضَب بَعْده مِثْله فَذَكَرَ كَذَبَاته نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي اِذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اِذْهَبُوا إِلَى مُوسَى فَيَأْتُونَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَيَقُولُونَ : يَا مُوسَى أَنْتَ رَسُول اللَّه اِصْطَفَاك اللَّه بِرِسَالَاتِهِ وَبِكَلَامِهِ عَلَى النَّاس اِشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبّك أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا ؟ فَيَقُول لَهُمْ مُوسَى : إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْم غَضَبًا لَمْ يَغْضَب قَبْله مِثْله وَلَنْ يَغْضَب بَعْده مِثْله وَإِنِّي قَدْ قَتَلْت نَفْسًا لَمْ أُومَرْ بِقَتْلِهَا نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي اِذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اِذْهَبُوا إِلَى عِيسَى فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُونَ : يَا عِيسَى أَنْتَ رَسُول اللَّه وَكَلِمَته أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم وَرُوح مِنْهُ وَكَلَّمْت النَّاس فِي الْمَهْد صَبِيًّا فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبّك أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا ؟ فَيَقُول لَهُمْ عِيسَى إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْم غَضَبًا لَمْ يَغْضَب قَبْله مِثْله وَلَنْ يَغْضَب بَعْده مِثْله وَلَمْ يَذْكُر ذَنْبًا نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي اِذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اِذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُونَ : يَا مُحَمَّد أَنْتَ رَسُول اللَّه وَخَاتَم الْأَنْبِيَاء وَقَدْ غَفَرَ اللَّه لَك مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبك وَمَا تَأَخَّرَ فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبّك أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا ؟ فَأَقُوم فَآتِي تَحْت الْعَرْش فَأَقَع سَاجِدًا لِرَبِّي عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ يَفْتَح اللَّه عَلَيَّ وَيُلْهِمنِي مِنْ مَحَامِده وَحُسْن الثَّنَاء عَلَيْهِ مَا لَمْ يَفْتَح عَلَى أَحَد قَبْلِي فَيُقَال : يَا مُحَمَّد اِرْفَعْ رَأْسك وَسَلْ تُعْطَهُ وَاشْفَعْ تُشَفَّع . فَأَرْفَع رَأْسِي فَأَقُول أُمَّتِي يَا رَبّ أُمَّتِي يَا رَبّ أُمَّتِي يَا رَبّ ؟ فَيُقَال : يَا مُحَمَّد أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتك مَنْ لَا حِسَاب عَلَيْهِ مِنْ الْبَاب الْأَيْمَن مِنْ أَبْوَاب الْجَنَّة وَهُمْ شُرَكَاء النَّاس فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْأَبْوَاب ثُمَّ قَالَ وَاَلَّذِي نَفْس مُحَمَّد بِيَدِهِ إِنَّ مَا بَيْن الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيع الْجَنَّة كَمَا بَيْن مَكَّة وَهَجَر أَوْ كَمَا بَيْن مَكَّة وَبُصْرَى " أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَقَالَ مُسْلِم رَحِمَهُ اللَّه : حَدَّثَنَا الْحَكَم بْن مُوسَى حَدَّثَنَا هِقْل بْن زِيَاد عَنْ الْأَوْزَاعِيّ حَدَّثَنِي أَبُو عَمَّار حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن فَرُّوخ حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَا سَيِّد وَلَد آدَم يَوْم الْقِيَامَة وَأَوَّل مَنْ يَنْشَقّ عَنْهُ الْقَبْر يَوْم الْقِيَامَة وَأَوَّل شَافِع وَأَوَّل مُشَفَّع " وَقَالَ اِبْن جَرِير : حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب حَدَّثَنَا وَكِيع عَنْ دَاوُد بْن يَزِيد الزَّعَافِرِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " عَسَى أَنْ يَبْعَثك رَبّك مَقَامًا مَحْمُودًا " سُئِلَ عَنْهَا فَقَالَ : هِيَ الشَّفَاعَة " رَوَاهُ الْإِمَام أَحْمَد عَنْ وَكِيع عَنْ مُحَمَّد بْن عُبَيْد عَنْ دَاوُد عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله تَعَالَى :" عَسَى أَنْ يَبْعَثك رَبّك مَقَامًا مَحْمُودًا " قَالَ : " هُوَ الْمَقَام الَّذِي أَشْفَع لِأُمَّتِي فِيهِ " وَقَالَ عَبْد الرَّزَّاق : أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ عَلِيّ بْن الْحُسَيْن قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة مَدَّ اللَّه الْأَرْض مَدّ الْأَدِيم حَتَّى لَا يَكُون لِبَشَرٍ مِنْ النَّاس إِلَّا مَوْضِع قَدَمَيْهِ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَكُون أَوَّل مَنْ يُدْعَى وَجِبْرِيل عَنْ يَمِين الرَّحْمَن تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَاَللَّه مَا رَآهُ قَبْلهَا فَأَقُول أَيْ رَبّ إِنَّ هَذَا أَخْبَرَنِي أَنَّك أَرْسَلْته إِلَيَّ فَيَقُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : صَدَقَ ثُمَّ أَشْفَع فَأَقُول يَا رَبّ عِبَادك عَبَدُوك فِي أَطْرَاف الْأَرْض قَالَ فَهُوَ الْمَقَام الْمَحْمُود" وَهَذَا حَدِيث مُرْسَل . )

( السيوطى مولود عام 1445 وتوفى عام  1505 ميلادية

وأخرج سعيد بن منصور والبخاري وابن جرير وابن مردويه، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: إن الناس يصيرون يوم القيامة جثاء كل أمة تتبع نبيها، يقولون: يا فلان، اشفع لنا. حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود.
وأخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً} وسئل عنه قال: هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي.
وأخرج ابن جرير والبيهقي في شعب الإيمان، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المقام المحمود، الشفاعة».
وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه من طرق، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً} قال: مقام الشفاعة.
وأخرج ابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المقام المحمود فقال: «هو الشفاعة».
وأخرج أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه، عن كعب بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يبعث الناس يوم القيامة فأكون أنا وأمتي على تَلٍّ، ويكسوني ربي حلة خضراء ثم يؤذن لي أن أقول ما شاء الله أن أقول، فذلك المقام المحمود».
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان من طريق علي بن حسين قال: أخبرني رجل من أهل العلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تمد الأرض يوم القيامة مدّ الأديم ولا يكون لبشر من بني آدم فيها إلا موضع قدمه، ثم أدعى أول الناس فأخر ساجداً، ثم يؤذن لي فأقول: يا رب، أخبرني هذا لجبريل وجبريل عن يمين الرحمن، والله ما رآه جبريل قط قبلها أنك أرسلته إلي. وجبريل عليه السلام ساكت لا يتكلم حتى يقول الرب: صدقت... ثم يؤذن لي في الشفاعة فأقول: أي رب، عبادك عبدوك في أطراف الأرض. فذلك المقام المحمود».
وأخرج ابن أبي شيبة والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه، وأبو نعيم في الحلية وابن مردويه والبيهقي في البعث والخطيب في المتفق والمفترق، عن حذيفة رضي الله عنه قال: يجمع الناس في صعيد واحد، يسمعهم الداعي وينفذهم البصر حفاة عراة كما خلقوا قياماً، لا تكلم نفس إلا بإذنه ينادي: يا محمد، فيقول: لبيك وسعديك والخير في يديك والشرّ لَيْسَ إليك، والمهدي من هديت وعبدك بين يديك وبك وإليك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، تباركت وتعاليت سبحانك رب البيت. فهذا المقام المحمود.
وأخرج البخاري وابن جرير وابن مردويه، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الشمس لتدنو حتى يبلغ العرق نصف الأذن، فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم عليه السلام فيقول: لَسْتُ بصاحب ذلك، ثم موسى عليه السلام فيقول: كذلك، ثم محمد صلى الله عليه وسلم فيشفع، فيقضي الله بين الخلائق فيمشي حتى يأخذ بحلقة باب الجنة»فيومئذ يبعثه الله مقاماً محموداً يحمده أهل الجمع كلهم.
وأخرج أحمد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وابن مردويه، عن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إني لأقوم المقام المحمود. قيل: وما المقام المحمود؟ قال: ذلك إذا جيء بكم حفاة عراة غرلاً، فيكون أول من يكسى إبراهيم عليه السلام، فيقول: اكسوا خليلي. فيؤتى بريطتين بيضاوين فيلبسهما، ثم يقعد مستقبل العرش. ثم أوتَى بكسوة فألبسها فأقوم عن يمينه مقاماً لا يقومه أحد، فيغبطني به الأولون والآخرون، ثم يفتح نهر من الكوثر إلى الحوض».
وأخرج ابن مردويه من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: ما المقام المحمود الذي ذكر لك ربك؟ قال: «يحشر الله الناس يوم القيامة عراة غرلاً، كهيئتكم يوم ولدتم... هالهم الفزع الأكبر وكظمهم الكرب العظيم، وبلغ الرشح أفواههم وبلغ بهم الجهد والشدة، فأكون أول مدعى وأول معطى، ثم يدعى إبراهيم عليه السلام قد كسي ثوبين أبيضين من ثياب الجنة، ثم يؤمر فيجلس في قبل الكرسي. ثم أقوم عن يمين العرش... فما من الخلائق قائم غيري، فأتكلم فيسمعون وأشهد فيصدقون».
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ {عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً} قال: «يجلسه على السرير».
وأخرج الترمذي وحسنه وابن جرير وابن مردويه، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبي يومئذ- آدم فمن سواه- إلا تحت لوائي، وأنا أوّل من تَنْشَقُّ عنه الأرض ولا فخر... فيفزع الناس ثلاث فزعات فيأتون آدم عليه السلام فيقولون: أنت أبونا فاشفع لنا إلى ربك. فيقول: إني أذنبت ذنباً أهبطت منه إلى الأرض، ولكن ائتوا نوحاً. فيأتون نوحاً فيقول: إني دعوت على أهل الأرض دعوة فأهلكوا، ولكن اذهبوا إلى إبراهيم. فيأتون إبراهيم فيقول: ائتوا موسى. فيأتون موسى عليه الصلاة والسلام فيقول: إني قتلت نفساً، ولكن ائتوا عيسى. فيأتون عيسى عليه السلام فيقول: إني عُبِدْتُ من دون الله، ولكن ائتوا محمداً صلى الله عليه وسلم. فيأتوني فأنطلق معهم فآخذ بحلقة باب الجنة فأقعقعها، فيقال: من هذا؟ فأقول: محمد. فيفتحون لي ويقولون: مرحباً. فأخرّ ساجداً فيلهمني الله عز وجل من الثناء والحمد والمجد، فيقال: ارفع رأسك... سل تُعْطَ، واشفع تُشَفّعْ، وقل يسمع لقولك. فهو المقام المحمود الذي قال الله: {عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً}».
وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد رضي الله عنه في قوله: {عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً} قال: يخرج الله قوماً من النار من أهل الإيمان والقبلة بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم، فذلك المقام المحمود.
وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أنه ذكر حديث الجهنّميّين فقيل له: ما هذا الذي تحدث والله تعالى يقول: {إنك من تدخل النار فقد أخزيته} [ آل عمران: 192] {وكلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها} [ السجدة: 20] فقال: هل تقرأ القرآن؟ قال: نعم. قال: فهل سمعت فيه بالمقام المحمود؟ قال: نعم. قال: فإنه مقام محمد صلى الله عليه وسلم الذي يخرج الله به من يخرج.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: يأذن الله تعالى في الشفاعة، فيقوم روح القدس جبريل عليه السلام، ثم يقوم إبراهيم خليل الله عليه الصلاة والسلام، ثم يقوم عيسى أو موسى عليهما السلام، ثم يقوم نبيكم صلى الله عليه وسلم واقفاً ليشفع، لا يشفع أحد بعده أكثر مما شفع، وهو المقام المحمود الذي قال الله: {عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً}.
وأخرج ابن مردويه، عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا سألتم الله فاسألوه أن يبعثني المقام المحمود الذي وعدني».
وأخرج البخاري عن جابر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، حَلّتْ له شفاعتي يوم القيامة».
وأخرج ابن أبي شيبة عن سلمان رضي الله عنه قال: يقال له: سل تعطه- يعني النبي صلى الله عليه وسلم- واشفع تشفع، وادع تجب. فيرفع رأسه فيقول: أمتي. مرتين أو ثلاثاً، فقال سلمان رضي الله عنه: يشفع في كل من في قلبه مثقال حبة حنطة من إيمان أو مثقال شعيرة من إيمان أو مثقال حبة خردل من إيمان. قال سلمان رضي الله عنه: فذلكم المقام المحمود.
وأخرج الديلمي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «قيل: يا رسول الله، ما المقام المحمود؟ قال: ذلك يوم ينزل الله تعالى عن عرشه، فيئط كما يئط الرحل الجديد من تضايقه».
وأخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً} قال: يجلسه بينه وبين جبريل عليه السلام، ويشفع لأمته. فذلك المقام المحمود.
وأخرج الديلمي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «{عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً} قال: يجلسني معه على السرير».
وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً} قال: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم خيِّر بين أن يكون عبداً نبياً أو ملكاً نبياً، فأومأ إليه جبريل عليه السلام أن تواضع، فاختار أن يكون عبداً نبياً. فأعطى به النبي صلى الله عليه وسلم ثنتين: أنه أول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع. فكان أهل العلم يرون أنه المقام المحمود.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً} قال: يجلسه معه على عرشه.)

