رقم ( 4 )
الخاتمة

 الخاتمة :   

 المقال الأول : خصومة الاخوان والوهابيين لرب العالمين

أولا : الخصومة الدينية على درجتين :

1 ـ هناك خصومة دينية بين البشر ، إذ يختصمون فى الله جل وعلا ، بعضهم يحلو له أن ينكر الفطرة فى داخله فيعلن كاذبا أنه لا وجود للخالق جل وعلا ، فإذا جاءه إمساك أو إسهال أو حاقت به مصيبة صرخ مستنجدا بالله جل وعلا مخلصا دعاءه وتوسله بالله . وبعضهم يؤمن بالله جل وعلا الخالق ولكن لا بد أن يؤمن معه بآلهة أخرى ويقدس أنبياء وأئمة وأولياء ويجعلهم شركاء مع الله فى ملكه وفى حكمه ويجعلهم واسطة بين الناس ورب الناس، ويجعل لهم سلطة ونفوذا يوم القيامة بحيث يشفعون لأتباعهم ويدخلونهم الجنة ، حتى يفسدوا فى الأرض ما شاءوا ثم يكون مصيرهم الجنة مهما أجرموا .وهذه هى الأكثرية من البشر التى لا تؤمن بالله إلا وهى مشركة:(وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ)(يوسف 106) ويوم القيامة سيطلبون الخروج من العذاب الأبدى فى النار: (قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ) فيقال لهم : (ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا )(غافر 11 : 12 ). ولأنهم أغلبية البشر خصوصا مع تحكم أديانهم الأرضية وتحالفها مع الاستبداد السياسى فإن النقمة على هذه الأديان الأرضية وظلمها وفسادها واستغلالها الجماهير يدفع ببعض الناس الى الالحاد وإعتبار الدين أفيون الشعوب ، لأنهم لم يروا من الدين سوى تلك الأديان الأرضية الظالمة .

ثم هناك قلة مؤمنة من البشر:(وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ)(سبأ 13)، وهى تؤمن بالله جل وعلا وحده الاها لا شريك له ، وتحترم الأنبياء كصفوة للخلق ولكن لا تقدس مع الله أحدا ، وتؤمن بلقاء الله جل وعلا يوم الحساب وتتحسب له ، وينطبق عليها قوله جل وعلا (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) ( الكهف  110). فى النهاية يفترق البشر الى خصمين فقط ، مؤمنون عملوا الصالحات وكفار عصاة ، والخصومة بينهما فى الله جل وعلا وفى دينه سيفصل فيها صاحب الشأن وهو الله جل وعلا يوم الفصل الذى هو يوم الدين ويوم الحساب ويوم لقاء الله . وفيه يدخل المؤمنون الجنة ويدخل الكفار النار:( الحج 19 : 24 ).

2ـ وهناك خصومة بين الله جل وعلا وبين أكفر وأحقر وأظلم البشر ، وهم الذين يزيفون دين الله جل وعلا ويهدمونه بالتحريف والتخريف ليقيموا على انقاضه أديانهم الأرضية التى يصبحون بها أئمة مقدسين يزاحمون رب العزة فى حقه فى أن يكون وحده المستحق للعبادة والتقديس ، ثم يأتى اتباعهم فيستخدمون تلك الأديان الأرضية واسم الله جلّ وعلا فى خداع الناس ويشترون به ثمنا قليلا ، وهم ثمن مهما بلغ فهو قليل حتى لو كان سلطانا فى الأرض وتملكا للثروة والسلطة ، لأن متاع الدنيا قصير ، والعمر لا يلبث أن ينتهى بالموت ، وبذلك فلا فارق إن كان هذا الثمن القليل بضعة قروش أو بضعة بلايين ، ولا فارق إذا كان هذا الثمن القليل مالا أو حكما إستبداديا باسم الله تعالى ظلما لله جل وعلا وللناس .

3ـ عن هذه الخصومة يقول جل وعلا:(إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لاَ خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) (آل عمران 77 ). هؤلاء يبيعون للناس عهد الله ويقسمون بأغلظ الأيمان ويحلفون باسم الله العظيم ليكسبوا الدنيا وثمنها القليل وحطامها الزائل . أولئك مصيرهم أن القاضى الأعظم ـ الذى سيفصل بين الناس يوم الفصل ـ سيكون هو جل وعلا بذاته خصما لهم ، فلن يكلمهم ولن ينظر اليهم ولن يسمح بتزكيتهم ، وينتظرهم عذاب اليم . فقد أنزل الله كتابه بالحق فحولوا الحق الى باطل ، وجعل الله جل وعلا دينه لإقامة القسط فاستغلوا دين الله لإقامة الاستبداد والظلم والقهر. هى خصومة هائلة لرب الناس قبل أن تكون خصومة للناس . ينطبق هذا أكثر على النشطاء السياسيين الذين يخلطون السياسة بالدين كالوهابيين السعوديين والمصريين .  

4 ـ ومعهم صنف يؤيدهم ،هم الفقهاء الذين يتلاعبون بالايات ، فيحرّفون معانيها ويكتمون الحق ، ويأكلون السحت ، يقول جل وعلا عنهم :( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ )(البقرة 174 : 175 ). مصيرهم يوم القيامة أن السحت الذى يأكلونه فى الدنيا سيتحوّل الى نار فى بطونهم فى جهنم ، ولن يكلمهم القاضى الأعظم مالك يوم الدين ، ولن يزكيهم ولهم عذاب هائل يتعجب رب العزّة من صبرهم عليه ، فهم بحكم المهنة مطالبون بالدعوة للهداية ، ولكنهم باعوا للناس الضلالة وأوردوهم النار.

5 ـ والواقع أنه فى مجال الدعوة الدينية لا توجد منطقة وسط ، إمّا الصدع بالحق وإما كتمانه وتحريفه ، لا يوجد حلّ وسط أمام الدعاة؛ أى لا يمكن لأحدهم طالما تصدر الوعظ وتخصص فى العلم بالدين إلا أن يقول الحق كاملا ولا يكتمه، ومجرد كتم الحق يستحق اللعنة ،ولا تسقط عنه لعنة الله إلا إذا تاب وأعلن خطأه وقام بتصحيح موقفه على أعين الناس،يقول جل وعلا : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) ( البقرة 159 : 160 ) أما إذا مات على كفره فاللعنة فى إنتظاره:(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنظَرُونَ )( البقرة 161 : 162 ). ولم يحدث حتى الآن أن تشجع أحد الأئمة السابقين أو اللاحقين أو حتى المعاصرين واعترف بضلاله وإضلاله وتاب وأناب . لم أجد ذلك فى تاريخ المسلمين ، ولم أسمع به فى حاضرهم .!

6 ـ ونستفيد من هذا حقيقتين :

الأولى : إن مجرد السكوت عن الحق يستحق اللعنة ، وأن الساكت من الفقهاء عن قول الحق هو ملعون . بعضهم مثلا يكتفى بالاستشهاد بالقرآن ضد خصومه فى المذهب أو فى الدين، ويتجاهل إنطباقها على أهل مذهبه.وبعضهم  يعتزل العمل السياسى ولا ينغمس فى تزييف الحق واكتساب السحت كفقهاء السلطان والاخوان ، ولكنه يكتم الحق حتى لا يقع فى مشاكل . ومن يكتم الحق ملعون. أى لا مجال للتوسط هنا،فلا بد للداعية أن يصدع بالحق الذى يزهق الباطل ليصل الحق الى الجميع حتى لا يكون يوم القيامة ممن تلعنهم العوام، يقول جل وعلا عن العوام الضالين :(يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنْ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً)(الأحزاب 66: 68). ونعرف بذلك كيف يلعنهم الله وملائكته ..والناس أجمعين..

