رقم ( 9 )
الفصل السابع : فى العذاب : وما ربك بظلام للعبيد

 
الفصل السابع : فى العذاب : وما ربك بظلام للعبيد 
المقال الأول : 
فى العذاب : الله جل وعلا لا يظلم أحدا  
مقدمة : العُصاة يستسهلون العصيان ويستكثرون العذاب المترتب عليه يوم القيامة . وينسون أن الله جل وعلا لا يظلم أحدا فى الدنيا ولا فى الآخرة . فى القوانين الوضعية فى الديمقراطيات الحديثة يسعون الى تحقيق العدل بما لديهم من إمكانات بشرية ، ويضعون عقابات للمجرم. إلا إن الملحدين يستكثرون على الخالق جل وعلا أن يعذّب العاصى بعصيانه . فى نظم التعليم حين يعقدون إمتحانا لا يقبلون العبث فيه او قبول شافعات أو وساطات . ولكن أئمة الدين الأرضى يفترون يوما للحساب فى ألاخرة ملىء بالشفاعات والوساطات . أى ما يرفضونه فى الدنيا يفرضونه ـ بإفتراءاتهم ـ على رب العزة فى دينه جل وعلا وفى اليوم الآخر .
الله جل وعلا انزل القرآن الكريما وعظا للناس ، وذكر آيات العذاب وآيات النعيم تبشيرا وإنذارا ليتفادى الناس الأحياء عذاب الجحيم وليكون مصيرهم الى خلود فى النعيم. بالاضافة الى هذا فإن رب العالمين لا يظلم أحدا فى عذاب الدنيا والآخرة  . ونعطى بعض التفصيلات :
أولا : الله جل وعلا لا يريد ظلما للبشر فى الدنيا
1 ـ عموما قال جل وعلا :  ( وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ (108) آل عمران )
2 ـ يسرى هذا فى عذاب الدنيا ، كما حدث مع الأمم التى أهلكها الله جل وعلا بسبب عصيانهم وجرائمهم .  
2 / 1 : هو جل وعلا لا يريد لهم ظلما قال جل وعلا عن إهلاكهم ، قال جل وعلا :  ( مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبَادِ (31) غافر ).
2 / 2 : وأخبر الله جل وعلا  أنه أخذهم أى عاقبهم بذنوبهم، وما ظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ، قال جل وعلا  : ( فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40) العنكبوت)  .
2 / 3 : ولأنه جل وعلا لا يريد عذابا للبشر فقد تكرر الوعظ للأحياء تذكيرا بما حدث للسابقين .
2 / 3 / 1 : قال جل وعلا للكفار من العرب:  (   أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَاراً وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (6) الانعام )، أى أهلكهم بذنوبهم ، وقال جل وعلا عن إهلاكهم بسبب ظلمهم وتكذيبهم للرسل ، قال جل وعلا :  (  وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13) يونس )، لذا أصابتهم سيئات أعمالهم تدميرا لهم، قال جل وعلا :  ( فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون (34) النحل )، وهو تهديد لكل اللاحقين ، قال جل وعلا :  ( فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (51) الزمر ) ، ومنهم منافقو المدينة فى عهد النبى محمد عليه السلام ، قال جل وعلا عنهم :  (  أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70) التوبة)  .
2 / 3 / 2 :  ودعاهم الله جل وعلا للسير فى الأرض ليتعظوا بما حدث للسابقين الذين أهلكهم الله جل وعلا ، قال جل وعلا :  ( أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَ"cke_pastebin"> 1 / 4 : وهم فى النار يقال لهم أنه ما قدموه بإختيارهم لأنفسهم وأن الله جل وعلا ليس بظلّام للعبيد . يسرى هذا على :
1 / 4 / 1 : أئمة الضلال ، قال جل وعلا عنهم : ( ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (9) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (10)  ) الحج ).
1 / 4 / 2 : وغيرهم من المجرمين فى حق الله جل وعلا ورسله . قال جل وعلا : (  لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمْ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (182) آل عمران ).
ثالثا : ( لا ظُلم ) فى اليوم الآخر)
1 ـ شعار اليوم الآخر أنه :( لا ظلم اليوم ) وأن كل نفس ستُجزى بما كسبت، قال جل وعلا : (  الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ )(17) غافر).
2 ـ يسرى هذا على البشر جميعا حيث يجمعهم الله جل وعلا ( يوم الجمع ) الذى هو أيضا( يوم التغابن ) أى رفع المظالم ، قال جل وعلا :  ( يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ ) (9) التغابن).   أكثرية البشر فى كل زمان يتسلط عليهم ظالمون منهم ،  يتحكم فيهم مستبد ظالم بأتباعه ، يدخل الأبرياء السجون ويتعامى القانون عن المجرمين . هذا هو حال الدنيا ومظالمها . الوضع مختلف يوم ( الجمع )،( يوم التغابن )، يوم رفع الظلم وعقاب الظالم  ، حيث تتم توفية كل نفس عملها وهم لا يظلمون . قال جل وعلا : : (  فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (25) آل عمران) .
3 ـ لا فارق هنا بين نبى وبشر عادى ، فالنبى إذا  (غلّ ) أى وقع فى الظلم سينال جزاءه شأن أى فرد من البشر، قال جل وعلا :  (  وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (161) آل عمران).
رابعا : آلية القسط يوم الحساب
  كتاب الأعمال :
  1 : هناك كتاب الأعمال الجماعى لكل جيل وأمة ومجتمع ، حيث تسجيل تفاعلات الأفراد مع بعضهم . يرى المجرمون كتاب أعمالهم الجماعى قد أحصى عليهم كل شىء وما ترك من شىء ، يعرفون عندها أن الله جل وعلا لا يظلم أحدا . قال جل وعلا :  (  وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (49) الكهف).
  2 : يرون كتاب أعمالهم الجماعى وهم جاثون ، يُنادى على كل أمة حين يأتى دورها . قال جل وعلا :  ( وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (29) الجاثية ).