( الشوكانى 1173  1255    1759  1834

{عسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُودًا} قد ذكرنا في مواضع أن {عسى} من الكريم إطماع واجب الوقوع، وانتصاب {مقاماً} على الظرفية بإضمار فعل، أو بتضمين البعث معنى الإقامة، ويجوز أن يكون انتصابه على الحال أي: يبعثك ذا مقام محمود؛ ومعنى كون المقام محموداً: أنه يحمده كل من علم به.
وقد اختلف في تعيين هذا المقام على أقوال: الأول أنه المقام الذي يقومه النبي صلى الله عليه وسلم للشفاعة يوم القيامة للناس ليريحهم ربهم سبحانه مما هو فيه، وهذا القول هو الذي دلت عليه الأدلة الصحيحة في تفسير الآية، وحكاه ابن جرير عن أكثر أهل التأويل، قال الواحدي: وإجماع المفسرين على أن المقام المحمود هو مقام الشفاعة. القول الثاني: أن المقام المحمود إعطاء النبيّ لواء الحمد يوم القيامة. ويمكن أن يقال: إن هذا لا ينافي القول الأوّل، إذ لا منافاة بين كونه قائماً مقام الشفاعة وبيده لواء الحمد. القول الثالث: أن المقام المحمود: هو أن الله سبحانه يجلس محمداً صلى الله عليه وسلم معه على كرسيه، حكاه ابن جرير عن فرقة منهم مجاهد، وقد ورد في ذلك حديث.
وحكى النقاش عن أبي داود السجستاني أنه قال: من أنكر هذا الحديث فهو عندنا متهم، ما زال أهل العلم يتحدّثون بهذا الحديث. قال ابن عبد البرّ: مجاهد وإن كان أحد الأئمة بالتأويل، فإن له قولين مهجورين عند أهل العلم: أحدهما هذا، والثاني في تأويل {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إلى رَبّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22 23]. قال: معناه تنتظر الثواب، وليس من النظر. انتهى. وعلى كل حال فهذا القول غير منافٍ للقول الأوّل لإمكان أن يقعده الله سبحانه هذا المقعد ويشفع تلك الشفاعة. القول الرابع: أنه مطلق في كل مقام يجلب الحمد من أنواع الكرامات، ذكره صاحب الكشاف والمقتدون به في التفسير، ويجاب عنه بأن الأحاديث الصحيحة الواردة في تعيين هذا المقام المحمود متواترة، فالمصير إليها متعين، وليس في الآية عموم في اللفظ حتى يقال: الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ومعنى قوله: «وهو مطلق في كل ما يجلب الحمد» أنه عام في كل ما هو كذلك، ولكنه يعبر عن العام بلفظ المطلق، كما ذكره في ذبح البقرة، ولهذا قال هنا. وقيل: المراد: الشفاعة، وهي نوع واحد مما يتناوله، يعني: لفظ المقام، والفرق بين العموم البدليّ والعموم الشموليّ معروف، فلا نطيل بذكره. {وَقُل رَّبّ أَدْخِلْنِى مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِى مُخْرَجَ صِدْقٍ}. قرأ الجمهور {مدخل صدق ومخرج صدق} بضم الميمين. وقرأ الحسن، وأبو العالية، ونصر بن عاصم بفتحهما، وهما مصدران بمعنى الإدخال والإخراج، والإضافة إلى الصدق لأجل المبالغة نحو حاتم الجود أي: إدخالاً يستأهل أن يسمى إدخالاً، ولا يرى فيه ما يكره.)

( تفسير الشعراوى (  1911 : 1998 )

ثم يقول تعالى: {عسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً} [الإسراء: 79].
تحدثتْ الآية في أولها عن التكليف، وهذا هو الجزاء، و{عسى} تدل على رجاء حدوث الفعل، وفَرْق بين التمني والرجاء، التمني: أن تعلن أنك تحب شيئاً لكنه غير ممكن الحدوث أو مستحيل، ومن ذلك قول الشاعر:
لَيْتَ الكَواكِبَ تَدْنُو ليِ فَأنْظِمُهَا ***
فالشاعر يتمنى لو أصبحت الكواكب بين يديه فينظمها قصائد مدح فيمن يمدحه، وهذا أمر مستحيل الحدوث.
وقوله:
أَلاَ لَيْتَ الشَّباب يعُودُ يَوْماً *** فَأُخبرُه بِمَا فَعَلَ المشيِبُ
أما الرجاء فهو طلب فعل ممكن الحدوث.
ويقع تحت الطلب أشياء متعددة؛ فإنْ طلب المتكلم من المخاطب شيئاً غير ممكن الحدوث فهو تمنٍّ، وإن طلب شيئاً ممكن الحدوث فهو ترجٍّ، وإنْ طلب صورة الشيء لا حقيقته فهو استفهام كما تقول: أين زيد؟ وفَرْقٌ بين طلب الحقيقة وطلب الصورة.
فإنْ طلبتَ حقيقة الشيء، فأمامك حالتان: إما أنْ تطلب الحقيقة على أنها تُفعل فهذا أمر، مثل: قُمْ: فإنْ طلبتها على أنها لا تفعل فهذا نهي: لا تَقُمْ.
إذن: {عسى} تدل على الرجاء، وهو يختلف باختلاف المرجو منه، فإنْ رجوت من فلان فقد يعطيك أو يخذلك، فإنْ قُلْتَ: عسى أنْ أعطيك فقد قربت الرجاء؛ لأنني أرجو من نفسي، لكن الإنسان بطبعه صاحب أغيار، ويمكن أن تطرأ عليه ظروف فلا يَفِي بما وعد.
فإنْ قُلْت: عسى الله أن يعطيك، فهو أقوى الرجاء؛ لأنك رجوتَ مَنْ لا يُعجِزه شيء، ولا يتعاظمه شيء، ولا تتناوله الأغيار إذن: فالرجاء فيه مُحقَّق لاَ شَكَّ فيه.
والمقام المحمود، كلمة محمود: أي الذي يقع عليه الحمد، والحمد هنا مشاع فلم يَقُلْ: محمود مِمَّنْ؟ فهو محمود مِمَّنْ يمكن أن يتأتّى منه الحمد، محمود من الكل من لَدُنْ آدم، وحتى قيام الساعة.
والمراد بالمقام المحمود: هو مقام الشفاعة، حينما يقف الخَلْق في ساحة الحساب وهَوْل الموقف وشِدّته، حتى ليتمنى الناس الانصراف ولو أن النار، ساعتها تستشفع كُلُّ أمة بنبيها، فيردّها إلى أنْ يذهبوا إلى خاتم المرسلين وسيد الأنبياء، فيقول: أنا لها، أنا لها.
لذلك أمرنا صلى الله عليه وسلم أن ندعو بهذا الدعاء: (وابعثه اللهم المقام المحمود الذي وعدته) ولا شَكَّ أنه دعاء لصالحنا نحن.).


 

    الباب الثالث :   صناعة أساطير الشفاعة  

 الفصل الثالث  :  تلاعب أئمة المحمديين بقوله تعالى (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ  )   

أولا : الفاتحة و (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ )

1 ـ:(  بسماللهالرحمنالرحيم (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (7) ) فى سورة الفاتحة  يتوجه المؤمن لربه وحده بالحمد . وفيها موجز صفات الله جل وعلا الرحمن الرحيم مالك يوم الدين . وأن يعلن المؤمن إخلاصه لله جل وعلا فى الايمان به وحده الاها لاشريك له لا يستعين ولا يتوسل بغيره ، ويعلن إخلاصه فى عبادته الله وحده لا شريك له . ويطلب مخلصا من ربه جل وعلا الهداية للصراط المستقيم ، بعيدا عن المغضوب عليهم والضالين . المفترض أن يقرأ المؤمن هذه الفاتحة 17 مرة فى صلاته اليومية . والمفترض أن يكون مخلصا خاشعا فى صلاته وفى قراءته الفاتحة ، خصوصا وهو يطلب الهداية من ربه ، وخصوصا وهو يعلن إيمانه بأن الله جل وعلا هو المستحق وحده للحمد ، وأنه وحده جل وعلا مالك يوم الدين . وكل مؤمن يتعرض للسهو والإنشغال إثناء الصلاة ، بل يتسلط عليه الشيطان وقت الصلاة بالذات ليحرمه أروع لحظات فى حياته الدنيا ، وهى صلته بالله جل وعلا أساطير الشفاعةو خطابه ومناجاته لربه جل وعلا . والمؤمن المخلص يحاول جاهدا أن يركّز فى صلاته ، وأن يستشعر معانى الفاتحة بالذات . ومن رحمة الله جل وعلا أن تتكرر الفاتحة فى كل ركعة ، حتى لو غلبه الشيطان مرة فيستطيع أن ينجو منه فى المرات التالية . وفى كل الأحوال فالمؤمن المخلص هو الذى يؤمن بقلبه بما يقرؤه فى الفاتحة ، وهو الذى يطلب دائما ومخلصا الهداية من ربه ليظل على الصراط المستقيم ، وهو الذى يؤمن فعلا بأن الله جل وعلا هو ( مالك يوم الدين ) يوم لا تملك نفس بشرية لنفس بشرية أخرى شيئا لأن الملك يوم الدين سيكون لله جل وعلا وحده رب العالمين . فهل يفعل هذا المحمديون ؟

2 ـ المحمديون يؤمنون بشفاعة ( محمد ) وبجاهه يوم الدين ، وهم يقسمون ب ( جاه النبى ) أى سلطانه ، وينتزعون من جاه رب العزة وسلطانه الجزء الأكبر ليضيفوه لأله جديد إخترعوه باسم ( محمد ) جعلوه المتحكم فى يوم الدين ، وإخترعوا آلهة أخرى بجانبه من الإئمة والأولياء يشاركون الاههم الأكبر المصنوع المسمى ( محمد ) وبالتالى لا يتبقى فى عقيدتهم لله إلا أن يكون الاها منزوع السُّلطات فى الدنيا والآخرة . هذه المعتقدات أرساها أئمة المحمديين ، وهى تترسّخ يوما بعد يوم بسيطرة الأديان الأرضية على عصرنا البائس . وبهذه العقيدة فى ( جاه النبى ) يقرأ ( المحمديون ) ( الفاتحة للنبى ) عبادة للنبى . وفى صلاتهم يقرأون ( التحيات ) للنبى ، ويصلّون له صلوات ( السّنة )، ويرفعون إسمه مع اسم رب العزة فى الأذان للصلاة ، ويضعون إسمه الى جانب إسم رب العزة فى شهادة الاسلام التى جعلوها مثناة وليست واحدة . وفى مساجدهم يجعلون اسم محمد وغيره الى جانب إسم الله جل وعلا . وبالتالى فهم حين يقرأون الفاتحة فى الصلاة فإن نورها لا يصل الى قلوبهم التى ترفض المساس بجاه محمد وشفاعته . وبالتالى أيضا فهم مهما قرأوا الفاتحة فهم يكفرون بكل كلمة فيها ، خصوصا ( مالك يوم الدين ).

3 ـ ونتوقف هنا بالتدبر فى قوله جل وعلا عن ذاته (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ). وما قاله فيها أئمة المحمديين

 ثانيا : معنى مالك يوم الدين 

1 ـ معنى (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)  يفسره قوله جل وعلا : ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (17) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (18) يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19) الانفطار )، وعشرات الآيات الأخرى التى تفصّل ما سيجرى يوم القيامة ، يوم الحساب ، يوم لقاء الله جل وعلا ، يوم الدين .