الحقيقة الثانية:هى إلزام من يكتم الحق بالتوبة العلنية أمام الناس لو أراد النجاة من اللعنة ، أى بأن يعلن للناس خطأه وأن سكت عن كذا وكذا وأنه أخطأ فى كذا وكذا ، وكان واجبا عليه أن يقول كذا وكذا ، لوفعل هذا فقد نجا من لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

وبالتالى فإن لنا أن نحكم على أئمة السّوء باللعنة طالما ماتوا وتركوا كتبهم بعدهم تنفث السّم وتكتم الحق وتنشر الباطل وتضل الناس، فقد ماتوا ولم يعلنوا فى حياتهم توبتهم ورجوعهم للحق أمام الناس، وكان معهم القرآن فيه الحق والبينات ولكنهم كذّبوه وألغوا تشريعه بخرافة النسخ ، وأقاموا أكاذيب سموها أحاديث وسنّة، أذاعوها صدّا عن كتاب الله وعن سبيل الله ، وظلوا هكذا الى أن ماتوا بعد أن نشروا كل هذا الزيف وصيروا به القرآن مهجورا. أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، ولا عبرة بتقديس الناس المتوارث لهم فى هذه الدنيا ، فسيأتى أولئك الناس فى النار يلعنون أولئك الأئمة ، خصوصا أئمة السنيين فى العصر العباسى مثل مالك و الشافعى وابن حنبل والبخارى ومسلم ، والعصر المملوكى مثل ابن تيميه وابن القيم وابن كثير ثم ابن عبد الوهاب فى عصرنا الحديث ، ثم حسن البنا وسيد قطب وسيد سابق والشعراوى فى عصرنا الراهن. ونرجو أن يتوب الأحياء منهم فى وقتنا هذا قبل فوات الأوان ، مثل بديع والقرضاوى والمحلاوى والعوّا ، وإلا فاللعنة تنتظرهم . نرجو ألّا يكونوا  خصوما لرب العزة يوم القيامة.

7 ـ التوبة لا تزال ممكنة أمام خصوم رب العزة ممّن لا يزال حيّا من فقهاء وزعماء الاخوان والسلفيين والوهابيين ، ففى أواخر عهد خاتم النبيين نكث أسلافهم من الصحابة القرشيين العهد ، فقد تعودوا أن يشتروا بآيات الله ثمنا قليلا وأن يصدوا عن سبيله،وأن يطعنوا فى الاسلام ،والاعتداء على المؤمنين المسالمين ، بل قد همّوا بإخراج الرسول من مكة ، فأنزل الله جل وعلا براءته منهم وأمهلهم الأشهر الحرم الأربعة ليتوبوا، وإلا فقتالهم :( فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )(التوبة 5 )،وقال جل وعلا عن جهدهم فى استغلال الدين ونكث العهود والاعتداء عند الوصول للقوة والسيطرة :( اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ)،ومع ذلك كرّر عرض التوبة عليهم فقال:( فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ). وإن لم يتوبوا فقد أمر رب العزة بقتال أئمتهم حتى ينتهى إفتاؤهم بالإثم والعدوان وطعنهم فى الاسلام: ( وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ ) وقال جل وعلا فى التحريض على قتالهم وفى تبيين إعتداءاتهم ومنها نكث العهود ومحاولتهم طرد الرسول من مكة بعد الفتح ،وبدؤهم بالاعتداء:(أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (التوبة : 13)

 ثانيا : الاستحلال أساس استغلال الدين فى السياسة

 1 ـ جاء ما يلى فى تحريفات التوراة فى سفر التثنية: 23 / 19  : 20 ( لاَ تُقْرِضْ أَخَاكَ بِرِبًا، رِبَا فِضَّةٍ، أَوْ رِبَا طَعَامٍ، أَوْ رِبَا شَيْءٍ مَّا مِمَّا يُقْرَضُ بِرِبًا.  لِلأَجْنَبِيِّ تُقْرِضُ بِرِبًا، وَلكِنْ لأَخِيكَ لاَ تُقْرِضْ بِرِبًا.). هنا تعامل بمكيالين ، وتشريع مزور باستحلال أكل أموال الناس بالباطل.

 2 ـ ونزل القرآن الكريم فكان مما ندّد به من سيئات بعض أهل الكتاب هو نفس ما جاء فى سفر التثنية ، يقول جل وعلا:(وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)،أى إن بعض أهل الكتاب يتعامل بأمانة مع العرب ولكن بعضهم كان يستحلّ أكل أموال العرب الأميين ( الجوييم ) بتشريع أرضى يقول إنه لا مؤاخذة عليهم فى أكل أموال غير اليهود الاسرائيليين . ويقول رب العزّة معقبا : (وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)،أى يفترون تشريعات كاذبة وينسبونها زورا لله جل وعلا .ثم يقول رب العزة فى الآية التالية يعطى حكما عاما ينطبق على الجميع ردا على ذلك الاستحلال لأموال الغير:(بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ )، آى إن المتقى الذى يحبّه ربه هو من يفى بالعهد فى تعامله مع الناس ويخشى رب الناس ويتقيه.

3 ـ هناك من يسرق بلا مبرر دينى ، وهناك الصنف الأسوأ وهوالذى يسرق ويظلم مستخدما إسم الله وبمسوّغ دينى  يبدّل فيه دين الله جل وعلا، لذا تقول الآية التالية:( إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لاَ خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ  ) ( آل عمران 75 ، 76، 77 ). وهذا هو الصنف الأحقر الذى سيكون خصما لرب العزة يوم القيامة ، وقد تحدثنا عنه من قبل .

4 ـ ومع إن الله جل وعلا جعلها قضية عامة تنطبق على كل زمان ومكان فكان المفروض من أئمة المسلمين أن يتعظوا بهذا الخطاب الذى جاء تحذيرا للجميع وليس للعصاة من أهل الكتاب فحسب . ولكن أبا بكر وعمر وعثمان إستباحوا عمليا بالفتوحات حقوقا لأمم وشعوب وأجيال، استباحوا دماءهم وأموالهم وأعراضهم، ثم جاء أئمة السّنة يشرّعون هذا العصيان ويجعلونه دينا ، قامت عليه أنظمة حكم مستبدة فى العصور الوسطى وفى عصرنا ، وعلى سنتها يسير الإخوان المسلمون والسلفيون المصريون.

5 ـ وفى عصرنا حيث ساد التشريع السّنى حتى بين المسلمين المهاجرين لأمريكا ترى تطبيق هذه الشريعة السّنية فى استحلال أموال الأمريكان . فى أمريكا يفترضون فى كل إنسان الصدق ، ثم هو مسئول عن تأكيد مصداقيته أو صدقيته فى التعامل ، أو ما يعرف فى التعامل المالى ب( الكريدت ). ومن ينجح فى تسديد ما عليه من فواتير وأقساط يزداد رصيده المعنوى فى الكريدت . ومن يفشل فى السداد لا يجد من يقرضه أو من يتعامل معه وربما قد يفقد عمله وبيته وسيارته . أما صاحب السمعة الطيبة صاحب النسبة العالية فى ( الكريدت ) فتتنافس ع البنوك والشركات فى التعامل معه وفى عرض القروض عليه . بعض المسلمين يستغلون هذا النظام بتكوين سمعة طيبة لهم فى البداية ثم يقترضون مبلغا كبيرا ويهربون به الى بلادهم . وهناك طرق كثيرة للتحايل على الأمريكان تستغل ثقافتهم فى إفتراض الصدق فى كل إنسان ، واستعدادهم للتسامح مع الغلطة الأولى لإعطاء المذنب فرصة ثانية ليتوب ويصلح نفسه . بعض المسلمين الملتحين وغير المتدينين تجمعهم عقيدة الاستحلال ، فى خداع الأمريكان أشخاصا وشركات ، وفى التهرب من الضرائب والتهرب من سداد المستحقات والفواتير ، ويرون ذلك شريعة لا غبار عليها لأن الأمريكان عندهم كفرة حلال ما يؤخذ منهم . وبهذا الاستحلال إكتسب المسلمون والعرب سمعة سيئة فى أمريكا . حتى إن العربى والمسلم دائما يفضّل التعامل مع الأمريكى الأبيض ويبتعد قدر الامكان عن رفيقه العربى والمسلم .

6 ـ وهناك أنواع مختلفة من الاستحلال فى بلاد المسلمين حيث يسود الفساد والاستبداد ، ويستطيع المستبد أن يسرق عيانا جهارا ، فلا يملك الضعيف إلّا أن يسرق خفية ، ويستحل سرقاته . وهناك الاستحلال الأفظع ، وهو أن تستحل ركوب شعب بأكمله لتحكمه مستبدا ، وتزعم أن الله جل وعلا قد إختارك لهذا من بين العالمين. 

