رقم ( 9 ) : الفصل التاسع
دستور مرسى وسلب ثروات المصريين بالأوقاف - 9

 

 

مقالات متعلقة :

دستور مرسى وسلب ثروات المصريين بالأوقاف:(9 / 1) الاوقاف بين الاسلام والأديان الأرضية

مقدمة

1 ـ قلنا إنّ عقيدة الاخوان هى فى الاستحلال ، وانّ المعبود الأكبر للإخوان ( المستحلّين ) هو المال ، وأنه بالتمكين وأخونة الدولة تشريعيا وقضائيا سيكون بإمكانهم تطبيق الاستحلال بالقتل السلب والنهب والسبى والاغتصاب ( بالقانون ) عبر شهودهم وقضاة شرعهم السلفى الوهابى وبالتلاعب بالألفاظ والتعبيرات ليصبح شرع الظلم والسلب والنهب والسبى تشريعا إسلاميا ، وليصبح كلام الفقهاء فى عصور الظلام شرعا الاهيا أو شريعة الله .

2 ـ ولكن ممّا يلفت النظر فى دستور مرسى هو المادة 22 الخاصة بالوقف : ( تلتزم الدولة باحياء نظام الوقف الخيري وتشجيعه. وينظم القانون الاوقاف ويحدد طريقة انشاء الوقف وادارة الموجودات الموقوفة واستثمارها وتوزيع عوائدها على مستحقيها وفقا لشروط الواقفين.) هى مادة برّاقة شأن كل الشعارات الاخوانية ، ولكنه بريق لفظى ظاهره الرحمة وباطنه العذاب. والتطبيق الاخوانى كفيل بهذا إذا إنصاع الشعب المصرى ورضى بتمكين الاخوان والسلفيين من ركوب ظهره.

 

3 ـ و المادة (51) ضرورية فى ( تمكين ) جمعيات الاخوان والسلفيين من الاستيلاء على الأوقاف المصرية ، فهى تقول بكل نعومة :( للمواطنين حق تكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية، والأحزاب بمجرد الإخطار، وتمارس نشاطها بحرية، وتكون لها الشخصية الاعتبارية. ولا يجوز للسلطات حلها أو حل هيئاتها الإدارية إلا بحكم قضائى؛ وذلك على النحو المبين بالقانون.). التطبيق العملى أن تنتشر الجمعيات الوهابية فى مصر وتحصل على ريع الأوقاف التى سيتحكّم فيها الاخوان والسلفيين .

4 ـ وقد كانت الأوقاف من قبل فى حوزة السلاطين وفقهاء الشرع السّنى ، وجاء دستور مرسى ليعيدها الى ما كان عليه السّلف (الصالح )  فى عصور تطبيق الشريعة السنية السلفية . لا بأس بأن نذكّر هنا بسلسلة مقالاتنا عن المجتمع المصرى فى عصر السلطان قايتباى فى ظل تطبيق الشريعة السنية ، لنرى وطأة الظلم والقهر. وفى هذا العصر كانت الأوقاف تسيطر على معظم الثروة المصرية من أراض زراعية وعقارت ومساكن وقصور وحوانيت . تحكّم فيها السلاطين وقضاة شرعهم فأخربوها وأخربوا مصر بها . ويريد دستور مرسى إعادة الكرّة . وموضوع الوقف يستلزما شرحا وتأصيلا تاريخيا وأصوليا نحاول تيسيره بقد المتاح فى هذه الحلقات : والحلقة الأولى منها عن الاوقاف بين الاسلام والأديان الأرضية.

 أولا : لمحة عن الأوقاف فى تشريعات المسلمين

1 ـ أصبحت الأوقاف أبرز معالم الحياة الدينية للمسلمين خصوصا فى العصر المملوكى كما لو كانت أحد ما يسمونه بأركان الاسلام . والواقع إنها لم ترد لفظا ولا معنى فى القرآن الكريم ، ولم ترد حتى فى السيرة المكتوبة لابن إسحاق ، ووردت لأول مرة ضمن الجدل الفقهى فى اوائل العصر العباسى ، ثم إستقر تشريعها تحت مصطلح الأحباس ، ثم مصطلح ( الوقف ) فيما بعد ، وأضيفت لها مصطلحات أخرى وتقعيدات فقهية عندما إزدهرت وتعاظم تأثيرها الدينى و الاجتماعى والاقتصادى فى العصر المملوكى .

2 ـ الذى جاء فى القرآن الكريم فى هذا الموضوع هو الصدقات والانفاق فى سبيل الله والزكاة المالية ، ولنا سلسلة مقالات عن ( كتاب الزكاة ) فى القرآن الكريم ، وهو منشور هنا ، وليس فيه إشارة عن الأوقاف كتشريع قرأنى ، ولم تكن معروفة فى عصر النبوة والصحابة . ولكن بعد الفتوحات واستقرارها وبداية العصر العباسى واجه المسلمون ظاهرة الوقف التى كانت ـ ولا تزال ـ معلما من معالم الأديان الأرضية ، فقد كانت هناك أوقاف على الأديرة والكنائس والمعابد فى الشرق والغرب ، والذين دخلوا فى الاسلام من أبناء أهل الكتاب ساروا بما وجدوا عليه آباءهم ،فاستمرت مسيرة الأوقاف مع بيوت العبادة للمسلمين كالشأن بها لأهل الكتاب . ولأنه ليس للأوقاف أو ( الأحباس ) تاريخ سابق لدى الصحابة وليس له دليل واضح ناصع فى القرآن لذا عارضه أحرار الفقهاء الأوائل مثل الشعبى ( ت 104 ) وابى حنيفة ( ت 150 ) بينما إخترع له فقهاء آخرون أحاديث كأدلة شرعية له . وكان من أوائل من دافع عن الوقف الفقيه الليث بن سعد ، وهو من إئمة الفقه السّنى القائم على إصطناع الأحاديث . وجدير بالذكر أن قاضى مصر وقتها إسماعيل بن اليسع ، والذى كان مشهورا بالعفة والعدل ـ كان يعارض الوقف ، لذا خاصمه الليث بن سعد وطلب من الخليفة  العباسى المهدى عزله فعزله عام 167 .

3 ـ وفى العصر العباسى الثانى حيث سيطر الحنابلة واشتهر علماء الحديث كالبخارى وغيره إجتهد الفقهاء فى صناعة أحاديث تشرّع الوقف وتنسب للنبى عليه السلام أنه أوقف كذا وكذا ، وأن بعض الصحابة أوقف كذا وكذا كما لو أن الصحابة من مصادر التشريع . ولو كان ( عمل الصحابة ) مصدرا تشريعيا لكانت ( الفتنة الكبرى ) والحروب الأهلية من فروض التشريع فى الاسلام .!!.

4 ـ على أن أكبر دليل إخترعه الفقهاء هو ذلك الحديث المشهور : ( إذا مات إبن آدم إنقطع عمله إلّا من ثلاث : صدقة جارية وعلم ينتفع به وولد صالح يدعو له ) . والصدقة الجارية هنا تشير الى الأوقاف ، ومن الأوقاف الوقف على مدارس تعليم الحديث ( أى علم ينتفع به ) ، ثم يقوم الطلبة والمدرسون بالدعاء لصاحب الوقف ..وبذلك يظل صاحب الوقف بعد موته يتلقى الحسنات .. وهذا أمر مضحك . فالميت يتم قفل كتاب اعماله بالموت ، ويتحدد مصيره ، وتأتيه الملائكة عند الاحتضار تبشره بالجنة أو بالنار (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوْا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29) وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (31) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) النحل ). ويقول جل وعلا : ( وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى (39) ( النجم ). أى ليس للإنسان إلّا سعيه وهو حىّ يرزق ، وإذا مات إنقطع سعيه . وما يتركه من مال لم يصبح ملكا له بل للورثة . ولو عمل عملا صالحا يمكن أن يستمر بعد موته كأن أقام مسجدا أو ألّف كتابا مفيدا فإنّه يأخذ أجره على ما فعل فى وقتها ويضاف الى كتاب أعماله . وهو ليس مسئولا عمّا يحدث فى المسجد بعد موته ، فلو تحوّل المسجد الى مرقص فليس عليه مؤاخذة ، بل هى على من فعل ذلك . ولو ظل كتاب الأعمال مفتوحا بحيث يضيف حسنات للمتوفى  فإنه ايضا يظل كتاب الأعمال مفتوحا ليقبل السيئات .

ثانيا :  إمكانية الاجتهاد فى تفعيل الوقف الخيرى إسلاميا

1 ـ ونحن هنا لا ننفى ( الوقف الخيرى ) على أوجه البرّ ، بل نرى أنه إجتهاد محمود فى إطار الصدقات والانفاق فى سبيل الله جل وعلا ينبغى العمل به دون الحاجة الى سبك أكاذيب ونسبتها للنبى عليه السلام .

2 ـ  لكى تكون الصدقة مقبولة عند  رب العزة فلا بد  :  

(2 / 1) ـ أن يكون مصدرها حلالا فلا يقبل الله جل وعلا صدقة من مال حرام : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267)( البقرة )

( 2 / 2) ـ : أن يكون إنفاقها لوجه الله جل وعلا بلا شبهة رياء أو نفاق أو أن يصاحبها منّ وأذى (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنّاً وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (262) قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَىكَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِوَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264)(البقرة ).

(2/ 3 ) : لا بد أن يتم إنفاقها فى المستحقين حسبما جاء فى القرآن الكريم ، أى أن تكون فعلا فى أجه الخير التى اشار اليها رب العزة فى مصارف الصدقات الفردية والعامة .

3 ـ  والمستحقون فى الصدقات الفردية مذكورون فى قوله جل وعلا : :( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215) البقرة) (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ (26) الاسراء ) (فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (38)الروم  ): أى هم الأقارب واليتامى والمساكين والأغراب أبناء السبيل . ولهم ( حقوق ). ونتأمل كلمة ( حق ) أى فرض لهم حقوقا فى أموال القادرين . ويضاف اليهم السائل والمحروم ، فللسائل أى سائل حق وللمحروم كذلك ، يقول جل وعلا : (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) المعارج )(وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)الذاريات).

4 ـ ومن خلال النصوص القرآنية يمكن تطبيق الوقف إسلاميا . فهناك من يعطى الصدقة فورية لأن ظروفه لا تسمح بغير ذلك ، مثل الموظف والأجير الذى يأخذ راتبا يوميا أو شهريا أو سنويا ، وهناك الثرى الذى يستطيع إقامة مشروع يدرّ دخلا يمكن توزيعه على المستحقين ،أو أن يودع وديعة استثمارية فى بنك ، ويوزّع ريعها على المستحقين ، أو أم يشترى عقارا أو أرضا زراعيا يوقف ريعها إبتغاء وجه الله جل وعلا،وبهذا يمكن للفرد المسلم أن يوقف صدقة جارية على الأقارب واليتامى والمساكين والأغراب أبناء السبيل ، وهنا يكون الوقف فى سبيل البر؛ يقوم به الأبرار مصداقا لقوله جل وعلا فى صفات الأبرار : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ (177) ) ( البقرة )، أى ليس البر تدينا سطحيا يرائى بالصلاة وتحرير موضع القبلة بالضبط ولكن البرّ الحقيقى هو إيمان حق خالص وإيتاء المال لمستحقيه والوفاء بالعهد والصبر والتقوى . أى مجموعة متكاملة من الأخلاق السامية والعطاء ، وهذا هو المناخ الصحّى المحيط بالوقف البرى الخيرى فى الاسلام .وهو مناخ مستحيل فى ظلّ حكم الاخوان والسلفيين.

5 ـ  والتطبيق العملى فى إعطاء السائل فى موضوع الوقف يتسع حسب مفهوم السائل . فهناك طالب يريد أن يتعلم تعليما جامعيا لا يقدر على تكلفته فى الداخل أو فى الخارج ، وهناك شاب يحتاج تدريبا حرفيا فى مهنة يرتزق منها ، وهناك شاب يريد إعانة زواج، وفتاة تريد إعانة تجهيز لجهازها ، وأرملة تريد عونا تبدأ به مشروعا لترعى نفسها . وهناك منظمات مدنية تحمى الضعفاء وتدافع عن حقوقهم وعن حقوق الانسان و تنشر الوعى بين المواطنين ، وتهب لمساعدة المحتاجين عند الكوارث والأزمات ، وتحتاج الى العون . كل ذلك يمكن أن تقوم به مؤسسات وقفية لمساعدة السائلين والمحتاجين والمحرومين ، أو حتى تقرضهم قرضا حسنا .

6 ـ وهناك إجتهاد أيضا فى الانفاق فى سبيل الله جل وعلا فى الدفاع عن الوطن ضد أى عدو يريد الاعتداء ، فيبكون الرد باعداد القوة الرادعة لردع من يفكر بالاعتداء على الدولة الاسلامية المسالمة بطبيعتها وبتنفيذها لشرع الله . السلام هنا يحتاج الى قوة ردع تحميه ، فهى قوة لتدعيم السلام ولردع المعتدى حتى لا يعتدى ، وهنا يكون التبرع واجبا ، بالمال مباشرة أو بوقف مشروع يدر دخلا لصالح القوات المسلحة التى تدافع ، ولا تعتدى ، يقول جل وعلا : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60) الانفال ). هنا يكون الوقف فى سبيل الله جل وعلا تجارة مربحة مع رب العزة : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) الصف) .

7 ـ وحتى يترسّخ مفهوم الاسلام وقيم الاسلام العليا فى التسامح والحرية المطلقة فى الدين والحرص على حياة النفس وحق الحياة والعدل والتكافل الاجتماعى فإنّ من أهم وسائل الجهاد فى سبيل الله هو ذلك الجهاد السلمى بالدعوة الى حقائق الاسلام الغائبة المغيبة ، والتى غيّبتها أديان المسلمين الأرضية بحيث يحتاج إظهارها ونشرها الى جهاد سلمى حقيقى تنويرى . الوقف الاسلامى فى الجهاد فى سبيل الله ليس بالاعتداء والارهاب والقتل العشوائى بل يكون الوقف فى تعليم المسلمين القيم العليا للاسلام أخذا مباشرا عن القرآن بعد فهم مصطلحاته ، بحيث يتعلم المسلم أن الاسلام هو دين السلام والعدل المطلق والحرية الدينية المطلقة والديمقراطية وحقوق الانسان وئانه دين الرحمة والتسامح والبر والتقوى و إعلاء قيمة الضمير وحُسن التعامل مع الناس .

8 ـ هذا عن واجب الأفراد . أما دولة الاسلام ـ لو كانت قائمة ـ فعليها جمع الصدقات الفردية وتوزيعها :( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)  التوبة  ) وكذلك الفىء أو ما يفىء ويدخل الى الخزانة :(مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) ( الحشر ). وفى كل الأحوال يكون الانفاق الخيرى عطاءا مباشرا ، أو مشروعا للخير يدر ريعا يتم الانفاق منه تحت إشراف الدولة أو منظمات متخصصة وبشفافية مطلقة ، وبمعرفتها يمكن تأسيس دور للضيافة لأبناء السبيل ومؤسسات لرعاية الأيتام والارامل و أطفال الشوارع والمتفوقين علميا بتأسيس مدارس لتعليم الطلبة العلم الحديث أخذا عن الغرب أو إرسالهم بعثات تعليمية الى الغرب ليصبح المسلمون منتجى علم وليسوا مستهلكى إختراعات الغرب والشرق ، وفى إنشاء معاهد التدريب ، وبيوت الشباب للراغبين فى الزواج وجهاز العروسين بالتقسيط ..ألخ ..

9 ـ وقد عانت أوربا قرونا طوالا من تحكم الكهنوت الكنسى وإنتشار الأوقاف الكنسية وسيطرتها على ثروات الشعوب ، متحالفة مع الاستبداد السياسى ، ونفس الحال كان سائدا فى تاريخ المسلمين فى العصور الوسطى ، وخصوصا العصر المملوكى ، وهو محل تخصصنا الدقيق . ولكن نجحت أوربا بالعلمانية من التخلص من سيطرة الكنيسة ، والغرب الآن خصوصا فى أمريكا وكندا يطبّق تشريعات الاسلام ، حيث تقام مؤسسات وقفية ينفق عليها الأثرياء منها ما يتخصص فى رعاية المتفوقين من الطلبة ومنحهم منحا مالية ليستكملوا تعليمهم الحديث وليسهموا فى تقدم مجتمعهم ، ومنها ما يتخصص فى رعاية الأيتام والأرامل وأطفال الشوارع وتمويل منظمات حقوق الانسان والمجتمع المدنى ورعاية المحتاجين داخل بلدان الغرب وفى ( العالم الاسلامى ). هل ننسى هنا ( بيل جيت ) الذى تساوى عظمته العلمية العبقرية عظمته فى التبرع الخيرى خلال مؤسسته الخيرية .. وبالمناسبة هناك من المستبدين العرب وتوابعهم من هو أكثر ثراءا من بيل جيتس ، أولئك البليونيرات المسلمون يجمعون أموالهم بالسحت والسلب والنهب وينفقونها فى الصّد عن سبيل الله وفى اللهو واللعب والمجون ، بينما يجمع بيل جيت أمواله بالحلال وينفقها فى البر والخيرات. ومع هذا يعتبره الوهابيون كافرا .!!.. فمن الملعون هنا ؟

ثالثا :الوقف فى الأديان الأرضيةهو لحماية الكهنوت والاستبداد

1 ـ ليس من الوقف فى الاسلام أن تؤسس معهدا لتدريس ونشر الأكاذيب والافتراءات والتى تعبّر عن الدين الأرضى وتشوّه دين الاسلام مثل ( الحديث والسنة والتفسير و( التوحيد ) والتأويل وأكاذيب التشيع والتصوف ) على نحو ما ساد فى العصور الوسطى حين تحكمت فى المسلمين أديانهم الأرضية ، وهو ما تفعله الوهابية البترولية التى تتجوّل فى العالم بمنظمات التخريب السلفى الوهابى تنشر فيه ثقافة الموت والكراهية والاعتداء والاستحلال . وليس من الاسلام أن تجمع المال بالسحت ثم تقيم به وقفا خيريا .. أو تقيم به ( وقفا ) اهليا لتحمى أموالك الحرام من المصادرة . ليس من الاسلام ذلك الوقف الذى عرفه المسلمون بأديانهم الأرضية، والذى إزدهر فى العصر المملوكى ، وهو عصر الظلم والفساد والاستبداد ، والتدين السطحى والاحتراف الدينى واللحية والنقاب والانحلال الخلقى. وقامت الأوقاف بالانفاق على هذا السيرك . ويريد دستور مرسى أن يعيد سيرة الأوقاف المملوكية لينهب الثروة المصرية كما نهبها المماليك من قبل عن طريق الأوقاف . العصر المملوكى هو العصر المفضَل للوهابيين السلفيين والاخوان . إنه العصر الذى شهد حياة أمامهم الروحى ( ابن تيمية ) ومدرسته من ابن كثير وابن القيم الى ابن حجر .