  3 : كتاب الأعمال الجماعى هو ال ( إمام ) لكل أمة ، وهو كتاب ينطق بالحق ، وهم لا يُظلمون ، قال جل وعلا :   ( يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (71 ) الاسراء ).
  4 : كل نفس من كل أُمّة ستستلم كتاب أعمالها ، وسيكون كل فرد حسيبا على نفسه بما يراه فى كتاب أعماله ، قال جل وعلا :  (  وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (14) الاسراء)  .
  5 : وفى كل الأحوال فإن الله جل وعلا فى تشريعه لم يكلف نفسا إلا وسعها ، وكل نفس كانت فى حياتها الدنيا تتمتع بالحرية فى الطاعة أو المعصية ، وتم تسجيل أعمالها فى كتاب ينطق بالحق ، قال جل وعلا : (  وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (62) المؤمنون ).
  الميزان
  1 : وهو بمعيار الذّرة، قال جل وعلا :  (  وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47) الانبياء ) (إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ )(40) النساء ).
  2 : الظالم هو الخاسر فى هذا الحساب ، قال جل وعلا  : ( وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9) الاعراف ).
3 : ومع هذا فلكل نفس الحق فى أن تدافع عن نفسها ، ثم يتم توفيتها أعمالها بلا ظلم ، قال جل وعلا :  (  يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (111) النحل ).
 4 : يبدأ الحساب بالأنبياء والأشهاد على أقوامهم ثم بقية البشر ، قال جل وعلا :  ( وَأَشْرَقَتْ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70) الزمر ).
 5 : كل هذا فى سرعة لا نتخيلها لأن الزمن وقتها مختلف عن زمننا . وقد تكرر وصفه جل وعلا بأنه ( سريع الحساب ).
 
المقال الثانى  
بين الرحمة والعدل
 لأن الله جل وعلا لا يظلم أحدا : نلاحظ هذه الحقائق القرآنية :
أولا : رحمة الله جل وعلا  فوق عدله ، وهى لمن يستحق 
قال جل وعلا :  ( عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الاعراف).  رحمته الواسعة متاحة للمتقين المؤمنين . وعذابه لمن يستحقه ويشاء الكفر والعصيان . 
رحمته فى الدنيا تتجلى فى التشريع :
1 ـ أنه جل وعلا لا يكلف الله نفسا إلا وسعها : ( البقرة 286 ، 233 ) ( الانعام 152  ) (الاعراف 42  ) (المؤمنون 62  ) ( الطلاق 7 ) )، وما جعل رب العزة فى الدين من حرج : ( المائدة 6  ) ( الحج78 ) ( النور 61  ) ( الفتح17 ) ، والتخفيف أساس فى التشريع: ( النساء ) 28) ) ( البقرة 178 ) )
2 ـ وهو جل وعلا لا يؤاخذ الناس باللغو فى ايمانهم ولكن بما عقدوا عليه قلوبهم (البقرة 225  ) ( المائدة 89  ))، فهو جل وعلا لا يؤاخذ الفرد إلا على التعمد ( الأحزاب 5 ) ) ويعفو عن الخطأ غير المقصود والنسيان ( البقرة 286 ) )
وتتجلى رحمته جل وعلا فى عذابه الدنيوى 
1 ـ أنه لا يعجّل العذاب لمستحقّيه، بل يعطى فرصة التوبة، قال جل وعلا : ( وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمْ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً (58) الكهف ).
2 ـ وأنه لو آخذ البشر بذنوبهم ما ترك دابة فى الأرض ، قال جل وعلا : (  وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً (45) فاطر ) (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (61) النحل ). 
وتتجلى رحمته فى الآخرة :
1 ـ أنه لا يظلم مثقال ذرة ، ويضاعف الحسنة ، قال جل وعلا :  ( إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً (40) النساء ).
2 ـ لذا فالسيئة بمثلها يكون العذاب عدلا ، أما الحسنة فبأكثر منها فضلا ورحمة ، قال جل وعلا :  (  مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (84) القصص )، وقال جل وعلا :  (  مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (89) وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (90) النمل ).
3 ـ وجزاء الحسنة بعشر أمثالها ، قال جل وعلا :  ( مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (160) الانعام ) ، وقال جل وعلا (   مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (160) الانعام  )، واحيانا اكثر من ذلك ، قال جل وعلا :  ( مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) البقرة ) 
ثانيا : الدرجات والدركات فى جزاء المتقين والكافرين :
1 ـ سورة الواقعة من أروع السور الوعظية ، وهى ثلاثة أقسام : القسم الأول عن يوم القيامة وتقسيم الناس الى أصحاب الجنة من السابقين واصحاب اليمين ، ثم أصحاب الشمال ( سورة الواقعة) 1 : 56 )  ، والقسم الأخير عن نفس التقسيم للبشر عند الاحتضار :     ( 83 ـ )  .وما بينهما خطاب وعظى مباشر للبشر ليتلافوا الجحيم . 
2 ـ تقسيم البشر الى هذه الدرجات مؤسس على أعمالهم ، أى هى درجات طبق ما كانوا يعملون ، قال جل وعلا : ( وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (19)الاحقاف ). إذ لا يمكن فى عدل الرحمن جل وعلا أن يتساوى من إتبع رضوان الله بمن أسخط الله جل وعلا : (  أَفَمَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنْ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (163 ) آل عمران)، أى هم درجات عند الله جل وعلا وهو البصير بما يعملون . 
3 ـ درجات أصحاب الجنة ــ من مقربين سابقين ثم اصحاب اليمين المقتصدين ــ أشار اليه قوله جل وعلا :  (  لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (95)النساء ) فالقاعد لا يتساوى بالمجاهد ، بعدها قال جل وعلا :  (  دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (96) النساء ). 
4 ـ أصحاب النار دركات . 
4 / 1 : المنافقون هم فى الدرك الأسفل من النار ، قال جل وعلا :  ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (145) النساء )
4 / 2 : أشد الناس عذابا فى الجحيم هم الكهنوت الذين يتخصصون فى إضلال غيرهم ، يأتون يوم القيامة يحملون أوزارهم وأوزار من اضلوهم بغير علم، قال جل وعلا :  ( لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (25) النحل).