 ثالثا : تحريم استخدام إسم الله فى الحصول على أى حطام دنيوى  

1 ـ يقول جلّ وعلا : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) هنا أمر بالعدل ، وأمر بالاحسان الذى هو فوق العدل ،اى العفوعن المسىء والغفران له والتسامح معه والتنازل عن الحق ، مع الأمر بإيتاء ذوى القربى . وهنا نهى عن الفحشاء والمنكر والبغى . والله جل وعلا يعظنا بذلك حتى نتذكر . ولكن لم يتذكر هذه الأوامر والنواهى أبو بكر وعمر وعثمان فى ارتكابهم الجريمة العظمى المعروفة بالفتوحات . ولم يتذكرها الصحابة فى الجريمة العظمى المعروفة بالفتنة الكبرى. ولم يتذكرها الأمويون والعباسيون والفاطميون والعثمانيون والوهابيون والاخوان المسلمون والسلفيون ، وكل من يظلم رب العزة ويظلم الناس حين يستخدم إسم الله العظيم ويبدل دينه مقابل متاع دنيوى غرور.

2 ـ وحتى يتذكر المسلمون وغيرهم يقول رب العزة فى الاية التالية :(وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ). أى طالما ذكرت إسم الله فى عهد أو عقد فلا بد من الوفاء به . ولو حلفت يمينا باسم الله فلا تنقضه لأنك بذكر إسم الله جل وعلا فقد جعلته كفيلا ، وهو الأعلم بما نفعل .هنا تكون الجريمة قائمة على كل من ينقض عهد الله أو يحنث بقسم الله ، سواء كان بائعا يبيع الطماطم فى سوق الخضار ويقسم أنه إشتراها بكذا ، أو كان مرشحا لمجلس الشعب لا يملك من مؤهلات سوى لحيته وقدرته على الكذب ، يخدع الناس مستخدما إسم الله وعهد الله . ومن الطبيعى ألاّ يكون جرم بائع الطماطم الحانث بدرجة الخطيئة التى يقع فيها من يخلط السياسة بالدين، ولكن التحريم هنا يشمل الجميع .

3ـ هى جريمة تحبط العمل الصالح نفسه ، فقد يكون ذلك الملتحى الكذاب يصلّى ويتصدق ، ولكن عمله الصالح يضيع ببيعه إسم الله العظيم ليشترى به جاها ومنصبا وسلطة. يقول جل وعلا فى الآية التالية يخاطب الناس: (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا ) وهنا مثل رائع لتضييع العمل ، أى لا تكونوا مثل المرأة التى تغزل الصوف،ثم تمزّقه وتضيّع تعبها ، والسبب هو كما جاء فى نفس الآية (تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ )،اى تتخذون من الكذب فى اليمين مدخلا للخداع فيما بينكم  أى تجعلون إسم الله العظيم مجالا للخداع والسرقات والظلم . ثم يتكرر التحذير مرة أخرى :(وَلاَ تَتَّخِذُواْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ السُّوءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً إِنَّمَا عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)(النحل 90 : 95 ).

4 ـ ويتكرر من صفات المؤمنين المفلحين محافظتهم على العهد والأمانة (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ)(المؤمنون 8 ،المعارج 32)،ومن صفات الأبرار المتقين (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ)( البقرة 177 )،وضمن الوصايا العشر فى القرآن الكريم:(وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )( الانعام 152). بينما تكون اللعنة والعذاب مصير ناقضى العهد المفسدين:(وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) (الرعد 25 ).

أخيرا :

هى قضية إيمان بالله وباليوم الآخر فى الدنيا ، وقضية جنة أو نار فى الآخرة . وكل فرد وما يختاره لنفسه .

وكل ما نرجوه أن يجعلنا ربنا جل وعلا شهداء على عصرنا وعلى قومنا : (رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ)(آل عمران 53 ).

ودائما : صدق الله العظيم ..!!

المقال الثانى :  الاخوان المسلمون طلاّب دنيا ويكفرون بالآخرة

هو خصم لله رب العالمين من يخلط السياسة بالدين

أولا  متى يكون التنافس السياسى قذرا ؟

1 ـ التنافس السياسى يجب أن تتساوى فيه الأدوات والمؤهلات . هو صراع من أجل طموح دنيوى ، فيجب أن يظل فى إطاره الدنيوى ، بمعنى أن يتنافس السياسيون وأحزابهم على أرضية دنيوية ، يحاول كل فريق أن يجتذب اليه الناس بمقدرته على تلبية مطالبهم ورعاية مصالحهم ، وأن يعرض عليهم مواهبه الوظيفية وسجله العملى وسيرة حياته الدنيوية ونجاحه المهنى والتعليمى و السياسى . هنا تكون المساواة وتكافؤ الفرص ، وتتحول السياسة من لعبة قذرة الى تنافس شريف .

2 ـ تكون السياسة لعبة قذرة حين يدخل فريق من المتنافسين ممتطيا الدين ليصرع به خصومه السياسيين . هنا يرتكب هذا السياسى خيانة لله جل وعلا وللناس . فالله جل وعلا لم يمنحه دون غيره من المتنافسين مزية أن يحتكر إسمه العظيم ، أى هو كاذب على الله جل وعلا ، بل هو ـ وأستغفر الله العظيم جل وعلا ـ يحتقر رب العزة إذ أستخدم إسمه العظيم مطية ليصل به الى السلطة والثروة وليحقق به مطامح سياسية ومطامع دنيوية . ومن كان هذا شأنه يجب على الناس ـ لو كانوا عقلاء ـ أن يحتقروه وأن ينبذوه ، لا  أن ينتخبوه . ثم هو خائن للناس مخادع لهم إذ يدعى لهم نفس الادعاء ؛أن الله جل وعلا إختاره ليحكمهم باسم الله جل وعلا ، وبالتالى فهو صاحب حق الاهى لا يجوز الاعتراض عليه لأن الاعتراض عليه إعتراض على الله ، أى كفر . أى هو يستخدم إسم الله ودين الله لاسترقاق الناس واستعبادهم . ومن يرى فى نفسه هذا ومن يرى فى الناس هذا يجب على الناس ـ لو كانوا عقلاء ـ أن يحتقروه وان ينبذوه ، لا أن ينتخبوه . وهو أيضا خائن لرفاقه السياسيين الذين يتنافس معهم ، إذ بسبب عجزه عن منافستهم فى كفاءتهم السياسية والعلمية وصلاحيتهم دونه للفوز فإنه يبدأ بإلغائهم من البداية حين يحتكر لنفسه دونهم قوة الاهية مستغلا قيمة الدين وهيبته فى النفوس والقلوب .

3 ـ هذا الفريق المخادع المفترى على الله جل وعلا كذبا ليست له كفاءة إلا فى الكذب والافتراء والخداع ، وبهذا التخصص يمارس السياسة ، ومن الطبيعى أن يفشل لو وصل الى الحكم فى بلد يجتاز فترة التحول الى الديمقراطية ، إذ لا يمكن أن ينجح الا إذا كان مستبدا بالحكم ،لا يسأل عما يفعل ، وله أجهزة قمع تسكت النقد وأجهزة دعاية تسبح بحمده وتحيل الفشل الى نجاح والهزيمة الى إنتصار . وفى بلد كمصر يتحول الى الديمقراطية وقد أوصلت أغلبيته الصامتة ذلك الفريق المخادع الى ( الحكم ) فالفشل المحتوم لهم سيجعل هذا الفريق المخادع المفترى أمام طريقين لا ثالث لهما : إما أن يترك الحكم وينزوى بعيدا عن السياسة ، وهذا ما يرفضه ، وإما أن يستمر فى الحكم بعد إغتيال الديمقراطية التى وصل بها الى السلطة . يتوقف الأمر على مدى حيوية الشعب ومدى صلابة القوى الحيّة واستعدادها للتضحية فى سبيل الحرية ، إن فرطت القوى الحية لحظة فى حقوقها فقد اوقعت نفسها ووطنها رهينة لحكم شيطانى مستبد ظالم فاجر. وإن قاومت ورفضت إغتيال تحولها الديمقراطى وحافظت على مكاسبها الديمقراطية وحققت المزيد تشريعيا وواقعيا فلن يكون أمام فريق الاستبداد والاستعباد إلا الرحيل النهائى ليعود الى مكانه الذى أتى منه ؛ تاريخ السلف الماضى . ولن يكون هذا سهلا على الاطلاق ، ستدخل مصر فى سنوات من العشوائية السياسية والصراع السياسى والحزبى والمظاهرات الدامية وربما حروب أهلية الى أن تتخلص من استبداد العسكر واستبداد الاخوان والسلفيين . كل هذا لأن الأغلبية المصرية الصامتة ( حزب الكنبة ) قد إختارت الاخوان والسلفيين ومكنتهم من مجلس الشعب بعد أن خدعهم أولئك الوهابيون بالدجل وباسم الاسم الاسلام العظيم .