3 ـ انتظرونا لنقدم لكم العصر المملوكى فى لمحة سريعة من خلال الأوقاف .. لتعرفوا ما ينتظر مصر من أوقاف مرسى ودستور مرسى .

 

دستور مرسى وسلب ثروات المصريين بالأوقاف:( 9 / 2 ) الاوقاف وملكية الاخوان لأرض مصر

أولا  : فقه الملكية بين الاسلام والتشريع السّنى

1 ـ سبق القول أنه يمكن تسكين الوقف فى التشريع الاسلامى بأن يكون صدقة جارية ناشئة عن عقار أو أرض زراعية أو مشروع يوقف بلا بيع ليكون محبوسا وموقوفا ليدرّ ريعا يوجّه للبرّ . كل ذلك فى إطار التشريع الاسلامى فى الزكاة المالية والانفاق فى سبيله جل وعلا ، أى يجب أن يأتى من مال حلال ، وأن يكون التبرع إبتغاء مرضاة الله جل وعلا بلا منّ ولا أذى ، وأن يتوجه فى الخير والبرّ أى للمستحقين أو أن يكون جهادا فى سبيله جل وعلا.

 

2 ـ الأصل هنا ينبع من حقيقتين : الأولى : إن الله جل وعلا هو المالك الحقيقى للثروة ، ونحن البشر مخوّلون فيها بالتصرف فى الزمن الذى نحياه فى هذا الكوكب فى الحياة الدنيا ، ثم بعدها فان الله جل وعلا هو الذى يرث الأرض ومن عليها ، واليه يكون مصيرنا يوم القيامة حيث سيكون الحساب على إختبارنا فى هذه الدنيا . من هنا نفهم قوله جل وعلا يأمرنا : ( آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7) الحديد)،أى علينا أن ننفق مما جعلنا مستخلفين فيه ليكون لنا الأجر الكبير. أى إنّ من ينفق ممّا إستخلفه الله فيه من مال فإن الله جل وعلا هو الذى يتولى مكافأته :( وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39) سبأ ). أمّا الذى يبخل فإنّما يبخل على نفسه : (هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ  (38)( محمد)،أى إن الذى يبخل هو الذى يحرم نفسه من فضل الله جل وعلا . الحقيقة الثانية هى حرية البشر المطلقة فى الدين من إيمان وعبادة ، ومنه تقديم الزكاة المالية .. وهنا يكون التعامل المباشر مع رب العزّة على أساس من حرية البشر فى الاختيار ، حيث لا يوجد فى الاسلام إكراه فى الدين ، ولا إرغام فى تأدية العبادات ولا إجبار فى جمع الصدقات والنفقات فى سبيل الله ، ولهذا فإن الله جل وعلا عاقب المنافقين البخلاء بعدم قبول الزكاة المالية منهم ، فقال جل وعلا : ( وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ (54) التوبة ) . ومن حق الدولة الاسلامية القائمة على الديمقراطية المباشرة ( أو الشورى ) أن تفرض من خلال الديمقراطية ضرائب لتغطى نفقات الدولة وتلبى حاجتها . وليس هذا داخلا فى موضوع الانفاق فى سبيل الله جل وعلا والزكاة المالية والصدقات ، بل هو إلتزام بين الفرد ودولته فى إطار العقد الاجتماعى .

3 ـ من هنا يظهر التناقض بين الاسلام ودولة المسلمين ، بداية من خلافة أبى بكر الذى قاتل العرب الممتنعين عن دفع الزكاة مخالفا القرآن الكريم، حيث لا إجبار ولا إرغام ولا إكراه فى الدين وعباداته من صلاة وزكاة وصوم وحج وذكر لله جل وعلا . ولكنها قريش بإستعلائها وجبروتها الذى ظهر سريعا فى بيعة السقيفة وتهميش الأنصار ، ثم فرض السطوة على العرب الذين دخلوا فى الاسلام أفواجا فى حياة خاتم النبيين ففوجئوا بعد موته بعودة الهيمنة القرشية فثاروا واشتعلت حرب الردة ، وكان أساطين قريش الذين دخلوا فى الاسلام حديثا هم قواد الصحابة فى هذه الحرب ، وبعد انتصار قريش رأت قريش تحويل قوة الأعراب الحربية للخارج بدلا من عودتهم للثورة فكانت الفتوحات التى كانت هى الردّة الحقيقية عن الاسلام ، لأن هذه الفتوحات العربية القرشية (وما ترتب عليها من الفتنة الكبرى وتأسيس امبراطوريات قرشية )كانت هى المناخ الذى تأسست فيه أديان المسلمين الأرضية التى لا تزال سائدة حتى الآن .

4 ـ ولأن تلك الفتوحات كانت عصيانا سافرا للاسلام فكان أمام المسلمين الاختيار بين شيئين : إما التوبة والرجوع الى صحرائهم وترك البلاد المفتوحة لأهلها ، وإمّا تبرير وتسويغ وتشريع هذه الفتوحات وما ترتب عليها . وقام بهذا الدين السّنى الذى تخصص فى التشريع . وتم هذا فى العصر العباسى الذى شهد رواج صناعة الأحاديث وصناعة الفقه والتشريع الآثم الذى يتفق مع السائد فى ثقافة العصور الوسطى ، والذى يلبى حاجة الخلفاء ليكون الخليفة العباسى بنفس سطوة كسرى وهرقل . وتم التعامل مع القرآن الكريم بإلغاء تشريعاته بزعم النسخ ، وتغييب مفاهيمه بالتأويل و ( التفسير ) و ( علوم القرآن ) ، وتمت صناعة شخصية للنبى محمد عليه السلام فى السيرة وفى السّنة تناقض شخصيته فى القرآن الكريم . وصيغ حديث ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا ..) ليبرر ويشرّع الاكراه فى الدين والغزو والاعتداء على البشر جميعا . وأعلن الخليفة أبو جعفر المنصور أنه سلطان الله فى أرضه ، ووضع أساس التشريع بأن الخليفة هو الراعى والناس هم الرعية التى يملكها ، وأنه الذى يملك الأرض ومن عليها . وجاء الفقه السّنى بالقعيد والتشريع لهذا الظلم . وظهر المصطلح الفقهى فى ( الأرض المفتوحة عنوة ) أى بالاعتداء والقوة وخضوع أهلها بالاكراه للفاتحين ، ومصطلح ( الأرض المفتوحة صلحا ) أى أرغمهم الفاتحون على الخضوع بمعاهدة صلح . وفى كل الأحوال فالأرض يملكها الخليفة أو ( الإمام ) بالتعبير الفقهى .

5 ـ هنا أساس التناقض بين شرع الاسلام وشرائع المسلمين فى موضوع ملكية الأرض ومواردها وثرواتها . ففى الاسلام فإن الله جل وعلا هو وحده المالك ، وهو الذى خوّلنا فى التملك ، وأمرنا بالسعى فى الأرض وجعلها لنا ذلولا لنحصل منها على رزقه جلّ وعلا :( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)الملك ). وهذا السعى للجميع وفق تكافؤ الفرص لكل سائل أى باحث عن الرزق والقوت، أى هو لجميع السائلين سواء :( وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) فصلت ) . والمجتمع يتكون من جميع أولئك الأفراد الذين يعيشون على رقعة من الأرض ، وهم بتخويل رب العزة لهم فى ثروة تلك الأرض يكون مجتمعهم بسلطته السياسية هو المسئول عن تلك الأرض وثروتها وأموالها ، وللفرد حق فى ( ماله ) إذا أحسن إستغلاله والقيام عليه ، فإذا ظهر أنه سفيه فليس له هذا الحق فى إدارة المال الذى ورثه ، بل يعود حق إدارة المال للمجتمع الذى يقوم بتنمية هذا المال وكفالة حق هذا السفيه : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (5) وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ..(6)النساء ). وبسبب إختلاف قدرات البشر فلا بد من وجود تفاوت فى الرزق ، وهنا يكون التكافل الاجتماعى بإعطاء حقوق المحتاجين والانفاق مما خولنا الله جل وعلا فيه .هذا هو الاسلام .  أما فى الشرع السّنى فالخليفة هو الذى يملك الأرض ومن عليها بحجة ( الفتح عنوة ) .

 ثانيا : بين الفتح عنوة والوقف فى التشريع السّنى

1 ـ يأتى التساؤل هنا عن صلة هذا بموضوع الوقف . فالخليفة ( أو السلطان ) لا يمكن أن يباشر الزراعة والصناعة بنفسه وجنده . هو محتاج للرعية أن تزرع وأن تنتج ، ويكتفى هو بجباية الخراج . وهو ايضا محتاج الى طبقة تعينه على الحكم من قوّاد وولاة وموظفين وقضاة وفقهاء . ولا بد لهم من مرتبات ، سواء كانت (إقطاعات ) أى ( يُقطع ) لهم مساحات من الأرض يملّكها لهم لتكون (إقطاعا أو إقطاعيات )، أو يعطيهم المرتبات . وبالتالى تتكون طبقة ( إقطاعية ) وثرية تملك بعض الأرض التى يملكها الخليفة أو السلطان . أى تشارك السلطان بعض الفتات مما يملك ، وهو يسمح بهذا لأنه محتاج الى هذه الطبقة من العسكر والكهنة والكتبة . والسلطان وأتباعه وحاشيته قد يلجأ للوقف أى حبس بعض العقارات والأراضى ليستغل ريعها فى الانفاق على مشروع يستفيد به ، وهذا سنتعرض له فى حينه . وعند التعارض بين السلطان وبعض أتباعه أصحاب الأوقاف يظهر الجدل بين الوقف والملكية التى للسلطان على أرضه التى يملكها ويحكم أهلها . فقد لا يعجب السلطان تغوّل الوقف على الأراضى الزراعية التى يعتبرها ملكا له ، وقد يخشى من طموح بعض أتباعه وكثرة الأوقاف التابعة لهم ، وقد يطمع فى مصادرة أموال بعضهم ، وبعض أوقافهم التى قد تحصّنت بالوقف لتقيه من المصادرة . هنا يثور الجدل بين الملكية التى للسلطان والأوقاف التى للآخرين .

2 ـ وحدث هذا الجدل فى العصر العباسى ، وتعرض له الفقيه القاضى الماوردى فى (الأحكام السلطانية )، وكالعادة إختلف الفقهاء، ليس فقط لأن التشريع السّنى قائم على الاختلاف والشقاق بين المذاهب الأربعة  وداخلها ، ولكن أيضا لأن الخلاف يتناول موضوعا قديما سبق ظهور هؤلاء الفقهاء، وهو ماهية الفتح (لمصر مثلا)، والى أى مدى يكون عنوة أو صلحا،وهل تضمن الصلح بين عمرو بن العاص والمقوقس تلك الخلافات الفقهية التى تفرع فيها الفقه السّنى فى العصر العباسى ؟ وقيلت آراء متعددة، منها أن الفتح عنوة يجعل الأرض غنيمة للفاتحين ، أو تكون ( وقفا ) على المسلمين بخراج يدفعه المزارعون، وقالوا إن عمر بن الخطّاب جعل الأراض ملكية عامة للمسلمين الفاتحين ، وقالوا أن للإمام ( أى الحاكم ) ولاية عامة على هذه الملكية وتلك الثروة ، ومن خلالها يكون مطلق التصرف فى ( مصالح المسلمين ) ، وطبعا دون رقيب أو مساءلة !.

3 ـ المضحك أن كل خليفة عباسى جعل نفسه وارثا للفاتحين القدامى ، أى يملك الأرض ومن عليها ، مع أنه ( وارث ) لما فتحه السابقون ،ولم يفتح شيئا (ولا حتى زجاجة كوكاكولا ).!

المضحك أكثر أن يزعم السطان المملوكى هذا أيضا، وهو الذى جىء به لمصر رقيقا ( مملوكا ) ، ثم أصبح حرا وجنديا فقائدا ثم سلطانا . وبالسلطنة يزعم أنه له حق ( الفتح عنوة ).!. فالظاهر بيبرس البندقدارى ( نسبة لسيده البندقدار الذى إشتراه من قبل صبيا ) أراد الاستيلاء على أوقاف الآخرين بحجة أن أرض مصر قد فتحها عمرو عنوة وصارت لبيت المال ، وبالتالى فمن حقه الاستيلاء على أوقاف غيره ، مع أنه ( الظاهر بيبرس ) كانت له أوقاف .! ، وتكرر نفس الفعل من برقوق حين كان الأمير الكبير المتحكم فى السلطنة عام 780 . وطبعا لا ننتظر من بيبرس أو قلاوون أن يتكلم بهذه اللغة الفقهية . هى نصائح ووساوس الفقهاء .

المضحك أكثر وأكثر أن الوهابية إستعادت فى عصرنا تلك المفاهيم الظالمة البالية . فالامام السعودى ـ أى الحاكم السعودى ، يملك ما يفتحه من أرض ، بل يملك سكان هذه الأرض . ولهذا أطلق عبد العزيز آل سعود على مملكته إسم عائلته ( السعودية ) عام 1932 .

المضحك أكثر وأكثر وأكثر أن الإخوان ( المستحلّين ) يرون لأنفسهم نفس الحق فى تملك مصر . وليس غريبا أن نسمع عن وثيقتهم فى ( إعادة فتح مصر ) ، بل ويجاهر دعاة السلفية بأن رئاسة مرسى تعنى ( دخول الاسلام لمصر ) أو ما يعنى ( فتح مصر) . بل يذرف بعضهم الدموع على ضياع ملكيتهم فى الاندلس ، ويتمنون عودتها .!!

أخيرا

1 ـ ليس هذا مضحكا .. بل هو أمر جدّى يعمل له الاخوان بكل همة ، ومن الان . والارهاصات تتجلى واضحة : فالتمكين يستلزم قوة مسلحة ، وهم يستوردون الأسلحة ويؤسسون الميليشيات المسلحة . والاصلاح الاقتصادى يستلزم روشتة باهظة ، ولكنهم يستعيضون عنه بما أسموه بالصكوك الاسلامية ، أى يعرضون مصر بمواردها وأرضها وسيادتها وكنوزها للبيع لكل من هبّ ودبّ ، وسيكونون الشركاء لأنهم ( مالكو مصر ) طبقا لمذاهب أهل السّنة والجماعة ، بحكم أنها مفتوحة عنوة .!!

2 ـ وبالتمكين وطبقا لمذاهب أهل السنة والجماعة وبثقافة الفتوحات والأرض المفتوحة عنوة سيفرضون قانون الوقف ليستولوا به على الأوقاف الموجودة وعلى غيرها من أملاك المصريين من مسلمين وأقباط ، وفقا لما ساد فى العصر المملوكى ..

3 ـ فما الذى كان يحدث فى العصر المملوكى ؟

 

 

دستور مرسى وسلب ثروات المصريين بالأوقاف:(9 / 3) الاوقاف والظلم والفساد والخراب فى مصر

أولا : إزدهار الوقف المملوكى

1 ـ دخلت الأوقاف فى تطور خطير فى العصر المملوكى إذ يعتبر قيام الدولة المملوكية حدثا فريدا إذ حكم المماليك وهم رقيق مجلوبون لمصر ما ورثوه عن سادتهم الأيوبيين . فى إحتياجهم لشرعية دينية تسوّغ هذا الانقلاب الخطير قام الظاهر بيبرس بنقل الخلافة العباسية للقاهرة بعد سقوط بغداد على يد المغول . بالاضافة الى وجود الخليفة العباسى ليعطى شرعية للسلطنة المملوكية فقد حرص المماليك على تزيين ملكهم بكهنوت دينى من فقهاء التصوف السنّى الذى يتسامح مع عقائد التصوف وتقديس أوليائه وفى نفس الوقت يحكم بالفقه السّنى وشريعته طبقا لهوى السلطان . هذا الكهنوت الدينى أستلزم التوسع فى إقامة معابد دينية تعبّر عن التصوف السّنى من مساجد وجوامع وقباب وخوانق وأربطة وزوايا وترب وقبور مقدسة ، ليس فقط لإقامة الشعائر بل أيضا للتعليم والتدريس والتفرغ للعبادة الصوفية ، وكان يقيم فيها الطلبة والمدرسون والموظفون والفقراء أى ( الصوفية ) . وهذا التوسع إحتاج بدوره الى من ينفق عليه فى تأسيس تلك المؤسسات وصرف مرتبات المقيمين فيها ، وتكفلت الأوقاف بهذا الدور .

