رقم ( 5 )
خاتمة كتاب الشورى : كيف يمكن إقامة الشورى الآن ؟

 

الشورى الاسلامية وتحت مسمى الديمقراطية المباشرة يتم تطبيقها الان فى بعض مناطق فى اوربا وأمريكا وكندا . أى ليست الشورى الاسلامية يوتوبيا خيالية بل ممكن تطبيقها الآن كما أمكن تطبيقها فى عصر الرسول فى المدينة و اليونان القديمة . أى إن المشكلة ليست فى الشورى ولكن فى الانسان إذا لم يقم بتغيير ما فى نفسه من ثقافة الخنوع والخضوع والسلبية الى ثقافة الحرية والعدل والايجابية فى السلوك وشجاعة المبادرة .


وفى مصر توارثنا ثقافة العبيد التى تجذّرت عبر عشرات القرون، وفيها تكلمت ثقافة العبيد هذه بكل اللغات التى تكلم بها المصريون من الهيروغلوفية والديموطيقية والقبطية واليونانية ، ثم العربية . وتحكم بها فى المصريين فراعنة مصريون وهكسوس وفرس ويونانيون ورومان وعرب ومماليك واتراك واخيرا مصريون بعد يولية 1952 ، وقد أرتكبوا فى حق المصريين ما يتفوق أحيانا على الفراعنة الأجانب والمتمصرين . ثقافة العبيد هذه هى العائق الأكبر الذى يحول دون تطبيق الشورى أو حتى الديمقراطية الناقصة (النيابية التمثيلية ) .
فى ثقافة العبيد هذه تسود عبادة الأبطال وتقديس الفرعون مهما بلغت وضاعته ، كما يُعتبر الأحرار والمصلحون المُسالمون خونة وأعداء للشعب ، ولكى يظل الفرعون مستبدا لا بد أن يخلق عدوا فى الداخل يشغل به الناس ، ويجعله فزّاعة لهم حتى يكون الخوف وإنعدام ( الأمن ) مبررا للتنازل عن الحرية . كما يخلق المستبد عدوا خارجيا يسهل إتهامه بتدبير المؤامرات ، لتكون (عُقدة المؤامرة ) شمّاعة يعلق عليها الفرعون كل أخطائه وفشله ، فكل ما يحدث من نكبات ليس سببها إستبداده وفساده وأعوانه الفسدة والفشلة من أهل الثقة ، ولكن السبب هى تآمر الأعداء فى الخارج وتعاون الخونة معهم فى الداخل .
وبهذه المنظومة الشريرة تسير مصر وغيرها من بلاد العرب والمسلمين ، حيث يصطحب الاستبداد الفساد والفشل وقهر المواطنين الذين تتعاقب فيهم الأيام والسنوات بلا أمل فى التغيير ، بل يكون البديل المنتظر فى التغيير أفظع وأبشع ، حيت يتمترس الاستبداد بالدين ، فى دولة دينية تنشر الخراب وتتحكم فى الناس فى الدنيا وتزعم تحكمها بهم فى الاخرة أيضا . وتستعمل إسم الله فى ظلم عباد الله ، والله تعالى لا يريد ظلما للعالمين .!
المعضلة الكبرى فى تطبيق الشورى الاسلامية هى تدمير هذه الثقافة البغيضة الراسخة فى المجتمع . وتدميرها لا يكون إلّا بإرادة شعبية حديدية . وهذه الارادة تحتاج الى وعى شعبى وجمعى وفردى . وهذا الوعى يخلقه إصلاح تشريعى يؤسس حرية الفكر ويمنع تجريم الفكر ، ويؤكد حرية الدين لكل فرد ، ويغلّ يد السلطة التنفيذية عن التحكم فى الاعلام وحق المعرفة ، بجانب إصلاح تعليمى حقيقى يتم به صياغة العقل على أسس معرفية تعترف بحق الاختلاف فى الرأى وتراه دليل ثراء معرفى وعقلى ، وتجعل له أخلافياته وآدابه ، ومعه إصلاح دينى يمنع أن تكون المساجد أداة للصراع السياسى وخلط الدين بالسياسة كما نشهد الان فى مصر . وهذا الاصلاح التشريعى التعليمى الدينى يحتاج هو الآخر الى إرادة شعبية حديدية . بمعنى أن البداية والنهاية هى الارادة الشعبية فى التغيير الى الأصلح أخذا من قوله تعالى ( إنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم ) .
هذا الاستعداد للتغيير وممارسته يستلزم نضالا ويحتاج تضحية ووقتا ، لأنه تغيير لثقافة متجذرة يبلغ عمرها عشرات القرون . وكما يقال ( ما لا يُدرك كله ..لا يُترك كله ) ، فلا بأس من التدرج على مراحل يتم بها تقليص معالم الاستبداد شيئا فشيئا وتمكين الشعب من قوته شيئا فشيئا ، الى أن يتم تأسيس ديمقراطية نيابية تكون مقدمة للديمقراطية المياشرة ، أو الشورى الاسلامية .
هو حُلم قابل للتحقيق .. فهل نحاول ؟
أحمد صبحى منصور
المطرية ـ القاهرة ـــ مارس 1990
 

الشورى الاسلامية ( اصولها – تطبيقاتها فى دراسة قرآنية )
الشورى الاسلامية ( اصولها – تطبيقاتها فى دراسة قرآنية )
د. احمد صبحي منصور . القاهرة مارس 1990
يتناول هذا البحث الذى سبق كتابته عام 1990 موضوع الشورى الاسلامية فى رؤية قرآنية من حيث الماهية ، وأثرها في تربية المسلم وسلوكياته وموقع الشورى في عقيدة الاسلام ورسوم العبادة و تطبيق فريضة الشورى في عهد النبى فى المسجد ومتاعبها ومعارضة المنافقين وفى المعارك الحربية وآلية الشورى :و أثر نظام الشورى في تمكين المسلمين ، و إمكانية تطبيق الشورى في عصرنا الراهن .وبعد الخاتمة تأتى ملاحق عن علمانية الاسلام ونظامه الديمقراطى و صناعة الفرعون .
more