4 / 3 : وجاء وصفهم بأنهم الذين يصدون عن سبيل الله جل وعلا يبغونها عوجا ، لذا يستحقون عذابا زائدا .  قال جل وعلا : ( الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ العَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ (88) النحل ).
4 / 4 : خصومنا يحاربوننا ينقمون علينا أننا نعظ بالقرآن الكريم صراط الله المستقيم وحده ، وندعوهم لنبذ تقديس غيره . نرجو أن يجعلنا ربنا جل وعلا أشهادا عليهم يوم القيامة. عن مشهد من مشاهد يقوم القيامة يقول جل وعلا عن  الكهنوت الذى كان يفترى على الله جل وعلا الكذب ، وكيف أن الأشهاد سيشهدون عليهم :  ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) هود ) وصفهم جل وعلا بأنهم :  (  الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19) أُوْلَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمْ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (21) هود ( وهم الأخسرون أى الأشد عذابا يوم القيامة:( لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمْ الأَخْسَرُونَ (22) هود ).
4 / 5 : وفى سياق آخر يقول جل وعلا عن عذابهم :  ( فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) البقرة ). 
ثالثا : تخاصمهم فى النار  
الأتباع الكافرون وهم فى النار سيتخاصمون مع سادتهم من الملأ السياسى والدينى الذين اضلوهم فى الدنيا ، وهذا إعتراف بأنهم ما ظلمهم الله جل وعلا ، ولكنهم ظلموا أنفسهم بإختيارهم . ونعطى لمحة قرآنية :
1 ـ قالها ابراهيم عليه السلام لقومه يعظهم : ( وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (25 ) العنكبوت ).هم فى الدنيا كانت بينهم مودة فى الدين ، تجمعهم الأوثان البشرية والحجرية . فى النار تنقلب هذه المودة الى عداوة وتلاعن وتكفير . وما لهم من نصير .  نتوجه بهذا وعظا لأتباع الوهابية ودعاتهم وأتباع أئمة الشيعة وأولياء الصوفية .   
2 ــ الكافرون يحبون اولياءهم حب تقديس بينما يجب عليهم أن يتوجهوا بهذا الحب لرب العزة جل وعلا القائل : ( وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ ). بعدها يقول جل وعلا عن يوم القيامة حين يرون العذاب أنهم سيعرفون بعد فوات الاوان ان القوة هى لرب العزة جل وعلا : ( وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165) البقرة ). عندها يتبرأ الملأ والسادة من الأتباع ، فيندم الأتباع يتمنون لو كانت لهم فرصة ليردوا لهم نفس الصنيع   : ( إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنْ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوْا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمْ الأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا )(167) البقرة ). نتوجه بهذا وعظا لأتباع الوهابية ودعاتهم وأتباع أئمة الشيعة وأولياء الصوفية .
3 ـ يقول جل وعلا :  ( وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنْ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنتُمْ مُجْرِمِينَ (32)سبأ ). الأتباع يلومون سادتهم بأنهم السبب فى الإضلال ، فيرد سادتهم بأنهم كانوا فى الأصل مجرمين ، ويرد الأتباع بأنه مكر الملأ بهم ليل نهار بالدعاية ومختلف وسائل التأثير : (  وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوْا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الأَغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (33) سبأ ).  نتوجه بهذا وعظا لأتباع الوهابية ودعاتهم وأتباع أئمة الشيعة وأولياء الصوفية .
4 ـ يقول جل وعلا :  (  وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنْ النَّارِ (47) غافر ). يطلبون من سادتهم أن يتحملوا عنهم نصيبا من العذاب ، ويرفض الملأ :  (  قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ (48) غافر). ).  نتوجه بهذا وعظا لأتباع الوهابية ودعاتهم وأتباع أئمة الشيعة وأولياء الصوفية .
5 ـ فى النهاية ووجوههم تتقلب فى النار يدعون ربهم أن يعذب سادتهم وكبراءهم ضعفين من العذاب وأن يلعنهم لعنا كبيرا :( يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَ (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ (67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنْ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً (68) الاحزاب ). ).  نتوجه بهذا وعظا لأتباع الوهابية ودعاتهم وأتباع أئمة الشيعة وأولياء الصوفية .
أخيرا 
1 ـ الله جل وعلا أتى بهذا وعظا للأحياء لكى ينجو من عذاب الآخرة . أى هو نوع من الرحمة . والله جل وعلا أرسل رسوله بالقرآن الكريم رحمة للعالمين( الأنبياء107 ) وجعل للبشر الحرية الكاملة فى أن ينعموا برحمة يوم القيامة ويتزحزحوا عن النار ، أو أن يكونوا بإرادتهم وإختيارهم خالدين فى عذاب النار ، بلا إمهال وبلا تخفيف وبلا خروج . بهذا الوعظ للأحياء فإن ربك جل وعلا لا يظلم الناس ، ولكن الناس أنفسهم يظلمون . 
 
 
المقال الثالث 
 لا رحمة ولا نور  
 مقدمة :
1 ـ  قلنا إن اللعن يوم القيامة هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله جل وعلا يوم الدين . وكلما كان الناس قريبين من الله جل وعلا يوم القيامة كانوا داخلين فى رحمته ، وإذا كانوا بعيدين عنه كانوا فى عذابه . وبالتالى ينقسم البشر يوم القيامة الى ثلاثة أقسام : السابقون واصحاب اليمين ، وهما فى الجنة ، ثم أصحاب المشأمة ،  وهم الملعونون المطرودون من رحمة رب العالمين جل وعلا . يتم وضع سور بينهم وبين اصحاب الجنة ؛باطنه الذى يلى أصحاب الجنة فيه الرحمة ، وظاهرة الذى يلى أصحاب النار فيه العذاب  . هم فى الأسفل ، واهل الجنة فى الأعلى . 