 

2 ـ وهناك عامل آخر ينبع من مفتاح الشخصية المملوكية نفسها كنظام سياسى فريد فى نوعه . لم يكن المماليك كالأسرات الحاكمة العريقة : الأموية والعباسية والأيوبية ، بل كانت تحكمهم  المساواة بينهم في الأصل والنشأة وينحصرالتفاضل بينهم فى المقدرة القتالية والدهاء السياسي. فكلهم جيء به من بلاده الأصلية رقيقا لينخرط في سلك المماليك ثم ليتدرج بكفاءته السياسية والحربية حتى يصل إلى السلطنة ولا عبرة بنسبه ولا حسبه ، بل بقدرة المملوك فى الفتن والتآمر. لذا نجد بعض الغرائب؛ فالظاهر بيبرس كان في الأصل مملوكا لأحد الأمراء ، وهوالأمير البندقداري ونسب اليه فقيل بيبرس البندقداري . واعتقه سيده ثم وصل بيبرس بدهائه وقدرته ليصبح سلطانا وأصبح سيده السابق مجرد تابع صغير له في دولته . ومهارة بيبرس تتجلى في قدرته الفائقة على المؤامرات والدهاء مع نشاطه الحربي . وحين يصل مملوك ما بدهائه وحذقه في المؤامرات إلى السلطنة فأنه يواجه مؤامرات الآخرين ، وقد ينجح وقد يفشل فينتهى به الأمر الى السجن أو القتل ، وفى أغلب الأحوال تتم مصادرة أمواله، ويخسر نفسه وماله . وفى كل الأحوال يظل شبح مصادرة المال يؤرق المماليك ، سواء من وصل منهم الى السلطنة ويواجه تآمر الآخرين أو من يقوم بالتآمر ويطمح للترقى والوصول على حساب ( خشداشيته ) او رفاقه أو (دُفعته) فى التجنيد حسب المصطلح السائد الآن فى مصر.  شبح مصادرة المال كان عاملا أساسا فى الوقف ، وبه إستشرى الوقف الأهلى . كان الوقف الخيرى هو السائد فاستشرى فى العصر المملوكى الوقف الأهلى ، بل برز فى هذا العصر ثلاث نوعيات من الوقف : الوقف الخيرى المعتاد ، وهو أن يوقف الواقف عينا تدرّ ربحا على جهة خيرية مثل مارستان (مستشفى) أو ( سبيل ) لرعاية وتعليم اليتامى أو مسجد أو مدرسة . أما الوقف الأهلى فهو أن يوقف السلطان أو غيره عينا تدر ربحا ، ويكون هو المستفيد منها هو وذريته   الى أن تنقرض الذرية فيعود الوقف الى أعمال البر حسبما يحدده كتاب الوقف ، وكان لكل وقف كتاب يحدد كل التفصيلات . ثم هناك الوقف الخيرى الأهلى ، حيث يوقف الواقف المزيد من العقارات والأراضى التى يزيد ريعها على الحاجة فيتم تحويل الزائد الى حساب الواقف وذريته حسبما يحدده هو ، وبعد إنقضاء الذرية تعود لأوجه البر التى يحددها فى كتاب وقفه . بهذا الوقف الأهلى كان يتم تحصين ثروة السلطان أو الأمير المملوكى أو الموظف أو الفقيه العامل فى الدولة من المصادرة ، فلا يجوز شرعا بيع العين الموقوفة ، ولا يجوز مصادرتها أو التصرف فى ريعها خارج شروط كتاب الوقف . وكانت الأوقاف الأهلية والخيرية تحت إشراف قاضى القضاة الشافعى لأنه كان الأبرز بين قضاة المذاهب .

3 ـ لم تكن المصادرة وحدها من عوامل إنتشار الوقف المملوكى ، بل كان الاعفاء من الضرائب والخراج على الموقوفات سببا آخر . وقتها كان هناك ما يعرف بديوان (المواريث الحشرية ) الذى يستولى على التركات التى لا وارث لها ، أو التى يوجد لها وريث لا يرث كل التركة مثل البنت أو الأخت . لذا لجأ للوقف من لا وارث له أو له وارث لا يستحوذ على كل التركة . وحين يوقف ضياعه وعقارته وقفا أهليا تنجو من ( المواريث الحشرية ).

ثانيا : هذا الوقف لم يكن اسلاميا فى أغلبه

1 ـ بشيوع الوقف الأهلى بهدف ضمان الاستحواذ على الثروة فإنّ المبدأ الاسلامى فى إنفاق المال إبتغاء مرضاة الله جل وعلا لم يعد متوفرا . صحيح أنه كان لا يزال هناك الوقف الخيرى ، والذى تمت به أقامة البيمارستانات والأسبلة ( جمع سبيل ) لرعاية اليتامى ، وأوجه خير عديدة مثل تكفين الفقراء ورعاية الحجّاج والانفاق على فقراء ( الحرمين ) وإقامة المدارس . ولكن الصحيح أيضا وجود شكّ كبير وهائل فى مصدر تلك الأموال ، فلم تكن فى أغلب الأحوال نقية طاهرة لأن الوصول للسلطة والثروة فى أى حكم مستبد ظالم فاسد يجعل من المتعذر أن تكون ثريا وقادرا على الوقف بمال حلال خال من الشبهة .

2 ـ يعزّز ذلك أن فقهاء الشرع وقضاته كانوا الأكثر فسادا . وهذا ما شرحناه فى كتاب ( المجتمع المصرى فى عصر قايتباى فى ظل تطبيق الشريعة السّنية ) وهو منشور هنا . أولئك الفقهاء هم الذين إبتدعوا ( الوقف الأهلى ) لينجو صاحب المال الحرام من المصادرة ومن ضرائب المواريث الحشرية ، وهم الذين ابتدعو مزيجا من الوقف الأهلى والخيرى ليبيحوا لصاحب السلطة أن يغتصب المزيد من العقارات ويوقفها بحيث يزيد ريعها على المصاريف فتتم إضافتها الى الواقف . هؤلاء الفقها هم أيضا الذين أخترعوا ( السّم ) والترياق المضاد له . هم الذين أخترعوا للسلاطين الوقف الأهلى ، ثم هم الذين إخترعوا لهم طرق التحايل على الاستيلاء على الوقف ، بما يعرف بالاستبدال .

ثالثا : إغتصاب الأوقاف بالاستبدال

1 ـ لأنّ الظلم هو الأساس ولأن خبراء الشرع السّنى فى خدمة سلاطين وأمراء الظلم فقد شاع الاستيلاء على أملاك الغير وأوقافهم بحجة الاستبدال للأوقاف . فقد أجاز فقهاء الشرع السّنى الحق فى استبدال العين الموقوفة بعين أخرى بنفس شروط الوقف ، أى إذا أوقف شخص أرضا زراعية مساحتها مائة فدان يمكن للسلطان أن يستبدلها بمائة فدان فى الصحراء مثلا ، أو يمكنه أن يبيع المائة فدان الزراعية ويشترى بثمنها مائة فدان أخرى فى الصحراء . ولا بأس بهذا مع النصّ على تماثل هذه بتلك على الورق فى كتابة العقد . المهم وجود السلطة التى تتحكم والفقيه الذى يفتى والكاتب الذى يسجل العقد على هوى صاحب السلطة. وكان يحدث هذا غالبا مع الأوقاف الأهلية التى ورثها ذرية ضعاف. طبقا لهذا فقد استولى الأمير قوصون على وقف حمّام قتّال السبع عام 730 ، وعلى وقف الدار البيسرية عام 733 ، وكان هذا فى عصر المماليك البحرية.

2 ـ وانتشر الاستيلاء على الأوقاف بحجة الاستبدال فى عصر المماليك البرجية فتم الاستيلاء على أوقاف المماليك البحرية السابقين على يد المتسلطين فى عصر المماليك البرجية ، أو المماليك الجراكسة ، فيقول المقريزى فى الخطط عن الأوقاف فى هذا العصر إنّها ( إختلّت وتلاشت فى زماننا هذا ، وعما قليل لن يبقى لها أثر البتّة ) ( الخطط 2 / 296 ) . واشتهر السلطان برسباى بالاستيلاء على كثير من الأوقاف ، وأعاد وقفها على منشئاته ، وفعل ذلك السلطان الغورى عام 908 .

3 ـ على أن أشهر سارق لأوقاف الغير بحجة الاستبدال كان جمال الدين الاستادار ، وهو صاحب خانقاة مشهورة . تعاون جمال الدين الاستادار مع قاضى القضاة الحنفى إبن العديم ، فكان جمال الدين الاستادار إذا أعجبه وقف من الأوقاف وأراد الاستيلاء عليه أقام شاهدين يشهدان بأن هذا العقار يضرّ بالجار وبالمار ، أى يضر بالجيران وبالمارة فى الشارع . وبهذه الشهادة يحكم  قاضى القضاة ابن العديم لجمال الدين باستبدال العقار الموقوف بغيره . وبذلك استولى جمال الدين على أفخم القصور العامرة بمقابل من أراضى بور وخرائب ، يقول المؤرخ ابن حجر المعاصر لجمال الدين الاستادارعنه إنّه :(استولى على القصور العامرة بشىء من الطين من الجيزة وغيرها )( إنباء الغمر بأبناء العمر2 / 446 : 447). استولى جمال الدين الاستادار على أفخر العقارات ، وأعاد وقفها على خانقاته أو مدرسته ، ومن الأوقاف التى استولى عليها قصر بشتاك التابع للسلطان الناصر حسن بن قلاوون ، وكان أعظم مبانى القاهرة ، واستولى على قصر الحجازية وعمارة أم السطان وحمّام الخراطين . ومن كان يرفض التنازل عن الوقف من الورثة يستأجر جمال الدين الاستادار عمالا يقومون بتخريب العقار الموقوف ليرغم صاحب الوقف على قبول الاستبدال .

4 ـ ويقول المقريزى فى الخطط عن جمال الدين الاستادار والقاضى ابن العديم : ( والناس على دين ملوكهم ، فصار كل من يريد بيع أو شراء وقف سعى عند القاضى المذكور ( يعنى ابن العديم ) بجاه أو مال ( أى باستغلال النفوذ أو بالرشوة ) فيحكم له بما يريد ). ويستطرد المقريزى ( ثم تطور الأمر الى أن يشهد شاهدان بأن الوقف ضار بالجار وبالمار وأن المصلحة فى بيعه أنقاضا ، فيحكم القاضى الشافعى ببيع تلك الأنقاض .) أى دخل فى اللعبة قاضى القضاة الشافعى المهيمن على الأوقاف الخيرية و الأهلية ، وأصبح سهلا تخريب العقارات وبيعه"> 2 ـ وهناك حيل أخرى مثل : إباحة القضاة للسلطان بتعمير الوقف القديم مقابل أن يكون للواقف الأصلى جزءا منه . ومنها تأجير الوقف لأصحاب النفوذ ، وشاع هذا فى سلطنة برقوق ، ومنها الاقتراض من ريع الأوقاف كما فعل الأمير منطاش عام 791 ، أو فرض الغرامات على الوقف كما كان يفعل السلطان الكامل شعبان عام 746 .

3 ـ وقام بعض السلاطين بحلّ أوقاف السلاطين القدماء والاستيلاء عليها أو على بعضها ، فالناصر محمد ابن قلاوون استولى على أوقاف غريميه السلطان بيبرس الجاشنكير والأمير سلار ، وكانا من قبل يتحكمان فيه فلما تغلب عليهما وقتلهما استولى لنفسه على اوقافهما . والسلطان الناصر فرج بن برقوق استولى على أوقاف الطواشى فيروز الخازندار عام 814 . ثم استولى الأمير شيخ قبل توليه السلطنة على بعض أوقاف الناصر فرج بن برقوق عام 815. أى كانت أوقاف السابقين غنيمة للّاحقين ، فالسلطان برسباى استولى على بعض أوقاف الناصر صلاح الدين الأيوبى ، والسلطان عثمان بن جقمق استولى على أوقاف الاستادار الزينى ، واستولى السلطان خشقدم على أوقاف الأمير جانبك عام 868 .

4 ـ وحاول بعض السلاطين فى وقت الأزمات الحربية والاستعداد للقتال الاستيلاء على كل الأوقاف بحجة أنها فى الأصل ملك لبيت المال تبعا لنظرية أن مصر قد تم فتحها عنوة ، وقد أشرنا لهذا فى المقال السابق ، ومن السلاطين الذين حاولوا الاستيلاء على الأوقاف قطز عام 657 ، والظاهر بيبرس ثم الناصر محمد ابن قلاوون عامى 699 ، 738 والناصر فرج بن برقوق عام 803  وبرسباى فى عامى 837 ، 839 وقايتباى فى اعوام 872 ، 877 ، 894 ، 896 . والغورى عام 906

5 ـ وترتب على هذا ظاهرة فريدة أن العقار الواحد يتم الاستيلاء عليه عدة مرات فى عصور مختلفة خصوصا إذا كان عريقا فى القدم ، ومنها قيسارية القاضى الفاضل فى العصر الأيوبى التى تم الاستيلاء عليها بضع عشرة مرة الى عهد المقريزى .

خامسا

1 ـ ومن الطبيعى أن يؤدى هذا الى خراب الأوقاف ليس فقط بهدم بعض العقارات وتخريب الحوانيت و( القيساريات أى الأسواق الكبرى )، ولكن أيضا فى نهب الأوقاف الزراعية، فالذى يستولى على ما ليس له يحاول الاستفادة منه باسرع ما يمكن قبل أن يضيع منه ولا يقوم باصلاحه وإستثماره بطريقة أمثل.  

1 ـ نعيد التذكير بدور الفتوحات والفتنة الكبرى والصراع السياسى والحربى بين المسلمين فى القرن الأول الهجرى فى تأسيس دينى السّنة والتشيع. وقد تمّ تقعيدهما وتنظيرهما فى العصر العباسى الذى شهد بدوره نشأة دين التصوف متأثرا بالتشيع ومتخففا من أوزاره السياسية ومن عقيدة التبرى والتولى مكتفيا بتقديس كبارالصحابة كلهم . فى نفس الوقت كان التصوف بطرقه الصوفية متفاعلا مع الناس معبّرا عن الأغلبية الصامتة من عوام الداخلين فى الاسلام فاستمروا بالتصوف فى تقديس البشر والحجر كما كان أسلافهم ولكن تحت شعارات اسلامية . ولهذا لقى التصوف ترحيب المستبدين وكان الأسرع انتشارا من القرن الخامس الهجرى الى أن تسيّد الساحة الدينية بدءا من العصر المملوكى فى القرن السابع الهجرى.  لذا أصبح التصوف مجال الصراع السّنى الشيعى ، فظهرتصوف سنّى  وتصوف شيعى ،كلاهما يستغل التصوف وتكوين الطرق الصوفية فى تأسيس خلايا سياسية ، هذا مع التظاهر بالزهد للوصول للحكم . فعل ذلك أبوعبد الله الشيعي داعية الفاطميين الذى أسهم فى تأسيس الدولة الفاطمية فى تونس وكان أول خليفة فاطمى هناك هو عبيد الله المهدى(909-934 م). وبالتظاهر بالزهد أسّس الفقيه السّنى الحنبلى ابن تومرت  الدولة الموحدية بشعار الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. وبالمناسبة، فقد وشى خصوم ابن تيميه به الى صديقه السلطان الناصر محمد بن قلاوون بأن إبن تيمية (يلهج) بذكر(إبن تومرت) أى يطمح لانشاء دولة على منواله . وأدّت هذه الوشاية الى قيام الناصر محمد بسجن صديقه ابن تيمية ، وتركه فى السجن حتى مات فيه.

 

2 ـ  تلك الدول أسست مدارس ومساجد وأوقفت عليها الأوقاف لنشر دعوتهم الدينية وخدمة لتحكمهم السياسى ،وليس إبتغاء وجه الله جل وعلا . وكان منها ـ ولا يزال ـ الأزهر .

أولا : الأزهر والأوقاف الى قبيل سقوط الدولة المملوكية :

 فى العصر الفاطمى:

1 ـ  من هنا نفهم حرص الفاطميين على إقامة الأوقاف لتنفق علي أيدلوجيتهم الشيعية ومؤساتها كالأزهر وجوامعهم الأخرى. تأكّد هذا فى الفصل بين ( الأحباس / الأوقاف )و(القضاء) فأسس المعز الفاطمى ديوان الأحباس ليشرف على ريع الأوقاف التى يوقفها الخليفة والأفراد ، وقاموا بتعيين ضامن لجباية ريع الأوقاف ، يدفع للدولة مالا مقدما ، ثم يقوم بعدها بجباية الريع من القائمين على الأعيان المحبوسة. وكان أول ضامن للأحباس (محمد ابن القاضى أبى الطاهر محمد ) مقابل أن يدفع للدولة مليون ونصف مليون درهم. وعمل الفاطميون على زيادة الأوقاف بإضافة المزيد من الأراضى الزراعية والعقارات للإنفاق على مساجدهم الشيعية بحيث كان لكل مسجد وقف يقوم بنفقاته ، تحت إشراف ديوان الأحباس . بل أصبح منصب متولى ديوان الأحباس يعلو منصب قاضى القضاة.

