رقم ( 4 )
الفصل الثانى : الصبر والتوكل

الفصل الثانى : الصبر والتوكل

 

( وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ وَكَفَىٰ بِاللَّـهِ وَكِيلًا﴿٣﴾ الاحزاب )

 1 ـ الأصل فى دين الاسلام أن الاستعانة لا تكون إلّا بالله جل وعلا . والدين وجهان : إيمان وعبادة ، أو بتعبير سورة الفاتحة عبادة وإستعانة ، والمؤمن يقول فى صلاته وقارءته الفاتحة ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) )، أى نعبد الله وحده  ، ونستعين به وحده ، وندعوه وحده ، أى نتوكّل عليه وحده .

مقالات متعلقة :

2 ـ ومن هنا يأتى توكل المؤمنين على الله جلّ وعلا وحده ، ويأتى الاسلوب بالقصر والحصر. والتقديم من وسائل التعبير بالقصر والحصر ، مثل ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) )، أى نعبدك وحدك ، ونستعين بك وحدك . ويختلف الحال لو قيل ( نعبد إياك ونستعين بك ) لأنها هنا تفتح المجال للشركاء أو لآخرين ،أى يسمح التعبير بقولك ( نعبد اياك وغيرك ونستعين بك وبغيرك ). هذا ممنوع لغويا حين تقول ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) ) فضمير المفعول المنفصل ( إيّاك ) والذى يشير الى رب العزة بالخطاب جاء مقدما على الفعل ( نعبد ) و ( نستعين ) ليفيد الحصر والقصر . ومنه أيضا قوله جلّ وعلا ( وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ (122)آل عمران) ، فقد تقدم الجار والمجرور الذى يخص رب العزة :( وَعَلَى اللَّهِ) ، على الفعل والفاعل ( فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ )أى فعليه وحده يجب أن يتوكل المؤمنون . ومثله قوله جل وعلا أيضا : ( وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ (11)المائدة ).

 ـ المؤمنون المتقون هم المتوكلون على الله وحده

1 ـ  وقالها النبى يعقوب  عليه السلام لأبنائه : ( وَقَالَ يَا بَنِي لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ (67) يوسف ) وقالها كل نبى لقومه متوكلا على الله الذى عليه فقط يتوكل ( المتوكلون ): ( وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ (11) وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ (12) ابراهيم ) . فالمؤمنون هم الذين على الله جل وعلا وحده يتوكلون ، وهؤلاء يحظون بحب الله جل وعلا ، وهذا ما قاله رب العزة لخاتم النبيين بأن يتوكل على الله جل وعلا إذا عزم على تنفيذ أمر : ( فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) آل عمران ) وإذا أعرض عن أذى وتآمر المنافقين فعليه أن يتوكل على الله جلّ وعلا : ( فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (81) النساء ).

2 ـ ولأن التوكل على الله وحده  من صفات المؤمنين فقد جعله رب العزّة من سمات الايمان الحقيقى والمؤمنين الحقيقيين فقال رب العزة : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) الانفال ). ، وهذا ما قيل لبنى اسرائيل حين جبنوا عن دخول الأرض المقدسة : ( قَالَ رَجُلانِ مِنْ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمْ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (23) المائدة )

 ـ التوكل على الله جل وعلا عند الشّدة وغلبة الخوف

1 ـ والمؤمن عند الشدة وغلبة الخوف يستعين بالله جل وعلا ، فحسبه ربه جل وعلا . وحدث أن تعرض المؤمنون بعد هزيمة أحد الى حرب تخويف نفسية ولكنهم اعتمدوا على الله جل وعلا وتوكلوا عليه وطاردوا عدوهم.  كان أولئك المؤمنون مثقلين بالجراح ، ولكن لم تمنعهم جراحهم الجسدية والنفسية من ملاحقة المشركين الذين خطفوا النصر ثم فروا ، فطاردهم أولئك المؤمنون وقد تغلبوا على الخوف والجراح ، فرجعوا بنعمة من الله جل وعلا وفضل ، وفى ذلك يقول جلّ وعلا عنهم يعطينا درسا فى أن نخافه وحده ونخشاه وحده ونتوكل عليه وحده : (الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175) آل عمران ). أى إنهم حين قالوا بصدق وإخلاص ( حسبنا الله ونعم الوكيل ) فقد تغلبوا على مخاوفهم ، واستحقوا النعمة والفضل .

 ـ المتوكل على الله حسبه الله ، ويكفيه الله جل وعلا

ومن هنا فكل مؤمن حين يكون الله جل وعلا حسبه وكيلا ونصيرا فلن يخاف من أحد ،وسينجيه الله جل وعلا من كيد أعدائه ، فالله جل وعلا يقول لخاتم النبيين عليهم جميعا السلام عن أعدائه :(  وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ ..(62) الانفال ) وإذا تخلى عنه انمؤمنون فإن الله جل وعلا يأمر رسوله أن يقول : ( حَسْبِي اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129) التوبة )

  الارتباط بين كون الله جل وعلا وكيلنا وكونه حسبنا لا نبتغى غيره وكيلا

1 ـ تعبير ( حسبنا ) أو ( حسبى ) أى يكفينا ويكفينى ، وبهذا يرتبط هذا المصطلح بكونه جل وعلا وكيلا لا شريك له ، وقد جاء فى هذا قوله جل وعلا للنبى ولنا :( وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ .. (62) الانفال )( حَسْبِي اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129) التوبة )( وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)( آل عمران ) (قُلْ حَسْبِي اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38))( الزمر ).

2 ـ أن المظلوم يقول عند العجز عن مواجهة الظالم (  حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ  )، وقد يقولها وعظا له وتخويفا له بقدرة المنتقم الجبّار الذى يمهل ولا يهمل . وهذا يعكس فهما لمعنى الوكيل الله جل وعلا الذى يستجير به المظلومون .

3 ـ ولكن ويبقى على أولئك المظلومين أن ينصفوا رب العزة فلا يؤمنون بحديث إلا حديث الله جل وعلا فى القرآن (  فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185)( الأعراف 185،المرسلات 50 ) (تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8) ( الجاثية ). عليهم أن يكفروا بأكاذيب الوحى السّنى والصوفى والشيعى ، وأن ألّا يظلموا رب العزة بالوقوع فى الشّرك ، والشرك ظلم عظيم: ( إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) لقمان ).

 ـ الله جلّ وعلا هو الوكيل للنبى

1 ـ أمره ربه جلّ وعلا بتقوى الله واتباع الوحى وبالتوكل على الله ونهاه عن طاعة الكافرين والمنافقين ، وهذا ما جاء فى بداية سورة الآحزاب : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً (1) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً (2) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (3) )، أى كفى بالله جل وعلا وكيلا للنبى نفسه.  وفى مكة كان المشركون يخيفونه بسطوة آلهتهم المزعومة ، فقال له ربه جل وعلا : ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ (36) ( الزمر ) .أى فالله جل وعلا يكفيه ويكفى كل مؤمن يكتفى بالله جلّ وعلا وكيلا .