2 ـ نتعرض هنا لملمح آخر لأصحاب الجنة حيث الرحمة والنور،واصحاب النار حيث السواد والعذاب : 
أولا : الرحمة بين الدنيا والآخرة 
الكتب الالهية فى الدنيا هى أساس الرحمة فى الآخرة : 
1 ـ الايمان بما أنزل الله جل وعلا من كتاب والعمل به يثمر رحمة فى الآخرة . 
2 ـ قال جل وعلا عن الكتاب الذى أنزل على موسى عليه السلام :
2 / 1 :  (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)القصص  43) .هنا يوصف كتاب موسى بأنه هدى ورحمة لمن يتذكر ويخشى . 
2 / 2  وقال جل وعلا عن كتاب موسى ايضا : ( وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً ) ( الأحقاف 12 ). )
3 ــ وعن القرآن الكريم رحمة 
3 / 1 : أرسل الله جل وعلا خاتم النبيين بالقرآن الكريم رحمة للعالمين ، قال جل وعلا : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)الأنبياء)107 )
3 / 2 : ولا ينال هذه الرحمة إلا من آمن وعمل صالحا وإهتدى ، قال جل وعلا :  ( وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)النمل:77 ) ) ( هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ )لقمان)3 ) ) (هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)الجاثية20   )   ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ  قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)يونس:57   58 ).
3 / 3 : الإيمان بالقرآن الكريم يعنى الايمان به وحده حديثا ، أى الكفر بالأحاديث الشيطانية التى تمتلىء بها كتب الأديان الأرضية كالبخارى السُّنّى و( الكافى ) الشيعى و ( إحياء علوم الدين ) الصوفى . 
وهذا يعنى وصف القرآن الكريم بالهدى والرحمة ، ونأخذ أمثلة : 
3 / 3 / 1 : الايمان بأن القرآن الكريم نزل تبيانا لكل شىء يحتاج الى بيان ، قال جل وعلا :  ( وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَؤُلاءوَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) النحل )89 )
3 / 3 / 2 : الإكتفاء بالقرآن الكريم وحده كتابا ، قال جل وعلا :  (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) العنكبوت  51  )
3 / 3 / 3 : الايمان بأن تفصيلات القرآن جاءت بيانا على علم لتكون هدى ورحمة للمؤمنين،قال جل وعلا : ( وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) الاعراف).
4 ـ بالتالى فلن يزداد بالقرآن إلا خسارا من لا يؤمن بالقرآن وحده حديثا ومن يتخذ معه كتبا أخرى يقدسها ويتبعها ومن يؤمن بأن هذه الكتب تفسّر وتفصّل القرآن ثم يتلاعب بالقرآن ليتفق مع هذه الكتب الشيطانية . يكون القرآن الكريم شفاءا ورحمة لمن يؤمن به وحده حديثا ويكون وبالا وخسارا على من لا يكتفى به وحده حديثا وكتابا ، قال جل وعلا : ( وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً)الإسراء:82 )
الرحمة يوم القيامة 
الرحمة بالقرآن الكريم سيأتى يوم القيامة تأويلها ( أى تحقيقها وتجسيدها عمليا ) بدخول الجنة والنجاة من النار . ونعطى بعض التفصيلات :
1 ـ معنى الرحمة : النجاة من عذاب النار :
1 / 1 :قال جل وعلا عن عذاب النار :  ( مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ) ( الأنعام:16 ).)
1 / 2 : وعن السيئات التى يتم بها تعذيب مرتكبيها يوم الدين تدعو الملائكة للمؤمنين فتقول:  ( وَقِهِمْ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) غافر 9 ).)
2 ـ الدخول فى الرحمة يعنى دخول الجنة ، قال جل وعلا :
2 / 1 :  (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً) النساء 175 )
2 / 2 : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ) ) الجاثية:30 )
2 / 3 : (يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً ) (الإنسان)31 ).
2 / 4 : ودعا موسى ربه جل وعلا فقال :  ( قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)الأعراف:151 )  
3 ـ .ولأن اصحاب الجنة درجتان ( السابقون المقربون واصحاب اليمين )، فهناك وصف للرحمة بالدرجات، قال جل وعلا :  ( دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً)النساء).96 )
4 ـ  وفى كل الأحوال فأصحاب الجنة قريبون من الرحمن عكس اصحاب النار البعيدين عن رحمته الملعونين المطرودين من جنته .
4 / 1 :  والمحسنون فى الدنيا عموما سيكونون يوم القيامة قريبين من رحمة الله جل وعلا ، أى فى جنته  قال جل وعلا : ( إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ ) الأعراف:56  )
4 / 2 : وقال جل وعلا عن بعض الأعراب المؤمنين الذين كانوا يتقربون لربهم جل وعلا بالإنفاق فى سبيله :  ( وَمِنْ الأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمْ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) التوبة 99 )  . جزاؤهم على إحسانهم أنهم سيدخلون فى رحمة الله جل وعلا . 
4 / 3 : من هنا فمن أسماء الله جل وعلا الحسنى أنه ( قريب  ) 
4 / 3 / 1 : النبى صالح قال لقومه:  ( فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61) هود)
4 / 3 / 2 : والنبى محمد أمره ربه جل وعلا أن يقول : ( قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنْ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (50) سبأ ). 
4 / 3 / 3 : وهو جل وعلا قريب من عباده :
4 / 3 / 3 / 1 : حين يدعونه ، قال جل وعلا : (  وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) البقرة ) ( وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ (56) الاعراف ). 
4 / 3 / 3 / 2 : وعند السجود. قال جل وعلا لخاتم النبيين : ( وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19) العلق ).
4 / 3 / 3 . 3 : وهو جل وعلا أقرب الينا 
4 / 3 / 3 / 1 : من حبل الوريد :  (  وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) ق ).
4 / 3 / 3 / 2 : وعند الاحتضار :   (  فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ (85) الواقعة )  
5 ـ بالتالى فإن من يقترب من ربه بالتقوى فى الدنيا يكون قريبا من الله جل وعلا يوم القيامة ، أى داخلا فى رحمته وبعيدا عن عذابه . يقول جل وعلا عن أصحاب الجنة وبُعد النار عنهم : (   إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102) لا يَحْزُنُهُمْ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمْ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (103) الأنبياء ). 