2 ـ وكان نصيب الأزهر من الأوقاف الفاطمية مميزا ، ومنه كان الانفاق على تعميره وتجديده وعلى القائمين فيه بالدعوة الشيعية وأسرارها . يقول المقريزى فى ( الخطط ) أن الأزهر ـ أول مسجد أسس بالقاهرة  ـ إكتمل بناؤه سنة 359 هجرية ، وأول جمعة جمعت فيه في شهر رمضان 361 . وكان أول وقف عليه فى خلافة العزيز بالله الفاطمى قام به فيلسوف الدعوة الفاطمية الوزير يعقوب بن كلّس الذى أنشأ دارا للدعاة بجانب الجامع الأزهر ، وجمع فيها 35 داعية من الفقهاء وجعل لهم أرزاقا. ولا جتذاب أفئدة المصريين كانت لأولئك الدعاة الشيعة  طقوس فى حضور الصلاة بالأزهر،بل أشاعوا عن الأزهر وقتها أن فيه طلسما سحريا (فلا يسكنه عصفور ولا يفرخ به وكذا سائرالطيور من الحمام واليمام وغيره).  وجعله الخليفة العزيز بالله جامعة يدرس فيها  أسرار الدعوة الشيعية الإسماعيلية للقادمين من الآفاق وفق تقسيم العالم الى ساحات وجزر كما ذكر المقريزى فى ترتيب الدعوة الفاطمية . وأوقف الحاكم بأمر الله أوقافا للإنفاق علىالجامع الأزهر وجامع المقس والجامع الحاكمي ودار العلم بالقاهرة . ثم قام المستنصر بتجديد الجامع الأزهر والزيادة فيه .  وجدّده أيضا الحافظ الفاطمي وزاد في مساحة الأروقة، وأنشأفيه ( مقصورة لطيفة تجاور الباب الغربي الذي في مقدم الجامع بداخل الرواقات عرفت بمقصورة فاطمة)،  فقد أشاعوا أن فاطمة الزهراء رضي الله عنها رؤيت بهذا المكان في المنام تدعو لإقامة هذه المقصورة .

3 ـ بالاضافة الى نشر التشيع تسلل الفاطميون للمصريين بالتصوف ( الشيعى ) وبدأت الطرق الصوفية الشيعية تتسلل بين المصريين تنشر بينهم التشيع على أنه ( الاسلام ) ، ولا تزال الحياة الدينية للمسلمين تحمل هذه المؤثرات الفاطمية . وأنشأ المستنصر الفاطمى للصوفية الشيعة الخوانق فتأسست أول خانقاة للصوفية الشيعة فى مصر وهى خانقاة سعيد السعداء .

 فى العصر الأيوبى

1 ـ لم يكتف صلاح الدين الأيوبى بحرب التشيع سياسيا وحربيا بل حاربه دينيا بتشجيع التصوف السّنى ليحلّ محلّ التصوف الشيعى ،فتحولت خانقاه سعيد السعداء الى معقل لنشر التصوف السّنى ، واستورد لها صوفية سنيين، وأوقف عليها عقارات بالقاهرة وأراضى زراعية بالمنيا . واصبح شيخها يعرف بشيخ الشيوخ، أى إمام وشيخ لكل الصوفية ، واستمر نفوذها ودورها فى العصر المملوكى .

2 ـ كما قام صلاح الدين الأيوبى بملاحقة الشيعة داخل القاهرة وخارجها ، وبإغلاق وتعطيل الدراسة فى الأزهر وسائر المعاهد الشيعية ما ظهر منها وما بطن ، وظل الجامع الأزهر معطلًا من إقامة الجمعة فيه مائة عام الى أن أعيدت الخطبة في أيام الملك الظاهربيبرس على حد قول المقريزى فى الخطط .

 الأزهر والأوقاف فى العصر المملوكى

1 ـ  يعود الفضل للسلطان المملوكي  الظاهر بيبرس في إعادة الخطبة والجمعة إلى الجامع الأزهر في عام 665هـ = 1266-1267م.، كما قام بتجديده وتوسعته، وإعادة فرشه، واستعاد الأوقاف من غاصبيها. وفي عهده تم بناء أول رواق للتدريس في الجامع الأزهر  . وأوقفت عليه .  

 2 ـ وحدثت تجديدات وإضافات للجامع الأزهر تبرع بها المماليك طبقا للوقف الخيرى . فعمل الأمير بيلبك الخازندار فيه مقصورة كبيرةورتب فيها جماعة من الفقهاء لقراءة الفقه الشافعي،ورتب فيها مدرسا لقراءة الحديث والمواعظ ، ووقف على ذلك الأوقاف ، ورتببه سبعة لقراءة القرآن ورتب به مدرسًا، على حد قول المقريزى . ثم قام الأمير "علاء الدين طيبرس" نقيب الجيوش في عهد الناصر محمد قلاوون بإنشاء المدرسة الطيبرسية سنة (709هـ/ 1309م)، وألحقها بالجامع الأزهر، وقرر بها دروسًا للعلم . وتبعه فى عصر الناصر محمد بن قلاوون- الأمير علاء الدين آقبغا سنة (740هـ/ 1340م) الذى أنشأ المدرسة الأقبغاوية، وألحقها  بالأزهر . ثم أنشأ الأمير جوهر القنقبائي خازندار السلطان الأشرف برسباي مدرسة ثالثة عُرفت باسم المدرسة الجوهرية . و قام السلطان قايتباي المحمودي سنة (873هـ/ 1468م) بهدم الباب الواقع في الجهة الشمالية الغربية للجامع، وشيده من جديد ،وأقام على يمينه مئذنة.   ثم قام السلطان قانصوه الغوري ببناء المئذنة ذات الرأسين.

3 ـ وفى زلزال عام 702 سقطالجامع الأزهر،فتولى الأمير سلارعمارة الجامع الجامع الأزهر‏.‏ثم جددت عمارة الجامع الأزهر سنة 725على يد القاضي الأسعردي محتسب القاهرة ، وأعيد تجديده فى عام 761 فى ىسلطنة الناصر حسن القلاوونى بعناية  الأميرالطواشي سعد الدين الجامدار الناصري، وقد رتّب فيه مصحفًا وجعل له قارئًا وأنشأ على باب الجامع القبلي حانوتًا لتسبيل الماءالعذب في كل يوم،وعمل فوقه مكتب سبيل لإقراء أيتام المسلمين كتاب الله العزيز ورتبللفقراء( الصوفية )  المجاورين طعامًا يطبخ كل يوم ،ورتبفيه درسًا للفقهاء من الحنفية يجلس مدرسهم لإلقاء الفقه في المحراب الكبير. يقول المقريزى : (ووقف علىذلك أوقافًا جليلة باقية إلى يومنا هذا.ومؤذنو الجامع يدعون في كل جمعة وبعد كلصلاة للسلطان حسن إلى هذا الوقت الذي نحن فيه‏.‏).

3 ـ أى إنّ أوقاف البر ( الأوقاف الخيرية ) إتجهت نحو الأزهر الذى لم يكن له سلطان قائم فى الحكم ، بينما ولّت الأوقاف الأهلية وجهها شطر أصحابها من السلاطين والأمراء وأصحاب النفوذ ، تحمى ثرواتهم من المصادرة .

4 ـ وبهذا أصبح الأزهر وقتها تكية للعاطلين والهاربين ووجهة للوافدين الى مصر، يجدون فيه ما يهوون وما يشاءون ، وبينما كان صاحب الوقف الأهلى حريصا على تطبيق شروطه فى كتاب الوقف ، وعلى التفتيش على من يعينهم من مدرسى وموظفى الوقف فإنّ الأمر إختلف مع التبرع للأزهر بالصدقات من  ريع الأوقاف ، فكان العطاء فيها للبرّ بلا تدقيق فى كيفية التوزيع أو مراقبة لما يقوم به المدرسون و الصوفية المنقطعون للعبادة والدعاء لمن يتبرع لهم . ولهذا  حدثت محنة لمجاورى الأزهر عام 810 ،وقد ذكرها المقريزى فى الخطط وفى تاريخه السلوك ، وأوردها فى ضوء نقمته على الأمير المملوكى سودون حاجب الحجاب . وقتها زاد عدد المجاورين فيه من القادمين لمصر ومن الهاربين من الأرياف ، يقول المقريزى ( وبلغت عدتهم في هذه الأيام سبعمائةوخمسين رجلًا ما بين عجم وزيالعة ومن أهل ريف مصر ومغاربه،ولكل طائفة رواق يعرف بهم، فلا يزال الجامع عامرًا بتلاوة القرآن ودراسته وتلقينه والإشتغال بأنواع العلومالفقه والحديث والتفسير والنحو ومجالس الوعظ وحلق الذكر،فيجد الإنسان إذا دخل هذاالجامع من الإنس بالله والإرتياح وترويح النفس ما لايجده في غيره . وصار أربابالأموال يقصدون هذا الجامع بأنواع البر من الذهب والفضة والفلوس إعانة للمجاورينفيه على عبادة الله تعالى، وكل قليل تحمل إليهم أنواع الأطعمة والخبز والحلاوات، لاسيما في المواسم ) ولكن وشاية جاءت للأمير سودون حاجب الحجاب بأن المجاورين فى الأزهر يرتكبون الفواحش ليلا .يقول المقريزى: ( وأشاع أن أناسًا يبيتون بالجامعويفعلون فيه منكرات، وكانت العادة قد جرت بمبيت كثير من الناس في الجامع ما بين تاجروفقيه وجندي وغيرهم ، منهم من يقصد بمبيته البركة ، ومنهم من لايجد مكانًا يأويه، ومنهممن يستروح بمبيته هناك ، خصوصًا في ليالي الصيف وليالي شهر رمضان فإنه يمتلئ صحنهوأكثر رواقاته‏.‏) يقول المقريزى عن الأمير سودون : ( فلما كانت ليلة الأحد الحادي عشر من جمادي الآخرة طرق الأمير سودونالجامع بعد العشاء الآخرة والوقت صيف وقبض على جماعة وضربهم في الجامع . ( أى ضبطهم متلبسين بالطبع ، وإلا ما ستحقوا الضرب فى الجامع . ويقول المقريزى متحاملا على الأمير سودون : (وكان قد جاءمعه من الأعوان والغلمانوغوغاء العامة ومن يريد النهب جماعة ، فحلّبمن كان في الجامعأنواع البلاء،ووقع فيهم النهب،فأخذت فرشهم وعمائمهم ، وفتشت أوساطهم ، وسلبوا ما كانمربوطًا عليها من ذهب وفضة. ).

5 ـ ومع ذلك ظل الأزهر يفتح أبوابه للفاسدين والهاربين من الريف ، وكان منهم القاضى (هانى ) سيىء السمعة وقد عرضنا له فى كتابنا عن المجتمع المصرى فى عصر قايتباى . وفى عصر قايتباى إهتم الأمير يشبك الدادار الكبير بفقراء الأزهر فجعل ريع بعض أوقافه للتوزيع خبزا وطعاما مطبوخا وليس نقدا . وفي يوم الاثنين 3 ربيع الثاني 877، قبل سفره للشام أقام الداودار الكبير مأدبة حافلة للطلبة في جامع الأزهر على أمل أن ينتصر على شاه سوار، يقول ابن الصيرفي "صنع عظيم الدنيا أمير سلاح الداودار الكبير وباش العسكر المنصور ومع ذلك نجاه الله من المهالك، معروفاً عظيماً للفقراء الفاطميين بجامع الأزهر في كل يوم من الخبز ألفاً ومائتا رغيف وطعام يطبخ لهم في كل يوم فجزاه الله خيراً وتقبل منه، ثم أنه بعد سفره تخاصم أهل الجامع فيما بينهم وصاروا يرافعون بعضهم ويقولون: هذا له وظيفة، هذا له قراءة، حتى بطل ذلك والأمر بيد الله المالك.). أى بينما كان كبار الشيوخ والفقهاء والقضاة يتنافسون ويتشاجرون فى سبيل المناصب وآلاف الدنانير فإنّ صوفية الأزهر وروّاده كانوا من الرعاع الجوعى يتنافسون على الرغيف .!!.. كان هذا هو الفارق بين الأزهر وبقية المؤسسات التابعة للوقف الأهلى وحيتان العصر المملوكى .

أخيرا :

1 ـ نخلص مما سبق إن الأزهر شهد علوّ صيته حين كان مركز الدعوة الشيعية الاسماعيلية فى ( العالم الاسلامى ) وبدعات وصل نفوذ الشيعة الى ضواحى بغداد نفسها. وكانت تغدق علي الأزهر الأوقاف الخيرية الفاطمية خدمة لأهدافها السياسية ، وبنفس السبب كان تعطليه على يد صلاح الدين الأيوبى وقيام خانقاه سعيد السعداء لتؤدى دورا مناهضا للتشيع . ثم عاد الأزهر منذ سلطنة الظاهر بيبرس يجتذب اليه أوقاف المحسنين الخيرية ، حيث يلجأ اليه القليل من طلبة الفقه السنى والكثير من الرعاع محترفى الفقر أو التصوف بمصطلح العصر المملوكى ، كما جذب اليه الأزهر الكثيرين من العوام و اللاجئين والهاربين من فلاحى الريف المصرى ، وصار مكانا للسمر والسهر والفسوق استوجب قيام حملة الأمير المملوكى سودون عام 810 .

2 ـ وفى كل الأحوال فإن الأزهر كان قد فقد دوره الريادى فى العصر المملوكى الذى إشتهرت فيه خوانق وقباب وأضرحة ومدارس شغلت الاهتمام من السلاطين والمؤرخين والناس، وتنازع على رئاستها شيوخ الفقه وأساطين القضاء ، منها خانقاه سعيد السعداء ، وخانقاه سرياقوس ، وخانقاه السلطان قلاوون ، وجامع أو مدرسة الظاهر بيبرس ، و خانقاه جمال الدين الاستادار ..ظل الأزهر فى الظّل الى قبيل سقوط الدولة المملوكية ، حيث عاد اليه الشيعة أو شيوخ القزل باش ليجعلوه مركزا لاستعادة الحكم الشيعى . ثم سقط المخطط الشيعى ، ولكن نجح فقط فى أن أعاد الأزهر الى الضوء حتى عصرنا .وهذا هام جدا فى عصر الاخوان ودستور مرسى .

2 ـ كيف هذا ؟ إنتظرونا ..

 

 

دستور مرسى وسلب ثروات المصريين بالأوقاف:( 9 / 5) الاوقاف والأزهر وشيوخ القزلباش

مقدمة

1 ـ فى إطار التصوف دار الصراع السياسى بين السنيين والشيعة بالتصوف السّنى والتصوف الشيعى . واستغل الفاطميون التصوف الشيعى فى مصر . وأحيا صلاح الدين الأيوبى التصوف السنى ليحارب به التشيع وتصوفه . وعند ضعف الأيوبيين أسّس الشيعة حركة سرية كبرى تتخفّى بالتصوف ، مركزها طنطا وتصل فروعها من المغرب الى العراق لاسقاط الدول الأيوبية ، وفشلت الحركة بوصول المماليك  للحكم للماليك ويقظة الظاهر بيبرس ، مما جعل زعيم الحركة الشيعية المتخفى بالتصوف وهو ( أحمد البدوى ) يواصل تخفيه بالتصوف لينجو بحياته هو أصحابه. فشلت هذه الحركة السرية سياسيا ولكن أصبح زعماؤها أشهر الأولياء الصوفية  ومنهم الرفاعى والسيد البدوى وأبو الحسن الشاذلى وأبو العباس المرسى . وقد عرضنا لهذا بالتفصيل فى كتابنا ( السيد البدوى بين الحقيقة والخرافة ) وهو منشور هنا . بإختصار حاول الشيعة فى أواخر الحكم الأيوبى إرجاع الحكم الفاطمى الشيعى ففشلوا، وعادت خلاياهم السرية للنوم تنتظر الفرصة المناسبة.   

 

2 ـ ودخلت الدولة المملوكية فى دور الضعف الداخلى بسبب فساد جندها من المماليك الجلب واستيلاء الأوقاف على معظم الأراضى الزراعية واكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح وتحول التجارة العالمية اليه بدلا من البحر الأحمر . فى هذا الوقت أسّس شيعة ايران بالتصوف الشيعى الدولة الصفوية التى أخذت تتوسع غربا لتواجه قوتين سنيّتين:الدولة العثمانية فى شبابها والدولة المملوكية الهرمة المترهّلة .  وتجاورت أملاك الدول الثلاث ، وانتهى الصراع بينها بسقوط الدولة المملوكية وتحول مصر والشام والحجاز لولايات عثمانية. كان المفروض أن تتحالف الدولتان السنيتان (العثمانية والمملوكية ) ضد إسماعيل الصفوي الذى أنشأ شبكة من دعاته (القزل باش) لإقامة حكم شيعى على حساب المماليك والعثمانيين معا . ولكن تمكن إسماعيل الصفوى من الوقيعة بين الغورى وسليم العثمانى، فاجتذب السلطان الغورى إلى صفه وجعله يحارب العثمانيين على غير استعداد تام منه لحربهم وعلى غير نية حقيقية من العثمانيين لتدمير الدولة المملوكية. 

3 ـ دولة إسماعيل الصفوى قامت وتوسّعت وانتصرت ثم انهزمت واندثرت من خلال جماعة القزل باش ، هم الذين قاموا برعاية اسماعيل الصفوى فى طفولته ومحنته وهم الذين أسسوا له دولته ، وكانوا جند اسماعيل الصفوى وقادة دولته من الدعاة والسياسيين  الذين أقاموا شبكة من العملاء انتشرت من مصر الى العراق والشام وآسيا الصغرى لتعيد المجد الفارسى باسم التشيع . تسلل الشيعة القزل باش لمصر، وجعلوا جامع الأزهر قبلتهم ، وبهم عقد الغورى تحالفا سريا مع الشاه اسماعيل الصفوى ، وسار الغورى بجيش ليؤازر حليفه الصفوى فى حربه ضد السلطان سليم العثمانى فهزمه سليم العثمانى واستولى على الشام ومصر .

