رقم ( 5 ) : التأويل المعاصر بين السلفية ونصر ابو زيد
خامسا

" style="font-size: 14pt">انتاج فكر اسلامى يواجه الفكرالسلفى ، ومن الطبيعى ايضا ان تتسع المواجهة السياسية والفكرية بين الفريقين السلفيين والعلمانيين ، وترتب على ذلك استقطاب حاد بين الاتجاهيين ، وذلك الاستقطاب الحاد ادى الى تهميش اتجاهات فكرية دينية اخرى على الساحة ، مثل الاتجاه التنويرى القرآنى الذى بدأه الامام محمد عبده والاتجاه الصوفى ـ الذى يتميز بالسلم وان كان مثقلا بالخرافة والجهل ـ والاتجاة الجنينى للفكر الشيعى داخل مصر . كما ادى ذلك الاستقطاب الى وقوع الاتجاهين المتصارعين فى التطرف الفكرى معا . وانعكس هذا على موقفهما من التأويل .


 

2-وندخل بذلك على الفرق بين تأويل د. نصر حامد ابو زيد ممثل الاتجاه العلمانى وتأويل السلفيين .


 

 فالسلفيون يرفضون التأويل فى الاصول شأن السابقين من اهل السنة ، وان  تطرف الوهابيون وانكروا تماما وجود المجاز فى القرآن .


 

 وبهذه المناسبة حدثت هذه القصةالتى كان المجتمع الآزهرى يتداولها فى الثمانينيات:  الشيخ عبد العزيز بن بازالمفتى الوهابي المشهوراستضاف بعض الاساتذة  المصريين المعارين للمملكة السعودية ، واستعرض امامهم سطوته الوهابية واكد لهم انه ليس فى القرآن مجاز وان كل لفظ فى القرآن على حقيقتة ، والمعروف ان الشيخ ابن بازكان ضرير البصر ، فتصدى له استاذ مصرى هو" الدكتور الحوفى"الاستاذ المشهور وقتها فى كلية دار العلوم – وكان معارا للسعودية وحضر هذا اللقاء ولم تكن منزلته تسمح له بالسكوت على الجهل الذى يسمعه متحصنا بقوة الريال.أندفع الدكتور الحوفى وقال له: اذا يا فضيلة الشيخ فأنت من اهل النار لان الله تعالى يقول " ومن كان فى هذه اعمى فهو فى الاخرة اعمى واضل سبيلا ) وسكت الشيخ  ابن باز ثم قال اخيرا ( لقد افحمتنى ويلغى عقدك) !!


 

والجدير بالذكر ان مصطلح " اعمى " جاء فى القرآن بمعناه الحقيقى فى سياق التشريع الذى يأتىبأسلوب محدد واضح، كقوله تعالى ( ليس على الاعمى حرج : النور 61 ، الفتح 17) ويأتى نفس المصطلح فى سياق الدعوة بالاسلوب المجازى ليعنى الضلال والعمى القلبى ، كقوله تعالى ( صم بكم عمى فهم لا يعقلون : البقرة 171 )


 

 


 

وهذا التطرف السلفى فى رفض المجاز فى القرآن يؤكده تطرف سلفى اخر فى رفض كل مالا يتفق مع مقولات ابن تيمية فى الحياة العصرية ومنجزاتها ومكتشفاتها وآرائها، كان منها رفض ابن باز لكروية الارض ودورانها حول الشمس وهبوط الانسان على القمر.


 

وهذا التطرف السلفى يواجهه تطرف اخر فى التأويل العلمانى الذى ظهر مع مؤلفات د. نصر ابو زيد اذ قال بالتأويل فى الاصول والفروع معا ، حيث قال بتأويل السمعييات الغيبية فى حديثة عن العرش والجن كما قال بتأويل التشريعات القرآنية حين ربطها وقصرها على مواقع النزول وجعلها مقصورة فى التطبيق على عواملها الاجتماعية التى صاحبت نزول القرآن, ومن هذا المنطلق دعى الى مساواة المرأة بالرجل فى الميراث ، كما خاض فى موضوع خلق القرآن ليس على اسس مذهب الاعتزال ولكن ليصل به الىالقول بأن القرآن منتج ثقافى تأثر بعصره وذلك يعنى فى مفهوم خصومه انكار القرآن والتهوين من الاعتماد على تشريعه حيث يرتبط بظروف نزوله وثقافة عصره .


 

الا ان هذا التطرف الفكرى لدى نصر ابو زيد نجا من خطيئة كبرى وقع فيها الفكر السلفى والسنى اذ ان نصر ابو زيد لم يجعل لهذا الفكر مرجعية دينية ، وانما قال انه اجتهاد بشرى يقبل الخطأ والصواب ، اى سار على طريق المعتزلة والفلاسفة المسلمين العظام من الهذيل والعلاف الى ابن رشد ، ولكن عرفنا ان تطرف التأويل لدى السنيين والسلفيين حمل زورا مرجعية دينية ، اى تجعل المخالفين لهم مخالفين للاسلام .