ثانيا : النور بين الدنيا والآخرة  
الاهتداء بنور القرآن فى الدنيا يؤدى الى الرحمة فى الآخرة : 
1 ـ قال جل وعلا للبشر جميعا فى خطاب مباشر :  (  يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (174) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً (175) النساء ).
القرآن موصوف بالنور . من يؤمن به ويعتصم به لا يؤمن بحديث غيره فسيدخل فى رحمة الله جل وعلا وجنته . 
2 ـ قال جل وعلا لأهل الكتاب عن القرآن الكريم :  ( قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16) المائدة ).أى من يتبع نور القرآن وهدايته يدخل الجنة دار السلام ، أى ينتقل من نور القرآن فى الدنيا الى نور الجنة فى الآخرة . 
مقارنة بين نور القرآن وظلمات الكفر 
1 ـ الذى يعشو عن نور القرآن أى لا يراه بقلبه يتولاه شيطان يقترن به يزين له الباطل حقا والحق باطلا ويصدّه عن الحق ويجعله يحسب أنه على الهدى . كل هذا وهو لا يرى هذا القرين الشيطانى. فإذا إنكشف الغطاء يوم القيامة رآه وعرف أنه الذى اضلّه فيتمنى لو كان بينه وبينه بُعد المشرقين . قال جل وعلا : ( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنْ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) وَلَنْ يَنفَعَكُمْ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (39)  الزخرف )  
 2 ـ عن المقارنة بين الذى يهتدى فى الدنيا بنور القرآن والذى يسير فى ظلمات الشيطان قال جل وعلا : 
2 / 1 : ( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122)الانعام ). 
2 / 2 : ( أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (22) اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23) الزمر ). 
3 ـ النور القرآنى يتحول الى نور فى الآخرة يكون تبشيرا بالجنة . قال جل وعلا :
3 / 1 : (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمْ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) الحديد ). 
3 / 2 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28) الحديد).
3 / 3 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8) التحريم ).
4 ـ وفى مقارنة بين نور الآخرة للمتقين وسواد وجوه الكافرين يقول جل وعلا :
4 / 1 : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41) أُوْلَئِكَ هُمْ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42) عبس).
4 / 2 : ( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26) وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنْ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (27) يونس ). 
4 / 3 : ( يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107) آل عمران). 
5 ـ فى أسفل السافلين سيكون أولئك الذين إفتروا على الله جل وعلا كذبا كالبخارى والشافعى والكلينى وأبى حامد الغزالى وابن تيمية وابن القيم وابن كثير وابن عبد الوهاب ..الخ . قال جل وعلا :  (  وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60) الزمر ).
 
المقال الرابع 
الغفلة 
مقدمة 
لا زلنا مع تقرير الحقيقة القرآنية أن الله جل وعلا لا يريد ظلما للعالمين ، وأنه جل وعلا لا يظلم الناس ولكن الناس أنفسهم يظلمون . ولهذا فإن حديث التعذيب يأتى فى القرآن الكريم وعظا للأحياء حتى لا يخدعهم الشيطان الرجيم ويهوى بهم يوم القيامة الى عذاب الجحيم .
2 ـ وهناك ناحية ( يغفل ) عنها الناس ، هم  ( يغفلون ) عن الحق وعن اليوم الآخر ، وتشغلهم الحياة الدنيا فينسون الله جل وعلا واليوم الآخر ، وبالتالى ينساهم الله جل وعلا من رحمته ، ويكون مصيرهم اللعن أى النفى عن رحمة الله ، أى الخلود فى عذاب الجحيم . 
3 ـ نتوقف مع موضوع الغفلة بإعتبارها من مسببات اللعن والطرد من رحمة رب العالمين الرحمن الرحيم . ونرتب الموضوع كالآتى : 
أولا : رب العزة جل لا يغفل ولا ينسى 
1 ـ تكرر التأكيد على أنه جل وعلا ليس غتفلا عما نعمل فى سور (البقرة ) و(آل عمران ) )  الانعام ) (  النمل ). 
  2  ـ ويشمل هذا أنه جل وعلا ليس غافلا عما يجرى فى السماوات والأرض، قال جل وعلا : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنْ الْخَلْقِ غَافِلِينَ (17) المؤمنون) (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)هود ) .وليس غافلا عما يعمل الظالمون ، وجاء هذا بإسلوب التأكيد الثقيل، قال جل وعلا : ( وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ (42) ابراهيم  ).
3 ـ وبالتالى فهو جل وعلا لاينسى، قال جل وعلا :  (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً (64) مريم ).
ثانيا : أكثر البشر غافلون وينسون 
1 ـ إلا إن عُصاة  البشر ينسون ، ويوم القيامة يخبرهم رب العزة بأعمالهم وقد نسوها  ، قال جل وعلا :  (  يَوْمَ يَبْعَثُهُمْ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (6) المجادلة ).
2 ـ وأكثرية البشر ينسون وعظ الله جل وعلا لهم فى آياته ، يغفلون عنها، قال جل وعلا : ( وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92) يونس ).
3 ـ هم ينبهرون بظاهر الحياة الدنيا يبحثونه ويتعرفون عليه وينغمسون فيه ويعلمونه ولكنهم عن الآخرة هم غافلون . لا يحاولون أن يتفكروا لماذا خلقهم الله جل وعلا ولماذا خلق السماوات والأرض وما بينهما من نجوم ومجرات ، وما بعد ذلك من قيام الساعة ولقاء الرحمن جل وعلا ، قال جل وعلا : (  وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنْ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنْ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (8) الروم ).
 4 ـ وعلى نفس الغفلة كان جيل العرب الذى شهد بعثة خاتم النبيين عليه وعليهم السلام ، قال جل وعلا :  (  لِتُنذِرَ قَوْماً مَا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6) يس ). 
ثالثا : قبل أن يكون نبيا كان محمد من الغافلين 
1 ـ محمد كان رجلا منهم ، قال جل وعلا :  ( أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ ) ( 2  ) يونس). وكان مثلهم قبل أن ينزل عليه الوحى ، أى كان غافلا مثلهم ، فلما نزل عليه الوحى وصار نبيا عالما متقيا ، قال جل وعلا :  ( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الْغَافِلِينَ (3) يوسف ). 