4 ـ أى فى القرن السابع الهجرى ونهاية الدولة الأيوبية وبداية الدولة المملوكية فشلت خطة الشيعة فى استغلال التصوف الشيعى فى إقامة دولة شيعية فى مصر فى حركة البدوى السرية ، و فى القرن العاشر الهجرى أيضا فشل الشيعة القزلباش فى نهاية الدولة المملوكية فى إقامة ملكهم الشيعى باستغلال الأزهر فسقطت مصر ولاية عثمانية . وكما أسفر فشل حركة البدوى عن تأسيس التقديس للبدوى ورفاقه كأشهر الأولياء الصوفية فإنّ فشل شيعة القزل باش فى إستعادة الخلافة الفاطمية أدى الى تقديس(الأزهر) الذى كان مركزا لهم ، جلبوا له الكثير من الأوقاف فانتعش من العصر العثمانى بينما اندثرت المؤسسات الدينية المشهورة الأخرى التى أقامها السلاطين والأمراء المماليك.

ونعطى فى هذا المقال البحثى لمحة عن دور القزل باش فى سقوط الدولة المملوكية، لأنها الجذور التى برز منها دور الأزهر بعد طول خمول .

أولا :العلاقات السيئة بين المماليك والعثمانيين :

1 ـ السبب الأول هو تجاور أملاكهما فى آسيا الصغرى، وبينما كانت تلك الولايات بعيدة عن مركز الدولة المملوكية فقد كانت المجال الحيوى للعثمانيين ، فتنازع محمد الفاتح والظاهر خشقدم حول إمارتي زى الغادر وفرغان ، وتنازع قايتباي وبايزيد الثاني بسبب على دولات. وكانت الدولة الدلغاردية واقعة في الركن الجنوبي الشرقي من الأناضول ،وتابعة للدولة المملوكية. وقد أغتيل حاكمها  الأميرسليمان بتدبير السلطان المملوكى خشقدم ، فثار إبنه الأمير شاه سوار على الدولة المملوكية ، وأيدته الدولة العثمانية . وطالت الحرب بين سوار والمماليك فى عصر قايتباى ، وقد عرضنا لذلك فى كتابنا عن المجتمع المصرى فى عصر قايتباى .وأرسل قايتباى حملته الثالثة فهزمت شاه سوار ، وجىء به للقاهرة حيث تم قتله صلبا مع كبار أتباعه  في ربيع الأول  877 .

2 ـ واستغل المماليك نزاع البيت العثمانى فآوى السلطان برسباي أميرا عثمانيا  واحتفظ به ورقة رابحة ضد عمه مراد العثماني. وبعد موت السلطان  محمد الفاتح تنازع ابناه " جم  وبايزيد على العرش. ولكن الغلبة كانت من نصيب بايزيد، ففر (جم ) إلى مصر حيث احتمى بسلطان قايتباى

 ثانيا ـ العلاقات السيئة بين الدولتين الصفوية والعثمانية :

1 ـ في عهد بايزيد العثمانى ظهرت الدولة الصفوية بزعامة الشاه اسماعيل بن حيدر. ورث الشيخ الصوفى ( حيدر ) عن أجداده طريقة صوفية قوية فخلطها بالتشيع فتكاثر أتباعه وانغمس فى السياسة وصراعاتها ، وأسس جماعة القزل باش، وأنجب اسماعيل ( الصوفى الصفوى )عام 892 ، وأدت الصراعات السياسية الى مقتل حيدر، فقام القزلباش بتهريب وحماية الطفل اسماعيل الى أن أقاموا له ملكه عام 905 . وفي أوائل عام 907 إحتلّ الشاهإسمعيل تبريز بدون مقاومة ، وأعلن  نفسه ملكاً لايران .وأقام القزل باش فى تبريز مذابح للسنيين وفقهائهم . وأمروا أن تكون الخطبة باسم الأئمةالإثني عشر الشيعة ، وأدخلوا في الأذان عبارة: أشهد أن علياً ولي الله ! . وكانوا يلازمون المساجد لمراقبة الخطباء فإذا شكّوا فى أحدهم قتلوه فى المسجد. وفي سنة908، فتح اسمعيل غربإيران، و فتح بغداد في خريفعام 914 .

2 ـ بعدها انتشرت خلايا القزلباش داخل الدولة العثمانية في الأناضول ، فأقاموا ثورة مسلحة قادها داعي دعاة الشاه الشيعي ( الشاه قول ) ضد العثمانيين، وهزم الصدر الأعظم العثمانى وقتله. بل وصل تأثير القزل باش الى البيت العثمانى نفسه ، فانضم لهم الأمير قرقد ابن السلطان بايزيد الثاني الطامع في عرش أبيه والأميران شاهنشاه ومراد ابنا الأمير احمد أخي السلطان سليم . أثار هذا الأمير سليم على أبيه بايزيد   ، وتمكن سليم من إجبار والده التنازل له عن الحكم عام  918 . وبدأ سليم حكمه بإبادة 40 ألفا  من القزل باش المعروفين فى الأناضول، ونقل الشيعة الآخرين الى أوربا العثمانية ليضمن مؤخرته في أي صراع مع الشاه. وفى معركة جالديران عام 920 انتصر سليم ، وهرب الشاه تاركا زوجته اسيرة لدى السلطان سليم .

ثالثا : علاقات الغورى والشاه اسماعيل الصفوى والعثمانيين  :

1 ـ رصدها المؤرخ ابن إياس ، وهو يطلق على الشاه اسماعيل الصفوى لقب ( الصوفى ) نسبة لطريقته الصوفية الشيعية . فقد تحرك الشاه عسكريا ضد الممتلكات المملوكية المجاورة له فى عامى 908  و 913، مما أسهم فى إذابة الجليد فى العلاقات بين المماليك والعثمانيين . وتمكن على دولات التابع للماليك من هزيمة جيش للشاه اسماعيل الصفوى، وارسل للغورى عدة رءوس من القتلى وأسيرا من الأمراء القزلباش يرتدى الزى الرسمى لهم وهو الطرطور الأحمر. وخاف الشاه اسماعيل من عقد تحالف بين الغورى والعثمانيين فأرسل وفدا يصلح العلاقات مع الغورى. ولكن ظهر للغورى نفاق الشاه اسماعيل   ، فقد ثار الشيعة فى الصعيد عام 911 ، بتأثير القزل باش ، وسعى اسماعيل الصفوى الى عقد تحالف مع بعض ملوك الافرنجة ضد المماليك ، وقبض والى الحجاز على ثلاثة من الجواسيس القزل باش. يقول ابن اياس:( قبض على جماعة من عند إسماعيل الصوفي ( الصفوى ) ومعهم ـ مكاتبات منه إلى بعض ملوك الفرنج بأن يكونوا معه عون على ـ سلطان مصر وأنهم يأتون مصر من البحر ويأتي هو من البر ).. ومما يذكر أن الفرنجة قد استولوا في هذا الشهر على طرابلس الغرب ( وقد قبض شريف مكة على ثلاثة منهم متنكرين ). وفى تلك الأثناء كان عسكر الشاه الصفوي يهاجم أطراف البيرة التابعة للمماليك ، وخرج جيش من البيرة لقتال اسماعيل الصفوى ، وكانت المفاجأة أن معظم الجيش كان من عملاء القزل باش ، فانضموا عند القتال للشاه ،وقتلوا القائد المملوكى ( أزبك خان )، وأرسل الشاه الى الغورى برأس أزبك خان مع أبيات من الشعر يفخر فيها بقوته وتشيعه وجنده، بما يؤكّد قوة أتباعه القزلباش ووصولهم الى أبعد ما يتخيله الغورى . فى نفس الوقت تسلل القزل باش الى قبائل الأعراب فى مصر، فثاروا علي الغوري أو كما يقول ابن إياس ( تحالفت سبع طوائف من العربان بأن يكونوا يدا واحدة على العصيان ). وخاف الغوري من أشباح القزل باش ، وقوى الشّك عنده فى تحركات الأشراف الشيعة المشاهير خشية ان يكون من بينهم من يوالى القزل باش ، فاخرج عنهم ( شيئا من الجهات الموقوفة عليهم )( وعقد مجلسا بالقضاة الأربعة للبحث فيمن اتهم بادعاء النسب الشريف ) منهم مخافة أن يكون بينهم من ادعى  النسب وهو جاسوس للشاه . وأرسل الشاه رسالة غاضبة للغورى فيها عبارات (يابسة ) كما يقول ابن اياس ، ورد الغوري بمثلها فى رسالة حملها رسول الغورى ، وهو الأمير المملوكى تمرباى . وقد أساء الشاه اسماعيل معاملة رسول الغورى ، أو على حدّ قول ابن إياس ( أفحش الصوفي في حق تمرباي قاصد الغوري ) . وأدت النتيجة الى هلع الغورى من الشاه ، مما جعله يرد بأن أوكب المواكب لمقابلة سفير الشاه ، أو ( وكان غليظا شديد البأس ).  وفى نفس الوقت حرص الغورى على التقرب للعثمانيين ،     بل أن الغوري توسط للصلح بين الأمير( قرقد ) الذي جاء لمصر مغاضبا لأبيه السلطان بايزيد وبالغ في إكرامه واستجاب لشفاعته في بعض الأمراء ثم عاد الأمير العثماني لبلاده شاكرا ، وتحسنت العلاقات المملوكية العثمانية ، فبعث الغوري الأموال ليشترى الأخشاب والبارود والحديد من الدولة العثمانية فرد السلطان العثماني المال وبعث بمراكب محملة بها، ووصل من لدنه قاصد يمتدح فيها الغوري ويستفسر عن وصول المراكب، وبعد ذلك بعام أرسل الغوري قاصدا لشراء مهمات أخرى فأكرمه ابن عثمان ـ وكان السلطان سليم قد تولى ، فأرسلها في مراكب موسوقة.

وبدت بوادر التحالف بين الغوري وبايزيد الثاني لمواجهة الشاه إسماعيل والقزل باش ، ويقول بايزيد في رسالة للغوري ( ... وأما قصة غلبة الفرقة الضالة القزلباشية في البلاد الشرقية فإنها بلية عامة ظهرت في تلك النواحي فدفعهم لازم بل واجب على الأداني والأقاصي ، فالمقصود من دفعهم واستيصالهم بعناية الملك العلام الموافقة والاهتمام لأنهم أهل البدع والضلالة وأصحاب الشر والشقاوة، كلهم روافض ..). وأدرك الغورى أيضا خطورة القزل باش فكتب رسالة للسلطان بايزيد الثاني رسالة يحث فيها على محاربة القزلباش وعرض عليه المساعدة وقال بوجوب محو ( فئة الصوفية والملاحدة القزلباش ) .  

رابعا : ـ الدور السّرى للقزل باش فى تحالف الغوري مع الشاه اسماعيل الصفوي  

1ـ اخفق الشاه إسماعيل في سياسته ضد الغوري ولم يجن منها إلا مزيد التقارب بين الغوري والعثمانيين . ويبدو أنه شعر بخطورة السلطان سليم بعد والده المسالم . وشعر باقتراب اللحظة الحاسمة للصراع بينه وبين السلطان الجديد المتحمس للقضاء على الخطر الشيعي  فبذل وسعه في إزالة الخلاف بينه وبين الغوري، وعقد أواصر التآلف بينهما في جو من السرية التي أتقنها دعاة الشيعة القزل باش . وتوصل احدهم إلى أن يكون نديم الغوري ، فقد قام الشريف العجمي الشنقجي بدور هام في التحالف السري بين الغوري وإسماعيل الصفوي يقول ابن إياس ( حضر إلى الأبواب الشريفة العجمي الشنقجي نديم السلطان الذي كان توجه بأفيال إلى نائب الشام ونائب حلب ( للاستعانة بها في حرب العثمانيين ). وقد أبطأ مدة طويلة حتى أشاعوا موته غير ما مرة، فظهر أن السلطان ( الغورى ) كان أرسله إلى شاه إسماعيل الصوفي في الخفية، في خبر سرّ للسلطان بينه وبين الصوفي كما أشيع بين الناس ذلك .. فلما كان يوم السبت خامس عشر ربيع الآخر خرج السلطان ... قاصد نحو البلاد الشامية والحلبية )، أى خرج الغورى بجيشه ولم يرجع ، إذ حدثت موقعة مرج دابق . خرج الغورى تنفيذا لذلك الاتفاق السري بين الغوري وإسماعيل الصفوي الذى عقده الشيخ القزلباشى، والذي لم تذكر المصادر شيئا عن بنوده. والمؤرخ الغزّى كان معاصرا مثل ابن اياس لهذه الأحداث ، وهو يقرر ما قاله ابن إياس ، يقول الغزى فى تاريخه ( الكوكاكب السائرة فى تاريخ المائة العاشرة ): ( قبل معركة مرج دابق قرّب الغوري إليه أعجميا كان ينسج المودة في الباطن بينه وبين  شاه إسماعيل حتى أخرجه من مصر لقتال سليم بحجة الإصلاح بينه وبين الصوفي ).وهكذا استطاع ذلك الرسول السري الصوفي الشيعي القزل باشى التأثير على الغوري وأن يخرجه من مأمنه إلى مقتله. وبوسائل لا نعرف عنها شيئا ..

2ـ  بعد إنتصاره على الشاه اسماعيل فى جالديران عام 920 إضطر سليم لمواجهة جيش الغورى ، وهزمه وقتله فى مرج دابق ، وبتشجيع أمراء المماليك الخونة تشجع فى الزحف نحو الشام فتساقطت أمامه دولة المماليك من الشام الى القاهرة ، وهزم السلطان الجديد طومان باى فى معركة الريدانية ، وتحولت مصر الى ولاية عثمانية .

3 ـ لم يكن سليم يطمع في الاستيلاء على الشام ومصر. كان السلطان سليم متخوفا من توغله في الشام ومصر، وحين أصيب ببعض الخسائر صاح في  خايربك ( أنت أغررتني وطمعتني في أخذ هذا الإقليم فأنظر كيف وحين تصنع وتدبر نفسك كيف تتصرف وإلا فهيا براسك ) . وحين أسر طومان باى قال له سليم : والله ما كان قصدي أذيتك ونويت الرجوع من حلب ولو أطعتني من الأول وجعلت السكة والخطبة بأسمى ما جيت لك و لا دُست أرضك ) . لم تكن لسليم أطماع حتى في ممتلكات غريمه إسماعيل الصفوي الذي كان لا يكف عن الاعتداء عليه في عقر داره، والذي كان ظهوره قلبا في استراتيجية الدولة العثمانية السنية المتجهة في فتوحها نحو أوربا المسيحية. وقد صرح سليم في رسالته  للغوري في محرم 922 بأن غرضه هو تأديب القزلباش ( كان لمجرد إظهار النواميس الإلهية والشرائع النبوية .. ولم يخطر ببالنا الشريف حقيقة طمع في المملكة أو استيلاء على الديار واكتفينا بتفريق شملهم وكسر أنوفهم ... ويعلم الله وكفى به شهيد أنه لم يخطر على البال قط طمع في أحد من سلاطين المسلمين أو في مملكته أو رغبة في إلحاق الضرر به لم يحدث ذلك لأن الشرع الشريف ينهى عنه! ) .وإذا كان هذا هو الحال مع الشاه الصفوي فكيف يطمع سليم في حين سابق ـ في الدولة المملوكية ؟. وقد بعث سليم يستميل طومان باى ويطلب طاعته ، وكرر هذه الدعوة بعد هزيمة طومان وفراره للصعيد ، وقد رضي طومان بأن يحكم باسم العثمانيين ولكن قتل بعض المماليك رسل العثمانيين ففشلت الوساطة . المستفاد من ذلك أن القزل باش هم سبب سقوط الدولة المملوكية ، وتحول مصر الى ولاية عثمانية .

خامسا : دسائس القزلباش بعد سقوط الدولة المملوكية

 فوجيء اسماعيل الصفوى بالانهيار السريع للدولة المملوكية غنيمة سهلة أمام خصمه اللدود سليم الأول . وهذا الأتساع الجديد للدولة العثمانية ـ علاوة على ما فيه من مكاسب لسليم ـ فقد سد الطريق أمام إسماعيل الصوفي للتوسع غربا ولم يعد أمامه إلا تكثيف جهود القزلباش للكيد للعثمانيين، فنشطت خلاياهم تلاحق العثمانيين وتؤرقهم بعد سقوط الدولة المملوكية . ونعطى ما توفّر لنا من أمثلة :

1 ـ فى حياة الغورى استولى السلطان سليم على إمارة دلغادر عام 921 التى كانت تابعة للدولة المملوكية، وجعل على بن شاه سوار حاكما عليها باسم العثمانيين مما أغضب السلطان الغورى لأن الوالى الجديد هو ابن شاه سوار الذى حارب السلطان قايتباى . وكان قايتباى قد أمر بصلب شاه سوار على باب زويلة.  وكان على بن سوار هذا حريصا على الثأر لأبيه شاه سوار. وبعد أسر طومان باى كان الذى تولى صلبه على باب زويله هو ذلك الأمير على بن شاه سوار. الغريب هنا أن ينجح القزل باش فى استمالة على بن شاه سوار ، وتشجيعه على الثورة ضد سليم العثمانى ، وانكشفت المؤامرة فأمر سليم باعدام علي بن شاه سوار مصرعه سنة 928 .  

2 ـ  وقام القزل باش فى دمشق بإثارة الشيعة فقاموا بمظاهرات يندبون الحسين ، توطئة لتحويل المظاهرات من شيعية عادية الى ثورة سياسية ، ولكن سارع العثمانيون بإخمادها .

3 ـ وأعتقل العثمانيون جاسوسا بدمشق من القزلباش أقر بأن الصفوى عزم على التوجه إلى آمد .