2 ـ وهناك مستويات لفهم القرآن الكريم . أبسطها مستوى الهداية ، وهو مُتاح لمن أراد الهداية . ومن يُريد الهداية يرى الآية واضحة فى أن الله جل وعلا وحده هو المالك ليوم الدين بمعنى أن أى مخلوق لا يملك لمخلوق آخر شيئا لأنّ الأمر يوم الدين هو لمالك يوم الدين . هكذا بكل بساطة ووضوح . الآيات واضحة بلا تعقيد ، ووضوحها يصل الى من كان قلبه نظيفا مُطهّرا من رجس الشيطان وأحاديثه الضالة .

بعد مستوى الهداية هناك مستويات أعمق لمن أراد أن يتبحّر فى ( العلم القرآنى ) ويتأهّل لهذا ليكون من ( الراسخين فى العلم ) ، وما يقوله الراسخون فى العلم ليس دينا ، بل هو إجتهاد فى تدبر القرآنى يحتاج الى مراجعة ونقاش، وبهذا يظل الراسخون فى العلم تلاميذ أمام عظمة القرآن الكريم مهما ( ترسخوا فى العلم ) . أما إئمة الضلال الذين فى قلوبهم زيغ ؛ يتبعون ما تشابه من الآيات إبتغاء الفتنة وإبتغاء التحريف فقد تحصّنوا بأديانهم الأرضية من النقاش . ومهما يقولون من إفك وبهتان وخرافات وأساطير وأكاذيب فهى تحظى بالتقديس ، سواء قرأها القطيع التابع لهم أم لم يقرأها . ونعطى بعض التدبر فى قوله جل وعلا : (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ  )

 الله جل وعلا مالك يوم الدنيا

1 ـ الملوك من البشر فى هذه الدنيا يسرى عليهم ما يسرى على البشر من الخضوع للحتميات المكتوبة والمقدرة سلفا والتى تشمل الميلاد والرزق والمصائب والموت . يصل أحدهم للسلطة ويفقدها بالهزيمة أو بالموت او بهما معا ، ويعيش العزّ والذُّل والاتفاع والانخفاض ، ثم ينتهى به وقد تحول هذا كله الى سراب ، ويتعيّن عليه أن يواجه مصيره يوم الدين كبقية ( الرعية ) فى خلود فى الجنة أو خلود فى النار . وبالتالى  فليس مُلك البشر سوى إمتحان وابتلاء ، وخلال حياتنا الدنيا فإنّ الله جل وعلا يبلونا بالخير والشرّ فتنة ، ثم نموت ونرجع اليه يوم الدين: ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35) الأنبياء ) .

2 ـ المُلك الحقيقى فى يوم الدنيا هذا هو لله جل وعلا ، فهو خالق السماوات والأرض ، وهو المسيطر على العرش الذى يشمل كل هذا الملكوت ، وهو الذى يسخّر النجوم والمجرات والأرض والسماوات ، وهو وحده الذى له ( الأمر ) لأنه وحده هو خالق الخلق ، لذا فهو وحده رب العالمين : ( إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54) الاعراف ) . وهو فى تحكّمه فى مُلكه ليس له شريك فى مُلكه وليس له إبن : ( الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ )(2) الفرقان )، وسبحانه الذى بيده ملكوت كل شىء فى يوم الدنيا ، واليه وحده مصيرنا ومرجعنا يوم الدين : ( فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83) يس ). وبهذا يعنى المؤمن التقىُّ معنى قوله جل وعلا : ( ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6) الزمر )، ( تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الملك ). ( قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّا تُسْحَرُونَ (89)( المؤمنون ).

3 ـ ولكنّ رب العزة منح البشر فى يوم الدنيا حرية الايمان أو الكفر وحرية الطاعة أو المعصية ، ومقابل مشيئتهم الحرة فى الايمان أو الكفر فى يوم الدنيا فسيأتون اليه جل وعلا يوم الدين ليواجهوا الحساب والجزاء ، بين خلود فى النار أو خلود فى الجنة : ( وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً (29) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (30) أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (31)  الكهف ).

ولهذا يقول جل وعلا للمحمديين وغيرهم من ائمة الأديان الأرضية الذين يُلحدون فى القرآن الكريم إن إلحادهم لا يخفى على الله جل وعلا ، فليعملوا ما شاءوا ، فمن سينتهى به الحال الى الإلقاء فى النار لا يتساوى مع من سيأتى آمنا يوم القيامة :( إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40) فصلت )

4 ـ المقصود أنه فى يوم الدنيا هذا تكون لنا حرية ممنوحة لنا من رب العزة الذى بيده ملكوت كل شىء ، وبملكوته يتم تسجيل أعمالنا ، ثم تتم محاسبتنا يوم الدين حين يقوم الناس لرب العالمين مالك يوم الدين.

الله جل وعلا وحده مالك يوم الدين

1 ـ فى هذا اليوم يكون المُلك تاما وخالصا لمالك يوم الدين ، ويكون يوما عسيرا على الكافرين وعلى المحمديين الذين إتخذوا القرآن مهجورا:( وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلاً (25) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً (26) وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (27) يَا وَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً (29) وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (30) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنْ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً (31) الفرقان ).

2 ـ فى هذا اليوم يبرز الخلق لمالك يوم الدين لا يخفى على الله جل وعلا منهم شىء ، حيث سيكون المُلك والتحكُّم التام للواحد القهار جل وعلا : ( يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنْ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16) غافر ) فى هذا اليوم تلقى كل نفس بشرية جزاءها طبقا لما كسبته من عمل فى يوم الدنيا ، بلا ظلم من مالك يوم الدين وهو سريع الحساب : ( الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (17) غافر) . عندها سيكون المحمديون وسائر الظالمين فى ورطة إذ ضاعت أمانيهم فى الشفاعات وأساطيرها : ( وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذْ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ (18) غافر ). وبرزوا أمام مالك يوم الدين الذى :( يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) غافر ) والذى يقضى بالحق : (وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (20) (غافر).

3 ـ وفى هذا الموقف العظيم أمام مالك يوم الدين لا يملك أحد منه خطابا:( رَبِّ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً (37) النبأ ) . يوم الدين سيقف الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلّا من أذن له الرحمن ورضى له قولا : ( يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفّاً لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً (38) النبأ ) . هذا هو اليوم الحق الذى يجب أن نستعد له بالعمل الصالح فى حياتنا يوم الدنيا : ( ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا (39) النبأ )

4 ـ فى هذا اليوم لا يملك أى نبى التدخل لصالح غيره . ولهذا قال ابراهيم عليه السلام لأبيه :( لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ) (4) الممتحنة ). وعندما نهاه ربه جل وعلا عن الاستغفار لأبيه سارع ابراهيم بالطاعة (  وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ )(التوبة 114).

ولأنه جل وعلا وحده مالك يوم الدين فإنه جل وعلا أنّب خاتم النبيين حين تكلم بما يعتبر تدخلا منه فى موضوع التوبة والغفران فقال له جل وعلا:( لَيْسَ لَكَ مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128) آل عمران )، ذلك لأنّ هذا مرجعه لمالك يوم الدين جل وعلا وحده:( وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (14) الفتح ).

وبالتالى فأساطير الشفاعات هى مجرد رجس وزبالات ، فهؤلاء الذين إخترعوا الشفعاء الوهميين لا يملكون شيئا ولا يعقلون : ( أَمْ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ (43) قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (44) الزمر ).

5 ـ والمقصود أن الفهم القرآنى الصحيح ليوم الدين و( مالك يوم الدين ) جاء فى قوله جل وعلا يخاطب خاتم النبيين : ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (17) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (18) يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19) الانفطار ). هذا ما قاله رب العالمين ، مالك يوم الدين . فماذا قال أئمة المحمديين ؟

أخيرا : إضحك مع أقوال أئمة المحمديين فى ( مالك يوم الدين )

تلاعب الطبرى بقوله تعالى (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ  )  

( تفسير الطبرى ( مولود عام 224 ، وتوفى عام  310 )

وبما قلنا في تأويل قوله ( يوم الدين ) جاءت الآثار عن السلف من المفسرين ، مع تصحيح الشواهد تأويلهم الذي تأولوه في ذلك.

167 -
حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، قال : حدثنا أبو روق ، عن الضحاك ، عن عبد الله بن عباس : ( يوم الدين ) ، قال : يوم حساب الخلائق ، وهو يوم القيامة ، يدينهم بأعمالهم ، إن خيرا فخيرا ، وإن شرا فشرا ، إلا من عفا عنه ، فالأمر أمره . ثم قال: ( ألا له الخلق والأمر ) سورة الأعراف : 54.

168 -
وحدثني موسى بن هارون الهمداني ، قال : حدثنا عمرو بن حماد القناد ، قال : حدثنا أسباط بن نصر الهمداني ، عن إسماعيل بن عبد الرحمن السدي ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس - وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود - وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : ( " ملك يوم الدين " ) ، هو يوم الحساب.

169 -
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا [ ص: 157 ] [ ص: 158 ] [ ص: 159 ] [ ص: 160 ] معمر ، عن قتادة في قوله: ( مالك يوم الدين ) قال : يوم يدين الله العباد بأعمالهم.

170 -
وحدثنا القاسم بن الحسن ، قال : حدثنا الحسين بن داود ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، ( مالك يوم الدين ) قال : يوم يدان الناس بالحساب.)

تلاعب القرطبى بقوله تعالى (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ  )   

{مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)}
الرابعة عشرة: قوله تعالى: {مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} قرأ محمد بن السميقع بنصب مالك، وفيه أربع لغات: مالك وملك وملك مخففة من ملك ومليك. قال الشاعر:
وأيام لنا غر طوال *** عصينا الملك فيها أن ندينا
وقال آخر:
فاقنع بما قسم المليك فإنما *** قسم الخلائق بيننا علامها
الخلائق: الطبائع التي جبل الإنسان عليها. وروي عن نافع إشباع الكسرة في: {ملك} فيقرأ {ملكي} على لغة من يشبع الحركات، وهي لغة للعرب ذكرها المهدوي وغيره.
الخامسة عشرة: اختلف العلماء أيما أبلغ: ملك أو مالك؟ والقراءتان مرويتان عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر وعمر. ذكرهما الترمذي، فقيل: {ملك} أعم وأبلغ من {مالِكِ} إذ كل ملك مالك، وليس كل مالك ملكا، ولان أمر الملك نافذ على المالك في ملكه، حتى لا يتصرف إلا عن تدبير الملك، قال أبو عبيدة والمبرد.
وقيل: {مالِكِ} أبلغ، لأنه يكون مالكا للناس وغيرهم، فالمالك أبلغ تصرفا وأعظم، إذ إليه إجراء قوانين الشرع، ثم عنده زيادة التملك.
وقال أبو علي: حكى أبو بكر بن السراج عن بعض من اختار القراءة ب {ملك} أن الله سبحانه قد وصف نفسه بأنه مالك كل شيء بقوله: {رَبِّ الْعالَمِينَ} فلا فائدة في قراءة من قرأ {مالِكِ} لأنها تكرار. قال أبو على: ولا حجة في هذا، لأن في التنزيل أشياء على هذه الصورة، تقدم العام ثم ذكر الخاص كقوله: {هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ} فالخالق يعم. وذكر المصور لما فيه من التنبيه على الصنعة ووجود الحكمة، وكما قال تعالى: {وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} بعد قوله: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ}. والغيب يعم الآخرة وغيرها، ولكن ذكرها لعظمها، والتنبيه على وجوب اعتقادها، والرد على الكفرة الجاحدين لها، وكما قال: {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} فذكر {الرَّحْمنِ} الذي هو عام وذكر {الرَّحِيمِ} بعده، لتخصيص المؤمنين به في قوله: {وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً}.
وقال أبو حاتم: إن مالكا أبلغ في مدح الخالق من {ملك}، و{ملك} أبلغ في مدح المخلوقين من مالك، والفرق بينهما أن المالك من المخلوقين قد يكون غير ملك وإذا كان الله تعالى مالكا كان ملكا، واختار هذا القول القاضي أبو بكر بن العربي وذكر ثلاثةأوجه.
الأول: أنك تضيفه إلى الخاص والعام، فتقول: مالك الدار والأرض والثوب، كما تقول: مالك الملوك.
الثاني: أنه يطلق على مالك القليل والكثير، وإذا تأملت هذين القولين وجدتهما واحدا. والثالث: أنك تقول: مالك الملك، ولا تقول: ملك الملك. قال ابن الحصار: إنما كان ذلك لان المراد من {مالِكِ} الدلالة على الملك بكسر الميم وهو لا يتضمن الملك بضم الميم و{ملك} يتضمن الأمرين جميعا فهو أولى بالمبالغة. ويتضمن أيضا الكمال، ولذلك استحق الملك على من دونه، ألا ترى إلى قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ}، ولهذا قال عليه السلام: «الإمامة في قريش» وقريش أفضل قبائل العرب، والعرب أفضل من العجم وأشرف. ويتضمن الاقتدار والاختيار وذلك أمر ضروري في الملك، إن لم يكن قادرا مختارا نافذا حكمه وأمره، قهره عدوه وغلبه غيره وازدرته رعيته، ويتضمن البطش والامر والنهي والوعد والوعيد، ألا ترى إلى قول سليمان عليه السلام: {ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ. لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً} إلى غير ذلك من الأمور العجيبة والمعاني الشريفة التي لا توجد في المالك.
قلت: وقد احتج بعضهم على أن مالكا أبلغ لان فيه زيادة حرف، فلقارئه عشر حسنات زيادة عمن قرأ ملك.
قلت: هذا نظر إلى الصيغة لا إلى المعنى، وقد ثبتت القراءة بملك، وفيه من المعنى ما ليس في مالك، على ما بينا والله أعلم.
السادسة عشرة: لا يجوز أن يتسمى أحد بهذا الاسم ولا يدعى به إلا الله تعالى، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض» وعنه أيضا عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إن أخنع اسم عند الله رجل تسمى ملك الاملاك زاد مسلم لا مالك إلا الله عز وجل» قال سفيان: مثل: شاهان شاه.
وقال أحمد بن حنبل: سألت أبا عمرو الشيباني عن أخنع، فقال: أوضع. وعنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أغيظ رجل على الله يوم القيامة وأخبثه رجل كان يسمى ملك الاملاك لا ملك إلا الله سبحانه». قال ابن الحصار: وكذلك {ملك يوم الدين} و{مالِكَ الْمُلْكِ} لا ينبغي أن يختلف في أن هذا محرم على جميع المخلوقين كتحريم ملك الاملاك سواء، وأما الوصف بمالك وملك وهي: السابعة عشرة فيجوز أن يوصف بهما من اتصف بمفهومهما، قال الله العظيم: {إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً}.
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة».
الثامنة عشرة: إن قال قائل: كيف قال: {مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} ويوم الدين لم يوجد بعد، فكيف وصف نفسه بملك ما لم يوجده قيل له: اعلم أن مالكا اسم فاعل من ملك يملك، واسم الفاعل في كلام العرب قد يضاف إلى ما بعده وهو بمعنى الفعل المستقبل ويكون ذلك عندهم كلاما سديدا معقولا صحيحا، كقولك: هذا ضارب زيد غدا، أي سيضرب زيدا. وكذلك: هذا حاج بيت الله في العام المقبل، تأويله سيحج في العام المقبل، أفلا ترى أن الفعل قد ينسب إليه وهو لم يفعله بعد، وإنما أريد به الاستقبال، فكذلك قوله عز وجل: {مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} على تأويل الاستقبال، أي سيملك يوم الدين أو في يوم الدين إذا حضر. ووجه ثان: أن يكون تأويل المالك راجعا إلى القدرة، أي إنه قادر في يوم الدين، أو على يوم الدين وإحداثه، لأن المالك للشيء هو المتصرف في الشيء والقادر عليه، والله عز وجل مالك الأشياء كلها ومصرفها على إرادته، لا يمتنع عليه منها شي. والوجه الأول أمس بالعربية وأنفذ في طريقها، قال أبو القاسم الزجاجي.
ووجه ثالث: فيقال لم خصص يوم الدين وهو مالك يوم الدين وغيره؟ قيل له: لان في الدنيا كانوا منازعين في الملك، مثل فرعون ونمرود وغيرهما، وفي ذلك اليوم لا ينازعه أحد في ملكه، وكلهم خضعوا له، كما قال تعالى: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} فأجاب جميع الخلق: {لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ} فلذلك قال: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، أي في ذلك اليوم لا يكون مالك ولا قاض ولا مجاز غيره، سبحانه لا إله إلا هو.
التاسعة عشرة: إن وصف الله سبحانه بأنه ملك كان ذلك من صفات ذاته، وإن وصف بأنه مالك كان ذلك من صفات فعله.
الموفية العشرين: اليوم عبارة عن وقت طلوع الفجر إلى وقت غروب الشمس، فاستعير فيما بين مبتدأ القيامة إلى وقت استقرار أهل الدارين فيهما. وقد يطلق اليوم على الساعة منه، قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} وجمع يوم أيام، وأصله أيوام فأدغم، وربما عبروا عن الشدة باليوم، يقال: يوم أيوم، كما يقال: ليلة ليلاء. قال الراجز: نعم أخو الهيجاء في اليوم اليمي وهو مقلوب منه، أخر الواو وقدم الميم ثم قلبت الواو ياء حيث صارت طرفا، كما قالوا: أدل في جمع دلو.
الحادية والعشرون: الدين: الجزاء على الأعمال والحساب بها، كذلك قال ابن عباس وابن مسعود وابن جريج وقتادة وغيرهم، وروي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويدل عليه قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ} أي حسابهم. وقال: {الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ} [غافر 17] و{الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} وقال: {أَإِنَّا لَمَدِينُونَ} أي مجزيون محاسبون.
وقال لبيد:
حصادك يوما ما زرعت وإنما *** يدان الفتى يوما كما هو دائن
آخر:
إذا ما رمونا رميناهم *** ودنّاهم مثل ما يقرضونا
آخر:
واعلم يقينا أن ملكك زائل *** واعلم بأن كما تدين تدان
وحكى أهل اللغة: دنته بفعله دينا بفتح الدال ودينا بكسرها جزيته، ومنه الديان في صفة الرب تعالى أي المجازي، وفي الحديث: «الكيس من دان نفسه» أي حاسب.
وقيل: القضاء. روي عن ابن عباس أيضا، ومنه قول طرفة:
لعمرك ما كانت حمولة معبد *** على جدها حربا لدينك من مضر
ومعاني هذه الثلاثة متقاربة. والدين أيضا: الطاعة، ومنه قول عمرو بن كلثوم:
وأيام لنا غر طوال *** عصينا الملك فيها أن ندينا
فعلى هذا هو لفظ مشترك وهي:
الثانية والعشرون: قال ثعلب: دان الرجل إذا أطاع، ودان إذا عصى، ودان إذا عز، ودان إذا ذل، ودان إذا قهر، فهو من الأضداد. ويطلق الدين على العادة والشأن، كما قال:
كدينك من أم الحويرث قبلها ***
وقال المثقب يذكر ناقته:
تقول إذا درأت لها وضيني *** أهذا دينه أبدا وديني
والدين: سيرة الملك. قال زهير:
لئن حللت بجو في بني أسد *** في دين عمرو وحالت بيننا فدك
أراد في موضع طاعة عمرو. والدين: الداء، عن اللحياني. وأنشد:
يا دين قلبك من سلمى وقد دينا ***  

 تلاعب الرازى بقوله تعالى (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ  )    

 

{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)}
وأما قوله تعالى: {مالك يَوْمِ الدين} فاعلم أن الإنسان كالمسافر في هذه الدنيا، وسنوه كالفراسخ، وشهوره كالأميال، وأنفاسه كالخطوات، ومقصده الوصول إلى عالم أخراه؛ لأن هناك يحصل الفوز بالباقيات الصالحات، فإذا شاهد في الطريق أنواع هذه العجائب في ملكوت الأرض والسموات فلينظر أنه كيف يكون عجائب حال عالم الآخرة في الغبطة والبهجة والسعادة، إذا عرفت هذا فنقول: قوله: {مالك يَوْمِ الدين} إشارة إلى مسائل المعاد والحشر والنشر، وهي قسمان: بعضها عقلية محضة، وبعضها سمعية: أما العقلية المحضة فكقولنا: هذا العالم يمكن تخريبه وإعدامه، ثم يمكن إعادته مرة أخرى، وإن هذا الإنسان بعد موته تمكن إعادته، وهذا الباب لا يتم إلا بالبحث عن حقيقة جوهر النفس، وكيفية أحوالها وصفاتها، وكيفية بقائها بعد البدن، وكيفية سعادتها وشقاوتها، وبيان قدرة الله عزّ وجلّ على إعادتها، وهذه المباحث لا تتم إلا بما يقرب من خمسمائة مسألة من المباحث الدقيقة العقلية.
وأما السمعيات فهي على ثلاثة أقسام:
أحدها: الأحوال التي توجد عند قيام القيامة، وتلك العلامات منها صغيرة، ومنها كبيرة وهي العلامات العشرة التي سنذكرها ونذكر أحوالها.
وثانيها: الأحوال التي توجد عند قيام القيامة، وهي كيفية النفخ في الصور، وموت الخلائق، وتخريب السموات والكواكب، وموت الروحانيين والجسمانيين.
وثالثها: الأحوال التي توجد بعد قيام القيامة وشرح أحوال أهل الموقف، وهي كثيرة يدخل فيها كيفية وقوف الخلق، وكيفية الأحوال التي يشاهدونها، وكيفية حضور الملائكة والأنبياء عليهم السلام، وكيفية الحساب، وكيفية وزن الأعمال، وذهاب فريق إلى الجنة وفريق إلى النار، وكيفية صفة أهل الجنة وصفه أهل النار، ومن هذا الباب شرح أحوال أهل الجنة وأهل النار بعد وصولهم إليها، وشرح الكلمات التي يذكرونها والأعمال التي يباشرونها، ولعل مجموع هذه المسائل العقلية والنقلية يبلغ الألوف من المسائل، وهي بأسرها داخلة تحت قوله: {مالك يَوْمِ الدين}.

 

تلاعب إبن كثير  (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ  )  

مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ

قَرَأَ مُحَمَّد بْن السَّمَيْقَع بِنَصْبِ مَالِك ; وَفِيهِ أَرْبَع لُغَات : مَالِك وَمَلِك وَمَلْك - مُخَفَّفَة مِنْ مَلِك - وَمَلِيك . قَالَ الشَّاعِر : وَأَيَّام لَنَا غُرّ طِوَال عَصَيْنَا الْمَلْك فِيهَا أَنْ نَدِينَا وَقَالَ آخَر : فَاقْنَعْ بِمَا قَسَمَ الْمَلِيك فَإِنَّمَا قَسَمَ الْخَلَائِق بَيْننَا عَلَّامُهَا الْخَلَائِق : الطَّبَائِع الَّتِي جُبِلَ الْإِنْسَان عَلَيْهَا . وَرُوِيَ عَنْ نَافِع إِشْبَاع الْكِسْرَة فِي " مَلِك " فَيَقْرَأ " مَلِكِي " عَلَى لُغَة مَنْ يُشْبِع الْحَرَكَات , وَهِيَ لُغَة لِلْعَرَبِ ذَكَرَهَا الْمَهْدَوِيّ وَغَيْره .

اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء أَيّمَا أَبْلَغُ : مَلِك أَوْ مَالِك ؟ وَالْقِرَاءَتَانِ مَرْوِيَّتَانِ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْر وَعُمَر . ذَكَرَهُمَا التِّرْمِذِيّ ; فَقِيلَ : " مَلِك " أَعَمّ وَأَبْلَغ مِنْ " مَالِك " إِذْ كُلّ مَلِك مَالِك , وَلَيْسَ كُلّ مَالِك مَلِكًا ; وَلِأَنَّ الْمِلْك نَافِذ عَلَى الْمَالِك فِي مُلْكه , حَتَّى لَا يَتَصَرَّف إِلَّا عَنْ تَدْبِير الْمَلِك , قَالَ أَبُو عُبَيْدَة وَالْمُبَرِّد . وَقِيلَ : " مَالِك " أَبْلَغ ; لِأَنَّهُ يَكُون مَالِكًا لِلنَّاسِ وَغَيْرهمْ ; فَالْمَالِك أَبْلَغ تَصَرُّفًا وَأَعْظَم ; إِذْ إِلَيْهِ إِجْرَاء قَوَانِين الشَّرْع , ثُمَّ عِنْده زِيَادَة التَّمَلُّك . وَقَالَ أَبُو عَلِيّ : حَكَى أَبُو بَكْر بْن السَّرَّاج عَنْ بَعْض مَنْ اِخْتَارَ الْقِرَاءَة بِ " مَالِك " أَنَّ اللَّه سُبْحَانه قَدْ وَصَفَ نَفْسه بِأَنَّهُ مَالِك كُلّ شَيْء بِقَوْلِ : " رَبّ الْعَالَمِينَ " فَلَا فَائِدَة فِي قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ " مَالِك " لِأَنَّهَا تَكْرَار . قَالَ أَبُو عَلِيّ : وَلَا حُجَّة فِي هَذَا ; لِأَنَّ فِي التَّنْزِيل أَشْيَاء عَلَى هَذِهِ الصُّورَة , تَقَدُّم الْعَامّ ثُمَّ ذِكْر الْخَاصّ كَقَوْلِهِ : " هُوَ اللَّه الْخَالِق الْبَارِئ الْمُصَوِّر " فَالْخَالِق يَعُمّ . وَذَكَرَ الْمُصَوِّر لِمَا فِيهِ مِنْ التَّنْبِيه عَلَى الصَّنْعَة وَوُجُود الْحِكْمَة , وَكَمَا قَالَ تَعَالَى : " وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ " بَعْد قَوْله : " الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ " . وَالْغَيْب يَعُمّ الْآخِرَة وَغَيْرهَا ; وَلَكِنْ ذَكَرَهَا لِعِظَمِهَا , وَالتَّنْبِيه عَلَى وُجُوب اِعْتِقَادهَا , وَالرَّدّ عَلَى الْكَفَرَة الْجَاحِدِينَ لَهَا ; وَكَمَا قَالَ : " الرَّحْمَن الرَّحِيم " فَذَكَرَ " الرَّحْمَن " الَّذِي هُوَ عَامّ وَذَكَرَ " الرَّحِيم " بَعْده , لِتَخْصِيصِ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ فِي قَوْله : " وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا " . وَقَالَ أَبُو حَاتِم : إِنَّ مَالِكًا أَبْلَغَ فِي مَدْح الْخَالِق مِنْ " مَلِك " , و" مَلِك " أَبْلَغ فِي مَدْح الْمَخْلُوقِينَ مِنْ مَالِك ; وَالْفَرْق بَيْنهمَا أَنَّ الْمَالِك مِنْ الْمَخْلُوقِينَ قَدْ يَكُون غَيْر مَلِك وَإِذَا كَانَ اللَّه تَعَالَى مَالِكًا كَانَ مَلِكًا , وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْل الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ وَذَكَرَ ثَلَاثَة أَوْجُه ;

الْأَوَّل : أَنَّك تُضِيفهُ إِلَى الْخَاصّ وَالْعَامّ , فَتَقُول : مَالِك الدَّار وَالْأَرْض وَالثَّوْب , كَمَا تَقُول : مَالِك الْمُلُوك .

الثَّانِي : أَنَّهُ يُطْلَق عَلَى مَالِك الْقَلِيل وَالْكَثِير ; وَإِذَا تَأَمَّلْت هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ وَجَدْتهمَا وَاحِدًا .

وَالثَّالِث : أَنَّك تَقُول : مَالِك الْمُلْك ; وَلَا تَقُول : مَلِك الْمُلْك .

قَالَ اِبْن الْحَصَّار : إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُرَاد مِنْ " مَالِك " الدَّلَالَة عَلَى الْمِلْك - بِكَسْرِ الْمِيم - وَهُوَ لَا يَتَضَمَّن " الْمُلْك " - بِضَمِّ الْمِيم - و" مُلْك " يَتَضَمَّن الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا فَهُوَ أَوْلَى بِالْمُبَالَغَةِ . وَيَتَضَمَّن أَيْضًا الْكَمَال , وَلِذَلِكَ اِسْتَحَقَّ الْمُلْك عَلَى مَنْ دُونَهُ ; أَلَا تَرَى إِلَى قَوْله تَعَالَى : " إِنَّ اللَّه اِصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَة فِي الْعِلْم وَالْجِسْم " [ الْبَقَرَة : 247 ] وَلِهَذَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام : ( الْإِمَامَة فِي قُرَيْش ) وَقُرَيْش أَفْضَل قَبَائِل الْعَرَب , وَالْعَرَب أَفْضَل مِنْ الْعَجَم وَأَشْرَف . وَيَتَضَمَّن الِاقْتِدَار وَالِاخْتِيَار وَذَلِكَ أَمْر ضَرُورِيّ فِي الْمِلْك , إِنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا مُخْتَارًا نَافِذًا حُكْمه وَأَمْره , قَهَرَهُ عَدُوّهُ وَغَلَبَهُ غَيْره وَازْدَرَتْهُ رَعِيَّته , وَيَتَضَمَّن الْبَطْش وَالْأَمْر وَالنَّهْي وَالْوَعْد وَالْوَعِيد ; أَلَا تَرَى إِلَى قَوْل سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام : " مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُد أَمْ كَانَ مِنْ الْغَائِبِينَ . لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا " [ النَّمْل : 20 , 21 ] إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأُمُور الْعَجِيبَة وَالْمَعَانِي الشَّرِيفَة الَّتِي لَا تُوجَد فِي الْمَالِك .

قُلْت : وَقَدْ اِحْتَجَّ بَعْضهمْ عَلَى أَنَّ مَالِكًا أَبْلَغ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَة حَرْف ; فَلِقَارِئِهِ عَشْر حَسَنَات زِيَادَة عَمَّنْ قَرَأَ مَلِك . قُلْت : هَذَا نَظَر إِلَى الصِّيغَة لَا إِلَى الْمَعْنَى , وَقَدْ ثَبَتَتْ الْقِرَاءَة بِمَلِكِ وَفِيهِ مِنْ الْمَعْنَى مَا لَيْسَ فِي مَالِك , عَلَى مَا بَيَّنَّا وَاَللَّه أَعْلَم .

لَا يَجُوز أَنْ يَتَسَمَّى أَحَد بِهَذَا الِاسْم وَلَا يُدْعَى بِهِ إِلَّا اللَّه تَعَالَى ; رَوَى الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَقْبِض اللَّه الْأَرْض يَوْم الْقِيَامَة وَيَطْوِي السَّمَاء بِيَمِينِهِ ثُمَّ يَقُول أَنَا الْمَلِك أَيْنَ مُلُوك الْأَرْض ) وَعَنْهُ أَيْضًا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ أَخْنَع اِسْم عِنْد اللَّه رَجُل تَسَمَّى مَلِك الْأَمْلَاك - زَادَ مُسْلِم - لَا مَالِك إِلَّا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ) قَالَ سُفْيَان : مِثْل : شَاهَانْ شَاه . وَقَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل : سَأَلْت أَبَا عَمْرو الشَّيْبَانِيّ عَنْ أَخْنَع ; فَقَالَ : أَوْضَع . وَعَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَغْيَظ رَجُل عَلَى اللَّه يَوْم الْقِيَامَة وَأَخْبَثه رَجُل [ كَانَ ] يُسَمَّى مَلِك الْأَمْلَاك لَا مَلِك إِلَّا اللَّه سُبْحَانه ) . قَالَ اِبْن الْحَصَّار : وَكَذَلِكَ " مَلِك يَوْم الدِّين " و" مَالِك الْمُلْك " لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَف فِي أَنَّ هَذَا مُحَرَّم عَلَى جَمِيع الْمَخْلُوقِينَ كَتَحْرِيمِ مَلِك الْأَمْلَاك سَوَاء , وَأَمَّا الْوَصْف بِمَالِك وَمَلِك وَهِيَ : فَيَجُوز أَنْ يُوصَف بِهِمَا مَنْ اِتَّصَفَ بِمَفْهُومِهِمَا ; قَالَ اللَّه الْعَظِيم : " إِنَّ اللَّه قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوت مَلِكًا " [ الْبَقَرَة : 247 ]. وَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( نَاس مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاة فِي سَبِيل اللَّه يَرْكَبُونَ ثَبَج هَذَا الْبَحْر مُلُوكًا عَلَى الْأَسِرَّة أَوْ مِثْل الْمُلُوك عَلَى الْأَسِرَّة ) . إِنْ قَالَ قَائِل : كَيْف قَالَ " مَالِك يَوْم الدِّين " وَيَوْم الدِّين لَمْ يُوجَد بَعْد , فَكَيْفَ وَصَفَ نَفْسه بِمَلِكِ مَا لَمْ يُوجِدهُ ؟ قِيلَ لَهُ : اِعْلَمْ أَنَّ مَالِكًا اِسْم فَاعِل مِنْ مَلَكَ يَمْلِك , وَاسْم الْفَاعِل فِي كَلَام الْعَرَب قَدْ يُضَاف إِلَى مَا بَعْده وَهُوَ بِمَعْنَى الْفِعْل الْمُسْتَقْبَل وَيَكُون ذَلِكَ عِنْدهمْ كَلَامًا سَدِيدًا مَعْقُولًا صَحِيحًا ; كَقَوْلِك : هَذَا ضَارِب زَيْد غَدًا ; أَيْ سَيَضْرِبُ زَيْدًا . وَكَذَلِكَ : هَذَا حَاجّ بَيْت اللَّه فِي الْعَام الْمُقْبِل , تَأْوِيله سَيَحُجُّ فِي الْعَام الْمُقْبِل ; أَفَلَا تَرَى أَنَّ الْفِعْل قَدْ يُنْسَب إِلَيْهِ وَهُوَ لَمْ يَفْعَلهُ بَعْد , وَإِنَّمَا أُرِيد بِهِ الِاسْتِقْبَال ; فَكَذَلِكَ قَوْله عَزَّ وَجَلَّ : " مَالِك يَوْم الدِّين " عَلَى تَأْوِيل الِاسْتِقْبَال , أَيْ سَيَمْلِكُ يَوْم الدِّين أَوْ فِي يَوْم الدِّين إِذَا حَضَرَ .

وَوَجْه ثَانٍ : أَنْ يَكُون تَأْوِيل الْمَالِك رَاجِعًا إِلَى الْقُدْرَة , أَيْ إِنَّهُ قَادِر فِي يَوْم الدِّين , أَوْ عَلَى يَوْم الدِّين وَإِحْدَاثه ; لِأَنَّ الْمَالِك لِلشَّيْءِ هُوَ الْمُتَصَرِّف فِي الشَّيْء وَالْقَادِر عَلَيْهِ ; وَاَللَّه عَزَّ وَجَلَّ مَالِك الْأَشْيَاء كُلّهَا وَمُصَرِّفهَا عَلَى إِرَادَته , لَا يَمْتَنِع عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْء . وَالْوَجْه الْأَوَّل أَمَسّ بِالْعَرَبِيَّةِ وَأَنْفَذ فِي طَرِيقهَا ; قَالَهُ أَبُو الْقَاسِم الزَّجَّاجِيّ .

وَوَجْه ثَالِث : فَيُقَال لِمَ خَصَّصَ يَوْم الدِّين وَهُوَ مَالِك يَوْم الدِّين وَغَيْره ؟ قِيلَ لَهُ : لِأَنَّ فِي الدُّنْيَا كَانُوا مُنَازِعِينَ فِي الْمُلْك , مِثْل فِرْعَوْن وَنُمْرُوذ وَغَيْرهمَا , وَفِي ذَلِكَ الْيَوْم لَا يُنَازِعهُ أَحَد فِي مُلْكه , وَكُلّهمْ خَضَعُوا لَهُ , كَمَا قَالَ تَعَالَى : " لِمَنْ الْمُلْك الْيَوْم " [ غَافِر : 16 ] فَأَجَابَ جَمِيع الْخَلْق : " لِلَّهِ الْوَاحِد الْقَهَّار " [ غَافِر : 16 ] فَلِذَلِكَ قَالَ : مَالِك يَوْم الدِّين ; أَيْ فِي ذَلِكَ الْيَوْم لَا يَكُون مَالِك وَلَا قَاضٍ وَلَا مُجَازٍ غَيْره ; سُبْحَانه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ. إِنْ وُصِفَ اللَّه سُبْحَانه بِأَنَّهُ مَلِك كَانَ ذَلِكَ مِنْ صِفَات ذَاته وَإِنْ وُصِفَ بِأَنَّهُ مَالِك كَانَ ذَلِكَ مِنْ صِفَات فِعْله .