2 ـ وفى حوار المشركين معه وهم يعتقدون بمقدرة أوليائهم وأوثانهم على النفع والضرر أمر الله جل وعلا رسوله أن يحاورهم ويسائلهم ، فهم يؤمنون أن الله جل وعلا هو خالق السماوات والأرض وبالتالى فتلك الآلهة الوهمية لا تستطيع أن تمنع قضاء الله جلّ وعلا وقدره:( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَات ِوَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِي اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِي اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38)( الزمر ) . وهو درس لكل من يتقى الله جل وعلا ، أن يتوكل على الله وحده ، وأن يكون حسبه هو الله وعندها يجد العون والرزق من حيث لا يحتسب : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (3)( الطلاق )

 النبى ليس وكيلا   

1 ـ ولأن الله وحده هو الوكيل الذى عليه وحده يتوكل المؤمنون والمتوكلون بما فيهم النبى فإن النبى ليس وكيلا عن أحد .

2 ـ ليس وكيلا عن الصحابة ، فقد دافع عن بعضهم دون أن يعرف أنه ظالم فجاءه العتاب والتوضيح ، ومنه قوله جل وعلا : (هَاأَنتُمْ هَؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً ) ( النساء 109 ).

3 ـ ولن يحمل النبى عن أحد من أصحابه شيئا من حسابه، كما لن يحمل أحد من أصحابه شيئا من حساب النبى يوم القيامة : ( مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ   ) ( الأنعام 52 ).

4 ـ وليس النبى محمد عليه السلام وكيلا عن قريش المكذبين للقرآن الكريم : (وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ )(الأنعام  65 ).

صلة هذا بالصبر الايجابى

1 ـ قال جل وعلا لخاتم النبيين عليهم جميعا السلام : (  وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّـهِ ۚ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ ﴿١٢٧ إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ ﴿١٢٨﴾ النحل ).

2 ـ  كان عليه السلام صبره بالله جل وعلا متوكلا على الله جل وعلا . ومفروض أن نتأسى به عليه السلام ، نصبر إبتغاء مرضاة الله جل وعلا متوكلين عليه جل وعلا فى جهادنا الاصلاحى السلمى ، منتظرين الثواب والأجر الحسن من رب العزة الذى لا يُضيع أجر من أحسن عملا .

 

التعليقات

حسام علم الدين :

كيف نتوكل على الله ؟

عزيزي الدكتور منصور

دائما ما اسمع كلاما عن التوكل على الله وكيف ان الله هو المتصرف فى كل شئ وكيف يجب علينا ان نؤمن ان الله هو مالك كل شئ وان علينا كما عبرت بمقالك ( يجب ان يكون الله وكيلك. عزيزي الدكتور منصور ان حياة الانبياء كانت فى اغلب الاحيان معارك واضحة حول مسائل دينية واضحة فكان السجال بين الاطراف يحمل طابعا حديا اما هذا واما هذا وقد نقل القران الكريم هذه السجالات واكد على الاستمساك بعبادة الله الواحد لا شريك له ونبذ الشرك.

لكن الامور الان لا تجري على هذا النحو اننا كبشر عاديون فى هذه الحياة سواء كنا فى مصر او فى امريكا او فى الصين نباشر حياتنا الطبيعية نعمل ونتعامل مع الناس اجتماعيا وماليا ولا يسألنا احد عن ديننا ولا يطلب منا احد ان نعبد اله آخر غير الذي نعبده

لكننا فى ذات الوقت لا نتمتع بحرية كاملة فى تصرفاتنا نحن الى حد ما محكومين بثقافة العصر فى كل مجتمع فالامور لا تسير كما فى الرياضيات ان فعلت كذا وكذا سوف تحصل على كذا وكذا . بل تحكمنا شبكة معقدة من التعاملات واعذرنى عن عدم ضرب مثل فمن الصعب استيعاب نظام الحياة لكنى اتوقع انك تفهم ما اريد ان اقول : لا احد يقول لك مثلا اسرق او اشهد زور او اكتم الشهادة  بالمعنى الواضح المذكور فى القران .

الحياة اصبحت معقدة واصبحت التعاملات بين الناس اكثر تعقيدا بالطبع مازالت الصورة النمطية لهذه الاشياء محرمة لكنها اصبحت الاستثناء لا القاعدة وان انت جعلت على عاتقك ان تتحري الا تقع فى هذه الامور قد تتقوقع حول نفسك وترفض اشياء قد لا تكون فى جوهرها تشكل شيئا محرما وتتهم بالتعقيد والانغلاق وعدم مسايرة العصر . غالبا فضائل العصر هى من تحكم تصرفات الناس ولكن الان فضائل العصر اصبحت محل شك لم يعد بالامكان الوثوق بها وان اتبعت معاييرك فمن الصعب ان تثق فى نفسك فى قدرتك على فهم وتحليل فضائل العصر بدون افراط او تفريط . فى المقابل فإن تصرفاتك تشتبك مع رؤساءك فى العمل وخصومك ويترتب عليها نزاعا بينك وبينهم ساعتها لا يمكن ان تثق انك تحارب فى معركة الحق . ولا يمكن ان تصنف نفسك فى خندق الحق فلا انت تمسكت بفضائل العصر الواضحة للجميع ولا انت تثق فى قدرتك على استخلاصك الشخصي لفضائل العصر

يجعلك ذلك دائما فى حالة خوف بدلا من حالة الامان التى وعد بها المتقون يجعلك ذلك دائما تؤثر عدم خوض النزاعات لانك تخشى ان تتورط فى نزاع توهم نفسك فيه انك تدافع عن الحق وانت لست كذلك . تصور لنا الكتابات دائما ان المؤمنون يعرفون دائما اين الحق ويدافعون عنه . انا يا سيدي ازعم اننى احب الحق واحاول ان اكون مؤمنا لكننى لا اعرف دائما اين الحق ومقدار تشوشى اكبر من مقدار يقينى فهل انا لست مؤمن ؟
واذا اردت ان اتوكل على الله فماذا افعل كيف اتوكل على الله ؟

 

سعيد على

كفى به وكيلا جل وعلا

ما أحوجنا لدراسه هذا القرءان العظيم منهجا للحياة ( الدنيا و الآخرة ) .. فيه نتذكر أن هذه الحياة دار اختبار و امتحان ( قصير ) قصير بالعمر و لكن نتيجة هذا الاختبار ( أبدية ) ! إما جنة و إما نار هنا لا يجب الإستهانة بحجم ( هذا الاختبار القصير ) و لأنه قصير فمعدل الانحراف عن الإستقامة فيه كبير و كبير جدا . أسوا ما في هذا الاختبار - من وجه نظري - هو : ( يحسبون!! ) : ( ويحسبون انهم مهتدون) ، وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا ) ، ( ويحسبون انهم على شيء) .لاختبار القصير ) و لأنه قصير فمعدل الانحراف عن الإستقامة فيه كبير و كبير جدا) . الله جل و علا هو ( الوكيل ) و عليه ( التكلان ) و من يتوكل عليه جل و علا فهو حسبه و عندما يؤمن ( الإنسان ) إيمانا حقيقيا بأن الله جل و علا هو ( وكيله ) و هو ( حسبه ) فلا شك أن جبالا من الهم و الحزن ستنسف.