4 ـ ووصل جواسيس القزلباش الى الأمير العربى ابن حنش الشيعي المقيم في صيدا والمعروف بشدته ، وكان الأمير المملوكى جان  بردى الغزالي بعد هزيمة الغورى قد قام بتسليم دمشق لابن حنش ، ليصد عنها جيش العثمانيين ، بينما تابع هذا الأمير المملوكى سيره مع الأمراء إلى مصر . وقبل ابن حنش تحمل المسؤولية ولا سيما وقد وعده السلطان المملوكى فى القاهرة طومان باى بتوليته على الشام إذا نجح في ذلك ، بل وعينه واليا على حمص. إلا أن الأهالي اتفقوا على التسليم للعثمانيين ، فرضخ ابن حنش للأمر الواقع وأعلن تبعيته للعثمانيين . ولكنه كان يعدّ العدة للثورة على العثمانيين متحالفا مع القزلباش ، وإنكشف أمره للسلطان سليم العثمانى الذى كان قمة فى الحذر من الشيعة خصوصا المشاهير منهم ، فبادر بالأمر بعزل ابن حنش واعتقاله . وفى تاريخ ابن طولون المعاصر للفتح العثمانى لمصر والشام نشم رائحة علاقات خفية بين ابن حنش وأتباع الشاه إسماعيل الصفوى ( القزل باش ) والمماليك المهزومين الذين اختبأوا عنده . وقبل القبض عليه بادر ابن حنش بالثورة على العثمانيين .

5 ـ وأفلح القزلباش فى أن يضموا أمراء آخرين ثاروا مع ابن حنش ، منهم ابن حرفوش في سهل البقاع وابن فخر الدين المعنى الدرزي. واستفحل أمر الثورة بعد مغادرة سليم دمشق إلى حلب وانتهت الثورة بمقتل وهزيمة ابن حنش وابن حرفوش  ، وكان سليم لا يزال في حلب.

6 ـ ووصل القزلباش الى التأثير على الأمير جان بردى الغزالى الذى انضم الى العثمانيين وخان رفاقه المماليك ، بل كان جان بردى الغزالى هو الذى تولى هزيمة صديقه ابن حنش لصالح سيده السلطان سليم . ولكن استطاع القزلباش التأثير على جان بردى الغزالى نفسه وأقنعوه بالثورة على العثمانيين ، وكان القزلباش قد أخبروا جان بردى الغزالى بأن سيدهم الشاه اسماعيل الصفوى سيرسل له 12 ألف جندى لمساعدته ، وعلم بذلك السلطان سليم فاحتاطوا مقدما ، فكان مصير جان بردى الغزالى الفشل. 

7 ـ أكثر من هذا ..كان ظهير الدين الأردبيلي (أحد مشاهير العلماء السنيين فى تبريز) عميلا سريا للقزلباش ، اى كان شيعيا من القزل باش تنكر وسط المحيط السّنى فى تبريز واشتهر بينهم الى درجة أن السلطان سليم العثمانى إعتقد فى إخلاصه للسّنة ، فاصطحبه سليم وأخذه معه إلى عاصمته العثمانية ، وعيّن له كل يوم ثمانين درهما . ثم أرسله السلطان سليم مرشدا ومعلما للوالى العثمانى على مصر ، وكان أحمد باشا مملوك سليم ، وخادمه الأمين المخلص . وبوصول ظهير الدين الأردبيلى الى القاهرة فقد نجح فى إستمالة الوالى العثمانى وجعله ينقلب على سيده السلطان سليم ويثور ليحوّل مصر إلى الدولة الشيعية ، ولكن أسرع الجيش العثمانى فى مصر بقتال وقتل الوالى العثمانى الثائر ، وأفشل ثورته.

الى هذه الدرجة بلغت مهارة القزل باش . فكيف بهم فى الأزهر قبيل وبعد سقوط الدولة المملوكية ؟ كل ما سبق هى الجذور الذى نفهم منها التطور الذى جعل الأزهر مكانة مقدسة بعد طول خمول .

سادسا : ـ القزل باش والأزهر والأوقاف قبل وبعد سقوط الدولة المملوكية

1 ـ كان توافد الصوفية ( الأعاجم ) لمصر شيئا مألوفا ، واشتهروا بإعلان الإلحاد الصوفى فى الحلول والاتحاد والانحلال الخلقى . ولم تكن المؤسسات الصوفية المنشأة بالوقف الأهلى ترحب بهم ، لحرص صاحبها وواقفها على التدقيق فيمن يتم توظيفهم فى مؤسساتهم من مدرسين وصوفية . ولأن أولئك الأعاجم الوافدين كانوا سيئى السّمعة فقد نجح بعضهم فى الالتحاق ببعض المؤسسات الخاملة والتى تتعيش من الوقف الخيرى كالأزهر . وسبق الحديث عن محنة الأزهر عام 810 حيث يقول المقريزى فى الخطط وفى ( السلوك ) : ( وبلغت عدتهم في هذه الأيام سبعمائةوخمسين رجلًا ما بين عجم وزيالعة ومن أهل ريف مصر ومغاربه، ولكل طائفة رواق يعرف بهم ). أى كان ( العجم ) من أوائل من ذكرهم المقريزى ضمن القاطنين بالأزهر ، وقد قام الأمير سودون حاجب الحجاب بالهجوم على الجامع الأزهر والقبض على من ضبطهم متلبسين بالفضائح الخلقية .

2 ـ إختلفت نوعيات القادمين للإقامة فى الأزهر بعد عصر المقريزى ومع ظهور القزلباش، وفدت نوعيات محترمة من الأعاجم شجعت أصحاب الأوقاف الخيرية على العناية بهم وبذل الأوقاف لهم ، بل وتجديد الجامع الأزهر ، فقام السلطان قايتباي عام 873 بهدم الباب الواقع في الجهة الشمالية الغربية للجامع، وشيده من جديد،وأقام على يمينه مئذنة رشيقة ، وأكمل ما زاده في بناء المسجد قبيل وفاته. وبنى الغورى المئذنة ذات البرجين . وأقام الأمير يشبك مأدبة حافلة للطلبة الأزهر في يوم الاثنين 3 ربيع الثاني 877، قبل سفره للشام على أمل أن ينتصر على شاه سوار.  

3 ـ لم يعد معظم ( مجاورو الأزهر ) من شذّاذ الآفاق والهاربين من هنا وهناك بل طلبة علم تقاة من الأعاجم تميزوا بطربوش أحمر مستدير تتدلى منه (زرّ) بلون مختلف أسود أو أزرق أو أخضر ، وتغطيه عمامة صغيرة بيضاء ، وانتشرت هذه الموضة بين رواقات الأزهر وطلبة العلم فيه . لم يعرف الغورى أنه زى مشتق من عمامة أو طربوش القزلباش الأحمر . ولم يعرف الغورى أن عملاء القزلباش هم أصحاب هذا التحول الخطير فى فى نوعية القادمين من الصوفية للأزهر. ربما كان يعرف هذا أعيان الشيعة المصريين أمهر الناس فى التخفى والتقية .

4 ـ وبعد سقوط الدولة المملوكية تولى هؤلاء القزلباش فى مقرهم السرى بأروقة الأزهر مهمة العمل على أقامة الدولة الشيعية فى مصر . ولكن فشلوا كما فشل السيد البدوى من قبل ، ليس فقط ليقظة الدولة العثمانية وهى فى عنفوان قوتها ، ولكن أيضا لأن إلاه القزلباش الذى كانوا يسجدون له وهو الشاه اسماعيل الصوفى الصفوى مات فجأة عام 930 بعد عمر قصير لم يتجاوز ثمانية وثلاثين عاما .

5 ـ بفشل الحركة سياسيا أدّت الظروف الجديدة فى مصر العثمانية الى إندثار المؤسسات الضخمة وأوقافها التى كانت لها الشهرة فى العصر المملوكى ، والتى قامت بالوقف الأهلى . قلنا إن الوقف الأهلى إزدهر فى الدولة المملوكية لحماية ثروات المماليك من المصادرة، وكان بعضهم يتحايل على ذلك بالاستبدال وغيره . أختلف الحال مع النظام الجديد الذى أرساه العثمانيون فى مصر . لم يعد هناك سلطان مملوكى متحكم،ولكن أبقى العثمانيون على المماليك كقوة محلية تدير القاهرة والأقاليم المصرية لصالحها، وجعلوا السلطة موزعة بينهم وبين الوالى والديوان لإضعاف الجميع وضمان تبعيتهم للعثمانيين .  كما أدخل العثمانيون نظام الالتزام، بقيام إحد الأغنياء بدفع مبالغ مالية مقدماً للدولة مقابل تحصيله للضرائب من المواطنين أضعافا مضاعفة . وتم تطبيق نظام الالتزام على الأرض الزراعية التى اعتبرها العثمانيون ملكا لهم بحق ( الفتح ).  وأدى نظام الالتزام الى مزيد من الخراب خصوصا فى أراضى الوقف الأهلى التى كانت من قبل تابعة للسلاطين المماليك فأصبحت مؤسساتها مجرد أطلال وآثار ، ولا تزال ، بينما إزدهر الأزهر وعلماؤه أصحاب الطربوش الأحمر والزر الملون ، لأن ما بقى من الأوقاف الخيرية توجّه نحو ( الأزهر ) فإكتسب قدسية بعد طول خمول .

أخيرا : مفاجأة :

1 ـ معنى القزلباش  أى "ذوو الرؤوس الحمر". والرأس الأحمر فى الطقوس القزلباشية كان يرمز للعضو الذكرى ، أى القضيب . وكان الطرطور الأحمر المنتصب هو الرمز للقضيب !!.

2 ـ تذكروا هذا كلما رأيتم شيخا من شيوخ الأزهر يتيه تقديسا بالزى الأزهرى ، وهو لايعرف أن ذلك الطربوش المقدس يعنى ( العضو الذكرى ، أو القضيب ) . تذكروا منظر الامام الأكبر شيخ الأزهر وهو يسير متفاخرا بالزى الأزهرى المقدس وفوق رأسه رمز القزلباش ،أى القضيب ..!! و..يحيا الجهل ..!!

3 ـ الموضوع القادم عن صلة هذا بالاخوان وايران وتركيا والسعودية والخليج .. 

 

دستور مرسى والأوقاف:( 9 /6) الاخوان والاوقاف والأزهر وأخونة الخليج

مقدمة

1 ـ بدأنا نشر هذه السلسلة عن دستور الاخوان فى ديسمبر من العام الماضى ، مع عقد اجتماعات تأسيسية الاخوان لوضع دستورهم ، ونحن مستمرون فيها الى ما بعد إقرارهذا الدستور باستفتاء زائف . وسننشر هذه المقالات فى كتاب فيما بعد . وحتى لا يظن القارىء لهذا الكتاب أننا كتبناه تعليقا عما فعله ويفعله الاخوان، فإننا نكرّر ونؤكد أنّ مقالاتنا هذه ـ وما سبقها عن الاخوان من سنوات ـ كاشفة ، تتجوّل فى عقل الاخوان وتتنبأ مقدما بتصرفاتهم .

2 ـ تفرعت هذه المقالات لتتوقف مع الأوقاف لأن دستور الاخوان نصّ عليها بما يشى ويشير الى خطة مبيتة لسلب أموال المصريين بالأوقاف، وكان لا بد من توضيح الاوقاف اصوليا وتاريخيا لأننا نتعامل مع جماعة تريد العودة الى العصور الوسطى حيث فساد الأوقاف وازدهارها . ودستورهم نصّ أيضا على دور الأزهر فكان لزاما الربط بين الأزهر والأوقاف ، بالاضافة الى ربط سابق بين الأزهر والمادة التى تجعل شريعة أهل السّنة والجماعة هى مصدر التشريع . وندخل الآن فى هذه المقالة الكاشفة عن حلم الاخوان بأخونة الخليج توطئة لتحقيق حلمهم فى استرجاع دولة الخلافة ، ولنتذكر سقوط الخلافة العثمانية عام 1924، وتقاعس عبد العزيز آل سعود عن إستعادتها وقت أن كان ملء السمع والبصر وقد استولى على الحجاز . ويأتى الدور على الاخوان فى تحقيق هذا الحلم بعد تأسيس جماعتهم بأكثر من ثمانين عاما . وليس هذا بعيدا عن موضوعنا فى الأوقاف والأزهر . ونعطى بعض التفاصيل :

 

أولا : الأزهر وشيخ الأزهر الحالى

1 ـ أشرنا من قبل الى تجهيز الأزهر ليحتل مكانة المحكمة الدستورية العليا ولأن يلعب دورا سياسيا وتشريعيا . ونجد تطبيقا لهذا فى هذه الأيام ( من شهر يناير 2013 ) فى أخبار شيخ الأزهر وهو يستقبل الوزراء(حتى وزير الداخلية ) وكبار السياسيين الغربيين . هذا مع أن شيخ الأزهر الحالى ( د . الطيب ) ليس من الاخوان ، بل هو ينتمى لدين أرضى مخالف هو( التصوف )، وكان ( د . الطيب ) من قبل من غلمان جمال مبارك ولجنة السياسات وظل مخلصا لآل مبارك حتى آخر لحظة ، وكتبنا مقالا وقتها ـ وهو منشور هنا ـ يجعل العار على شيخ الأزهر الذى جعل نفسه مطية لحاكم مستبد. ولكن الاخوان يستخدمونه مؤقتا لخدمتهم،ويبهرونه بنفوذ سياسى وتغطية اعلامية ويعطونه صلاحيات سياسية لم تكن لشيخ من قبله حتى ينتفخ ويتعود على هذا الوضع ويحرص على الاستمرار فيه ، فيتمسك بطاعة الاخوان، الى أن يصبح غير صالح للإستهلاك الآدمى فيتخلصوا منه .

2 ـ وجود شيخ الأزهر هذا بالذات مهم جدا للإخوان برغم الاختلاف العقيدى بينه وبينهم . فلأنه صوفى فهو يتمتع بكراهية السلفيين واحتقارهم ، وهم لا يتورعون عن الجهر بذلك علنا ، والسلفيون فى غبائهم السياسى يحتاجون الى تربية وسيطرة ومناورات ليتمكن الإخوان من إستغلالهم والاستفادة من غبائهم بأدنى قدر من الأضرار . والاخوان اساتذة فى فنّ المناورة، واستغلال شيخ الأزهر ضد السلفيين واستغلال السلفيين ضد شيخ الأزهر من وسائل تلك المناورة .

3 ـ ثم إنّ شيخ الأزهر متهم علنا بوجود فساد فى جنبات الأزهر ، وهناك شكاوى بهذا الشكل ، ثم إنه ليست له مؤلفات علمية وليس خطيبا مفوّها بل ليس خطيبا من أساسه ، وكتب بعضهم يتهمه بأنه كلّف بعض الباحثين بأن يؤلف بعض الكتب ليضع عليها شيخ الأزهر إسمه . أى نحن أمام شخص يحتل مكانة لا يصلح لها ولا تصلح له ، فليس عالما وليس فقيها وحتى ليس واعظا ، مجرد موظف ارتفع بالفساد فى عصر جمال مبارك ليكون شيخا للأزهر فى حملة التوريث، ثم ورثه الاخوان بحالته التعسة هذه، وبهذا البؤس يمكن إستغلاله لخدمة الاخوان بالترغيب والترهيب .

4 ـ ووجود مؤسسة الأزهر فى جيب الاخوان مهم جدا جعلهم يضعون هذا النّص على ( الأزهر ) فى دستورهم ، ليس فقط لتمكين الاخوان من أخونة مصر، ولكن بهدف (أخونة) وحكم الخليج والتحكم فى بتروله وقيادة العالم ( الاسلامى ). فالاخوان ومنذ البداية أنشأوا التنظيم العالمى لهذا الغرض، و( مصر) هى مجرد البداية ، وعندما يتحدث بعض المصريين عن الانتماء لمصر الوطن بديلا عن الانتماء للعقيدة الوهابية السنية، فإن مصر لا تستحق ـ فى أحلامهم الشمولية ـ إلّا تعبير (طُظ) الذى قاله مرشدهم السابق عاكف . ولكنّ الأزهر بعراقته وبكونه أيقونة (العالم السنى والصوفى ) وسيلة خطيرة فى تحقيق أمل الاخوان فى  تحقيق ما يسمى حلم (الخلافة الاسلامية ) بمصر وأزهرها. وهذا يحتاج الى أموال وأوقاف تأتى من مصر والخليج . لذا نعيد التذكير بنصوصهم الدستورية عن الأوقاف والأزهر ومصدرية التشريع لأهل السّنة والجماعة .

5 ـ وفى المقال البحثى السابق توقفنا مع الأزهر وشيوخ القزلباش الايرانيين ، ودورهم فى إسقاط الدولة المملوكية ممّا أثّر فى تاريخ العالم وقتها.  كان هناك صراع  وقتها بين القوى الاقليمية الكبرى:( الدولة المملوكية ومقرها مصر ) والدولة الايرانية ( الشاه اسماعيل الصفوى ) والدولة العثمانية ومقرها تركيا . وأدى الى سقوط الدولة المملوكية وتبعية مصر لتركيا العثمانية . وكان دور الأزهر وأوقافه فى بؤرة هذا الصراع .  تحمّلت المشقة فى كتابة هذا المقال البحثى  لأنّه إسقاط على حال مصر الآن ، حيث يحكمها الاخوان ـ ويتعاملون بالدهاء والتقية مع ( الشاه الشيعى المعاصر فى ايران ) و (رئيس تركيا باتجاهاته الدينية العثمانية ) ثم الدولة السعودية التى تم تخليقها مؤخرا كإحدى الخطايا الكبرى للقرن العشرين. وهذا اللاعب الجديد الوهابى ( السعودية ) يحتاج وقفة توضيحية فى توضيح علاقته بالاخوان الوهابيين.