3 ـ وشأن المتقى أن يستعيذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم حتى لا تأخذه الغفلة ، ولذا أمره ربه جل وعلا أن يذكر ربه دائما ولا يكون من الغافلين، قال جل وعلا :  ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنْ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنْ الْغَافِلِينَ (205) الاعراف) ،واذا نسى فعليه أن يذكر ربه، قال جل وعلا: ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ )(24)الكهف ). 
رابعا : علاج الغفلة عن الفطرة الاسلامية : لا إله إلا الله  
1 ـ فى البداية أخذ الله جل وعلا على الأنفس البشرية العهد على أنه ( لا إله إلا الله ) ، واشهدهم على أنفسهم ، حتى لا يأتون يوم القيامة يعتذرون بالغفلة، قال جل وعلا :  ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) الاعراف ). 
2 ـ هى الفطرة التى يولد بها الطفل البشرى نقية خالصة ، ثم يتعلم من بيئته تقديس البشر والحجر ، فإذا وقع فى محنة أفاق من غفلته وتذكر ربه فيصرخ متضرعا مستغيثا .وقد يعاقبه ربه جل وعلا بعذاب بما كسبت يداه فيكون هذا العذاب منبها له ربما يتذكر ويتوب، قال جل وعلا : ( وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) السجدة ). فإختبار المحن والعذاب الدنيوى من وسائل التنبيه واليقظة من الغفلة . 
2 ـ وذكر الله جل وعلا من أهم وسائل التقوى والخروج من شرنقة الغفلة . وذكر الله جل وعلا يتنوع فى عبادات مختلفة من قراءة القرآن:  (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) ص )،  ومنه الصلاة ، قال جل وعلا  : ( وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (14) طه ). والذكر العادى فى أوقات مختلفة فى اليوم ، قال جل وعلا :  ( وَاذْكُرْ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (25) وَمِنْ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً (26) الانسان ) ، والمتقى يتذكره جل وعلا حين يوسوس الشيطان، قال جل وعلا :   ( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) الاعراف ).
3 ـ بهذا يفلح المؤمنون، قال جل وعلا: ( وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) الجمعة ) 
خامسا : جزاء الغافلين عذاب الجحيم
1 ـ بدون ذكر الله تكون الغفلة والندم يوم القيامة، قال جل وعلا :  (  وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26) الفجر )،  ويكون عذاب الجحيم . يومها يعض الظالم على يديه من الأسف يتمنى لو لم يُلهه الشيطان عن الذكر، قال جل وعلا :   ( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (27) يَا وَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً (29) الفرقان  ).
2 ـ ويأتيه  تأنيبه بأنه نسى آيات الله فحاق عليه النسيان، أى تم نسيانه من رحمة الرحيم جل وعلا.
2 / 1 : منها عند حشره أعمى ثم عذابه ، قال عنه جل وعلا  (  قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى (126) طه).
2 / 2 :  ومن التأنيب أن يقال عند التبشير بالنار انهم نسوا اليوم الآخر فنساهم الله جل وعلا من رحمته ، قال جل وعلا :  (  وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (34) الجاثية  ).
2 / 3 :  وأن يقال لهم وهم فى عذاب النار إنهم نسوا هذا ولم يتذكروه ولم يتعظوا به وهم أحياء فاستحقوا أن ينساهم الله جل وعلا من رحمته، قال جل وعلا : ( فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (14) السجدة ).
2 / 4 : وقال جل وعلا عن غفلة المنافقين  وما سيترتب عليه من لعنهم وعذابهم :  (  نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (67) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمْ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68) التوبة ). 
2 / 5 : وقال جل وعلا عن الكافرين بآياته : ( الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51) الاعراف ).
3 ـ هذا لأنك حين تذكر الله خاشعا يذكرك الله جل وعلا ، قال جل وعلا :  ( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ) (152) البقرة)  بذكر الله جل وعلا يكون الفلاح، قال جل وعلا :  ( فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69)  الاعراف ). 
4 ـ والله جل وعلا رءوف رحيم بالناس ، وقد أنزل القرآن الكريم رحمة للناس ليخرجهم من الظلمات الى النور ، قال جل وعلا :  (  هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (9) الحديد )  . وتكرر فى القرآن الكريم وصفه جل وعلا بأنه رءوف ورحيم بالناس:  ( إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143) البقرة )  (وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207) البقرة )(وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (30) آل عمران )(إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7) النحل ) ( فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (47) النحل ) (إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (65) الحج ) (وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (20) النور )  
5 ـ ومن رأفته ورحمته توالت آيات القرآن تعظ وتنذر لينتبه الناس الأحياء من غفلتهم  وينجوا من عذاب الجحيم :
5 / 1 : التنبيه على إقتراب الساعة مع إستمرار الناس فى غفلتهم ولهوهم، قال جل وعلا :   (  اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ) (3 ) الأنبياء ).
5 / 2 :  والندم على غفلتهم عند إقتراب الوعد الحق ، أى موعد الساعة ، قال جل وعلا : ( وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97) الانبياء ). 
5 / 3 : التنبيه على حسرتهم على هذه الغفلة عند قيام الساعة ، قال جل وعلا : (  وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (39) مريم ). 
5 / 4 : وما سيقال للعاصى يوم القيامة تأنيبا له على غفلته، قال جل وعلا:  (  وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) ق).  إنغمس فى غرائز جسده المادى ، فلما زال هذا الجسد وأصبح نفسا تحمل أوزارها فإن ( الغطاء ) قد إنكشف وأصبح يواجه الحقيقة التى غفل عنها . 
5 / 5 : التنبيه على ان الشيطان يعطّل فى النفس ما يوصل اليها الهداية ويوقع الانسان فى الغفلة ، فيكون كالأنعام يعيش الحاضر الدنيوى ويغفل عن المستقبل الأخروى وينتهى به  مصيره الى جهنم، قال جل وعلا :  ( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ (179) الاعراف ). 