حفظكم الله جل و علا و أعانكم جل و علا على تبيان حقائق الإسلام العظيم من القرءان الكريم.

 

أحمد صبحى منصور

شكرا استاذ حسام وشكرا استاذ سعيد ، واقول

فى الثقافة الانسانية يقولون الضمير ، أو الأنا العليا التى يحتكم اليها الانسان والتى تلومه إذا وقع فى خطأ. ومهما بلغ إجرام الفرد فيظل فى داخله جانب من الخير يعبر عن الفطرة السليمة مهما تراكم عليها. وعند الأزمات الشديدة التى تؤذن بالهلاك تستيقظ هذه الفطرة تستنجد بالرحمن جل وعلا

 المقابل للضمير أو الأنا العليا هو ( التقوى ) . إذا شاء الانسان التقوى فهو يتعامل مع الله جل وعلا فى علاقاته بالناس من حوله . لا يظلم أحدا ليس خوفا من الضبطية القضائية ولكن خوفا من الرحمن . لا يخاف الناس ولكن يخاف رب الناس. أرجو أن تتدبر الآية 175 من سورة آل عمران وهى فى سياق التوكل على الله جل وعلا. إذا خفت الله جل وعلا شعرت بالأمن لأنك فى حماية الرحمن. إن لم تخف الله جل وعلا أخافك الشيطان من كل شىء. التقوى أو الخوف من الله أو خشية الله تجعل الفرد متوكلا عليه ، يفعل الخير ولا يأبه بالنتائج ، يستوى عنده إن شكره الناس أو جحدوا فضله . وطالما هو لا يظلم أحدا فهو فى أمن . إقرأ الآية 82 من سورة الانعام . وأرجو أن تعيد قراءة المقالات السابقة.

شكرا احبتى ، وكل عام وأنتم جميعا بخير

 

 

 

بين الصبر والتوكل على الله جل وعلا

مقدمة

1 ـ هناك صبر سلبى بالقعود والسكون وإنتظار النتيجة والرضا مقدما بها تمسكا بالهوان والخنوع يحسبون ذلك صبرا . هذا يقترب من معنى التواكل ، والاعتماد على( المقادير ) ، ويترك هذا الصابر السلبى نفسه تحمله وتتلاعب به أمواج الحياة كجثة هامدة راضية .

2 ـ الصبر الاسلامى على النقيض . هو صبر إيجابى يقوم ليس مجرد التغيير ، فقد يكون التغيير الى الأسفل ، ولكنه التغيير الى الأفضل ، أى الاصلاح. وهو فى سعيه الى التغيير الى الأفضل يعرف ما  يتطلبه هذا الاصلاح من تضحيات ، ويكون مستعدا لها مقدما ، وبهذا يصطحب معه الصبر فى حركته الاصلاحية معتمدا على الله جل وعلا متوكلا عليه . هنا يكون الصبر الايجابى الاسلامى قرينا للتوكل على الله جل وعلا .

3 ـ وهذا الارتباط بين الصبر الاسلامى والتوكل على الله جل وعلا هو موضوعنا . ونعطى بعض تفصيل :

أولا : ( إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الصَّابِرِينَ )

1 ـ قال جل وعلا  فى خطاب مباشر للمؤمنين : ( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴿١٥٢﴾ البقرة ) . هنا اسلوب مجازى هو ( المشاكلة ) كقوله جل وعلا : (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّـهُ ۖ وَاللَّـهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴿٣٠﴾ الانفال ) (  إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا ﴿١٥ وَأَكِيدُ كَيْدًا ﴿١٦﴾ الطارق) . العقل البشرى لا يمكن أن يتخيل الفعل الالهى ، لذا يأتى التعبير عنه بشكل يفهمه البشر. وهذا معنى المشاكلة . المفهوم من الآية 152 من سورة البقرة أنك إذا ذكرت الله جل وعلا ذكرك الله جل وعلا .إذا ذكرته جل وعلا تعظيما وتسبيحا وحمدا وتقديسا وتنزيها ذكرك جل وعلا برحمته وحفظه . لكن يبقى المعنى الرائع فى أن يذكرك الخالق جل وعلا. أنت فلان ابن فلان ، أو أنا فلان ابن فلان يذكرنى ربى الرحمن ؟ يا له من تكريم .!. فخر هائل تشعر به لو قيل لك إن رئيس الجمهورية او الملك ذكرك ، فكيف بالخالق جل وعلا ؟

2 ـ نفس المعنى إذا قيل لك ان رئيس الجمهورية او الملك معك . سيملأ فخرك الأرض كلها لأنك فى معية الرئيس او الملك ، أو إن الرئيس أو الملك معك . فماذا إذا كان الذى معك هو رب العزة جل وعلا . يتحقق لك هذا إذا كنت من الصابرين لأن الله جل وعلا ( مع الصابرين ) 

3 ـ معية الله جل وعلا ( مع الصابرين ) تكررت كثيرا فى القرآن الكريم حتى أصبحت مثلا يقال . جاءت فى قوله جل وعلا : (  وَاللَّـهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴿٢٤٩﴾ البقرة) (  وَاللَّـهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴿٦٦﴾ الانفال ) (وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴿٤٦﴾ الانفال  )، وهو جل وعلا يبشرهم مقدما : ( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴿١٥٥﴾ البقرة ) ، وهو جل وعلا يحبهم : ( وَاللَّـهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴿١٤٦﴾ آل عمران )

ثانيا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴿١٥٣﴾ البقرة )

1 ـ بعد قوله جل وعلا للمؤمنين : ( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴿١٥٢﴾ البقرة ) أمرهم جل وعلا فقال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴿١٥٣﴾ البقرة ).

2 ـ لم يقل جل وعلا : إستعينوا على كذا بالصبر والصلاة . لم يقل إستعينوا على النصر او الرزق او النجاح او النجاة او السعادة .. بالصبر والصلاة . جاء التعبير مفتوحا ، بمعنى إستعينوا على أى شىء بالصبر والصلاة . بمعنى إذا كنت تريد تحقيق شىء فإستعن على تحقيقه بالصبر والصلاة .

3 ـ هذا لا يعنى إطلاقا أن تعتكف فى المسجد تصلى وتدعو الله جل وعلا أن يحقق لك ما تريد وانت فى مكانك معتقدا أن هذا هو الصبر وتلك هى الصلاة. هنا يكون الصبر سلبيا . الصبر المُراد هو الصبر الايجابى ، أن تسعى وتناضل فى تحقيق ما تريد صابرا مثابرا ومستعينا أيضا بالصلاة متضرعا أن يحقق لك ربك مسعاك . تعبير ( إستعينوا ) فى حد ذاته يعنى العمل والأخذ بالأسباب متوكلا على الله جل وعلا . وبهذا يقترب معنى الاستعانة هنا بالتوكل على الله .

4 ـ والانبياء كانوا مأمورين بالصبر وكانوا أيضا مأمورين بالتوكل على الله ، وبهذا يكون رب العزة جل وعلا ( معهم ) فى صبرهم وفى توكلهم عليه.