ثانيا : منبع العداء بين السعوديين الوهابيين والاخوان الوهابيين

1 ـ قلنا من قبل إنّ عبد العزيز آل سعود هو المؤسس الحقيقى للجمعيات السلفية والاخوان المسلمين فى مصر، ولكن ما لبث أن وقعت السعودية فى عداء سياسى مع ربيبتهم ( الاخوان المسلمين ). تمكن عبد العزيز من تأسيس دولته بالاخوان ( النجديين ) الذين قام بتعليمهم الوهابية،وبسيوفهم وصلت أملاكه الى الحدود الحالية ومنها الحجاز ، بعد عدة مذابح فيه إشتهر بها أولئك الاخوان . دخل إخوان عبد العزيز فى خلاف سياسى معه؛ طبقا للوهابية هم يؤمنون باستمرار الجهاد ضد الجميع : صوفية وشيعة وحتى من السنيين الذين هم ليسوا وهابيين، وتؤيدهم تعاليم ابن عبد الوهاب التى علمها لهم فقهاء عبد العزيز، لذا نقموا عليه أنه يتعامل مع المصريين (المشركين ) والانجليز (الكافرين )، بينما يضطر عبد العزيز كرجل دولة أن يتعامل مع هؤلاء المشركين والكافرين، وهو مضطر لأن يكبح جماح الاخوان خصوصا بعد عدوانهم على الكويت واستمرار غاراتهم على العراق، وهو المسئول عن مذابحهم واعتداءاتهم .

2 ـ  ليس هذا فقط كل مظاهر الخلاف بين عبد العزيز وأتباعه الاخوان النجديين . الخلاف الأصلى هو فى مصدرية الحكم ومشروعيته.عبد العزيز يرى أنه هو مصدر الحكم وأنه يسعى لاسترداد ملك أجداده مستخدما الوهابية والاخوان النجديين وغيرهم ، بينما يرى الاخوان النجديون أن الوهابية التى تشربوها هى مصدرية الحكم لهم ولعبد العزيز، وأنهم شركاؤه بالعقيدة وبالسلاح .

3 ـ كان عبد العزيز يعتمد سياسة الصبر والنّفس الطويل ، لذا صبر على متاعب الاخوان النجديين وعمل على عزلهم واستبعادهم شيئا فشيئا بعد أن فتحوا له الحجاز ، وشغلهم بمؤتمرات الصلح ومفاوضاته ، وبعد أن أصبح مسيطرا على الحج وبامكانه التواصل مع ( المشركين ) أى المسلمين الحجاج من مصر وغيرها بدأ يعمل على إنشاء فروع له فى الخارج بين المسلمين ( المشركين) لنشر الوهابية بينهم . لذا  بدأ عملاء عبد العزيز فى إنشاء الجمعيات السلفية، وكان أهمها ( الاخوان المسلمين ) عام 1928 ليستعيض بهم مقدما عن ( إخوانه ) المشاغبين النجديين ، ثم بعدها قضى على الاخوان النجديين فى موقعة السبلة 1929 / 1930 . ثم حقّق أمنيته وهى تسمية الدولة الجديدة باسم عائلته السعودية عام 1932 ليحكمها بلا منازع ،اى إنّه استغل الوهابية والاخوان النجديين لاقامة دولته واستعادة ملك آبائه ، وتوقف تاركا عملاءه الاخوان المسلمين المصريين ليواصلوا الدور خارج حدود دولته وليخدموه شريطة ألا يكون لهم دور فى مملكته حتى لا يزايدوا عليه كما فعل الإخوان النجديون.

4 ـ قدّم الاخوان ( المصريون ) أكبر خدمة للسعودية والوهابية ، هم الذين نشروها فى مصر وخارجها ، وهم الذين صاغوا فقه ابن عبد الوهاب وابن تيمية فى لغة معاصرة ميسّرة ، وهم الذين استخدموا مصر وموقعها ومكانتها فى تعزيز الوهابية ودورالسعودية . ثم جاء عصر البترول والعلاقات الدولية والاقليمية لتزيد هذا نجاحا وإزدهارا .

5 ـ ولكن هذا النجاح الاخوانى كانت له آثار جانبية شديدة الخطور على الأسرة السعودية . فقد أدى إضطهاد عبد الناصر للإخوان الى هرب الكثيرين منهم الى السعودية ليعملوا هناك فى التعليم والاعلام وغيره . هؤلاء الاخوان المصريون عاشوا الليبرالية المصرية وشهدوا فاوق ملكا مصريا ليبراليا يختلف تماما عن الحكم المطلق لآل سعود وفسادهم وجهلهم وانحلالهم . وهؤلاء الإخوان المصريون تربوا على يد إمامهم حسن البنا فى  التقية والنفاق والخداع والتحدث بأكثر من لغة وبأكثر من وجه . فطبيعة الوضع فى مصر إختلفت عنها فى نجد والجزيرة العربية،فإخوان ( نجد ) الذين ربّاهم عبد العزيز كانوا لا يعرفون المدهنة أو المراوغة ، يتكلمون بالسيف قبل اللسان وبالسيف بلا لسان ، وإما أن تكون معهم مجاهدا أولا تكون معهم فتصبح فريسة لسيوفهم . إختلف الأمر مع حسن البنا ، فالمسلمون المصريون معظمهم يمقت الوهابية ، وهو مضطر لنشرها ليصل للحكم على أكتاف هؤلاء الكارهين للوهابية ، لذا تم التعتيم التام على مصطلح الوهابية والحنبلية ، واستعملوا بدلها مصطلحى ( السلف ) و ( السنة )، وكانت تعليمات الوهابية سرية للموثوق بهم من أعضاء الجماعة. هى جماعة سياسية تسعى بالتآمر للوصول للحكم وتتبع اسلوب الاغتيالات بينما تعلن أنها جماعة دعوية مسالمة لا شأن لها بالسياسة . هذه المراوغة استعملها الاخوان المسلمون المصريون فى داخل السعودية، فأفسدوا الأمر على آل سعود.

6 ـ وتزامن هذا مع عصر سيد قطب ومؤلفاته ونهايته المأساوية فى عهد عبد الناصر. آمن كثيرون بمقولة سيد قطب فى تكفير كل المسلمين وتكفير الحكام المسلمين بما فيهم حكام السعودية والخليج الوهابيين،وآمنوا بالجهاد فى سبيل استعادة الخلافة على أنقاض حكم أولئك المستبدين المفسدين  لمواجهة الغرب فى معركة فاصلة تنبأت بها كتب السّنة . هذه ( القطبية ) أو فكر سيد قطب تم نشره فى السعودية فى وقت عصيب للسعوديين ، كانت فيه التبعية السعودية لأمريكا والغرب على أشدها وقت احتياج أمريكا للسعودية فى حربها الباردة ضد الالحاد الشيوعى .

7 ـ ثم آتت دعوة الاخوان المسلمين أكلها فى حرب الخليج التى أظهرت عجز الأسرة السعودية عن حماية دولتها برغم التسليح الهائل ببلايين الدولارات ، فظهرت المعارضة السعودية تعتنق فكر سيد قطب ، وهى التى تتوجت بابن لادن والقاعدة. فالقاعدة هى التجسيد الحىّ المفزع المنفّذ لفكر سيد قطب. وكل هذا خرج من عباءة الاخوان المسلمين شأن كل التنظيمات الارهابية ما ظهر منها وما بطن . ولهذا تعتبر الاسرة السعودية الاخوان المسلمين عدوا سياسيا برغم تبعيتهم للوهابية. هذا بينما تغدق السعودية على السلفيين الذين ينشرون الوهابية مغلفة بطاعة أولى الأمر من مبارك الى آل سعود .

ثالثا : منبع العداء بين الاخوان المسلمين الوهابيين ودول الخليج الوهابية

1 ـونؤكد مجددا أن مصدرية السلطة أساس الخلاف، يرى آل سعود أنهم مصدر السلطة ويرى الاخوان القطبيون أن الوهابية هى مصدر السلطة ، لذا يريدون إسقاط الأسرة السعودية التى استغلت الوهابية لتعود السلطة للوهابية وقادتها ودعاتها.

2 ـ وينطبق الأمر على دول الخليج التى تحكمها أسرات تنتمى فى الأصل الى منطقة نجد وتعتنق الوهابية وتضطهد الشيعة. وكما توغّل فكر سيد قطب فى السعودية وخلق معارضة داخلها فقد تغلغل أيضا داخل دول الخليج . خطر الاخوان ماثل بالذات فى الكويت التى لا تزال تحتفظ بذكريات مؤلمة من غارات فيصل الدويش ـ زعيم إخوان النجديين فى عهد عبد العزيز ـ والمذابح التى قام بها داخل الكويت. ولكن نجح الوهابيون فى ارساء الوهابية ، ورآها كويتيون ثائرون أصوليون فرصة لتحجيم استبداد الأمير فى ( دولة الكويت ) ، لذا تنتشر القطبية ( فكر سيد قطب ) بقوة فى الكويت منافسا للشيعة ونفوذ ايران المستتر هناك .  وهناك بذرة إخوانية فى الامارات أخذت فى التحرك بأوامر من الاخوان فى القاهرة . ولكن يقف لهم بالمرصاد رئيس شرطة دبى ضاحى خلفان . أما السلطة الحاكمة فى قطر فهى تجيد اللعب على الحبال، من أمريكا الى ايران ومن سعد الدين ابراهيم الى الاخوان. ومنذ إنشاء قناة الجزيرة تحاول قطر إحتواء الاخوان لتأمن شرّهم ، باستضافة القرضاوى وتقديم الدعم لاخوان مصر ومشاركتهم فى نهب مصر .

رابعا : تحييد امريكا واسرائيل بالترغيب والترهيب:

1 ـ الترغيب بتهدئة الأوضاع مؤقتا مع اسرائيل وأمريكا باستخدام حماس مع تقديم شتى التنازلات فى سيناء لتأجيل الصراع مع اسرائيل الى ما بعد الأخونة والتمكين .  

2 ـ ودور حماس مشهور فى التدريب العسكرى لميليشيات الاخوان التى ستؤسس لهم التمكين فى مصر. حماس الوهابية لا يهمها عدد الضحايا من الغارات الاسرائيلية ، بل كلما زاد عدد الضحايا زادت الاحتجاجات على اسرائيل لصالح حماس. ولهذا فإن الظاهرة الواضحة فى الصراع بين حماس واسرائيل هو محاولة اسرائيل تفادى قتل المدنيين وقتل من تعتبرهم ارهابيين من حماس فقط ، يقابل هذا حرص أكبر من قادة  حماس على إطلاق الصواريخ من وسط المبانى ثم التخفى فى عمق التكاثف السكانى الهائل فى غزة، بل فى المستشفيات وسيارات الاسعاف. أى يتخذون المرضى والنساء والأطفال دروعا بشرية يحتمون بها ، أو يتخذونهم رهائن يهددون بهم اسرائيل لارغام اسرائيل على أن تخطىء فى التصويب وتقتل المدنيين ، وبعد أن تنجح حماس فى جعل إسرائيل تقتل المدنيين وتهدم بيوتهم تقوم بتصوير الضحايا لاستجداء عطف العالم ونقمته على اسرائيل . تعبت إسرائيل وأمريكا من هذه اللعبة ، فظهر الاخوان لحلّ المشكلة مقابل تأييد الأمريكان والاسرائيليين للأخونة والتمكين فى مصر.

3 ـ وقبلها استخدم الاخوان حماس فى الهجوم على الجنود المصريين فى رمضان الماضى مما أدى الى سهولة التخلص من المجلس العسكرى، فخرج مجللا بالعار ، وجاءت وزيرة الخارجية الأمريكية تبارك هذا الانقلاب. ثم استخدم الاخوان حماس وصواريخها فى ضرب اسرائيل فردّت اسرائيل بعنفها المعروف ، وإحتدمت أزمة كبرى فهرعت أمريكا تريد الحل وتوسط الاخوان ليقبضوا الثمن من أمريكا، وجاءت مرة ثانية وزيرة الخارجية الأمريكية تبارك انفراد مرسى بكل السلطات ، وتمرير هذا الدستور الاخوانى .

4 ـ ولدى الاخوان فزّاعة أخرى يهددون بها العمق الأمريكى نفسه ، فهناك ملايين المسلمين الأمريكيين يسيطر عليهم الاخوان خلال مئات المساجد والمراكز ( الاسلامية ) والمنظمات المختلفة ، وكلها تتمتع بالتمويل من الخليج وتتمتع بالحرية وفقا للدستور الأمريكى نفسه . وهم عنصر ضغط هائل على أهبة التحرك عند اللزوم .

5 ـ بالاضافة لما سبق يستخدم الاخوان التقرب من ايران فزّاعة ضد اسرائيل وأمريكا.

خامسا : أخونة الخليج

1 ـ التقارب المؤقت مع ايران الشيعية مباح وفق البراجماتية الاخوانية مهما إحتج السلفيون بغبائهم المعهود والمحمود ، فالاخوان قادرون على توظيف هذا الغباء السلفى لصالحهم كالعادة ..

2 ـ هذا التقرب المؤقت ( المحسوب بدقّة) من ايران هو تهديد مباشر ضد السعودية ودول الخليج يساعد على سرعة الأخونة وتمكين الاخوان فى الخليج . ولو حدث تحالف مؤقت وفعلى بين مصر وايران فإن سقوط السعودية ودول الخليج أمر حتمى لأنها دول ترانزيت مؤقتة ومرحلية تقع فى مناطق النفوذ بين القوتين الاقليميتين فى ايران ومصر . وبهذه الفزاعة يمكن للاخوان فى مصر الضغط على حكام الخليج لاتمام التمكين فى مصر وخارجها .

3 ـ هناك أيضا الاستفادة من تجربة التيار الدينى الإيرانى الخومينى فى التمكين .التيار الشيعى الخومينى إختطف الثورة الايرانية الشعبية التى قام بها اليساريون ومجاهدو خلق ضد الشاه فحكم الخومينى بعد الشاه،وأدخل الثوار السجون وشتتهم .  وكذلك إختطف الاخوان الثورة المصرية وفعلوا ويفعلون وسيفعلون نفس الشىء مع الثوار المصريين . ووصل الخومينويون الى التمكين فى ايران ، وأصبح لهم الحرس الثورى والسيطرة على الجيش والاقتصاد، وهذا ما يسعى اليه الاخوان فى مصر بالتعلم من التجربة الايرانية الشيعية.

4 ـ ولكى تكتمل أدوات الضغط الخارجى ولكى يكتمل التمكين وتكتمل الأخونة فلا بد من تدعيم دور الأزهر داخليا وخارجيا، ولا بد من إرجاع أوقافه اليه، بل لا بد من إضافة أوقاف جديدة له داخل مصر وخارجها .   ويقع هذا العبء المالى على دول الخليج والسعودية منبع الوهابية . بعقيدة الاستحلال الوهابية السّنية يرى الاخوان أنهم الأحق بمئات البلايين المكتنزة داخل حسابات حكام الخليج ، ويرى الاخوان أن تلك الأسرات الحاكمة قد نهبت الكثير باستغلال الوهابية وقد آن الأوان لقادة الوهابية أن يأخذوا ( حقهم ) من البترول وعوائده ، وأن يسودوا ( العالم الاسلامى ) بدلا من ابن سعود الذى قنع بمملكته وتراخى عن تحقيق الحلم العتيد فى إقامة الدولة الاسلامية الموحدة بخلافتها التى تستعيد عظمة العثمانيين والعباسيين والأمويين .  

5 ـ فى المرحلة التالية وبعد خداع ايران بالتقرب المؤقت منها فلا بد من القضاء على دولة الشيعة فى ايران لتحقيق الزعامة المنفرد للاخوان الوهابيين للمسلمين وإقامة دولة الخلافة . أى فى النهاية سينحصر الصراع بين الاخوان الوهابيين والشيعة الإيرانيين .

6 ـ كلاهما يطمع فى بترول الخليج ، إيران الشيعية ترى أنها هى الأحق ببترول الخليج ( الفارسى ) والاخوان الوهابيون يرون أنهم الأحق ببترول الخليج ( العربى الاسلامى السّنى  ). كلاهما يريد تزعم ( العالم الاسلامى ) وكلاهما محتاج لبترول الخليج للوصول الى هذه الزعامة . الاخوان لديهم الفرصة الكبرى، فمعظم العالم ( الاسلامى ) يدين بالسنة أو بالتصوف السنى بينما يظل الشيعة أقليات متفرقة . وايران لا تبلغ مكانة مصر فى العالم (الاسلامى )، ولا يعلم المسلمون شيئا عن ( قم ) المدينة الشيعية الفارسية المقدسة، بل إن معظم الحوزات الشيعية والأماكن المقدسة للشيعة تقع فى العراق ، بينما يعرف المسلمون كلهم الأزهر ، وشيخه هو ( الامام الأكبر ) للمسلمين ، أو هكذا يقولون . الشىء الوحيد الذى تتفوق به ايران والشيعة عموما هو نصيب العُشر الذى يؤديه كل شيعى لمرجعيته الدينية . هذا لا يوجد لدى أهل السّنة . وبهذا التمويل السنوى تتأصل قوة أئمة الشيعة سياسيا . ولكى يتعادل الاخوان ( ماليا ) فلا بد من ثروة الخليج ، ولا بد من تبعية الأوقاف لهم ، ولا بد من تقوية ( أزهرهم ) بأوقافه ليحكموا من خلاله العالم الاسلامى من داخل القاهرة ( الاخوانية ).