4 ـ من الطبيعى أن هذا الدجل وذاك الخداع لا وجود له فى مجتمع واع متحضّر يقظ نشط . تخلصت أوربا من هذا الدجل الدينى الذى كانت به الكنيسة تتدخل فى السياسة متحالفة مع الملكية المستبدة والنبلاء الإقطاعيين وفرسانهم على حساب الشعب من تجار وفلاحين وعمال .وبتخلص أوربا من هذا الثالوث الشيطانى خرجت من ظلمات القرون الوسطى وقادت العالم كله سياسيا وثقافيا وعلميا وتكنولوجيا . وكانت مصر على وشك اللحاق بأوربا لولا أن زرع فيها عبدالعزيز آل سعود تلك الشجرة الخبيثة ، شجرة الوهابية فأثمرت الجماعات السلفية الدعوية وجماعات الاخوان السياسية ، وخلال أكثر من ثمانين عاما تم تغييب الشعب المصرى فى غياهب السلفية الوهابية الحنبلية السنية تحت شعارات اسلامية. والآن نجح الوهابيون المصريون ( السلفيون والاخوان ) فى الوصول الى الحكم وقد تأبطوا معهم دين الله ، أو إغتصبوه . وأغلبية المصريين صامتة صمّ بكم عمى فهم لا يعقلون .!!

5 ـ أولئك المتدينون بالاسلام ـ بزعمهم ـ لم يفعلوا شيئا للاسلام سوى إستخدامه فى طموحهم السياسى . وبإنغماسهم فى فتن السياسة وتآمراتها إنفردوا بسفك الدماء ، ولأنهم يحملون إسم الاسلام ويطلق عليهم ـ بالغباء ـ  لقب (إسلاميين ) فقد أصبح بهم الاسلام موصوما بالارهاب الدموى والتخلف والتطرف والتزمت والتعصب . هذا هو ما قدموه للاسلام . وكل هذا يهون عندهم فى سبيل أن يصلوا الى السلطة الملعونة. لو كان الاسلام فى قلوبهم فعلا لتفرغوا مثلنا لتوضيح حقائقه وقيمه العليا وشريعته السمحاء وصلاحيته لكل زمان ومكان ، وذلك بالفصل بينه وبين تراث المسلمين فى العصور الوسطى . فالاسلام يحتاج الى من يعانى فى سبيل تجلية حقائقه بعد قرون من التضليل والتغييب . وعلى النقيض من ذلك تماما أن يأتى أفّاقون لإحياء وتفعيل هذا التضليل فى عصرنا الراهن ليصلوا به الى الحكم على حساب الاسلام.

ثانيا : الاخوان والسلفيون لا يؤمنون بالآخرة ولا يعملون لها بل هم طلّاب دنيا باسم الدين

1 ـ المسلم الحقيقى هو من يؤمن بالآخرة ويعمل لها ، فهل يؤمن السلفيون والإخوان (المسلمين ) باليوم الآخر ويعملون له ؟ . الايمان باليوم الآخر ليس كلمة تقال وليس شعارا يرفع ، بل هو درجتان : العادية ، وهى التقوى فى التعامل مع الله جل وعلا تتركز فى الاخلاص له فى الدين وفى الدعاء وفى العبادة ، وهو تقوى فى التعامل مع الناس تظهر فى السمو الخلقى والحرص على حقوق الغير والعدل معهم والاحسان اليهم ، والتمسك بالصدق فى التعامل والامتناع التام عن ظلم الآخرين وخداعهم والاعتداء على حقوقهم وفى أن يكون بسلوكه الحميد صورة لتطبيق قيم الاسلام فى الصبر والتسامح والعدل والاحسان والعفو والايثار والعطاء والكرم وأن يقول للناس ـ كل الناس ـ حسنا. ثم هناك درجة عليا ، هى أن يجاهد هذا المسلم المتقى سلميا فى الدفاع عن الاسلام والفصل بينه وبين مساوىء المنتسبين له ليأتى يوم القيامة شاهدا وشهيدا على قومه .

2 ـ الايمان باليوم الآخر بدرجتيه يشغل عمر ووقت صاحبه فى ملء صحيفة أعماله بالخير الذى سينفعه فى الاخرة وليس بالخداع الذى يصل به الى الحكم ، يجعله يقضى ليله قانتا لله جل وعلا ـ وليس متآمرا فى سبيل الوصول للحكم !!. هل ينطبق على الاخوان والسلفيين قوله جل وعلا ( أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) ( الزمر 9 )؟ هو نفس التساؤل يوجهه رب العزة لأولى الألباب كى يتذكروا . وقليل هم أولو الألباب فى مصر.!!.

3ـ وأتحدى أن يجيب رءوس الاخوان والسلفيين على هذا السؤال : هل تؤمن باليوم الآخر وتعمل له ؟ وماهو دليلك الذى يظهر للناس فى سلوكك وعملك ؟ لقد تحدّى رب العزة جل وعلا المنافقين وعصاة الصحابة بإظهار عملهم الصالح ليكون مرئيا فى الدنيا ثم يكون الفصل فى الآخرة : (يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)(وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) ( التوبة 94 ، 105 ). وأولئك لم يكونوا دعاة دولة ولا طلّاب سلطة ، كان منافقو الصحابة يزعمون الايمان وكان عصاة الصحابة يريدون التوبة. هذا كل ما فى الأمر . فكيف بالاخوان والسلفيين الذين يحتكرون الدين ليحكموا به ـ ظلما ـ المصريين ؟

4 ـ هذه الحياة ( الدنيا ) مجرّد معبر لحياة أزلية خالدة ، إما أن تكون فيها خالدا فى الجنة أو فى النار . والمتقى المؤمن باليوم الآخر هو الذى يجعل هدفه فى رحلة حياته الدنيوية القصيرة أن يتزود بزاد التقوى طاعة لقوله جل وعلا :( وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ )(البقرة 197 ). وهذا يفرض على المسلم أن يعمل للآخرة وليس لدنيا فانية سيموت فيها مهما طال عمره . والسؤال الآن لزعماء الاخوان والسلفيين : ما هو هدفك فى هذه الحياة الذى تناضل فى سبيله وتعانى : هل الوصول للحكم والعلو فى الأرض أم التزود بالتقوى فى رحلة الحياة الدنيا هذه لتفوز فى الآخرة ؟

5 ـ الاجابة معروفة . وقد جاءت فى القرآن الكريم فى نهاية قصّة قارون . إن قارون هذا كان من قوم موسى فبغى عليهم وانضم الى الفرعون أكبر المفسدين المستبدين ، ولذا كان موسى مرسلا لفرعون وهامان وقارون معا (غافر24 ) . وبعد هلاك فرعون وآله نجا قارون مؤقتا ، ولأنه كان من معية فرعون فقد كان يعرف كنوزه المخبأة ، تلك الكنوز التى دعا موسى وهارون ربهما أن يطمسها (  وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ)( يونس 88). واستجاب الله جل وعلا لدعوة موسى (قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا ) ( يونس 89 )، فأعلن فرعون إيمانه عند الغرق ( يونس 90 ـ ) وطمس الله جل وعلا كنوز فرعون ودمّر قصوره وأورثها بنى اسرائيل :(وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ )( الاعراف 137 ). ومن المنتظر أن يعثر قارون على المطموس من كنوز فرعون ، بما لديه من علم ، وبذلك كان له من الكنوز ما إن مفاتيحه لتنوء بالعصبة اولى القوة . طغى قارون وتكبر ولم ينتصح فخسف الله به وبداره وكنوزه الأرض .والقصة معروفة مشهورة ومذكورة فى القرآن الكريم ، ولكن قلّما يلتفت الناس للعبرة التى من أجلها ذكر الله جل وعلا قصة قارون . العبرة جاءت فى قوله تعالى فى نهاية القصة تعقيبا عليها :( تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) (القصص ـ 83 ). العبرة تتحدث عن اليوم الآخر:( تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ ) أى الفوز بالجنة التى ستكون لمن يعمل لها . فمن هم من يعمل لليوم الآخر ؟ الاجابة فى قوله جل وعلا : ( نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا )، أى هم المتقون الذين يفوزون فى الآخرة أى العاقبة : (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ )

نرجع لسؤالنا لزعماء الاخوان والسلفيين : أين أنتم من هذه الآية الكريمة ، وهى تتحدث عن شىء منظور يظهر فى التعامل بين الناس ، وليس مجرد الاعتقاد القلبى . فالذى (يريد) علوا فى الأرض لا بد أن يكون ظاهرا مرئيا لأنه يريد أن يعلو على الناس وفوق الناس ،أى أن يراه الناس وهو يتسيد عليهم ويركبهم مستبدا مثل فرعون الذى علا فى الأرض مستبدا،فقال جل وعلا عنه:(إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ ) ووصفه فقال ( إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ)(القصص 4 ). وأبرز مثل للعلو فى الأرض هو من ( يريد ) إقامة دولة دينية يؤسسها على دين أرضى مزعزم يتحول به من مستبد عادى الى مستبد دينى يؤله نفسه مثل فرعون الذى أعلن الربوبية العليا فى مؤتمر عقده له حزبه ( الوطنى ) وحشر له الغوغاء والرعاع من جند فرعون وقومه (فَحَشَرَ فَنَادَى فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى ) ( النازعات 23 : 24 ). وتتكرر جزئيا هذه الملامح بطريق غير مباشر فى شخص الزعيم الملهم مثل عبد الناصر ومثل صدام صاحب التسعة والتسعين أسما وفى (نفحات صاحب النعم ) فى السعودية وتأليه المرشد فى ايران . هذا ( العلو فى الأرض ) والتسيد على الخلق لا (يريده ) فقط الاخوان المسلمون والسلفيون ولكن يناضلون فى سبيل تحقيقه ، وليس بوسائل سياسية مثل بقية المتنافسين على السلطة ولكن بركوب الاسلام وأتخاذه مطية لهم . فهم لا (يريدون) فقط ولكن (يعملون) ليل نهار . وهم لا يعملون ليل نهار فى سبيل تحقيق علوهم الدنيوى  السياسى بوسائل دنيوية سياسية كبقية الفرقاء السياسيين ، ولكنهم يرتكبون أفظع الكفر وأحقره وأبشعه حين يمتطون إسم الله العظيم فى هذا الجرم الذميم ـ وأستغفر الله العظيم .!!

ثالثا : الإخوان والسلفيون بين أقسام البشر فى إرادة الدنيا أو إرادة الآخرة

 1 : أغلبية البشر مسكونون بحب الدنيا ويؤثرونها على الآخرة :(بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى)(الاعلى 16 : 17).ولهذا يأتى وعظ الرحمن لنا بطريقتين : الأولى أن يكون تنافسنا فى الخير وابتغاء الفوز فى الآخرة وليس فى سبيل حطام دنيوى زائل ، كقوله جل وعلا: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ   سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) ( الحديد 20 : 21 ). الثانية : إن التنافس الدنيوى لن يؤثر توزيع الرزق ، فمن كان يريد الدنيا العاجلة فمهما سعى فلن ينال سوى الرزق المقدر له سلفا، ثم يكون مصيره الجحيم ، يقول جل وعلا : (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا) أمّا من أراد الآخرة وسعى لها سعيها بالايمان والعمل الصالح فسينال رزقه المقدر سلفا فى الدنيا ثم مصيره الجنة :( وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا) كل فريق ينال رزقه المحتوم المقدلر سلفا ، ولكن الأفضلية فى النهاية لمن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن : ( كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ) ( الاسراء  18 : 21).

2 ـ من يريد الآخرة ويعمل لها فريقان : الأول : هو لا ينسى حظه الحلال من الدنيا،ونصحوا قارون بهذا فلم ينتصح :(إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي) (القصص 76 ـ ).المؤمن باليوم الآخر يعمل عملا صالحا نافعا له وللناس ، ويأخذ أجره فى الدنيا وفى الآخرة أيضا:(لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ)(النحل  30).

الفريق الثانى : يزيد على السابق بكونه مناضلا فى سبيل الحق يقاسى من الاضطهاد ، وقد يلجأ الى الهجرة ويضطر للقتال دفاعا عن نفسه . هذا الصنف تشمله رعاية الله فى الدنيا ، ثم يكون شهيدا على قومه يوم القيامة . يقول جل وعلا عن من يهاجر فى سبيل الله متوكلا على الله  بعد معاناته من الظلم : وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)(النحل 41 : 42 ). ويقول جل وعلا عن الفريقين معا:(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ) ويقول جل وعلا عن الفريق الثانى الأعظم مكانة: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ).ثم يقول عن الكافرين المتلاعبين بدين الله جل وعلا ومواكبهم وثرائهم الذى يغرّ بمظهره الناس (لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلادِ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ).وفى النهاية فالعاقبة للمتقين : (  لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ) ( آل عمران  190 : 198).

3 ـ من يريد الدنيا ولا يعمل إلا للدنيا ولا يهتم بالآخرة هم أيضا فريقان : منهم من يقوم بعمل الخير ليس إبتغاء مرضاة الله جل وعلا ولكن لغرض دنيوى، وهذا يكافئه رب العزّة فى الدنيا ولكن ليس له فى الآخرة ألا العذاب الخالد:(مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)(هود 15 : 16)(إِنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) (يونس 7 : 8 ).

ومنهم الأسوأ  كالإخوان المسلمين والسلفيين الوهابيين ممّن يقوم بالصّد عن سبيل الله ودينه الحق مستخدما دين الباطل وسيلة للوصول الحطام الدنيوى كفرا بالآخرة . منهم صنف منّاع للخير مدمن للكذب والحلف باسم الله كذبا ( وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ)(القلم 10 ـ ) . ومنهم دعاة منافقون يدينون بالباطل ويخدعون العوام بالحلف بالله جل وعلا باطلا وبزخرف القول ، مع إنه من عتاة الفساد ، وإذا وعظه أحدهم بتقوى الله أخذته العزّة بالاثم ، كان هذا الصنف موجودا فى عهد النبوة وهو مستمر وجوده فى عصرنا وفى كل عصر فيه ناس :( وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ  ) ( البقرة 204 : 207 ). ومن هؤلاء المنافقين ـ مريدى الدنيا ـ من يحوزون على إعجاب الناس بثرائهم وجاههم ، ولكن الله جل وعلا سيعذبهم بأموالهم وأولادهم فى الدنيا ثم ينتظرهم الخلود فى النار:(فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ )(وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ )( التوبة 55 ، 85 ). ولكن كل عذابات الدنيا لهم تهون بالمقارنة بعذاب الآخرة ، وهم فيها فى الدرك الأسفل من النار ، يقول جل وعلا عمّن يستخدم دين الله ويتلاعب بكتابه فى تحقيق مطامع دنيوية:( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ ) ( البقرة 86 )، ويقول عمّن يشترى بآيات الله ثمنا قليلا:(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ)(البقرة 174 : 175 ).

4 ـ ما هو موقف المؤمن من هذا الفريق الذى لا يؤمن بالآخرة والذى إنشغل بالدنيا لم يرد سواها ؟ يقول جل وعلا : (فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا )( النجم 29  ). أى يجب الاعراض عنه وليس مناصرته وتأييده وانتخابه ..

أخر السطر : هل أنت خامل أومجهول ؟ هل أنت فاسد أو مخبول ؟ هل أنت جاهل أووضيع ؟ هل لو ترشحت لمجلس الشعب سيهزأ بك الجميع ؟ .. بسيطة .. عدة سنوات ترتدى فيها العمامة واللحية والجلباب مع التفرغ لصحبة (الأخوة ) الأحباب ..بعدها ستكون عضوا فى مجلس النواب ..!!

المقال الثالث :   ليس في الاسلام دعوة لإقامة دولة.. فليبحث الاخوان عن دين آخر

هو خصم لله رب العالمين من يخلط السياسة بالدين

أولا :دعوة الاسلام دينية خالصة تختلف عن الدعوة السياسية لإقامة دولة

1 ـ شتأن ما بين دعوة الاسلام والدعوة لإقامة دولة. هى فى الاسلام دعوة دينية أولا وأخيرا. ففى بداية الدعوة الى الاسلام قال رب العزّة لخاتم المرسلين :(فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنْ الْمُعَذَّبِينَ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ )( الشعراء:213: 216 )، أى نهاه ربه جل وعلا أولا عن الوقوع فى الشرك حتى لا يكون يوم القيامة من أهل النار ، وحتى يكون أسوة للمؤمنين فى إخلاص الدين لرب العالمين ، وأمره بالبدء بإنذار عشيرته الأقربين فبهم ستنتشر الدعوة الى بقية أهل مكة ، وبهم ستتكون له حماية من المؤمنين ،وأمره أن يتواضع فى التعامل مع أتباعه المؤمنين ، فإن عصوه فعليه أن يتبرأ من عصيانهم وليس من أشخاصهم وذواتهم . لم يقل له رب العزة : قم بإنذار أهلك بالوقوف معك لإقامة دولة وأحكم سيطرتك على اتباعك حتى يخافوك ويرهبوك فإن عصوك فاقتلهم أو اضربهم بالسلاسل والجنازير،( كما كان يفعل صبية الاخوان والجماعات فى التسعينيات قبل أن يصلوا للسلطة) .