ثانيا : التوكل على الله فى الدعوة الاصلاحية 

كل الأنبياء حملت رسالتهم الالهية دعوة إصلاحية ، صبروا على الأذى وإقترن صبرهم بالتوكل على الله جل وعلا . ونعطى أمثلة :

1 ـ كل الأنبياء مع إختلاف الزمان والمكان والأقوام قالوا لأقوامهم قولا واحد فى مواجهة الأذى : (  قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّـهِ ۚ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴿١١﴾ وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّـهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا ۚ وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَا آذَيْتُمُونَا ۚ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴿١٢﴾ ابراهيم ): هنا الصبر مقترنا بالتوكل على الله جل وعلا .

2 ـ نوح عليه السلام لبث فى قومه يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عاما . صبر صبرا لا مثيل له فيما نعلم . وكان قومه يخوفونه بغضب ألاهتهم ، فتحداهم بأن يواجهوه بغضب هذه الآلهة المزعومة وهو لا يأبه بهم لأنه متوكل على الله جل وعلا : ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّـهِ فَعَلَى اللَّـهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنظِرُونِ ﴿٧١﴾ يونس )

3 ـ نفس الموقف حدث مع قوم عاد . ظنوا أن آلهتهم تعرضت للنبى هود بالضرر لأنه كفر بهم ،وإستعدوا عليه آلهتهم .رد هود عليه السلام عليهم قائلا :( مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ ﴿٥٥﴾ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّـهِ رَبِّي وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴿٥٦﴾ هود)

4 ـ تكرر نفس الموقف من قريش مع خاتم النبيين عليه وعليهم السلام .

4 / 1 : كرر مقالة نوح عليه السلام بالتحدى: (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ ۖ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴿١٩٤﴾ أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا ۖ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا ۖ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا ۖ أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۗ قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنظِرُونِ﴿١٩٥﴾ الاعراف  ).

4 / 2 : كانوا يهددونه ويخوفونه بغضب ألهتهم نوعا من الحرب النفسية . قال له ربه جل وعلا : ( أَلَيْسَ اللَّـهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ۖ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّـهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴿٣٦﴾ الزمر ). كانوا يخوفونه إنتقام آلهتهم الخرافية وجاء التأكيد من رب العزة جل وعلا بأنه جل وعلا كاف عبده . وجاء هذه بصيغة إستفهامية بالغة الدلالة (أَلَيْسَ اللَّـهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ).

4 / 3 : هذه الآية الكريمة هى العون  لنا ضد الحرب النفسية الطاغية التى يشنّها الأزهر والسلفيون .

5 ـ النبى شعيب عليه السلام

5 / 1 : اعلن لقومه تمسكه بالهدى الذى يدعو اليه وأنه يريد الاصلاح بكل ما لديه من استطاعة وينتظر التوفيق من ربه جل وعلا متوكلا عليه : ( قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا ۚ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ۚ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّـهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴿٨٨﴾ هود ).

5 / 2 : وكرر توكله على الله مستعينا بربه جل وعلا أن يحكم بينه وبين قومه : ( عَلَى اللَّـهِ تَوَكَّلْنَا ۚ رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ﴿٨٩﴾ الاعراف )

6 ـ العادة فى الأديان الأرضية أن أئمته المختلفين مع بعضهم ومع غيرهم كل منهم يزعم الحقيقة المطلقة ويجعل خصومه فى جهنم وبئس المصير ، ويحتكر الجنة له ولأتباعه. ! خبل منقطع النظير.! . هذا يناقض الدعوة الاسلامية القائمة على التوكل على الله جل وعلا والصبر الايجابى؛ إذ ترتبط الدعوة الاسلامية بالاعراض عن الكافرين المعاندين وتقرير حريتهم فى إختيارهم الدينى وإنتظار الحكم عليهم وعلينا يوم الدين أمام رب العالمين.

6 / 1 : هذا ما قاله شعيب عليه السلام لقومه : ( وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ ۖسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ ۖ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ ﴿٩٣﴾ هود ) .

6 / 2 : وهو نفس ما أمر الله جل وعلا خاتم النبيين عليهم جميعا السلام :

6 / 2 / 1 : ( وَقُل لِّلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ ﴿١٢١﴾ وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ ( 122 ) هود ) بعدها جاء التقرير بمرجعية الأمر له جل وعلا ، وأمر النبى بالتوكل عليه جل وعلا : ( وَلِلَّـهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ) ﴿١٢٣﴾ هود )

6 / 2 / 2 : وتكرر هذا فى إثبات أنه لا ولى معبودا إلا الله جل وعلا ، ردا على إتخاذ أولياء من البشر يقصدهم الناس بالعبادة والاستغاثة وطلب المدد. كان هذا فى الجاهلية العربية ولا يزال بين المحمديين حيث تنتشر آلاف القبور المقدسة يقدسها أكثر من بليون من المحمديين.

6 / 2 / 2/ 1 : بعد إقامة الحجة عليهم كان الأمر له عليه السلام بأن يقول إن حسبه الله عليه يتوكل المتوكلون وأن يعملوا على مكانتهم . قال جل وعلا :( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّـهُ ۚ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّـهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ ۚ قُلْ حَسْبِيَ اللَّـهُ ۖ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴿٣٨﴾ قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ ۖ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴿٣٩﴾ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ﴿٤٠﴾ الزمر ).

6 / 2 / 2/ 2 : الله وحده هو الولى المعبدود والذى يحيى الموتى وهو وحده القدير على كل شىء . وهو جل وعلا اليه المرجعية فى الفصل بين المؤمنين والكافرين فى هذه القضية ، والنبى مأمور أن يؤكد أنه متوكل على ربه منيب اليه . قال جل وعلا : ( أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۖ فَاللَّـهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴿٩﴾ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّـهِ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّـهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴿١٠﴾ الشورى ) .

7 : وتكرر هذا فى قوله جل وعلا لخاتم النبيين عليهم السلام فى تقرير الحرية للكافرين ومسئوليتهم على هذه الحرية :

7 / 1 : قال جل وعلا : (قُلِ اللَّـهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي ﴿١٤﴾فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ ۗ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴿١٥﴾ الزمر ) .

7 / 2 : إرتبط هذا الخطاب فى تقرير الحرية الدينية بالتأكيد على التوكل على الله جل وعلا . قال جل وعلا :  ( كَذَٰلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَـٰنِ ۚ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ ﴿٣٠﴾ الرعد )

8 ـ وحتى مع المؤمنين إذا أعرضوا وعصوا

8 / 1 : فما على النبى سوى تبليغ الرسالة ، والتوكل على ربه جل وعلا ، لا إله إلا هو رب العالمين . قال جل وعلا فى خطاب مباشر للمؤمنين : ( وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ۚ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴿١٢﴾ اللَّـهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴿١٣﴾ التغابن ).

8 / 2 : إذا واجهه المؤمنون بالعصيان فما عليه إلا أن يتبرا ــ ليس منهم ـ ولكن من عصيانهم فقط ، هذا مع تمسكه بالتوكل على العزيز الرحيم جل وعلا. قال له ربه جل وعلا : (  وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴿٢١٥﴾ فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ ﴿٢١٦﴾ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ﴿٢١٧﴾ الشعراء )

ثالثا : المستفاد مما سبق :

1 ـ التوكل على الله جل وعلا مرتبط بالصبر الايجابى وهو الاستمرار فى الدعوة وتحمل التضحيات مهما كانت .

