رقم ( 3 ) : الحياة السياسية في مصر القديمة من القرآن
الفصـل الأول :

الفصـل الأول *
الحياة السياسية في مصر القديمة من خلال آيات القرآن الكريم ...
 
مقالات متعلقة :

أولا : كلمة مصر في القرآن الكريم :

ا ـ
جاءت كلمة ( مصر ) في القرآن الكريم في خمسة مواضع هي
" وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُمَ&Ccl;كُمَا بِمِصْرَ بُيُوتا : يونس87ً "
و " وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ.. يوسف21 "
و" وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ : يوسف99 "
و" وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ.. 51 الزخرف "
وفي قوله تعالي في قصة موسي قال : " اهْبِطُوا مِصْرًا.. البقرة 61 "

وواضح أن كلمة " مصر" قد وردت في سياق قصتي يوسف وموسي إلا أن الأمر الذي يستدعي إيضاحا هو قوله تعالي علي لسان موسي لقومه . " اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ .. 61 البقرة "
فكلمة " مصر" هنا لا تدل علي مصر الوطن وإنما تعني المدينة المتحضرة أي مدينة متحضرة في أي مكان . ودليلنا أن كلمة " مصر" في الآية جاءت مفعولا به منصوبا وهي منونة " مصرا " أي ليست ممنوعة من الصرف ، وفي موضع آخر يقول تعالي علي لسان يوسف " وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ :99 يوسف " فجاءت الكلمة هنا " مصر " تدل علي الوطن وهي مفعول به أيضا ومنصوب ولكن بدون تنوين لأنها ممنوعة من الصرف حيث تدل علي( مصر) الوطن الأعجمي.
وهذه التفرقة اللغوية الدقيقة بين كلمة " مصر" في الآيتين توضح لنا أن كلمة "مصر" لها معنيان :
*معني الوطن الذي يعيش فيه المصريون،
وهذا هو المعني الذي ورد في القرآن ممنوعا من الصرف أي بدون تنوين، وذلك في أربعة مواضع.
* معني المدينة المتحضرة .
وفي القاموس في معاني كلمة مصر : " مصروا المكان تمصيرا جعلوه مصرا فتمصر " ومصر أي المدينة التي تتميز عما حولها من بوادي. ونفهم ذلك من قولهم عن عمر بن الخطاب أنه الذي " مصر الأمصار " أي " أنشأ الأمصار" أو أنه بعث العمال أو الولاة علي "الأمصار" أي الولايات . وقد أطلقوا علي الكوفة والبصرة لقب "المصران" مثني " مصر" . وقد بدأ التمدن في العالم ببناء المدن في مصر لذا نحتت اللغة العربية كلمة مصر" لتدل بها علي قيام الدولة أو المدينة المتحضرة التي تحيط بها البوادي .
وفي قصة يوسف قوله لإخوته وهو في سلطانه في مصر. " وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ... يوسف 100 " أي كان شرق مصر في ذلك الوقت رعويا بدويا .
وهكذا فإن موسي حين قال لقومه "اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ :61 البقرة" تفيد أي مدينة ولا تدل علي الوطن المصري علي وجه الخصوص.
وكلمة " مصر" بمعني البلد المتمدن أو الدولة تعتبر اعترافا من اللغة العربية بقدم العمران المصري والحضارة المصرية. فالعرب حين عرفوا النطق باللغة العربية استعاروا كلمة " مصر " لتدل علي المدينة والحضارة ،ثم جاء القرآن فيما بعد يسجل هذا المعني ويميزه بفارق لغوي دقيق حين يجعل كلمة " مصر" الوطن ممنوعة من الصرف باعتبارها علما ـ وذلك في أربعة مواضع ، ثم تكون كلمة " مصر" الدالة علي المدينة منونة في موضع وحيد في القرآن الكريم .
 
ب ـ مصر بمعنى الأرض :
 