2 ـ فارق هائل بين الدعوة للإسلام والدعوة لإقامة دولة حتى لو كانت تتمسح بالإسلام . حين آلت الدعوة السرية لقلب نظام الحكم الأموي الى ( محمد بن على بن عبد الله بن عباس ) أرسل عام 100 هجرية دعاته السريين الى الآفاق ، وكان تركيزه على خراسان ،فكان يقول لهم :(أما الكوفة وسوادها (أى الريف المحيط بها ) فهناك شيعة على وولده ، وأما البصرة وسوادها فعثمانية ( أى على طريقة عثمان بن عفان ) ترى الكفّ وتقول : كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل ، وأما الجزيرة فحرورية(أى خوارج ) ومارقة وأعراب ومسلمون فى أخلاق النصارى ، وأما أهل الشام فلا يعرفون إلا طاعة بنى مروان ، وأما أهل مكة والمدينة فقد غلب عليها أبو بكر وعمر .ولكن عليكم بخراسان،فإن هناك الصدور السليمة والقلوب الفارغة التى لم تتقسمها الأهواء ولم تتوزعها النحل ) ( الطبرى 6 / 512 ، المنتظم لابن الجوزى 7/ 56 ). هنا وصية سياسى محنّك يعرف أوضاع المنطقة ، ويختار أصلحها ـ وهى خراسان فى اقصى الشرق ـ  ليبدأ بها دعوته بعيدا عن محور القوة الأموية فى الشام وفى مصر .وعلى نفس المنوال ترى وصايا الخلفاء الكبار لأولياء العهد ، فقد كتب معاوية وصيته لابنه يزيد وكان يزيد غائبا فلم يحضر وقت إختضار أبيه . كتب له : ( إنظر أهل الحجاز فانهم أهلك فأكرم من قدم عليك منهم . وانظر أهل العراق فإن سألوك أن تعزل عنهم كل يوم عاملا فافعل ، فإن عزل عامل أحب من أن تشهر عليك مائة الف سيف ، وانظر أهل الشام فليكونوا بطانتك وعيبتك (أى موضع سرّك ) فإن نابك شىء من عدوك فانتصر بهم فإذا أصبتهم فاردد أهل الشام الى شامهم فإنهم إن أقاموا بغير بلادهم أخذوا بغير أخلاقهم . وانى لست أخاف من قريش إلا ثلاثة : الحسين بن على وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير .فأما ابن عمر فرجل قد وقذه (أى غلبه ) الدين فليس ملتمسا شيئا قبلك . وأما الحسين بن على فأنه رجل خفيف وأرجو أن يكفيكه الله بمن قتل أباه وخذل أخاه ، وإن له رحما ماسة وحقا عظيما وقرابة من محمد ، ولا أظن أهل العراق تاركيه حتى يخرجوه ،فإن قدرت عليه فاصفح عنه ؛فإنى لو كنت صاحبه عفوت عنه . وأما ابن الزبير فإنه خبّ ضبّ فإذا شخص اليك فالبد له ، إلا أن يلتمس منك صلحا ، فإن فعل فاقبل. واحقن دماء قومك ما استطعت ) ( تاريخ الطبرى 4/ 238 ـ ).

أما فى الاسلام فالوصية يقولها النبى بالاخلاص لله جل وعلا وحده ، وهكذا فعل ابراهيم ويعقوب : (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (البقرة  132 ـ ).

ثانيا : مرحلتان للدعوة الدينية فى الاسلام تخالفان الدعوة لإقامة الدولة :

 ليس فى الاسلام دعوة لإقامة دولة ، ولكن لإخلاص الدين لله جل وعلا وحده فى الاعتقاد وفى العبادة وفى العمل والتعامل مع البشر. وهذه الدعوة الدينية لها مرحلتان :

1 ـ الدعوة العامة والاعلان العام للجميع للإيمان بالله وحده وخشيه وحده وعبادته وحده وتقديسه وحده ، مع تأكيد حريتهم فى الاختيارومسئوليتهم الفردية عن عقيدتهم وعقائدهم وأعمالهم يوم القيامة أمام الله جل وعلا وحده بلا شفاعات بشرية .يقول جل وعلا :(قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ )(يونس 108 ).

2 ـ ولهذه الدعوة العامة تشريعاتها : فهى بالحكمة والموعظة الحسنة : (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) ( النحل 125 ). وهى بالتسامح مع الخصم ومقابلة الأذى بالصبروالعفو والصفح . أهمية الصفح هنا هو إيمان الداعية للاسلام باليوم الآخر ، ومسئولية الفرد عن إختياره ، فإذا إختار الضلال فقد إختار لنفسه الخلود الأبدى فى النار، وبهذا يستحق الشفقة والعفو والصفح فيكفيه ما ينتظره من عذاب الآخرة. وترى هذا المعنى فى الآيات التى أمرت بالصفح عن المشركين المعاندين الرافضين للحق ،يقول جل وعلا : (وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحْ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ) ( الحجر 85). ولو تأكد من إصرار قومه على الضلال فعليه أن يقابل إصرارهم بالصفح وأن يقول لهم سلاما ، فسوف يعلمون يوم القيامة سوء عاقبتهم :( وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ )(الزخرف 88 : 89 ) ولذا أمر الله جل وعلا المؤمنين بالغفران للضالين الكافرين ، فكل فرد مسئول عن إختياره وعمله يوم القيامة : (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ)(الجاثية 14: 15 ). وهو سمو خلقى لا مثيل له ، أن تعفو وتصفح عمّن يخالفك فى الدين ،وأن ترد عليه السيئة ليس بالسيئة ـ وهذا حقك ـ ولكن بالتى هى أحسن وليس بمجرد الحسنى أو بمجرد الحسنة :( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ )( فصلت 33 : 35 ).

3 ـ : مثل هذه الطريقة لا تنفع مطلقا لدى من يدعو لتأسيس دولة لأنه لا بد أن يقنع أصحابه وأتباعه باستخدام السلاح ضد الآخرين ، وأن يكون اتباعه وأصحابه غاية فى السمع والطاعة ، لأن طريقه ليس الحكمة والموعظة الحسنة و الجدال بالتى هى أحسن ، وليست إحترام رأى المخالف المعاند والصبر على أذاه والعفو والغفران ورد السيئة بالتى هى أحسن ، بل هى الطاعة المطلقة لفرض إقامة الدولة بالسلاح ، ومباشرة المكائد والتآمر وأساليب الخداع مع الجماهير وعلى الأتباع حتى يتسنى له ركوب الجميع . ولا بد له أن يستعين بالغير وأن يتحالف مع هذا وذاك ، وأن يضرب هذا بذاك ، ثم إذا وصل الى السلطة بادر بالتخلص ممن أعانه من كبار قادته حتى لا يكون لأحد عليه فضل ومنّة، وليحكم مستبدا لا بد أن ينشىء أتباعا جددا يعرفونه كحاكم مستبد وليس كرفيق سابق فى النضال. هذه هى الوصفة التاريخية فى إنشاء أى دولة مستبدة ، لا فارق بين إقامة الدولتين الأموية والعباسية والدول الفرعونية فى مصر ونظم الحكم فى روما وفارس ، ولا فارق بين إقامة الدولة الفاطمية والدولة السعودية. كلها تقوم على التآمر والخداع والتآمر والقتل . وورث هذا كله الاخوان المسلمون،وعملوا أكثر من ثمانين عاما فى هذا الطريق . وعندما وصلوا الى الأغلبية فى مجلس الشعب مع أتباعهم السلفيين صرّح المرشد العام محمد بديع بأن هذا هو ما عملوا له من عام 1928 . هنا حديث سياسة وليس حديث دعوة اسلامية قرآنية .