2 ـ تقرير الحرية الدينية للخصوم وأن يعملوا على مكانتهم من الكفر والانتظار الى أن يحكم الله جل وعلا بين النبى وبينهم .

3 ـ هذه الشخصية الحقيقية للنبى محمد فى القرآن الكريم تتناقض مع الصورة المزيفة التى صنعوها لإله أسموه محمدا ؛ جعلوه يقتل معارضيه بحد الردة ويقاتل الناس لإكراههم فى الدين حتى يشهدوا انه رسول الله .

4 ـ  لو كان للنبى نفوذ الاهى ما إحتاج الى الصبر والتوكل على الله إرجاء الحكم عليه وعلى خصومه الى يوم الدين أمام مالك يوم الدين .

5 ـ ولو كان النبى محمد يملك الشفاعة لنزل فى القرآن تخويله بأن يحرم أعداءه من شفاعته . ولكن الذى أخبرنا به رب العزة جل وعلا :

5 / 1 : أنه سيأتى خصما لأعدائه مع التساوى بينه وبينهم فى الموت وفى المساءلة (  إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ﴿٣٠﴾ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ ﴿٣١﴾ الزمر )

5 / 2 : وأنه سيأتى شاهد خصومة عليهم بسبب إتخاذهم القرآن مهجورا : (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَـٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴿٣٠﴾ الفرقان )

5 / 3 : وأن جوهر خصومته لهم عن رفضهم تبيان القرآن الكريم لكل شىء يحتاج الى تبيان : (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ ۚ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ ﴿٨٩﴾ النحل ).

ودائما : صدق الله العظيم .!

 

 

 

الايمان والصبر الايجابى والتوكل على الله جل وعلا

أولا : فى الحرب الدفاعية

الحرب هى إستثناء حتى فى تاريخ الشعوب . قد تكون حربا هجومية ، وهى تعتبر كفرا فى التشريع الاسلامى . الدولة الاسلامية مؤسسة على السلام وتحتاج الى ان تستعد بالقوة ردعا لمن يفكر بالاعتداء عليها ( الانفال 60 ) لأن الدولة المسالمة الضعيفة يغرى ضعفها بالاعتداء عليها. المؤمنون حين يضطرون للحرب الدفاعية هم مأمورون بالصبر ـ وقد تعرضنا لذلك سابق ـ وهم أيضا مأمورون بالتوكل على الله جل وعلا . ونعطى أمثلة :

1 ـ رفض بنو إسرائيل دخول الأرض المقدسة التى كتبها الله جل وعلا لهم برغم إلحاح موسى عليه السلام. خرج عن هذا الاجماع رجلان كانا يخافان الله جل وعلا ، نصحا  قومهما بالدخول من الباب متوكلين على الله : ( قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّـهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ ۚ وَعَلَى اللَّـهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴿٢٣﴾ المائدة ). قالا : (وَعَلَى اللَّـهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ  ). إن كانوا مؤمنين حقيقيين فعليهم بالتوكل على الله جل وعلا. وهنا الارتباط بين الايمان والتوكل الاسلامى.

2 ـ عن معركة بدر : قال جل وعلا : ( إِذْ هَمَّت طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلَا وَاللَّـهُ وَلِيُّهُمَا ۗ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴿١٢٢﴾ آل عمران ). المؤمنون فقط هم الذين يتوكلون على الله جل وعلا.

3 ـ وعن النصر فى الحرب الدفاعية قال جل وعلا : ( إِن يَنصُرْكُمُ اللَّـهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴿١٦٠﴾ آل عمران ). المؤمنون فقط هم الذين يتوكلون على الله جل وعلا.

4 ـ وعن تحرش حربى إستهدف المؤمنين وبنعمة الرحمن لم يكتمل حربا قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ ۖ وَاتَّقُوا اللَّـهَ ۚوَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴿١١﴾ المائدة ). المؤمنون فقط هم الذين يتوكلون على الله جل وعلا.

5 ـ بعد هزيمة ( أُحُد ) صمم فريق من الجرحى المؤمنين على مطاردة جيش العدو الذى سرق نصرا سريعا وهرب . لم يأبهوا بتحذيرات أقرانهم وانطلقوا فى المطاردة خلف العدو الهارب قائلين : حسبنا الله ونعم الوكيل . قال جل وعلا عنهم يمدحهم : ( الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّـهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴿١٧٢﴾ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّـهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴿١٧٣﴾ آل عمران ). إزدادوا إيمانا بتوكلهم على الله جل وعلا وهو حسبهم.

6 ـ الاستعداد الحربى واجب للردع ، فإن جنح العدو للسلام فيجب قبول السلام مقترنا بالتوكل على الله ، وحتى لو كانوا مخادعين فإن الله جل وعلا هو الذى سيتكفل بنصر المؤمنين . قال جل وعلا : (  وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴿٦١﴾ وَإِن يُرِيدُوا أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّـهُ ۚ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ﴿٦٢﴾ الانفال )

7 ـ الخلاصة أن الايمان الحقيقى مرتبط بالتوكل على الله جل وعلا ، وهذه صفات المؤمنين الحقيقيين ، قال جل وعلا :( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّـهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴿٢﴾ الانفال )

ثانيا : ( وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) = (وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ  )

فى بعض الايات السابقة تكرر قوله جل وعلا ( وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ). وفى آيات أخرى جاء قوله جل وعلا : (وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ). فالمتوكلون هم المؤمنون والمؤمنون هم المتوكلون . ونعطى أمثلة :

1 ـ يعقوب عليه السلام قال لأولاده : ( وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ ۖ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللَّـهِ مِن شَيْءٍ ۖ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّـهِ ۖ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ۖ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴿٦٧﴾  يوسف )

2 ـ وجاء ( وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) = (وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ  ) فى قول الرسل لأقوامهم : (  قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّـهِ ۚ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴿١١﴾ وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّـهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا ۚ وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَا آذَيْتُمُونَا ۚ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴿١٢﴾ ابراهيم ).

ثالثا : الايمان فى التوكل على الله يعنى ( لا إله إلا الله )

هذه قضية بالغة الحساسية ، لأن الكفر والشرك يعنيان وجود إيمان قليل لا يقبله رب العزة . كل الكافرين المشركين يؤمنون بالله وآلهة وأولياء معه . التوكل على الله يعنى الايمان بالله جل وعلا وحده . فالمشرك الكافر الذى يقدس بشرا أو حجرا لا يمكن أن يكون متوكلا على الله جل وعلا . ثم إن التوكل على الله وحده يعنى ألا تضع فى حسبانك التوكل على بشر لأنه يكفيك أن تتوكل على الخالق جل وعلا الذى بيده مقادير كل شىء . ولذلك فإن صياغة آيات التوكل جاءت بأسلوب القصر أى قصر التوكل على الله جل وعلا وحده ـ وبما يفيد معناها . ونعطى أمثلة :

1 ـ التوكل باسلوب القصر .