5 / 6 : التنبيه على أن من إمتلأ قلبه بالكفر إستحق غضب الله جل وعلا وعذابه ، لأنه ملأ قلبه بإستحباب الحياة الدنيا والغفلة عن الآخرة،قال جل وعلا :  ( وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (107) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ (108) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمْ الْخَاسِرُونَ )109)النحل ).
5 / 7 : التنبيه على أن الذى ينسى لقاء الله جل وعلا أو ( لا يرجو لقاء الله) ولا يتحسّب له يكون غافلا عن آيات الله ومصيره جهنم ، قال جل وعلا :  ( إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7) أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (8) يونس ) . 
5 / 8: قد تكون لهذا المفتون بالدنيا أعمال صالحة ومشروعات خيرية أنفق فيها أمواله إبتغاء الدنيا وشهرتها وليس لوجه الله وليس إيمانا باليوم الآخر . هذا هو من يريد الحياة الدنيا وزينتها غافلا عن الآخرة وجنتها . هذا يعطيه الله جل وعلا أجره فى الدنيا مقابل أعمال الخير التى قدمها ، ولكنه يوم القيامة ليس له إلا عذاب النار، قال جل وعلا : ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ (15) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(16) هود )
  أخيرا 
1 ـ ليس الايمان كافيا وحده . لابد من التقوى ، وهى تعنى أن يحاسب المؤمن نفسه قبل أن يأتى يوم الحساب . إن لم يفعل المؤمن هذا سيكون ضمن الذين نسوا الله جل وعلا فأنساهم الله جل وعلا أنفسهم فوقعوا فى بئر الغفلة ، ويبقون فيه الى يوم الحسرة. قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (19) لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ الْفَائِزُونَ (20) الحشر ). هؤلاء هم حزب الله جل وعلا يوم الدين . وهم أصحاب الجنة .
2 ـ قال جل وعلا عن حزب الشيطان الرجيم اللعين الذين إستحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله :  ( اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمْ الْخَاسِرُونَ (19) المجادلة)  .
 الغفلة عن الحق ليست حُجّة .   هل يدرك كهنوت عصرنا هذا ؟ 
 
المقال الخامس
آلية العذاب : بسيئاتهم يتعذب الكافرون فى جهنم  
مقدمة : 
1 ـ العُصاة أنواع : 
1 / 1 : عاص يعرف إنه يرتكب معصية . هذا يمكن أن يتوب لأنه يعرف إنه مخطىء.
1 / 2 : عاص يبرّر لنفسه المعصية ، أو يستحلّ المعصية . هذا لا يمكن أن يتوب لأنه لا يرى خطأ فيما يفعله .
1 / 3 : عاص يعتبر معصيته طاعة ودينا . هذا من شياطين الانس . وهم اولئك الذين يقتلون الأبرياء معتقدين أن ما يفعلون هو جهاد فى سبيل الله . ومنهم الذين يقدسون القبور ويعبدون الموتى يؤمنون أن ما يفعلون هو صحيح الدين . لا يمكن لهم أن يتوبوا . كيف يتوبون عن عمل شىء يعتبرونه فرضا دينيا .!
2 ـ العاصى الذى يستحل المعصية والعاصى الذى يرى معصية فرضا دينيا يستمر فى معصيته حتى يتحول قلبه الى سواد ، أو كما قال جل وعلا :  (  كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) المطففين )، بمعنى أن الصدأ غزا نفسه فأحالها الى سواد . ويوم القيامة يسودّ وجهه بما ران على قلبه . وبهذه السيئات يكون تعذيبه فى جهنم . 
أولا : التعذيب يالسيئات :
1 ـ السيئة تتحول الى نار تأكل جسد العاصى فى نار جهنم ، ويظل معذبا بها لا يموت ولا يحيا . لذا تدعو الملائكة رب العزة جل وعلا أن يرحم المؤمنين بأن يقيهم شرّ السيئات :  ( وَقِهِمْ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) غافر).
2 ـ ويوم القيامة يرون سيئاتهم قد تحولت نارا أحاطت بهم ، قال جل وعلا عن مصير من مات عاصيا بلا توبة :  (   بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81) البقرة)   .
3 ـ تبدو لهم سيئاتهم نارا حاقت بهم ، قال جل وعلا :  (  وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون (33) الجاثية ). 
4 ـ عندها يتمنون لو أن لهم ما فى الأرض جميعا ، وبدا لهم من ربهم ما لم يكونوا يحتسبون ، قال جل وعلا:  (  وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47) وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون (48) الزمر).  
ثانيا : أنواع من السيئات التى تتحول الى نار فى الجحيم :
1 ـ الكهنوت الذى يتاجرون بالدين يبيعون للناس الأكاذيب والخرافات على أنها دين الله جل وعلا : 
1 / 1 :، قال جل وعلا  عموما : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) البقرة). بهذا الثمن الدنيوى القليل سيأكلون فى بطونهم النار . أين شيوخ السنيين وأولياء الصوفية وآيات الشيعة من هذا المصير ؟ 
1 / 2 : وقال جل وعلا عن كثير من الأحبار والرهبان : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنْ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ (35) التوبة ). أموالهم السحت وكنوزهم من الذهب والفضة ستتحول الى نار تكويهم . أين شيوخ السنيين وأولياء الصوفية وآيات الشيعة من هذا المصير ؟ 
2 ـ الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما ـ حتى لو كانوا مؤمنين ـ  يتحول هذا المال الى نار فى بطونهم ، قال جل وعلا :  (  إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (10) النساء ).   لقد قال جل وعلا بعد آيات تشريع الميراث ــ وهو من ( حدود الله ) جل وعلا :  (  تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14) النساء ). فالذى يعصى ربه جل وعلا فى تشريع الميراث مصيره الخلود فى جهنم مهما فعل من الصالحات .  
3 ـ البخلاء الذين يبخلون بما آتاهم الله جل وعلا من فضله سيتحول مالهم الذى بخلوا به الى نار تطوقهم فى الجحيم ، قال جل وعلا يحذّرهم :  ( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ( 180 ) آل عمران ).