4 ـ المرحلة الثانية من الدعوة الاسلامية هى أن تقتصر على دعوة المؤمنين الخاشعين فقط ، بلا تضييع الوقت والجهد مع المعاندين بعد أن عرفوا بالدعوة ورفضوها .  يقول جل وعلا عن المعاندين إنه لا أمل فى هدايتهم:(وَسَوَاءعَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ) ولذلك يجب أن يقصر دعوته على أتباعه فقط يكمل معهم طريق الهداية :(إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ ) ( يس 10 : 11 ). وردا على أتهاماتهم وأكاذيبهم يأمره ربه بالتركيز بالدعوة القرآنية على من يخشى الله جل وعلا : (نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ  )( ق 54 )وقال فى نفس المعنى (وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)(الانعام 51 )(فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى)(الاعلى 9 )( مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى)(طه 1 ـ ).

5 ـ هنا أيضا لا تجدى هذه الطريقة فيمن يدعو لإقامة دولة إذ يستحوذ على إهتمامه كيف يسيطر على الآخرين ، يقنعهم ويخدعهم حتى يكونوا له أتباعا، وإلا فهم أعداء وخصوم لا بد من إخضاعهم بالقوة . وبالتالى فلا سبيل مطلقا لصاحب الطموح السياسى فى (الاعراض )عن الخصوم ، بينما يكون الاعراض عن الخصوم أساسا فى الدعوة الى الاسلام، وقد تكرر الأمر به فى القرآن الكريم كقوله جل وعلا : (فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ) (النجم 29 ). ويشمل هذا الاعراض كافة ظروف التعامل مع المعادى للمؤمنين فى الدين ، سواء كان المؤمنون أقلية مضطهدة كما حدث فى مكة : (اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ )(الأنعام 106) ،أو كانوا أصحاب دولة كما حدث فى المدينة، فكان الأمر بالاعراض عن المنافقين الذين تمتعوا بالحرية المطلقة فى المعارضة السلمية دينيا وسياسيا:(أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا )( وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً)(النساء  63 ،81 )(سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) (التوبة 95 ).

وفى ثنايا هذا التكرار وردت تشريعات لهذا الاعراض عن المشركين: فهو إعراض يحمل السمو الأخلاقى ، إذ يقترن بالصفح والعفو والسلام ،فإذا وقع المشرك فى اللغو ـ أى كلام يسىء للاسلام ـ فالواجب الاعراض عنه وتحيتهم بالسلام (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ)(القصص55)، وهذه من صفات عباد الرحمن:(وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً)(الفرقان 63)،ومن صفات المؤمنين المفلحين:(قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) ( المؤمنون 1 ـ 3) ، وهو مرتبط بالعفو والصفح والمعروف من سمو الأخلاق فى التعامل مع الجاهلين :(خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ) (الأعراف 199 ) . ولكن هذا لا يعنى التهاون فى قول الحق كاملا وعاليا وصريحا ، فالدعوة لا بد أن تكون بأعلى صوت تعلن الحق كاملا بلا أى مراعاة لتقديس البشر ،أو بلا أدنى تحرّج من غلبة الثوابت المقدسة الخرافية المسيطرة على عقول الناس ، لذا يقترن قول الحق كاملا بالاعراض عن المشركين عبّاد الثوابت وما وجدوا عليه آباؤهم : (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ)(الحجر 94) . ولذلك قال رب العزة لخاتم المرسلين :(كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ )،أى لا يتحرج من إعلان ما جاء فى الكتاب مهما بلغت حساسية من يقدّس الأولياء وتراثهم ، وحتى يتأسى المؤمنون بهذا قال جل وعلا : (وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ) أى يتذكر المؤمنون أنه لا حرج فى إعلان الدعوة وقول الحق كاملا مهما كان ثقيلا على أسماع تعودت تقديس البشر والحجر. ولأنه أمر عسير أن يتبع الناس الحق القرآنى وحده فقد قال جل وعلا ( اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ ) ( الأعراف ـ3 ).

وهذه التشريعات فى الاعراض عن المعادى فى الدين له جذور إيمانية،وهو الانتظار الى يوم الفصل يوم القيامة : (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانتَظِرْ إِنَّهُم مُّنتَظِرُونَ ) (السجدة 30)، فهو الاعراض عنهم مع احترام حريتهم الدينية: ( قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ) ( الانعام 135 )، أى لهم أن يمارسوا حريتهم الدينية مثلما يمارس المسلمون حريتهم الدينية : (وَقُل لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ )(هود 121 : 122 ) أى ينتظر الجميع الفصل بينهم يوم الدين :(قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ)(الزمر 39 ـ ).ولا بأس بمدى حريتهم هذه ،حتى لو وصلت الى السخرية بالقرآن والخوض فيه ، وكانوا يعقدون مجالس لهذا ، وكان النبى محمد يحضرها فى مكة ، فنهاه ربه عن حضور هذه المجالس والاعراض عنها مرتين :( فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمْ الَّذِي يُوعَدُونَ (الزخرف 83) ( المعارج 42). ونسى النبى فظل يحضر تلك المجالس فنزل عليه الوحى يؤنبه: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ  )(الأنعام 68 ) . واستمرت تلك المجالس فى دولة الاسلام فى المدينة برعاية المنافقين، ولم يكن يحضرها النبى ، ولكن كان يحضرها بعض المؤمنين فنزلت هذه الآية تذكّر بالأوامر السابقة وتحذّر من عذاب يوم القيامة  ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً )( النساء : 140). ويلاحظ أن النهى ليس عن الحضور المطلق ، ولكن عن الحضور فقط وقت الخوض فى آيات الله . وتلك درجة فى الحرية الدينية لم تعرفها البشرية إلا فى عصر الديمقراطيات الحديثة، وسبق بها الاسلام من أكثر من  1400 عام . ويبقى التناقض هائلا بين تشريعات الاسلام وتلك الدول الدينية التى أقامها المسلمون على أساس مذاهبهم الدينية وأديانهم الأرضية ، فلا يجرؤ مسلم سنّى على مناقشة الدين الشيعى فى أى مجلس علنى فى إيران ،ولا يجرؤ مسلم شيعى على إنتقاد الوهابية فى عقر داره خوف القتل بحدّ الردة المزعوم.

6 ـ والاعراض عن المعادى فى الدين يحمل فى ثناياه القدرة على الإستغناء عن هذا الخصم فى الدين . لذا يرتبط بالدعوة الى الاسلام ألّا يطلب الداعية من الناس لنفسه أجرا ، لأن أجره على الله جل وعلا ، وهو ينتظر هذا الأجر من ربه فى الدنيا فى الآخرة . و(الأجر ) ليس مجرد المال بل يشمل كل شىء دنيوى من الثروة والجاه والسلطة والتحكم السياسى والوصول للحكم . وبالتالى فهو ممنوع إبتداءا أن يتبع المسلم أى داعية يطلب أجرا ، سواء كان الأجر مالا أو وصولا الى مجلس الشعب أو وصولا الى السلطة والثروة أو أى حطام دنيوى . وكل نبى كان يؤكد لقومه إنه لا يطلب منهم أجرا . وتكرر هذا كثيرا فى القرآن الكريم . وفى سورة الشعراء كان كل نبى يقول لقومه:( وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ) قالها نوح ( آية 109)،وهود  (127) ، وصالح ولوط  (164) وشعيب (180) . وتكرر هذا لخاتم المرسلين عليهم جميعا السلام . فقد إقتدى عليه السلام بهدى الأنبياء السابقين فى عدم طلب الأجر من الناس ، فبعد أن قصّ الله جل وعلا بعض قصصهم قال لخاتم المرسلين عنهم :(ُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ )(الانعام: ـ  90 ). وأمره أن يعلن للناس إنه لا يطلب منهم أجرا   : (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُتَكَلِّفِينَ) (ص 86 ). وأن الأجر سينالونه هم إن أتبعوا الحق ، أى فالأجر هو للناس وليس للداعية للحق :( قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ )( سبأ 47 ) ( قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) (الشورى 23 )(قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً ) (الفرقان 57).ولذلك كان يأتى التساؤل الاستنكارى عن سبب ضلالهم وهو لايطلب منهم أجرا :( أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ  ) (الطور 40 )و(القلم 46 )( وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ ) (يوسف 104 )( أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ )(المؤمنون 72 ). ومن هنا فإن ميزان الداعية للحق ألا يسأل الناس أجرا ، وأن يكون أول من يهتدى بالحق الذى يدعو اليه بحيث يكون بعمله قدوة لهم : (اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) يس 21 ). ودعاة الباطل هم طلاّب دنيا ، ويجب على المسلم الاعراض عنهم وليس تأييدهم وانتخابهم : (فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ) (النجم 29 ).