{4} مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ

عِبَارَة عَنْ وَقْت طُلُوع الْفَجْر إِلَى وَقْت غُرُوب الشَّمْس , فَاسْتُعِيرَ فِيمَا بَيْن مُبْتَدَأ الْقِيَامَة إِلَى وَقْت اِسْتِقْرَار أَهْل الدَّارَيْنِ فِيهِمَا . وَقَدْ يُطْلَق الْيَوْم عَلَى السَّاعَة مِنْهُ ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ " [ الْمَائِدَة : 3 ] وَجَمْع يَوْم أَيَّام ; وَأَصْله أَيْوَام فَأُدْغِمَ ; وَرُبَّمَا عَبَّرُوا عَنْ الشِّدَّة بِالْيَوْمِ , يُقَال : يَوْم أَيْوَم , كَمَا يُقَال : لَيْله لَيْلَاء. قَالَ الرَّاجِز : نِعْمَ أَخُو الْهَيْجَاء فِي الْيَوْم الْيَمِي وَهُوَ مَقْلُوب مِنْهُ , أَخَّرَ الْوَاو وَقَدَّمَ الْمِيم ثُمَّ قُلِبَتْ الْوَاو يَاء حَيْثُ صَارَتْ طَرَفًا ; كَمَا قَالُوا : أَدْلٍ فِي جَمْع دَلْو.

{4} مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ

الْجَزَاء عَلَى الْأَعْمَال وَالْحِسَاب بِهَا ; كَذَلِكَ قَالَ اِبْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود وَابْن جُرَيْج وَقَتَادَة وَغَيْرهمْ , وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; وَيَدُلّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى : " يَوْمئِذٍ يُوفِيهِمْ اللَّه دِينهمْ الْحَقّ " [ النُّور : 25 ] أَيْ حِسَابهمْ. وَقَالَ : " الْيَوْم تُجْزَى كُلّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ " [ غَافِر : 17 ] و" الْيَوْم تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ " [ الْجَاثِيَة : 28 ] وَقَالَ : " أَئِنَّا لَمَدِينُونَ " [ الصَّافَّات : 53 ] أَيْ مَجْزِيُّونَ مُحَاسَبُونَ . وَقَالَ لَبِيد : حَصَادك يَوْمًا مَا زَرَعْت وَإِنَّمَا يُدَان الْفَتَى يَوْمًا كَمَا هُوَ دَائِن وَقَالَ آخَر : إِذَا رَمَوْنَا رَمَيْنَاهُمْ وَدِنَّاهُمْ مِثْل مَا يُقْرِضُونَا وَقَالَ آخَر : وَاعْلَمْ يَقِينًا أَنَّ مُلْكك زَائِل وَاعْلَمْ بِأَنَّ كَمَا تَدِين تُدَان وَحَكَى أَهْل اللُّغَة : دِنْته بِفِعْلِهِ دَيْنًا ( بِفَتْحِ الدَّال ) وَدِينًا ( بِكَسْرِهَا ) جَزَيْته ; وَمِنْهُ الدَّيَّان فِي صِفَة الرَّبّ تَعَالَى أَيْ الْمُجَازِي ; وَفِي الْحَدِيث : ( الْكَيِّس مَنْ دَانَ نَفْسه ) أَيْ حَاسَبَ. وَقِيلَ : الْقَضَاء وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا ; وَمِنْهُ قَوْل طَرَفَة : لَعَمْرك مَا كَانَتْ حَمُولَة مَعْبَد عَلَى جُدّهَا حَرْبًا لِدِينِك مِنْ مُضَر وَمَعَانِي هَذِهِ الثَّلَاثَة مُتَقَارِبَة . وَالدِّين أَيْضًا : الطَّاعَة وَمِنْهُ قَوْل عَمْرو بْن كُلْثُوم : وَأَيَّام لَنَا غُرّ طِوَال عَصَيْنَا الْمَلك فِيهَا أَنْ نَدِينَا فَعَلَى هَذَا هُوَ لَفْظ مُشْتَرَك وَهِيَ : قَالَ ثَعْلَب : دَانَ الرَّجُل إِذَا أَطَاعَ , وَدَانَ إِذَا عَصَى , وَدَانَ إِذَا عَزَّ , وَدَانَ إِذَا ذَلَّ , وَدَانَ إِذَا قَهَرَ ; فَهُوَ مِنْ الْأَضْدَاد. وَيُطْلَق الدِّين عَلَى الْعَادَة وَالشَّأْن , كَمَا قَالَ : كَدِينِك مِنْ أُمّ الْحُوَيْرِثِ قَبْلهَا وَقَالَ الْمُثَقِّب [ يَذْكُر نَاقَتَهُ ] : تَقُول إِذَا دَرَأْتُ لَهَا وَضِينِي أَهَذَا دِينه أَبَدًا وَدِينِي وَالدِّين : سِيرَة الْمَلِك . قَالَ زُهَيْر : لَئِنْ حَلَلْت بِجَوٍّ فِي بَنِي أَسَد فِي دِين عَمْرو وَحَالَتْ بَيْننَا فَدَكُ أَرَادَ فِي مَوْضِع طَاعَة عَمْرو . وَالدِّين : الدَّاء ; عَنْ اللِّحْيَانِيّ . وَأَنْشَدَ : يَا دِين قَلْبك مِنْ سَلْمَى وَقَدْ دِينَا

 

تلاعب السيوطى بقوله تعالى (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ  )   

{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)}
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {إياك نعبد} يعني إياك نوحد ونخاف ونرجو ربنا لا غيرك {وإياك نستعين} على طاعتك وعلى أمورنا كلها.
وأخرج وكيع والفريابي عن أبي رُزين قال: سمعت علياً قرأ هذا الحرف وكان قرشياً فصيحاً {إياك نعبد وإياك نستعين، اهدنا} يرفعهما جميعاً.
وأخرج الخطيب في تاريخه عن أبي رُزين أن علياً قرأ {إياك نعبد وإياك نستعين} فهمز، ومد، وشد.
وأخرج أبو القاسم البغوي والماوردي معاً في معرفة الصحابة والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الدلائل عن أنس بن مالك عن أبي طلحة قال: «كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة، فلقي العدوّ فسمعته يقول: يا {مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين} قال: فلقد رأيت الرجال تصرع، تضربها الملائكة من بين يديها ومن خلفها».

 

تلاعب الشوكانى بقوله تعالى (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ  )

{مالك يَوْمِ الدين} قرئ: {ملِك} و{مالك} و{ملْك} بسكون اللام، و{مَلَكَ} بصيغة الفعل.
وقد اختلف العلماء أيما أبلغ مِلك، أو مالك؟ فقيل إن ملكَ أعمّ، وأبلغ من مالك، إذ كل ملك مالك، وليس كل مالك ملكاً، ولأن أمر الملك نافذ على المالك في ملكه حتى لا يتصرّف إلا عن تدبير الملك، قاله أبو عبيد، والمبرّد، ورجحه الزمحشري.
وقيل مالك أبلغ لأنه يكون مالكاً للناس، وغيرهم، فالمالك أبلغ تصرفاً، وأعظم.
وقال أبو حاتم: إن مالكاً أبلغ في مدح الخالق من ملك، وملك أبلغ في مدح المخلوقين من مالك، لأن المالك من المخلوقين قد يكون غير ملك، وإذا كان الله تعالى مالكاً كان ملكاً. واختار هذا القاضي أبو بكر بن العربي.
والحق أن لكل واحد من الوصفين نوع أخصية لا يوجد في الآخر؛ فالمالك يقدر على ما لا يقدر عليه الملك من التصرفات بما هو مالك له بالبيع، والهبة، والعتق، ونحوها، والملك يقدر على ما لا يقدر عليه المالك من التصرفات العائدة إلى تدبير الملك، وحياطته، ورعاية مصالح الرعية، فالمالك أقوى من الملك في بعض الأمور، والملك أقوى من المالك في بعض الأمور. والفرق بين الوصفين بالنسبة إلى الرب سبحانه، أن الملك صفة لذاته، والمالك صفة لفعله. و{يوم الدين} يوم الجزاء من الرب سبحانه لعباده كما قال: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدين * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدين * يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً والامر يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الإنفطار: 17 19] وهذه الإضافة إلى الظرف على طريق الاتساع كقولهم: يا سارق الليلة أهل الدار، ويوم الدين وإن كان متأخراً فقد يضاف اسم الفاعل وما في معناه إلى المستقبل كقولك: هذا ضارب زيداً غداً.
وقد أخرج الترمذي عن أمّ سلمة؛ «أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يقرأ ملك بغير ألف».
وأخرج نحوه ابن الأنباري عن أنس.
وأخرج أحمد والترمذي عن أنس أيضاً: «أن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر، وعمر، وعثمان كانوا يقرءون مالك بالألف».
وأخرج نحوه سعيد بن منصور، عن ابن عمر مرفوعاً، وأخرج نحوه أيضاً وكيع في تفسيره وعبد بن حميد، وأبو داود وعن الزهري يرفعه مرسلاً.
وأخرجه أيضاً عبد الرزاق في تفسيره وعبد بن حميد، وأبو داود عن ابن المسيب مرفوعاً مرسلاً.
وقد روي هذا من طرق كثيرة، فهو أرجح من الأوّل.
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة. «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ مالك يوم الدين» وكذا رواه الطبراني في الكبير عن ابن مسعود مرفوعاً.
وأخرج ابن جرير، والحاكم وصححه عن ابن مسعود، وناس من الصحابة أنهم فسروا يوم الدين بيوم الحساب. وكذا رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة قال: {يوم الدين} يوم يدين الله العباد بأعمالهم.

 

تلاعب الشعراوى   بقوله تعالى (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ  )  

مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)}
اذا كانت كل نعم الله تستحق الحمد.. فإن {مالك يَوْمِ الدين} تستحق الحمد الكبير.. لأنه لو لم يوجد يوم للحساب، لنجا الذي ملأ الدنيا شروراً. دون أن يجازى على ما فعل.. ولكان الذي التزم بالتكليف والعبادة وحرم نفسه من متع دنيوية كثيرة إرضاء لله قد شقي في الحياة الدنيا.. ولكن لأن الله تبارك وتعالى هو {مالك يَوْمِ الدين}.. أعطى الاتزان للوجود كله.. هذه الملكية ليوم الدين هي التي حمت الضعيف والمظلوم وأبقت الحق في كون الله.. إن الذي منع الدنيا أن تتحول إلي غابة يفتك فيها القوي بالضعيف والظالم بالمظلوم هو أن هناك آخرة وحسابا، وأن الله سبحانه وتعالى هو الذي سيحاسب خلقه.
والإِنسان المستقيم استقامته تنفع غيره؛ لأنه يخشى الله ويعطي كل ذي حق حقه ويعفو ويسامح.. إذن كل من حوله قد استفاد من خلقه الكريم ومن وقوفه مع الحق والعدل.
أما الأنسان العاصي فيشقى به المجتمع لأنه لا احد يسلم من شره ولا احد الا يصيبه ظلمه.. ولذلك فإن {مالك يَوْمِ الدين} هي الميزان.. تعرف أنت ان الذي يفسد في الأرض تنتظره الآخره.. لن يفلت مهما كانت قوته ونفوذه، فتطمئن اطمئنانا كاملاً إلي أن عدل الله سينال كل ظالم.
على أن {مالك يَوْمِ الدين} لها قراءتان.. {مالك يَوْمِ الدين}.. وملك يوم الدين. والقراءتان صحيحتان.. والله تبارك وتعالى وصف نفسه في القرآن الكريم بأنه: {مالك يَوْمِ الدين}.. ومالك الشيء هو المتصرف فيه وحده.. ليس هناك دخل لأي فرد آخر.. أنا أملك عباءتي.. وأملك متاعي، وأملك منزلي، وانا المتصرف في هذا كله أحكم فيه بما أراه.
فمالك يوم الدين.. معناها أن الله سبحانه وتعالى سيصرف أمور العباد في ذلك اليوم بدون أسباب.. وأن كل شيء سيأتي من الله مباشرة.. دون ان يستطيع أحد أن يتدخل ولو ظاهراً.
ففي الدنيا يعطى الله الملك ظاهرا لبعض الناس.. ولكن في يوم القيامة ليس هناك ظاهر.. فالامر مباشر من الله سبحانه وتعالى.. ولذلك يقول الله في وصف يوم الدين: {كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بالدين} [الانفطار: 9] فكأن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان في الدنيا لتمضي بها الحياة.. ولكن في الآخرة لا توجد أسباب. الملك في ظاهر الدنيا من الله يهبه لمن يشاء.. واقرأ قوله تعالى: {قُلِ اللهم مَالِكَ الملك تُؤْتِي الملك مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ الملك مِمَّنْ تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ الخير إِنَّكَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 26] ولعل قوله تعالى: (تنزع) تلفتنا إلى أن أحدا في الدنيا لا يريد ان يترك الملك.
ولكن الملك يجب ان ينتزع منه انتزاعا بالرغم عن ارادته.. والله هو الذي ينزع الملك ممن يشاء.
وهنا نتساءل هل الملك في الدنيا والآخرة ليس لله؟.. نقول الأمر في كل وقت لله.. ولكن الله تبارك وتعالى استخلف بعض خلقه أو مكنهم من الملك في الأرض.. ولذلك نجد في القرآن الكريم قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الذي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ الله الملك إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الذي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ الله يَأْتِي بالشمس مِنَ المشرق فَأْتِ بِهَا مِنَ المغرب فَبُهِتَ الذي كَفَرَ والله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين} [البقرة: 258] والذي حاج ابراهيم في ربه كافر منكر للألوهية.. ومع ذلك فإنه لم يأخذ الملك بذاته.. بل الله جل جلاله هو الذي اتاه الملك.. اذن الله تبارك وتعالى هو الذي استخلف بعض خلقه ومكنهم من ملك الارض ظاهريا.. ومعنى ذلك انه ملك ظاهر للناس فقط.. أن بشرا أصبح ملكا.. ولكن الملك ليس نابعا من ذات من يملك.. ولكنه نابع من أمر الله.. ولو كان نابعا من ذاتية من يملك لبقى له ولم ينزع منه.. والملك الظاهر يمتحن فيه العباد، فيحاسبهم الله يوم القيامة.. كيف تصرفوا؟ وماذا فعلوا؟.. ويمتحن فيه الناس هل سكتوا على الحاكم الظالم؟.. وهل استحبوا المعصية؟ أم أنهم وقفوا مع الحق ضد الظلم؟.. والله سبحانه وتعالى لا يمتحن الناس ليعلم المصلح من المفسد.. ولكنه يمتحنهم ليكونوا شهداء على أنفسهم.. حتى لا يأتي واحد منهم يوم القيامة ويقول: يا رب لو أنك أعطيتني الملك لا تبعت طريق الحق وطبقت منهجك.
وهنا يأتي سؤال.. اذا كان الله سبحانه وتعالى يعلم كل شيء فلماذا الامتحان؟.. نقول اننا اذا أردنا ان نضرب مثلا يقرب ذلك الي الأذهان.. ولله المثل الاعلى.. نجد ان الجامعات في كل انحاء الدنيا تقيم الامتحانات لطلابها.. فهل اساتذة الجامعة الذي علموا هؤلاء الطلاب يجهلون ما يعرفه الطالب ويريدون ان يحصلوا منه على العلم؟.. طبعا لا.. ولكن ذلك يحدث حتى اذا رسب الطالب في الامتحان.. وجاء يجادل واجهوه بإجابته فيسكت.. ولو لم يعقد الامتحان لادعي كل طالب انه يستحق مرتبة الشرف.
اذا قال الحق تبارك وتعالى: {مالك يَوْمِ الدين}.. أي الذي يملك هذا اليوم وحده يتصرف فيه كما يشاء.. واذا قيل: {مالك يَوْمِ الدين}.. فتصرفه أعلى على المالك لأن المالك لا يتصرف إلاّ في ملكه.. ولكن الملك يتصرف في ملكه وملك غيره.
فيستطيع أن يصدر قوانين بمصادرة أو تأميم ما يملكه غيره.
الذين قالوا: {مالك يَوْمِ الدين} اثبتوا لله سبحانه وتعالى انه مالك هذا اليوم يتصرف فيه كما يشاء دون تدخل من احد ولو ظاهرا: والذين يقرأون ملك.. يقولون ان الله سبحانه وتعالى في ذلك اليوم يقضي في امر خلقه حتى الذين مَلَّكَهُم في الدنيا ظاهرا.. ونحن نقول عندما يأتي يوم القيامة لا مالك ولا ملك الا الله.
الله تبارك وتعالى يريد ان يطمئن عباده.. انهم اذا كانوا قد ابتلوا بمالك او ملك يطغى عليهم فيوم القيامة لا مالك ولا ملك الا الله جل جلاله.. عندما تقول مالك او ملك يوم الدين.. هناك يوم وهناك الدين.. اليوم عندنا من شروق الشمس الي شروق الشمس.. هذا ما نسيمه فكليا يوما.. واليوم في معناه ظرف زمان تقع فيه الاحداث.. والمفسرون يقولون: {مالك يَوْمِ الدين} اي مالك أمور الدين لأن ظرف الزمان لا يملك.. نقول ان هذا بمقاييس ملكية البشر، فنحن لا نملك الزمن.. الماضي لا نستطيع ان نعيده، والمستقبل لا نستطيع ان نأتي به.. ولكن الله تبارك وتعالى هو خالق الزمان.. والله جل جلاله لا يحده زمان ولا مكان.. كذلك قوله تعالى: (مالك يوم الدين) لا يحده زمان ولا مكان.. واقرأ قوله سبحانه: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب وَلَن يُخْلِفَ الله وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} [الحج: 47] وقوله تعالى: {تَعْرُجُ الملائكة والروح إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج: 4] واذا تأملنا هاتين الايتين نعرف معنى اليوم عند الله تبارك وتعالى.. ذلك ان الله جل جلاله هو خالق الزمن.. ولذلك فانه يستطيع ان يخلق يوما مقداره ساعة.. ويوما كأيام الدنيا مقداره أربع وعشرون ساعة.. ويوما مقداره ألف سنة.. ويوما مقداره خمسون الف سنة ويوما مقداره مليون سنة.. فذلك خاضع لمشيئة الله.
ويوم الدين موجود في علم الله سبحانه وتعالى. بأحداثه كلها بجنته وناره.. وكل الخلق الذين سيحاسبون فيه.. وعندما يريد ان يكون ذلك اليوم ويخرج من علمه جل جلاله الي علم خلقه.. سواء كانوا من الملائكة او من البشر أو الجان يقول: كن.. فالله وحده هو خالق هذا اليوم.. وهو وحده الذي يحدد كل أبعاده.. واليوم نحن نحدده ظاهرا بانه اربع وعشرون ساعة.. ونحدده بأنه الليل والنهار.. ولكن الحقيقة أن الليل والنهار موجودان دائما على الارض.. فعندما تتحرك الارض، كل حركة هي نهاية نهار في منطقة وبداية نهار في منطقة اخرى.. وبداية ليل في منطقة ونهاية ليل في منطقة اخرى.
ولذلك في كل لحظة ينتهي يوم ويبدأ يوم.. وهكذا فإن الكرة الارضية لو أخذتها بنظرة شاملة لا ينتهي عليها نهار أبدا.. ولا ينتهي عنها ليل أبدا.. إذن فاليوم نسبي بالنسبة لكل بقعة في الارض.. ولكنه في الحقيقة دائم الوجود على كل الكرة الارضية.
والله سبحانه وتعالى يريد أن يطمئن عباده.. أنهم إذا أصابهم ظلم في الدنيا.. فإن هناك يوم لا ظلم فيه.. وهذا اليوم الامر فيه لله وحده بدون أسباب.. فكل انسان لو لم يدركه العدل والقصاص في الدنيا فإن الآخرة تنتظره.. والذي أتبع منهج الله وقيد حركته في الحياة يخبره الله سبحانه وتعالى ان هناك يوم سيأخذ فيه أجره.. وعظمة الآخرة أنها تعطيك الجنة.. نعيم لا يفوتك ولا تفوته.
ولقد دخل أحد الأشخاص على رجل من الصالحين.. وقال له: أريد أن أعرف.. أأنا من أهل الدنيا أم من أهل الآخرة؟.. فقال له الرجل الصالح.. ان الله أرحم بعباده، فلم يجعل موازينهم في أيدي أمثالهم.. فميزان كل انسان في يد نفسه.. لماذا؟.. لأنك تستطيع أن تغش الناس ولكنك لا تغش نفسك.. ميزانك في يديك.. تستطيع أن تعرف أأنت من أهل الدنيا أم من أهل الآخرة.
قال الرجل كيف ذلك؟ فرد العبد الصالح: اذا دخل عليك من يعطيك مالا.. ودخل عليك من يأخذ منك صدقة.. فبأيهما تفرح؟.. فسكت الرجل.. فقال العبد الصالح: اذا كنت تفرح بمن يعطيك مالا فأنت من اهل الدنيا.. واذا كنت تفرح بمن يأخذ منك صدقة فأنت من أهل الآخرة.. فإن الانسان يفرح بمن يقدم له ما يحبه.. فالذي يعطيني مالا يعطيني الدنيا.. والذي يأخذ مني صدقة يعطيني الآخرة.. فإن كنت من أهل الآخرة.. فافرح بمن يأخذ منك صدقة.. أكثر من فرحك بمن يعطيك مالا.
ولذلك كان بعض الصالحين اذا دخل عليه من يريد صدقة يقول مرحبا بمن جاء يحمل حسناتي الي الآخرة بغير أجر.. ويستقبله بالفرحة والترحاب.
قول الحق سبحانه وتعالى: {مالك يَوْمِ الدين}.. هي قضية ضخمة من قضايا العقائد.. لأنها تعطينا أن البداية من الله، والنهاية الي الله جل جلاله.. وبما أننا جميعا سنلقى الله، فلابد أن نعمل لهذا اليوم.. ولذلك فإن المؤمن لا يفعل شيئا في حياته إلا وفي باله الله.. وأنه سيحاسبه يوم القيامة.. ولكن غير المؤمن يفعل ما يفعل وليس في باله الله.. وعن هؤلاء يقول الحق سبحانه: {والذين كفروا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظمآن مَآءً حتى إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ الله عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ والله سَرِيعُ الحساب} [النور: 39] وهكذا من يفعل شيئا وليس في باله الله.. فسيفاجأ يوم القيامة بأن الله تبارك وتعالى الذي لم يكن في باله موجود وانه جل جلاله هو الذي سيحاسبه.
وقوله تعالى: {مالك يَوْمِ الدين} هي أساس الدين.. لأن الذي لا يؤمن بالآخرة يفعل ما يشاء.. فمادام يعتقد انه ليس هناك آخره وليس هناك حساب.. فمم يخاف؟.. ومن أجل مَنْ يقيد حركته في الحياة.
ان الدين كله بكل طاعاته وكل منهجه قائم على أن هناك حسابا في الآخرة.. وأن هناك يوما نقف فيه جميعا أمام الله سبحانه وتعالى.. ليحاسب المخطئ ويثيب الطائع.. هذا هو الحكم في كل تصرفاتنا الايمانية.. فلو لم يكن هناك يوم نحاسب فيه.. فلماذا نصلي؟.. ولماذا نصوم؟.. ولماذا نتصدق؟.
ان كل حركة من حركات منهج السماء قائمة على اساس ذلك اليوم الذي لن يفلت منه أحد.. والذي يجب علينا جميعا أن نستعد له.. ان الله سبحانه وتعالى سمى هذا اليوم بالنسبة للمؤمنين يوم الفوز العظيم.. والذي يجعلنا نتحمل كل ما نكره ونجاهد في سبيل الله لنستشهد.. وننفق اموالنا لنعين الفقراء والمساكين.. كل هذا أساسه أن هناك يوما سنقف فيه بين يدي الله.. والله تبارك وتعالى سماه يوم الدين.. لأنه اليوم الذي سيحاسب فيه كل انسان على دينه عمل به أم ضيعه.. فمن آمن واتبع الدين سيكافأ بالخلود في الجنة.. ومن أنكر الدين وأنكر منهج الله سيجازى بالخلود في النار.
ومن عدل الله سبحانه وتعالى ان هناك يوما للحساب.. لأن بعض الناس الذين ظلموا وبغوا في الأرض ربما يفلتون من عقاب الدنيا.. هل هؤلاء الذين أفلتوا في الدنيا من العقاب هل يفلتون من عدل الله؟.. أبدا لم يفلتوا.. بل إنهم انتقلوا من عقاب محدود الي عقاب خالد.. وافلتوا من العقاب بقدرة البشر في الدنيا.. الى عقاب بقدرة الله تبارك وتعالى في الآخرة.. ولذلك لابد من وجود يوم يعيد الميزان.. فيعاقب فيه كل من أفسد في الارض وأفلت من العقاب.. بل إن الله سبحانه وتعالى يجعل انسانا يفلت من عقاب الدنيا.. فلا تعتقد أن هذا خير له بل انه شر له.. لانه أفلت من عقاب محدود إلى عقاب أبدي.
والحمد الكبير لله بأنه {مالك يَوْمِ الدين}.. وهو وحده الذي سيقضي بين خلقه. فالله سبحانه وتعالى يعامل خلقه جميعا معاملة متساوية.. وأساس التقوى هو يوم الدين.