1 / 1 : من أساليب القصر : التقديم والتأخير مثل

1 / 1 / 1 : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) لا يقال نعبدك ونستعين بك ، لأن هذا يفيد نعبدك ونعبد غيرك ونستعين بك ونستعين بغيرك . بنفس الصياغة باسلوب القصر جاء التوكل على الله جل وعلا . ومرت أمثلة مثل : ( وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) و(وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ) ، أى على الله جل وعلا وحده يتوكل المؤمنون والمتوكلون . لم يقل يتوكل المؤمنون على الله او يتوكل المتوكلون على الله لأن هذا الاسلوب يترك المجال مفتوحا لغير الله ويجعل شركاء لله جل وعلا.

1 / 1 / 2 : ومثله قوله جل وعلا : ( فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴿٩٨﴾ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴿٩٩﴾ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ ﴿١٠٠﴾ النحل ). هنا أيضا اسلوب قصر بالتقديم والتأخير فى (وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ  ). لم يقل يتوكلون على ربهم.

1 / 2 :  ومنها العطف على : ( لا إله إلا الله ) . مثل قوله جل وعلا : ( اللَّـهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴿١٣﴾ التغابن ). أولا :( اللَّـهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ) بعدها العطف بالواو : (  وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ )

1 / 3 ـ العطف على ما يفيد قدرة الله جل وعلا باسلوب القصر ، مثل قوله جل وعلا :

1 / 3 / 1 . ( إِنَّمَا النَّجْوَىٰ مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّـهِ ۚ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴿١٠﴾ المجادلة ). فى قوله جل وعلا : ( وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّـهِ ) اسلوب قصر بالنفى والاستثناء مثل ( لا إله إلا الله ) ، جاء بعدها : ( وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ  )

1 / 3 / 2 : ( قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّـهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴿٥١﴾ التوبة ) (  لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّـهُ لَنَا ) هنا اسلوب قصر بالنفى والاستثناء ) جاء بعدها : ( وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ  )

 2 ـ التوكل بإستعمال ( حسب ) أى حسبنا الله وحده وحسبى الله وحده

2 / 1 :التوكل على الله يعنى حسبك أى يكفيك الله جل وعلا.  ومرت أمثلة : (  وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴿٦١﴾ وَإِن يُرِيدُوا أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّـهُ ) ﴿٦٢﴾ الانفال )(الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّـهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴿١٧٣﴾ آل عمران ).

2 / 2 : ومنها أيضا قوله جل وعلا للنبى محمد عليه السلام :

2 / 2/ 1 ( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّـهُ ۚ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّـهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ ۚ قُلْ حَسْبِيَ اللَّـهُ ۖ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴿٣٨﴾ الزمر ). هذا فى مواجهة من يقدس الأولياء ، وهم الآن أغلبية المحمديين . مع ملاحظة اسلوب القصر فى (عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ  )

2 / 2/ 2 : ( فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّـهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ۖعَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ۖ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴿١٢٩﴾ التوبة ). مع ملاحظة اسلوب القصر فى (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ). وهذا فى مواجهة المؤمنين إذا تخلوا على النبى عليه السلام . والان يوجد مؤمنون بأنه لا إله إلا الله ومع ذلك جبنوا عن الدعوة . هم تولوا عن دعوته عليه السلام .! وحسبنا الله جل وعلا وهو نعم الوكيل.

2 / 3 : لعموم المؤمنين يقول جل وعلا :

2 / 3 / 1 :  ( وَمَن يَتَّقِ اللَّـهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ﴿٢﴾ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّـهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّـهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴿٣﴾ الطلاق ). الذى يتقى الله وحده ويتوكل عليه وحده فإن الله جل وعلا حسبه ، يرزقه من حيث لا يحتسب ويبلغه أمره حسب المقدر له سلفا.

2 / 3 / 2 : ( وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّـهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ۖ وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴿٤١﴾ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴿٤٢﴾ النحل ) هنا الجمع بين الصبر والتوكل والايمان الحقيقى الذى يدفع للتمسك بالحق وتحمل الظلم ثم الهجرة إبتغاء مرضاة الرحمن . الله جل وعلا يعدهم حسنة فى الدنيا وحسنة أكبر فى الآخرة . هنا يأتى التوكل بأسلوب القصر (وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ  ) . وتكرر المعنى فى قوله جل وعلا فى نفس السورة : ( ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِن بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴿١١٠﴾ النحل ). هذا للتأكيد على أن الصبر السلوكى للمؤمن يعنى النضال توكلا على ربه جل وعلا الذى لا يضيع أجر من أحسن عملا.!

2 / 3 / 3 : والأسوة الحسنة فى ابراهيم عليه السلام والمؤمنين معه وموقفهم من قومهم الكافرين . قال جل وعلا يخاطب الصحابة المهاجرين الذين أخذهم الحنين الى أهاليهم الكفرة فى مكة يدعوهم للتأسّى بابراهيم والمؤمنين معه : ( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّـهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّـهِ مِن شَيْءٍ ۖ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴿٤﴾ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿٥﴾ الممتحنة ). تبرءوا من أقوامهم متوكلين على الله جل وعلا وحده، فليس لهم غيره جل وعلا عونا ونصيرا. جاء الاسلوب بالقصر فى التوكل : (رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا ) وفى الانابة الى الله جل وعلا : ( وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا ) ، واليه وحده المصير والمرجع: ( وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ). 

3 ـ التوكل على الله بالاتيان بأسماء الله وصفاته التى هى له وحده مثل :

3 / 1 :  ( وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ ۚ وَكَفَىٰ بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا ﴿٥٨﴾ الفرقان )

3 / 2 : ( قُلْ هُوَ الرَّحْمَـٰنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا ۖ فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴿٢٩﴾ الملك )

4 ـ إذا كان النبى محمد مأمورا بالتوكل على الله جل وعلا وحده فكيف بغيره . العادة ان معظم البشر يقدسون الأنبياء يخلقون لهم شخصيات إلاهية وهمية خرافية . وقع فى ذلك المسيحيون والمحمديون . أمر الله جل وعلا النبى محمدا بالتوكل عليه تأكيدا على أنه بشر يصبر ويتوكل على ربه ، وهو فى ذلك أسوة للمؤمنين . وسبقت أمثلة كثيرة . ونضيف اليها قوله جل وعلا له :

4 / 1 :( وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ﴿٢١٧﴾ الشعراء )

4 / 2 : ( فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ ۖ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ ﴿٧٩﴾ النمل ).

ودائما : صدق الله العظيم .!!

 

 

 

 

 

بين الصبر والتوكل على الله جل وعلا :  فى التعامل مع المعارضة  

مقدمة 

1 ـ  الدعوة الاسلامية تعلن الحق كاملا دون مراعاة لمشاعر الذين يقدسون البشر والحجر ويؤمنون بالخرافات دون عقل او وعى . هذا هو الصدع بالحق الذى كان خاتم النبيين مأمورا به ، وكان مأمورا أيضا بالاعراض عن المشركين. قال له ربه جل وعلا : (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ﴿٩٤ الحجر ) . الصدع بالحق يعنى زلزالا عقليا ينزل بمن تعود تقديس الأوهام ، ومنتظر منه ان يندفع فى أذى الداعية للحق ، لذا فالأمر التالى هو بالاعراض عن هذا المشرك والصفح عنه .