 

 


 

3-  وكما رددنا على تأويل السابقين فإننا نلمح بإختصار الى الرد على التأويل الذى قال به نصر ابو زيد ، فالصحيح ان للفكر الدينى وغير الدينى عند المسلمين وغيرهم جذورا اجتماعية ، وسياسية ونفسية ، لانه فكر ارضى بشرى يتأثر بالظروف الزمنية والمكانية والشخصية لاصحابه ولكن لا ينطبق ذلك على الكتاب السماوى الذى نزل من السماء لأصلاح اهل الارض، وليس للتأثر بأهل الارض .


 

صحيح ان الوحى الالهى يتشابك مع حادثة ارضية ويقوم بالتعليق عليها ، وهذا ما يعرف بأسباب النزول ، ولكن السياق القرآنى فى هذه المواضع يقوم بتحويل الحادثة المرتبطة بالزمان والمكان والاشخاص الى حالة بشرية عامة ويجعلها عظة تدور فوق الزمان والمكان ، اى يخلصها من اسر الواقعة التاريخية ويحررها من ذلك الارتباط الزمانى والمكانى لتكون صالحة للتطبيق والعظة فى كل زمان ومكان ، وهذا هو منهج القرآن الكريم فى القصص عموما وفى التعليق على الاحداث التى جرت فى عهد النبىمحمد و غيره من الأنبياء ـ عليهم السلام. القصص القرآنى لا تجد فيه ذكرا للأسماء والاشخاص او الزمان او المكان ، كى تتحول القصة من التاريخ المحدد الى التشريع والعظة وبذلك يظل النص القرآنى والتشريع القرآنى سارى المفعول  فى كل زمان ومكان . وهذا ما فصلناه فى كتابنا " البحث فى مصادر التاريخ الدين " والذى قررته على طلبتى فى الأزهر سنة 1984.


 

وصحيح ان التشريعات القرآنية جاء بعضها مرتبطا بظروفه الزمنية والمكانية  وذلك فى التشريعات الخاصة بالنبى وزوجاته وتعاملاته مع اصحابه، ولكن التشريعات العامة جاءت فى سياق يؤكد سريانها فوق الزمان والمكان وفى اطار قواعد تشريعية ملزمة ، وجاء فى سياقها الاستثناءات الخاصة بها ، والمقاصد التشريعية التى تطبق من خلالها.


 

 فالتشريع القرآنىله مقاصد عامة وهى ( القسط ، والتخفيف ورفع الحرج ) وله قواعد عامة ملزمة فى القتل والقتال ( القصاص ، ورد الاعتداء ) وهذه القواعد تدور فى اطار المقاصد العامة السابقة كما ان هذه القواعد تدور فى اطارها الاحكام التفصيلية وذلك موضوع شرحة يطول .


 

ولكن المهم ان الذى يتصدى لفهم التشريع القرآنى عليه قبل ذلك ان يتعرف على مصطلحات القرآن نفسه من داخل القرآن ، وان ينظر من خلالها للتراث وليس العكس لان الذى يحدث هو ان يدخل الباحثون- قديما وحديثا – على القرآن بمفاهيم التراث وبأحكام مسبقة ، ثم يأخذون من القرآن ما يوافق هواهم اى بالتأويل ولديهم تلك المقولة التراثية القائلة ان القرآن (حمًال اوجة) وهى مقوله منسوبة للأمام على بن ابى طالب, ولم تكن الثقافة السائدة فى عصر "على" تحتمل  هذا المنطق ، خصوصا وان ثقافة الصحابة القرآنية تجعلهم يحجمون عن اتهام القرآن بأنه "حمًال اوجة " لان الله تعالى يؤكد على ان القرآن كتاب مبين وانه كتاب احكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير " وانه لا عوج فيه" وانه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .


 

 


 

ولكن المشكلة لدى نصر ابو زيد ليست انه لم يتفهم مصطلحات القرآن فقط بل انه ايضا لم يتفهم تاريخ المسلمين وهو الارضية التى نبتت فيها فكر المسلمين واختلافاتهم وبذلك تركز بحثة على السطح الخارجى للاراء, وكان اولى به وهو يؤمن بالظروف الاجتماعية والتاريخية للنصوص ان يتعمق فى دراسة الواقع التاريخى والاجتماعى ، ولكنه لم يفعل . وقد قمنا عنه بهذه المهمة فى كتبنا ، وخرجنا بالاعتقاد التام فى ان القرآن فوق التأثر التاريخى وان فكر المسلمين هو النتاج الحقيقى لظروف المسلمين التاريخية وقد اوضحنا هذا فى دراستنا الاولى فى الدكتوراة عن " اثر التصوف فى مصر العصر المملوكى " واكثر من عشرين مؤلفا منشورا ومن خلال هذه المؤلفات المنشورة وغير المنشورة اوضحنا الفجوة الهائلة بين الاسلام والمسلمين وبين الاسلام وفكر المسلمين الدينى .