 

تلاعبهم بآيتى (  يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19) الانفطار  )

 القرطبى

{يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ} قرأ ابن كثير وأبو عمرو {يَوْمُ} بالرفع على البدل من يَوْمُ الدِّينِ أو ردا على اليوم الأول، فيكون صفة ونعتا ل- يَوْمُ الدِّينِ. ويجوز أن يرفع بإضمار هو. الباقون بالنصب على أنه في موضع رفع إلا أنه، نصب، لأنه مضاف غير متمكن، كما تقول: أعجبني يوم يقوم زيد. وأنشد المبرد:
من أي يومي من الموت أفر *** أيوم لم يقدر أم يوم قدر
فاليومان الثانيان مخفوضان بالإضافة، عن الترجمة عن اليومين الأولين، إلا أنهما نصبا في اللفظ، لأنهما أضيفا إلى غير محض. وهذا اختيار الفراء والزجاج.
وقال قوم: اليوم الثاني منصوب على المحل، كأنه قال في يوم لا تملك نفس لنفس شيئا.
وقيل: بمعنى: إن هذه الأشياء تكون يوم، أو على معنى يدانون يوم، لان الدين يدل عليه، أو بإضمار اذكر. {وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} لا ينازعه فيه أحد، كما قال: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ} [غافر: 17- 16]. تمت السورة والحمد لله.

 

الرازى

وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (17) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (18) يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19)}
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: اختلفوا في الخطاب في قوله: {وَمَا أَدْرَاكَ} فقال بعضهم: هو خطاب للكافر على وجه الزجر له، وقال الأكثرون: إنه خطاب للرسول، وإنما خاطبه بذلك لأنه ما كان عالماً بذلك قبل الوحي.
المسألة الثانية: الجمهور على أن التكرير في قوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدين * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدين} لتعظيم ذلك اليوم، وقال الجبائي: بل هو لفائدة مجددة، إذ المراد بالأول أهل النار، والمراد بالثاني أهل الجنة، كأنه قال: وما أدراك ما يعامل به الفجار في يوم الدين؟ ثم ما أدراك ما يعامل به الأبرار في يوم الدين؟ وكرر يوم الدين تعظيماً لما يفعله تعالى من الأمرين بهذين الفريقين.
المسألة الثالثة: في: {يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ} قراءتان الرفع والنصب، أما الرفع ففيه وجهان:
أحدهما: على البدل من يوم الدين والثاني: أن يكون بإضمار هو فيكون المعنى هو يوم لا تملك، وأما النصب ففيه وجوه:
أحدها: بإضمار يدانون لأن الدين يدل عليه.
وثانيها: بإضمار اذكروا.
وثالثها: ما ذكره الزجاج يجوز أن يكون في موضع رفع إلا أنه يبنى على الفتح لإضافته إلى قوله: {لاَ تَمْلِكُ} وما أضيف إلى غير المتمكن قد يبنى على الفتح، وإن كان في موضع رفع أو جر كما قال:
لم يمنع الشرب منهم غير أن نطقت *** حمامة في غصون ذات أو قال
فبنى غير على الفتح لما أضيف إلى قوله إن نطقت، قال الواحدي: والذي ذكره الزجاج من البناء على الفتح إنما يجوز عند الخليل وسيبويه، إذا كانت الإضافة إلى الفعل الماضي، نحو قولك على حين عاتبت، أما مع الفعل المستقبل، فلا يجوز البناء عندهم، ويجوز ذلك في قول الكوفيين، وقد ذكرنا هذه المسألة عند قوله: {هذا يَوْمُ يَنفَعُ الصادقين صِدْقُهُمْ} [المائدة: 119].
ورابعها: ما ذكره أبو علي وهو أن اليوم لما جرا في أكثر الأمر ظرفاً ترك على حالة الأكثرية، والدليل عليه إجماع القراء والعرب في قوله: {مّنْهُمُ الصالحون وَمِنْهُمْ دُونَ ذلك} [الأعراف: 168] ولا يرفع ذلك أحد. ومما يقوي النصب قوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا القارعة * يَوْمَ يَكُونُ الناس} [القارعة: 4 3] وقوله: {يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدين * يَوْمَ هُمْ عَلَى النار يُفْتَنُونَ} [الذاريات: 13 12] فالنصب في {يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ} مثل هذا.
المسألة الرابعة: تمسكوا في نفي الشفاعة للعصاة بقوله: {يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً} وهو كقوله تعالى: {واتقوا يَوْمًا لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا} [البقرة: 48] والجواب: عنه قد تقدم في سورة البقرة.
المسألة الخامسة: أن أهل الدنيا كانوا يتغلبون على الملك ويعين بعضهم بعضاً في أمور، ويحمي بعضهم بعضاً، فإذا كان يوم القيامة بطل ملك بنى الدنيا وزالت رياستهم، فلا يحمي أحد أحداً، ولا يغني أحد عن أحد، ولا يتغلب أحد على ملك، ونظيره قوله: {والأمر يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} وقوله: {مالك يَوْمِ الدين} [الفاتحة: 4] وهو وعيد عظيم من حيث إنه عرفهم أنه لا يغني عنهم إلا البر والطاعة يومئذ دون سائر ما كان قد يغني عنهم في الدنيا من مال وولد وأعوان وشفعاء.
قال الواحدي: والمعنى أن الله تعالى لم يملك في ذلك اليوم أحداً شيئاً من الأمور، كما ملكهم في دار الدنيا.
قال الواسطي: في قوله: {يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً} إشارة إلى فناء غير الله تعالى، وهناك تذهب الرسالات والكلمات والغايات، فمن كانت صفته في الدنيا كذلك كانت دنياه أخراه.
وأما قوله: {والأمر يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} فهو إشارة إلى أن البقاء والوجود لله، والأمر كذلك في الأزل وفي اليوم وفي الآخرة، ولم يتغير من حال إلى حال، فالتفاوت عائد إلى أحوال الناظر، لا إلى أحوال المنظور إليه، فالكاملون لا تتفاوت أحوالهم بحسب تفاوت الأوقات، كما قال: لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً، وكحارثة لما أخبر بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم يقول: كأني أنظر وكأني وكأني والله سبحانه وتعالى أعلم.
والحمد لله رب العالمين.

السيوطى

 أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله: {وما أدراك ما يوم الدين} قال: تعظيم يوم القيامة يوم يدان الناس فيه بأعمالهم وفي قوله: {والأمر يومئذ لله} قال: ليس ثم أحد يقضي شيئاً ولا يصنع شيئاً غير رب العالمين.

الشوكانى

ثم عظم سبحانه ذلك اليوم فقال: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدين * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدين} أي: يوم الجزاء، والحساب، وكرّره تعظيماً لقدره، وتفخيماً لشأنه، وتهويلاً لأمره، كما في قوله: {القارعة * مَا القارعة * وَمَا أَدْرَاكَ مَا القارعة} [القارعة: 1 3] و{الحاقة * مَا الحاقة * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الحاقة} [الحاقة: 1- 3] والمعنى: أيّ شيء جعلك دارياً ما يوم الدين. قال الكلبي: الخطاب للإنسان الكافر.
ثم أخبر سبحانه عن اليوم فقال: {يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً والأمر يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو برفع: {يوم} على أنه بدل من {يوم الدين}، أو خبر مبتدأ محذوف. وقرأ أبو عمرو في رواية: {يوم} بالتنوين، والقطع عن الإضافة. وقرأ الباقون بفتحه على أنها فتحة إعراب بتقدير: أعني أو اذكر، فيكون مفعولاً به، أو على أنها فتحة بناء لإضافته إلى الجملة على رأي الكوفيين، وهو في محل رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أو على أنه بدل من يوم الدين. قال الزجاج: يجوز أن يكون في موضع رفع إلا أنه مبنيّ على الفتح لإضافته إلى قوله: {لاَ تَمْلِكُ} وما أضيف إلى غير المتمكن، فقد يبنى على الفتح، وإن كان في موضع رفع، وهذا الذي ذكره إنما يجوز عند الخليل، وسيبويه إذا كانت الإضافة إلى الفعل الماضي، وأما إلى الفعل المستقبل، فلا يجوز عندهما، وقد وافق الزجاج على ذلك أبو علي الفارسي، والفرّاء، وغيرهما، والمعنى: أنها لا تملك نفس من النفوس لنفس أخرى شيئًا من النفع أو الضرّ {والأمر يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} وحده لا يملك شيئًا من الأمر غيره كائناً ما كان. قال مقاتل: يعني لنفس كافرة شيئًا من المنفعة. قال قتادة: ليس ثم أحد يقضي شيئًا، أو يصنع شيئًا إلا الله ربّ العالمين، والمعنى: أن الله لا يملك أحداً في ذلك اليوم شيئًا من الأمور، كما ملكهم في الدنيا، ومثل هذا قوله: {لّمَنِ الملك اليوم لِلَّهِ الواحد القهار} [غافر: 16].

  ابن كثير

وقوله( وما أدراك ما يوم الدين ) تعظيم لشأن يوم القيامة ثم أكده بقوله( ثم ما أدراك ما يوم الدين ) ثم فسره بقوله( يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله ) أي : لا يقدر واحد على نفع أحد ولا خلاصه مما هو فيه إلا أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى
ونذكر هاهنا حديث يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار لا أملك لكم من الله شيئا وقد تقدم في آخر تفسير سورة الشعراء ولهذا قال( والأمر يومئذ لله ) كقوله( لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ) غافر 16 وكقوله( الملك يومئذ الحق للرحمن ) الفرقان : 26 وكقوله( مالك يوم الدين ) الفاتحة : 4 ) قال قتادة : ( يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله والأمر والله اليوم لله ولكنه يومئذ لا ينازعه أحد . آخر تفسير سورة الانفطار ولله الحمد

الطبرى

وقوله: ( ثم ما أدراك ما يوم الدين ) يقول : ثم أي شيء أشعرك يوم المجازاة والحساب يا محمد ، تعظيما لأمره ، ثم فسر جل ثناؤه بعض شأنه فقال: ( يوم لا تملك نفس لنفس شيئا ) يقول : ذلك اليوم ، ( يوم لا تملك نفس ) يقول : يوم لا تغني نفس عن نفس شيئا ، فتدفع عنها بلية نزلت بها ، ولا تنفعها بنافعة ، وقد كانت في الدنيا تحميها ، وتدفع عنها من بغاها سوءا ، فبطل ذلك يومئذ ، لأن الأمر صار لله الذي لا يغلبه غالب ، ولا يقهره قاهر ، واضمحلت هنالك الممالك ، وذهبت الرياسات ، وحصل الملك للملك الجبار ، وذلك قوله: ( والأمر يومئذ لله ) يقول : والأمر كله [ ص: 273 ] يومئذ ، يعني : الدين لله دون سائر خلقه ، ليس لأحد من خلقه معه يومئذ أمر ولا نهي. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( والأمر يومئذ لله ) قال : ليس ثم أحد يومئذ يقضي شيئا ، ولا يصنع شيئا إلا رب العالمين. حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله: ( يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله ) والأمر والله اليوم لله ، ولكنه يومئذ لا ينازعه أحد.
واختلفت القراء في قراءة قوله: ( يوم لا تملك نفس ) فقرأته عامة قراء الحجاز والكوفة بنصب ( يوم ) إذ كانت إضافته غير محضة . وقرأه بعض قراء البصرة بضم ( يوم ) ورفعه ردا على اليوم الأول ، والرفع فيه أفصح في كلام العرب ، وذلك أن اليوم مضاف إلى يفعل ، والعرب إذا أضافت اليوم إلى تفعل أو يفعل أو أفعل ، رفعوه فقالوا : هذا يوم أفعل كذا ، وإذا أضافته إلى فعل ماض نصبوه; ومنه قول الشاعر :
على حين عاتبت المشيب على الصبا وقلت ألما تصح والشيب وازع )

كتاب الشفاعة : ( النبى لا يشفع يوم الدين )
يتناول هذا الكتاب الشفاعة بين الاسلام وبين المسلمين ، موضحا وقوع ( المحمديين ) فى الاشراك بالله جل وعلا حين جعلوا محمدا مالكا ليوم الدين . وويوضح أصوليا وتاريخيا نشأة وانتشار أساطير الشفاعة عند المسلمين المحمديين ، واثرها فى نشر الانحلال الخلقى بينهم . مع التركيز على دور البخارى.
more