2 ـ الأمر بالصدع بالحق والاعراض عن المشركين نزل فى مكة حيث كان النبى والمؤمنون معه يتعرضون للأذى والإضطهاد. إختلف الحال فى المدينة فى دولة النبى محمد عليه السلام . واجهته معارضة دينية وسياسية قام بها المنافقون ، وقد بذلوا كل المستطاع فى دعوتهم المناقضة للإسلام وفى كيدهم وتآمرهم على الدولة ، ولكن لم يصلوا الى حمل السلاح ضدها. اى كانت معارضة سلمية برغم تطرفها . لم يستخدم النبى محمد عليه السلام العنف ضدهم ، بل ولم يعاتبهم على ما يفعلون لأن التشريع الاسلامى يؤكد على الحرية المطلقة فى الدين وفى حرية التعبير والعمل السياسى السلمى ويضمن  للمنافقين ان يقولوا وان يفعلوا ما يشاءون.

3 ـ جاء التشريع بالإعراض عنهم . ونعطى أمثلة محددة ورد فيها الأمر بالاعراض عنهم مقترنا بالأمر بالتوكل على الله .

أولا : مواقف متفرقة

  1 : بعد الإنتصار فى موقعة بدر ظهر أول رد فعل حاقد من المنافقين : ( إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَـٰؤُلَاءِ دِينُهُمْ ۗ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ فَإِنَّ اللَّـهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴿٤٩﴾ الانفال ). الرد عليهم هو بالتوكل على الله جل وعلا ، وهذا يعنى الصبر الايجابى فى مواجهتهم .

2 ـ كانوا يكذبون على النبى فى حياته. يدخلون عليه يقدمون فرائض الطاعة ثم يخرجون من عند يتآمرون ويكذبون عليه . وأخبر الله جل وعلا النبى بهذا ، وامره الله جل وعلا ان يعرض عنهم متوكلا عليه جل وعلا : ( وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ ۖ وَاللَّـهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ ۖفَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّـهِ وَكِيلًا ﴿٨١﴾ النساء )

3 ـ كانوا يؤذون النبى والمؤمنين بإفتراءاتهم ، وجاء هذا فى سور التوبة والأحزاب والمجادلة والمنافقون . وتشابه أذاهم للنبى مع أذى الكافرن له ، ونزل الأمر للنبى بأن يدع أذاهم أى أن يعرض عنهم متسامحا معهم متوكلا على ربه جل وعلا  . قال جل وعلا له عليه السلام : ( وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّـهِ وَكِيلًا ﴿٤٨﴾ الاحزاب )

فى تطبيق الشورى الاسلامية

 الشورى الاسلامية تعنى فى ثقافة عصرنا الديمقراطية المباشرة ، وقد فصّلنا هذا فى كتاب هنا عن الشورى . الشورى هى فنُّ ممارسة القوة . إذا إحتكر الحاكم القوة فهو يستشير نفسه أو الملأ الذى يفكر له فيما يرضيه. إذا كانت فى المجتمع أقلية تستحوذ على اغلبية الثروة فهى ايضا تستحوذ على أغلبية السلطة ، ويتكون فيها نظام ديمقراطى نيابى عن السكان يقوم فيه ممثلون عن الشعب وليس الشعب ، وهذا وفق إنتخابات يؤثر فيها من يملك المال والنفوذ . هذه هى الديمقراطية الناقصة غير المباشرة ، وهى السائدة فى الغرب حيث يعلو الرئيس على المواطن العادى ، وكذلك السيناتور وقادة الدولة برغم الثرثرة عن المساواة . هناك مناطق فى اوربا تمارس الديمقراطية المباشرة ، منها سويسرا ( هل تعرف إسم الرئيس فيها ؟ )

الشورى الاسلامية تعبر عن ( لا إله إلا الله ). فالعبودية للخالق جل وعلا وهو وحده صاحب العلو ، سبحانه وتعالى ، ولا علو لمخلوق فى دولة الاسلام ،ولهذا كان النبى محمد نفسه ــ وهو القائد ــ مأمورا بالشورى كما كان فرعون موسى ملعونا لأنه وصل بإستبداده الى زعم الألوهية . والمستبد يزعم الألوهية إن صراحة أو ضمنا .

لا يحتاج المستبد الى الصبر والتوكل على الله . وفى الديمقراطية النيابية الناقصة يوجد بعض الصبر فى إدارة النقاش والوصول الى قرارات . الذى يحتاج الى صبر اسطورى هو الديمقراطية المباشرة التى يحضرها أهل كل منطقة ، ولكل منهم حق الحديث والاعتراض قبل الوصول الى القرار . هذا الصبر الاسطورى يحتاج الى توكل على الله عند العزم على تنفيذ القرارات .

ونعطى لمحات سريعة عن ارتباط الشورى الاسلامية بالصبر والتوكل على الله :

1 ـ الأمر بالشورى نزل فى مكة قبل أن تقوم للإسلام دولة . كان المؤمنون مجرد أقلية ، ولكن كانوا نواة لمجتمع . جاء فى سورة الشوى صفات هذا المجتمع فى قوله جل وعلا : ( فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَمَا عِندَ اللَّـهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴿٣٦﴾ وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ﴿٣٧﴾ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴿٣٨﴾الشورى ).

الأمر بالشورى فى قوله جل وعلا (وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ ) جاء بالصيغة الاسمية التى تعنى الثبوت وتكون أكثر إلزاما من الصيغة الفعلية . ثم جاءت الشورى بين الصلاة  والانفاق فى الزكاة المالية ، فهى فريضة مثلهما ، وهما فريضتان على كل فرد ولا يصح فيهما الاستنابة ، فلا يصلى أحد عن أحد ولا ينفق أحد بدلا من أحد ، وبالتالى فالشورى الاسلامية فرض على كل فرد بالغ ، ولا يجوز فيها أن يمثّل أحد أحدأ ولا ينوب فيها أحد عن أحد . ثم إن صيغة (وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ ) فيها غاية الإحكام فى التعبير ، لأنها تعنى أن الجميع مشارك فى الشورى فى كل ما يخص الجميع وبلا إستبعاد لأحد بسبب النوع او الجنس او اللون او الفقر .

2 ـ نزل فى المدينة الأمر للنبى القائد بالشورى ضمن أوامر أخرى . قال له جل وعلا : ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖفَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴿١٥٩﴾ آل عمران ). إذا كان النبى نفسه مأمورا بالشورى فإن من يستنكف من تطبيقها يرفع نفسه فوق النبى أى يزعم الالوهية ، وتقرر الآية الكريمة أن الأمة مصدر السلطة وليس النبى الذى يأتيه الوحى . فالله جل وعلا لم يأمره فقط بالشورى ولكن جعله لينا معهم ولو كان فظا غليظ القلب لانفضوا من حوله ، ولو إنفضوا من حوله فلن تكون له دولة ولن تكون له قوة ، فإجتماعهم حوله هو الذى أقام السلطة ، فهم مصدر السلطة ، لذا جاء له الأمر بالعفو عنهم والاستغفار لهم ، لأن طبيعة العمل السياسى تتطلب صبرا فى الحوار وجهدا فى الاقناع ، وقد يستطيل أحدهم على النبى فى القول فعليه أن يصبر وأن يعفو وأن يغفر ، ثم إذا وصل الاجتماع الى قرار فعليه أن يقوم بالتنفيذ متوكلا على الله. هنا يقترن الصبر بالتوكل على الله جل وعلا فى تنفيذ وتطبيق الشورى الاسلامية .