 

وبهذه المناسبة فإن كتاب د. نصر ابو زيد عن الشافعى يقرر فيه ان فلسفة الشافعى قد بناها على الصراع والعداء الذى قام بين الشافعى والدولة الاموية  ,والمؤلف يفترض ان الشافعى قاوم الدولة الاموية وعانى من سطوتها والمؤلف لا يدرك ان الشافعى ولد بعد انهيار الدولة الاموية بثمانية عشر عاما ، اذ ولد الشافعى سنة 150 هــ وتوفى سنة 204هــ خلال الدولة العباسية فكيف تصارع مع الامويين وتأثر فى فلسفته الوسطية بهذا الصراع.


 

ومع هذا فأن للدكتور نصر ابو زيد وغيره تمام الحرية فى البحث  وفى الرأى وقد دافعت عن حريته فى البحث بأكثر من عشرمقالات وبكتاب عن الحسبة يؤكد ان الحسبة ليس لها اصل فى الاسلام .


 

 


 

وتبقى عدة محددات لنتذكرها


 

 


 

     الدين شىء والفكر الدينى شىء اخر ، الدين اوامر ونواهى ومعتقدات ، والتمسك بها او الابتعاد عنها مسئولية شخصية والحساب عليها لله تعالى وحده يوم القيامة . وهذا الدين ينزل كتابا سماويا ليس له مؤلف من البشر ولكنه وحى الهى يقوم النبى بتبليغه وخاتم النبيين جاء بالقرآن محفوظا الى قيام الساعة.


 

العادة ان تقوم الفجوة بين الدين السماوى وما يفعله الناس ويقوم الشيوخ بتغطية هذه الفجوة بالتأويل وباختراع نصوص بشرية ينسبونها للنبى او لله تعالى ، ويجعلون لها قدسية ومرجعية زائفة وبذلك يتحول الفكر الدينى الى دين .وهذا ما فعله الشيعة والسنة والصوفية وغيرهم . ولكن تبقى الحقيقة الثابتة فى ان الدين هو كلام الله فى الكتب السماوية واخرها القرآن المنزه عن التحريف ، ويبقى الواقع التاريخى والانسانى فى ان كلام البشر هو كلام انسانى له مؤلفون من الائمة ، يقبل النقاش والخطأ والصواب ، وان اولئك الائمة لا يملكون شيئا يوم القيامة, وان الله تعالى صاحب الدين سيحاسبهم كما يحاسب سائر الناس, اى انهم انهم ليسوا اصحاب دين وانما هم اصحاب مذاهب فكرية بشرية .


 

 ان اخطر ما نقع فيه هو ان نخلط بين الدين الالهى والفكر البشرى ونجعل لفكر البشر قدسية ونجعل لأصحابه عصمة وتأليها ، وايضا من اخطر ما نقع فيه هو ان نصدق تلك المرجعية المزيفة وهى ان ذلك الفكر قد قاله النبى فى تلك الاحاديث سواء ما كان منها سنيا اوشيعيا او صوفيا ، ان الخطورة هنا تقع على الاسلام ، اذ يحمل أوزار المسلمين ويصبح محصورا فى زمان بعينه وثقافة بعينها , ومن ثم لا يكون صالحا لكل زمان ومكان.


 

ان الاسلام يحتاج الى من يعانى فى سبيل اظهارحقائقه وقيمه العليا ويحتاج الى من يدافع عنه ضد أولئك الذين يشوهون صورته ومبادئه. وأفظع خطيئة يقعون فى حضيضها هى سعيهم لاقامة دولة سلفية على أساس هذا الآفتراء الذى يشين الاسلام العظيم ، ليضيفوا خطيئة أخرى الى خطاياهم.


 

ان تطبيق التشريع السلفى ليس فقط حكما ما أنزل الله تعالى به من سلطان ، بل هواعلان حرب على الله تعالى ورسوله لابد وأن يقابل بالعقاب الآلهى. وانظر حولك لترى هذا العقاب يحل بالمسلمين وحدهم مع ثرائهم وتاريخهم وكثرتهم.


 

ولا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم..!!!


 

 


 

 

التأويل

اولا: معنى التأويل وموقعه بين الاسلام والمسلمين
ثانيا: التأويل بين الشيعة والصوفية .
ثالثا : التأويل بين المعتزلة واهل السنة
رابعا: التأويل فى الفقة السنى
خامسا: التأويل المعاصر بين السلفية ونصر حامد ابو زيد


برزت قضية التأويل فى الفكر الاسلامى فى المجتمع الثقافى المعاصراثر تسلل قضية الدكتور نصر حامد ابو زيد من اروقة الجامعة الى الشارع السياسى والثقافى ، ثم اصبح التأويل قضية ثقافية عامة بعد تحول قضية حامد ابو زيد الى قضية شأن عام داخل مصر وخارجها ، وكان طبيعيا ان يتساءل الكثيرون عن معنى التأويل او معنى فهم النص ، والعلاقة بين التأويل والاسلام والمسلمين ، وتاريخ التأويل لدى المسلمين والفرق
more




مقالات من الارشيف
more