وهناك أهمية أخري يضيفها القرآن الكريم علي مصر حين يعبر عنها بلفظ " الأرض " .
والنسق القرآني يضفي وصف الأرض علي وطن ما إذا بلغ قومه درجة كافية من القوة تجعلهم يتصورون أنفسهم قد تحكموا فى (الأرض )،أو لا يرون غيرهم فى (الأرض ) .
ونفهم ذلك من قوله تعالي عن قوم (عاد ) : " فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً: 15 فصلت " .
ولذلك فقد استحقت مصر من القرآن أن توصف بأنها " الأرض" حيث عاشت الدولة فيها قوية مهابة في عصور طويلة موغلة في القدم ، وخصوصا في عصر الرعامسة الذي شهد قصة موسي.
وتقرأ في ذلك قوله تعالي في سورة القصص علي سبيل المثال : " إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ.. القصص 4" ، " وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ.. القصص 5"
" وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ.. القصص 6" ، " إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ.. القصص 19" "وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ.. القصص 39"
ونسير مع قصة موسي في سورة الأعراف لنجد القرآن أيضا يعبر عن مصر باسم الأرض في قوله تعالي: " وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْض : الأعراف 127 " ، " قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ: الأعراف 128 " ، " قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ .. 129 الأعراف "
إلي أن يقول تعالي عن نهاية فرعون ويصف مصر بأروع وصف : " وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا.. 137 الأعراف "
وفي قصة يوسف يقول تعالي عن تطور مكانة يوسف في مصر " وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ : يوسف 56 " وحين طلب وظيفة من الملك قال له " قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ: يوسف 55 " فكانت خزائن مصر هي خزائن الأرض جميعا .
وقد عكس القرآن الكريم إحساس المصريين القدامى بأن مصر تمثل الأرض كلها في ذلك الوقت حيث تركزت فيها الحضارة والمدنية بينما تعيش أوربا في الكهوف ، يقول مؤمن آل فرعون لقومه: "يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا ؟ : غافر 29 "
وفي الوقت نفسه كان فرعون يخشى من دعوة موسي أن تتمخض عن انهيار حضارة مصر فيقول لقومه: " إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ: غافر 26 " .
وعبر القرآن الكريم عن اعتزاز المصريين بوطنهم ويتجلى ذلك في قولهم لموسي أو عن موسي وأخيه. " قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ.: طه 63 "
" قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى ؟ : طه 57 "
فقالوا " أرضنا" و " أرضكم " تمسكا منهم بوطنهم .
والقرآن الكريم حين يضفي علي مصر وصف الأرض إنما يعكس أيضا إعجازا تاريخيا يضاف إلي اعجازاته المتنوعة في الفصاحة والعلوم . ذلك أن ما نقله القرآن الكريم باللغة العربية عن اعتزاز المصريين بأرضهم سجله فيما بعد علماء المصريات حين عرفوا رموز اللغة الهيروغليفية وقرأوها وعرفوا أن كلمة " توميري" كانت متداولة علي لسان المصريين وتعني عندهم " الأرض المحبوبة " أي مصر ، وفي نفس الوقت يقولون عن الصحراء وما لا يعرفونه من الأرض المجهولة والتي لا يهتمون بها أنها " آخيت ".
ولا يزال المجال مفتوحا أمام علماء الآثار والمصريات لاكتشاف المزيد مما أشار إليه القرآن الكريم.!!

هذه المقالة تمت قرائتها 5091 مرة
تعديل To English

التعليقات (2)
[43058]   تعليق بواسطة  عائشة حسين     - 2009-10-18
ليت التميز يعود يوما
حذف التعليق
تعديل التعليق

. أي أن نسبة ذكر مصر في القرآن بصفتها الوطن الأعجمي( الممنوعة من الصرف) هي الأكثر عددا،حيث أن كلمة مصر تذكر أربع مرات بينما تذكر كلمة مصر مرة واحدة للدالة على المدينة في موضع وحيد على لسان موسى عليه السلام: ( اهبطوا مصرا ) وحتى في هذه المرة الوحيدة لا يمنع أن يكون الهبوط في مصر الوطن أيضا، ضمن البلاد المصرح النزول بها في ذلك العهد حيث التقدم والحضارة و الزراعة حيث سيجدون ما طلبوا من نبي الله موسى من طعام لم يكن متوفرا لديهم وبصرف النظر عن الدروس المستفادة من هذه القصة وبما تصفه من حالة عدم الرضا بما لديهم مع أنه خير بوصف القرآن :

{وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ }البقرة61


أن مصر تشتهر بهذه المأكولات مع غيرها طبعا من أماكن الزراعة الأخرى، وكما أن القرآن كرم مصر بهذا الذكر فإن العرب قد اعترفوا لمصر أيضا بهذه المدنية والحضارة، ومثالا ليس حصرا  في إطلاقهم لفظ مصريات على العملة واستمرهذا الوصف في بعض البلاد إلى يومنا هذا ،فأين ذهبت هذه القيادة الآن ؟ وهل ذهبت بغير رجعة أم أن هناك شرط لرجوعها يستحيل التحقيق ؟

 

 

[43066]   تعليق بواسطة  نورا الحسيني     - 2009-10-18
مؤمن آل فرعون .
حذف التعليق
تعديل التعليق

مؤمن آل فرعون من الأمثلة الحسنة التي يجب الاقتداء بها، شهد شهادة حق في وقت ضيق وفى أشد الاحتياج إليها، ليتنا نأخذه قدوة في استنكاره لقومه حينما أرادوا أن يقتلوا نبي الله  موسى لمجرد أن قال ربي الله في وقت غلبت فيه القسوة ، مما ينبهنا إلى ضرورة عدم كتمان شهادة الحق  وخاصة إذا كانت مرتبطة بتوحيد الله تبارك وتعالى . {وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ }غافر28

 


اضافة تعليق
   
العنوان
النص

التعليق لا يزيد عن 4000 حرف
مصر فى القرآن الكريم
هذا الكتاب يحلل الآيات القرآنية التى تحدثت عن مصر من خلال قصة يوسف وموسى عليهما السلام ، ويعطى لمحة من المقارنة بالتاريخ المصرى المكتوب من خلال علم المصريات ، كاشفا عن احوال مصر السياسية و الاجتماعية من خلال بحث قصير ، وقد سبق نشره عن طريق مؤسسة اخبار اليوم فى مصر ، ثم أضاف المؤلف له بعض الملاحق
more

اخبار متعلقة