3 ـ لم تكن الشورى الاسلامية أمرا مألوفا بين العرب ، فالنفوذ كان لشيخ القبيلة وأقرانه وفق السلطة الأبوية . كان جديدا أن يشارك الجميع فى مجالس الشورى على قدم المساواة ، بل وأن يكون من حق النساء المشاركة كالرجال . نتج عن هذه التجربة الجديدة :

بالنسبة للمؤمنين  :

3 / 1 : بعضهم كان يتخلف عن الحضور فنزل قوله جل وعلا فى سورة النور وهى من أوائل السور المدنية : (  إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُوا حَتَّىٰ يَسْتَأْذِنُوهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ ۚ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّـهَ ۚ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿٦٢﴾لَّا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضًا ۚ قَدْ يَعْلَمُ اللَّـهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا ۚ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿٦٣ ) واضح النبرة العنيفة فى لوم من يتخلف عن الحضور وربط هذا الحضور بالايمان .

3 / 2 : وإلتزم بعدها المؤمنون بالحضور فلم تأت آيات أخرى فى نفس الموضوع . بل جاء ما يدل على تزاحمهم فى الحضور وإستباق الصفوف الأولى الى جانب النبى فنزل قوله جل وعلا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّـهُ لَكُمْ ۖ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴿١١﴾ المجادلة ). وكان بعضهم يستغلها فرصة ليناجى النبى ويعطل الشورى فقال جل وعلا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ ۚ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿١٢ أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ ۚفَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّـهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ ۚ وَاللَّـهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴿١٣﴾ المجادلة  ) أى فرض عليهم صدقة مقابل نجواه مع النبى . 

حرب المنافقين للشورى الاسلامية .

1 ـ قبل هجرة النبى كانوا أصحاب النفوذ فأضاع الاسلام نفوذهم . والشورى الاسلامية ساوتهم ببقية الناس من المهاجرين والأنصار . غضبوا أن النبى محمد عليه السلام يستمع بصبر وينصت الى الجميع دون تمييز لمن كانوا رؤساء من قبل ، فإتهموا النبى بأنه (أُّذُن ) أى يسمع لمن هب ودب . وسكت النبى على هذا الاتهام الظالم ، ونزل الرد على هذا الإيذاء من رب العزة جل وعلا : ( وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ۚقُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّـهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ ۚ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّـهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿٦١﴾ التوبة  )

2 : على أن أخطر سلاح إستعمله المنافقون ضد الشورى الاسلامية هو ( النجوى ) حيث قاموا بالتشويش على مجالس الشورى بلقاءات خاصة يتهامسون فيها ويتناجون فيها مع انفسهم ومع المؤمنين , قال جل وعلا فى نجواهم : (لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّـهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴿١١٤ وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴿١١٥﴾ النساء  ) . الله جل وعلا إعتبر نجواهم خروجا على سبيل المؤمنين وعداءا للرسول .

3   : وبسبب خطورة هذه النجوى على الديمقراطية المباشرة فقد نزل فيها قوله جل وعلا  فى سورة الممتحنة  عن المنافقين أصحاب النجوى :

3  / 1 : (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ وَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ۚوَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ ﴿٥ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّـهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا ۚ أَحْصَاهُ اللَّـهُ وَنَسُوهُ ۚ وَاللَّـهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴿٦﴾ ) هنا وصفهم بعداء الله ورسوله وتهديدهم بالكبت والخزى وتحذيرهم بتسجيل أعمالهم وأقاويلهم السرية وهو جل وعلا على كل شىء شهيد .

3 / 4 / 2 : ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۖ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ۖ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴿٧﴾) ترهيبهم بأنه جل وعلا يسمع مناجاتهم لبعضهم وسينبئهم بعملهم يوم القيامة .

3 / 4 / 3 : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّـهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّـهُ بِمَا نَقُولُ ۚحَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا ۖ فَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴿٨﴾) أى نزل لهم النهى عن النجوى فلم يلتزموا به وظلوا يتناجون بالاثم والعدوان ومعصية الرسول . بل وكانوا يتباهون فى نجواهم بالعيب فى تحيتهم للرسول ويسخرون من العذاب الذى يهددهم به رب العزة جل وعلا.

3 /  4 / 4 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّـهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴿٩﴾) هنا تشريع النجوى الملتزمة بالتقوى .

3 / 4 / 5 : ( إِنَّمَا النَّجْوَىٰ مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّـهِ ۚ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴿١٠﴾). أما النجوى الشيطانية فلن تضر المؤمنين شيئا طالما يتوكلون على الله جل وعلا . أى بالتوكل على الله فإنه جل وعلا الذى سيحفظ المؤمنين من كيدهم. هنا ربط الشورى الاسلامية بالتوكل على الله .

أخيرا

1 ـ فى الاسلام حرية مطلقة فى المعارضة الدينية والسياسية إعتمادا وتوكلا على الله جل وعلا. وهذا يستلزم صبرا إيجابيا ، يعنى أن تكبح جماح نفسك وأنت معك القوة ، لا تستخدمها لقمع المواطنين وحماية نفسك ، بل لتحمى بها الدولة بمن فيها من المعارضة لأن الجميع شركاء فى المواطنة ، فالمواطنة فى الدولة الاسلامية على أساس السلام أو الاسلام السلوكى . والمعارضون المسالمون هم مواطنون لهم كافة الحقوق ، ومنه حق التعبير . 

2 ـ أين تشريع الاسلام من حال المحمديين اليوم ؟

يعيشون تحت قهر إستبداد يتطرف فى التعذيب ويتباهى به لارهاب الناس ، وليرغمهم  على ( الصبر السلبى ) بمعنى الخضوع والخنوع والرضى بالذُّل .!!

 

الصبر فى الاسلام
هذا الكتاب
نشرت مقالا بعنوان : (رباعية الأرض ، الانسان ، الموت والسلام : ثقافة يجب تعميمها لنشر السلام والتعايش السلمى ). جاء تعليق د عثمان محمد على عن المظلوم صاحب الحق. رددت بمقال : ( فى سبيل السلام : المظلوم والصبر الايجابى ). ثم توالت المقالات فى موضوع الصبر. ونجمعها فى هذا الكتاب عن ( الصبر فى الاسلام ) ، وجعلنا مقال ( رباعية الأرض ..) المشار اليه هو مقدمة هذا الكتاب مع المقال الأول .
والله جل وعلا هو المستعان .
أحمد صبحى منصور.
الأ د 19 مايو 2019 .
more