ثالثا : قيام دولة فى الاسلام هو نتيجة لما يفعله المشركون :

1 ـ منذ أن هبط آدم للأرض هبط معه قانون العداء بين أبنائه ( أبناء آدم )، يقول جل وعلا : (قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ )( الأعراف 24 ). قتل إبن آدم أخاه فى أول حرب عالمية فى تاريخ البشر ( المائدة 27 ـ ). وتوالى مسلسل الصراع وتوالى معه ارسال الرسل وإنزال الوحى السماوى ليهتدى به بنو آدم . وفى كل الأحوال يبدأ البغى والظلم فيتأجج الصراع ، وينتهى بمصرع الظالم ليحلّ محله ظالم آخر ، وهذا هو موجز الأنباء فى تاريخ بنى آدم على هذا الكوكب. وأفظع أنواع الظلم أن يبرر الظالم ظلمه واستبداده بنحريف الدين السماوى الذى ينزل لإقامة القسط فيصبح بالتحريف مسوغا ومشرعا للاستبداد والظلم والبغى . من هنا كان إنزال الكتب السماوية وانزال الحديد . الكتاب السماوى لكى يقوم الناس بالقسط ، والحديد هو أداة الصراع والقتال فى سبيل الحق أو فى سبيل الباطل، وسيظهر فى هذا الصراع من ينصر العدل والقسط ،أى دين الله الحق جل وعلا:( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ )(الحديد 25).أى ربما ينتج عن هذا الصراع أن يقيم (الناس ) القسط . أى ربما يقيمون دولة (إسلامية ) على أساس القسط ، تطبق القسط والعدل فى التعامل مع الناس ، باعطاء الحقوق ومنع الظلم بين الناس ، وفى التعامل مع الله بالتأكيد على أنه لا إكراه فى الدين ،بضمان الحرية المطلقة فى (الدين) ، إنتظارا لمجىء ( يوم الدين ) (يوم الفصل) (يوم الحساب) الذى يحكم فيه رب العالمين بين الناس فيما كانوا فيه يختلفون . ربما يقيم ( الناس ) العدل بلا دولة ، فى قبيلة رعوية أو أى مجموعة بشرية من الناس لا تكتمل لديها متطلبات الدولة ونظام الحكم،فالأية الكريمة تتحدث عن (الناس ) وليس عن دولة . وفى كل الأحوال فإقامة القسط تأتى رد فعل لظلم موجود مطلوب إزالته.

2 ـ فالظالمون المشركون الكافرون هم الذين قد يتسببون بجرائمهم فى نجاح المستضعفين فى أن يقيموا لهم دولة . ولنا فى تاريخ خاتم المرسلين المثل الحى، فلم تكن إقامة الدولة واردة ، ولكن الاضطهاد وطرد المؤمنين من ديارهم وإجبارهم على الهجرة هو الذى جعلهم يقيمون دولة لهم فى ظروف مواتية . وحتى الهجرة نفسها ليست وحدها أساس إقامة الدولة ، فربما لا ينتج عنها تأسيس دولة . كان التاريخ سيتغير لو هاجر النبى والمسلمون كلهم الى الحبشة واستمروا فيها فى ظلّ حاكم أعطاهم اللجوء فى بلده  وحماهم من ملاحقة قريش . ولكن هجرتهم للمدينة مكّن لهم من إقامة دولة خصوصا مع ملاحقة قريش لهم بالغارات الحربية على المدينة مما جعل التشريع ينزل لهم بحق الدفاع عن النفس ، وكانوا من قبل مأمورين بكف اليد عن رد الاعتداء ، وحتى حين جاءهم الإذن بالقتال إحتجوا، فقال جل وعلا: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنْ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً) ( النساء:77). وجاءت حيثيات الإذن بالقتال الدفاعى فى قوله جل وعلا:(أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِير الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ )(الحج 39 : 40 ). فهم قد تعرضوا للظلم فى مكة وأخرجتهم قريش من ديارهم بغير حق ، ثم بعدها تلاحقهم قريش بالقتال، أو بالتعبير القرآنى :(أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ).

3 ـ وللمشركين المعتدين الظالمين فى كل زمان ومكان ملامح ثابتة تتعرف بها عليهم مهما رفعوا من شعارات (إسلامية ) وهى عدم تسامحهم مع المخالف لهم فى الدين أو حتى فى المذهب ، وإكراههم له فى الدين وفى المذهب وطردهم لمن يتمسك بدينه المخالف ولا يرجع عنه. تجد هذا فى إيران الشيعية فى تعاملها مع العرب السنيين فى الأهواز كما تجده فى تعامل الوهابيين مع الشيعة فى الخليج ،كما تجده مع الوهابيين الاخوان والسلفيين فى مصر فى تعاملهم مع الأقباط والبهائيين والقرآنيين . ومن الأنباء التى ترد من مصر هجرة الكثيرين من الأقباط بعد تصريحات تهدد بقاءهم فى بلدهم ، بل وطرد عائلات قبطية على يد السلفيين ، وقبلها طرد عائلات من البهائيين فى اواخر حكم مبارك ، ثم تهديد البهائيين علنا على لسان أحد الذقون السلفية . التهديد بالطرد للمخالف بالدين وأخراج الناس من بيوتهم وديارهم جريمة تلازم كل عصر يتحكم فيها أرباب الديانات الأرضية من قصص الأنبياء فى أقدم العصور الى عصرنا البائس ، فعلوا ذلك مع النبى شعيب والمؤمنين معه ، خيّروهم بين الطرد أو الرجوع الى ملتهم الأرضية:(قَالَ الْمَلأ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا )(الأعراف 88)، وفعلها قوم لوط : (فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ )( النمل 56 )، بل هدّد آزر إبنه ابراهيم عليه السلام وأنذره بالطرد : ( قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً وَأَعْتَزِلُكُمْ )( مريم 46 ـ  ).وفى تاريخ كل الأنبياء كان أولئك المجرمون يهددون الأنبياء بالطرد : (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا)( ابراهيم 13). وفعلوا ذلك مع خاتم النبيين عليهم السلام، يقول له ربه جل وعلا: (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلا نَاصِرَ لَهُمْ ) ( محمد 13)، ويقول جل وعلا عن تآمرهم عليه بخطط منها القتل أو الأسر والسجن أو الطرد : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (الأنفال 30). وحين فعلوا ذلك مع خاتم النبيين المسلمين تأثر به تشريع الموالاة والقتال ، فلا موالاة مع المشركين الذين أخرجوا المسلمين من ديارهم ولا موالاة مع من يظاهر ويؤيد أولئك الكافرين المعتدين ، ولكن لا بد من القسط والبرّ مع المخالف فى الدين الذى لم يعتد على المؤمنين ولم يخرجهم من ديارهم :(لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ )( الممتحنة 8 : 9 ).

أخيرا

من العجائب أن الدول التى تحمل إسم الاسلام زورا وبهتانا أو ما يسمى بالعالم الاسلامى هى التى يهاجر منها الناس فرارا بدينهم ويأتون الى دول الغرب وأمريكا ، مما يدل على أن تلك الدول السنية والشيعية  هى الأشد تناقضا مع الاسلام بينما تكون دول الغرب وأمريكا هى الأقرب الى قيم الاسلام ومبادئه . ومن أعجب العجب أنّ مصر التى إشتهرت بتسامحها فى أشد القرون تعصبا يأتى عليها عصر التسامح وحقوق الانسان وقد تحكّم فيها سلفيون ينتمون الى عصور الكفر والشرك والطغيان ..

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم ..

تحذير المسلمين من خلط السياسة بالدين
بدأت كتابة مقال عن (الحلف بالله ) جل وعلا ، والكفارة التى يجب أن يدفعها المسلم المؤمن حين يحنث فى الحلف ، ومقارنة بين هذا وإدمان المنافقين على الحلف كذبا ، وتعود المشركين على القسم بالله جهد أيمانهم ثم يحنثون ، ولا وجود للكفارة بشأنهم لأنهم خارجون عن الاسلام أصلا. تشعب المقال الى عدة مقالات ، ثم تواصل التشعب ليصل الى 17 مقالا فى فضح الاخوان المسلمين والسلفيين الوهابيين وكل من يخلط السياسة بالدين . وحافظت فى سلسلة المقالات على البدء بالعنوان الأصلى ( الحلف كذبا ) ثم وضع عنوان خاص لكل مقال طبقا لموضوعه . كان المفترض أن تكون من المقالات الأولى مقال يوضح تحريم استغلال اسم الله فى الحصول على حطام دنيوى . ولكن لما
more