7 ـ يعتقد الاخوان أن دول الخليج تدفع إتاوة للقاعدة كى لا تنفذ أعمالا ارهابية فى مدائن الخليج من دبى الى الدوحة وغيرها . ويطمع الاخوان فى الوقت الراهن فى حصّة مالية من صاحب العرش فى الخليج الى أن يصلوا الى مرحلة التمكين ويأخذوا العرش نفسه .

8 ـ يعتقد الاخوان بأنّ ظروف دول الخليج تساعد على سقوطها . فأغلبية السكان أجانب مسلمون وافدون يسهل حشدهم وأخونتهم ، بل إن معظم السكان الأصليين فى الخليج من الشيعة والبدون ، وهم تحت سياط الاضطهاد، والتحالف معهم ميسور ضد الأقلية الحاكمة . وأخونة هذه الأغلبيات الساكنة فى الخليج يجرى على قدم وساق ، بل تساعده بقوة أجهزة الاعلام والتعليم والمؤسسات الدينية الرسمية هناك ، حيث يتم فرض الفكر الوهابى وتتم حمايته من النقد ووقايته من شرّ النقاش . أى يتولى حكام الخليج أنفسهم نشر الوهابية والقطبية وفكر القاعدة على أن ذلك هو الاسلام ، فيقدمون للقطبية الاخوانية أكبر خدمة مجانية تساعدهم على ضم مئات الألوف من الوافدين والحانقين والحاقدين والمهمشين الى فكر الاخوان . هذه هى المرحلة الأولى عند الاخوان ، وهى مرحلة الدعوة والتربية وغسيل المخ . تليها مرحلة الأخونة والتمكين وإحتدام المواجهة بين الاخوان وحكام الخليج . وعند المواجهة سيشتعل الخليج بالنار والدماء والدمار ، فكل مدائنهم مقامة فوق فوّهة بركان يملك الاخوان مفاتيح تفجيره.

أخيرا

1 ـ هذه رحلة فى عقل الاخوان .. وقد تحققت لنا نبوءات سابقة عن الاخوان ، ونطلب من القارىء أن يراجع مقالاتنا السابقة وتواريخ نشرها ليرى تأكيدا على صدق توقعاتنا .

2 ـ ونتوقع أن ينجح الاخوان فى أخونة مصر والخليج عبر حمّانات دم قادمة تهون الى جانبها حمامات الدم التى يشعلها القطبيون الآن فى سوريا والعراق بتخطيط من الاخوان وتنظيمهم الدولى .

4 ـ هذا إذا إستمرت الغفلة ، ولم يؤخذ بنصيحتنا فى تأسيس قنوات فضائية تقيم اصلاحا دينيا سلميا ثقافيا تنويريا يواجه الوهابية من داخل الاسلام . إن لم يتم هذا فتمتعوا بالسىء فإن الأسوأ قادم .. وسريعا ..

5 ـ اللهمّ بلّغت .. اللهمّ فاشهد ...!!

 

 

دستور مرسى : وسلب ثروات المصريين بالأوقاف : ( 9 / 7) : الاوقاف والأقباط

أولا :

 1 ـ كانت الأوقاف على الأديرة وغيرها ظاهرة مصرية عندما فتح العرب مصر ، وجاء تقليدهم لها بالتدريج خلال العصور التالية الى أن أصبحت لمصر مكانتها وريادتها فى العصر الفاطمى فإزدهرت الأوقاف وأصبح لها دورها السياسى والدعوى الذى تغير من الفاطميين الى الأيوبيين والمماليك . ومن الطبيعى فى نظم حكم يسودها التعصب والظلم وتستخدم الدين فى الاستبداد والاستعباد أن ينال الأقباط ظلم ، كان منه أستحلال أوقاف الأقباط . ولسنا فى مجال التأصيل البحثى فى هذا الموضوع حتى لا نخرج عن أساس الموضوع وهو ( دستور مرسى ) ، ولكن نكتفى بأمثلة كاشفة تشى وتشير الى العقلية السلفية الاخوانية الوهابية الحالية .

 

2 ـ إنّ مدى إستحلال الأوقاف القبطية فى مصر يبدو مرتبطا بمدى إضطهاد الأقباط ، فهى تزيد مع زيادة إضطهادهم وتقلّ وتخف مع خفوته . ينطبق هذا على القرون الوسطى كما ينطبق على تاريخ مصر الحديث والمعاصر . وربما يتفرّغ باحث قبطى لتجلية هذا الموضوع . ولكننذكّر بمقالاتنا عن اضطهاد الأقباط وثقافة الفتوح عند المقريزى ، وهذا الاضطهاد كان ـ ولا يزال ـ البيئة التى كان سلب الأوقاف ظاهرة فيها .

3 ـ وعلى سبيل المثال فقد اشتهر الخليفة الفاطمى المجنون ( الحاكم بأمر الله ) باضطهاد الأقباط ، وكان من ملامح هذا الاضطهاد أنه استولى على أوقاف الكنائس عام 399 . وتوقف الاضطهاد أو خفت فى العصر المملوكى فى فترات واسعة فكان السلاطين المماليك يصدرون مراسيم بعدم تعرض أحد لأوقاف دير سانت كاترين ، أى تقف السلطة حاميا لأوقاف الأقباط ضد الناهبين والمعتدين من ( المسلمين ) المتعصبين . وضمن هذا توصية السلاطين المماليك برعاية الأوقاف على الكنائس المصرية والشامية ، واشتهر بذلك السلطان الظاهر بيبرس برغم احتدام الحروب الصليبية فى عهده . وسار على نهجه السلاطين قلاوون و بيبرس الجاشنكير وبرقوق . وعلى خلاف ذلك نرى موقف السلطان المملوكى صالح ابن الناصر محمد بن قلاوون فى عام 755 ، إذ يأمر بالاستيلاء على أوقاف الكنائس عندما زادت عن 25 ألف فدان ، وأمر بتوزيع الزيادة على الأمراء وبعض الفقهاء . ومع وضوح الجانب السلبى السيىء فى هذا الخبر إلّا إنه يشير الى ناحية إيجابية هى زيادة الوقف على الكنائس الى درجة أثارت الفقهاء المتعصبين فأفتوا لهذا السلطان الصبى أن يصادر الزائد منها.

4 ـ فى بحث ( إضطهاد الأقباط بعد الفتح ( الاسلامى ) قلنا عن عصر الخليفة المتوكل : (وشهد عصر الخليفة المتوكل ظاهرة جديدة هى انتصار الفكر الحنبلى المتشدد وهزيمة الفكر المعتزلى العقلانى، وقد استمال السلفيون من أصحاب ابن حنبل ورواة الأحاديث الخليفة المتوكل إليهم، وبتأثيرهم دخلت الدولة العباسية فى اضطهاد مخالفيها فى المذهب والدين، فحوكم شيوخ التصوف وطورد الشيعة وهدم ضريح الحسين فى كربلاء، وصدرت قرارات لاضطهاد اليهود والنصارى، وانتشرت الروايات والفتاوى التى تضع الإطار التشريعى لتلك الممارسات، ومنها الحديث المشهور "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده..." ذلك الحديث الزائف الذى أثبتنا كذبه فى مقالة بجريدة الأحرار والذى يعتبر الدستور العملى للتطرف حتى الآن. ويهنا أن هذه الفكرة كان لها ابلغ الأثر فى انتقال الاضطهاد للأقباط من دائرة الحكم والسياسة إلى الشارع والعوام، وساعدت الروايات والفتاوى وجهود الفقهاء والقصاصين وأهل الحديث فى شحن الأفراد العاديين بالكراهية ضد مخالفيهم فى المذهب سواء كانوا صوفية أو شيعة أو كانوا مخالفين لهم فى الدين أى من اليهود أو من النصارى.. وبالتالى تحول الاضطهاد الرسمى العنصرى للأقباط إلى اضطهاد دينى يشارك فيه المصرى المسلم ضد أخيه المصرى القبطى.. وبمرور الزمن تعاظم تأثير تلك الروايات والفتاوى وأصبحت ركائز دينية تفرق بين أبناء الشعب الواحد وتباعد بينهم وبين الدين الحق الذى نزل على خاتم الأنبياء عليهم السلام. والمؤسف أن المسلم اليوم - إذا أراد أن يتدين - يجد أمامه كتابات اولئك الأئمة فيما يعرف الآن بكتب الفقه والسنن وقد احتوت على تلك الروايات والفتاوى فيأخذها عنهم كأنها الدين الحق ويصدق نسبتها الكاذبة للنبى محمد ، مع انها – أى تلك الأحاديث – قد كتبوها ونسبوها للنبى بعد موته بأكثر من قرنين من الزمان عبر اسناد شفهى مضحك. الا أن المسلم اليوم يصدق هذه الأحاديث المفتراة ويعتقد أن النبى محمدا عليه السلام قد قالها فعلا ، وعلى أساسها يعتقد أن كراهية المخالفين فى المذهب والاعتقاد من معالم الدين حتى لو كانوا من المسالمين الصابرين. والدليل على ذلك ما نراه فى عصرنا الراهن من اضطهاد للأقباط مع علو لنفوذ التيار الحنبلى السلفى والذى استعادته الدولة السعودية عبر مذهبها الوهابى وأصبح من علاماته التطرف والتعصب والانغلاق واضطهاد المخالفين والحكم بتكفيرهم وما يترتب على التكفير من سفك للدماء واستحلال للأموال..

أعاد ذلك لعصرنا الراهن ما ساد فى عصر الخليفة المتوكل العباسى من سطوة الفقهاء المتزمتين الذين سموا أنفسهم بأهل السنة واستمرت سطوتهم فى عصر من جاء بعده من الخلفاء حتى أصبحت سياسة متبعة . ثم اعاد التطرف الوهابى والنفوذ السعودى هذا التراث حيا فى عصرنا.وليس غريباً بعدها أن نعرف أن أئمة الحديث المشهورين عاشوا تلك الفترة من ابن حنبل إلى البخارى ومسلم والحاكم وغيرهم ،وقد أصبحوا الآن فى عصرنا آلهة منزهة عن الخطأ ومن يناقشهم - معتبرا اياهم بشرا يخطئون ويصيبون – يكون مصيره الاتهام بالكفروإنكار السنة.!!

ونعود إلى التطور الجديد فى اضطهاد الأقباط فى هذه الفترة.

فى سنة 235 هجرية أصدر الخليفة المتوكل مرسوماً يهدف إلى تحقير (أهل الذمة)فى كل الامبراطورية العباسية، وذلك بإلزامهم بارتداء زى معين ومظهر معين، مع هدم الكنائس الجديدة وتحصيل الضرائب والعشور من منازلهم وأن يجعل على أبواب بيوتهم صوراً للشياطين، ونهى المرسوم عن توظيفهم وتعليمهم عند المسلمين، وتسوية قبورهم بالأرض وألا يحملوا الصليب فى أعيادهم وألا يشعلوا المصابيح فى احتفالاتهم وألا يركبوا الخيول.. وقد طبق الولاة ذلك على أقباط مصر وأصبحت سنة متبعة.

ومفهوم تلك القرارات أن يشارك الناس فى إلزام الأقباط بها، ومن هنا بدأ انغماس العوام فى اضطهاد الأقباط.. وتعلموا أن ذلك يعنى إظهار الإخلاص للإسلام، وانتقل ذلك الفهم الخاطىء لبعض الولاة المتدينين مثل أحمد بن طولون الذى استقل بمصر ذاتياً فى إطار الخلافة العباسية، وكان معروفاً بتدينه وجرأته على سفك الدماء لصالح سلطانه، ولم يكن الأقباط يشكلون خطراً على نفوذه، بل كان يستعين بهم فى دواوينه وأعماله ومع ذلك فقد قام بعمليات اضطهاد ضد الأقباط كأفراد ومنشآت دينية.. ولم تكن له فيها دوافع سياسية، مما يرجح أن دوافعه كانت دينية نتيجة تأثره بالفكر السلفى السنى السائد، وقد كان معروفاً بإخلاصه لذلك الفكر. ) انتهى النقل .

ونقول : من هنا نفهم سلوك القاضى بكّار بن قتيبة ، قاضى مصر الذى ولاّاه الخليفة المتوكل عام 246 ، وظل فى منصبه 24 عاما الى ان مات عام 270 . كان هذا القاضى ظالما متعصبا على ملة سيده الخليفة المتوكل العباسى . وكان مطلوبا منه بحكم منصبه ان يشرف على تسجيل أوقاف الأقباط ، و( أهل الذمة ). ومع أن الخليفة المتوكل قد مات فقد ظل هذا الخليفة على تعصبه وظلمه ، حين كانت مصر تحت ولاية ابن طولون ، وكانت بغداد تحت سيطرة الموفق ،ولى العهد المسيطر على أخيه الخليفة المعتمد . ولقد تغيّر مناخ التعصب شيئا بموت الخليفة المتوكل ، إلّا أن هذا القاضى الظالم المتعصب بكّار بن قتيبة لم يتغيّر . والوالى أحمد بن طولون وقتها خلط عملا صالحا وآخر سيئا فى تعامله مع الأقباط ، وتسامحه القليل شجّع أحد الأقباط على أن يتوجّه اليه ليشكو القاضى المتعصب بكّار بن قتيبة . وخاطب القبطى الوالى أحمد بن طولون فى جرأة وشجاعة وكراهية للقاضى ، فقال لابن طولون : ( إنّ هذا الذى يزعم أنه كان قاضيا جعل ريع أبى حبسا ) أى حبس القاضى أو أوقف عقارا يملكه الشاكى . فاستدعى ابن طولون القاضى فقال القاضى بغلظة : ( ثبت عندى أن أباه حبس هذا الريع ، وهو يملكه ، فأمضيت الحبس ، فجاء هذا متظلما ، فضربته ، فخرج الى بغداد ، فجاءنى بكتاب هذا الذى يزعم أنه الموفق : لا تمض أحباس النصارى ، فعرفت أنه جاهل ، فلم ألتفت اليه .! ).

ونحلّل ما سبق :  هذا القاضى يقول (ثبت عندى أن أباه حبس هذا الريع )، أى جاءه شاهدان يشهدان بهذا فاعتمد شهادتهما بأن والد القبطى قد أوقف املاكه ، فاعتمد الوقف ، أى شهد شاهدا زور أن هذا الرجل أوقف املاكه متنازلا عنها فاعتمد القاضى شهادتهما واستولى على أملاك الرجل بزعم أنه تنازل عنها لتكون أوقافا تحت تصرف القاضى ، أى إنّ القاضى سلب أملاك الرجل القبطى بشهادة زور . وواضح بين السطور أن هذا حدث بعد موت الرجل ، فاستولى القاضى على أملاكه بزعم أنه أوقف أملاكه قبل أن يموت . وفوجىء ابن المتوفى بأن تركته قد تحولت الى أوقاف وتم مصادرتها فجاء للقاضى يشكو . القاضى يعترف بظلمه فيقول ( فجاء هذا متظلما فضربته .!)، أى يعترف القاضى بأنه ضرب الذى جاءه ( متظلما ).!!. لم يسكت القبطى فسافر اللى بغداد وشكا القاضى الى  ولى العهد( الموفق ) الذى كان مسيطرا على الخلافة العباسية وعلى أخيه الخليفة المعتمد . وأرسل الموفق برسالة أو بكتاب الى القاضى يأمره الموفق بألّا يقوم بوقف أملاك النصارى ،أى لا يستولى عليها بحجة الوقف . والقاضى المتغطرس يقول عن الموفق وكتابه ( فعرفت أنه جاهل ، فلم ألتفت اليه .! ).. نفهم هنا أننا أمام قاض ظالم سارق ناهب ومتمسك بظلمه. ويبدون انها لم تكن الحالة الوحيدة ، ولكن البطل القبطى الذى تمسّك بحقّه وسافر الى بغداد وقابل الموفق هو الذى أجبر المؤرخين على أن يذكروا هذه الحادثة . ولم يكن كل الأقباط المظاليم فى شجاعة وفى قدرة وإمكانات هذا القبطى . لذا خفيت عنا آهات المظاليم الآخرين .

أخيرا

1 ـ المستفاد ممّا سبق أن شريعة السنيين فى تعصبها يكون سهلا تطبيقها بشهادة الزور ، مجرد أن يشهد شاهدان على أن فلانا القبطى قد أوقف أرضه أو ممتلكاته ، فيقوم القاضى بإمضاء شهادتهما أو أن يعتمد شهادتهما ، ويستولى على أملاكه . حدث هذا فى العصر العباسى ( عصر السّلف ) فما الذى يمنع تطبيقها فى عصر ( السلفيين ) ؟؟

2 ـ من هنا نفهم وجود مادة للوقف فى دستور مرسى .هذه المادة تقف للأقباط بالمرصاد.

 

 

دستور مرسى الاخوانى فى دراسة تحليلية أصولية تاريخية
يكفر الوهابيون ـ ومنهم الاخوان والسلفيون ـ بالشريعة الاسلامية الحقيقية ، ويكفرون بمبادئها القائمة على الحرية فى الدين والديمقراط ية السياسية والعدل و السلام والاحسان ، كما يكفرون بالسّنة الحقيقية للنبى عليه السلام ، والتى ذكرها رب العزة جل وعلا فى القرآن . وفى المقابل يؤمن الوهابيون السنيون بشريعة إفتراها أسلافهم من فقهاء العصور الوسطى واختلفوا فيها فى كل صغيرة وكبيرة ، كما يؤمنون بأحاديث تم إفتراؤها فى العصر العباسى ، وجعلوها سنّة للنبى عليه السلام ، وبهذا أقام السنيون الحنبليون الوهابيون ( من الاخوان والسلفيين ) شريعة بشرية يرتكبون بها قتل الأبرياء عشوائيا باسم الجهاد ، وينهبون بها أموال
more