ثالثا : تكفير السيئات : تغطيتها لمنع تأثيرها 
من رحمته جل وعلا أن أوضح الطريق للأحياء قبل موتهم أن ينقذوا أنفسهم من شرور سيئاتهم بأن ( يكفّروا ) عنها . و ( الكفر ) هو التغطية . قد يأتى مصطلح ( كفر ) فى الايمان بتغطية الفطرة السليمة ( لا إله إلا الله ) بالايمان بآلهة وأولياء مع الله . ويأتى ( التكفير ) بمعنى تغطية السيئة وتبديلها بعمل صالح صادر عن إيمان خالص بالله جل وعلا وحده لا شريك له . بتغطيتها يتم تحييدها ومنع تحولها الى نار . ويأتى التكفير بمعنى ( الغفران )، لأن ( غفر ) بمعنى ( كفر ) أى غطى . ويوم القيامة يغفر الله جل وعلا سيئاتهم بمعنى يغطيها ، فالفعل ( كفّر ) بتضعيف الفاء يعنى (غفر ) ، والمعنى واحد هو النجاة من سيئات الدنيا لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم إهتدى .
وفى الدعوة الى تكفير السيئات نعلم إن من وسائلها : 
1 ـ تقديم الصدقات علنا أو سرا ، قال جل وعلا :(  إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271) البقرة ).
2 ـ إجتناب الكبائر ، قال جل وعلا :  (  إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً (31) النساء ).
3 ـ التوبة الحقيقية المشفوعة بعمل الصالحات مع إيمان خالص بالله جل وعلا لا شريك له : 
3 / 1 : قال جل وعلا : عن غفرانه لمن يتوب ويؤمن إيمانا صحيحا : (  وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153) الاعراف ).
3 / 2 : المهم أن تكون التوبة صحيحة نصوحا  ليدخل بها صاحبها الجنة  ، قال جل وعلا : (  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8) التحريم ).
3 / 3 : بهذه التوبة تتبدل السيئات حسنات ، قال جل وعلا عمّن تاب عن الكفر والقتل والزنا  : ( إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً (71) الفرقان ). 
4 ـ بهذه التوبة تتحقق التقوى : 
4 / 1 :قال جل وعلا عن أهل الكتاب :  (  وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) المائدة ).
4 / 2 : وقال جل وعلا أيضا ل ( اهل القرآن ) : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29) الانفال ).
4 / 3 : والمتقون هم الأنبياء ومن آمن واتقى مصدقا بالكتاب الالهى ، قال جل وعلا :  ( وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ (33) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (34) لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (35) الزمر ).
4 / 4 : وقال جل وعلا للبشر جميعا :  (  وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً (5) الطلاق ).
4 / 5 : ولا يدخل الجنة إلا المتقون ، قال جل وعلا :  (  تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً (63))مريم).
5 ـ إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة تعنى التقوى ، وليس مجرد أداء الصلوات الخمس أو تقديم الصدقات ، فكل العبادات وسائل للتقوى ( البقرة 21 ).
5 / 1 : كان هذا فى الميثاق الذى أخذه الله جل وعلا على بنى إسرائيل ، وإذا أوفوا به فقد وعد الله جل وعلا أن يكفّر عنهم سيئاتهم ويدخلهم الجنة ، قال جل وعلا :  (  وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمْ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمْ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمْ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لأكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (12) المائدة ). 
5 / 2 : ومنهم من أوفى بالميثاق فإستحقوا أن يكفّر الله جل وعلا عنهم سيئاتهم ، قال جل وعلا عنهم : (  الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (54) القصص ).
5 / 3 : هم كانوا ( يدرأون )بالحسنة السيئة ، بمعنى أن يكثروا من الحسنات والأعمال الصالحات ليضيعوا أثر السيئات .
5 / 3 / 1 : ذلك إن إقامة الصلاة تقوى وإكثارا من الحسنات تضيع السيئات ، قال جل وعلا :  ( وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114) هود)
5 / 3 / 2 : وقال جل وعلا فى هذا السياق :  ( وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) الرعد ).
5 / 4 : بالتقوى تتكاثر الصالحات مع إيمان خالص مخلص بالله الواحد القهار . وهنا يرتبط الايمان الحقيقى بعمل الصالحات ، ويتكرر كثيرا مصطلح ( الذين آمنوا وعملوا الصالحات) . ومن دلالاته تكفير السيئات . قال جل وعلا :
5 / 4 / 1 : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (2) محمد ) لم يقل ( وآمنوا بمحمد ) لأنهم لو آمنوا بمحمد كانوا كفارا ، فالايمان بشخص يعنى تأليهه . الإيمان هو بالقرآن الذى نزل على محمد . 
5 / 4 / 2 : ( لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً (5) الفتح ). هذا فى عموم المؤمنين الصالحين . 
5 / 4 / 3 : ( وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)  التغابن).هذه الآية تفسر ما قبلها. 
5 / 4 / 4 : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (7) العنكبوت ). وهذه الآية أيضا يفسرها ما بعدها ، وهو قوله جل وعلا فى نفس السورة :
5 / 4 / 5 : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (9) العنكبوت) ، فالذى يموت مؤمنا (صالحا ) يكون يوم القيامة ( صالحا ) لدخول الجنة .!
6 ـ كل هذا يأتى وعظا للأحياء للنجاة بأنفسهم من الخلود فى النار .
 
 
 
المقال السادس 
( إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (44) يونس ).
مقدمة 
1 ـ يأتون يوم القيامة يحملون أوزارهم على ظهورهم ، وبها يدخلون النار وبها يكون عذابهم الأبدى الخالد ، قال جل وعلا : ( وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (31) الانعام ).  
هناك ( مُضلُّون ) من شيوخ وأئمة الكهنوت . وهناك ضالُّون يطيعون هذا الكهنوت . الشيخ الذى يأمر الناس بالضلال يكون فى حياته محرضا لهذا الذى يسمع له ويطيع . فإذا فعل هذا التابع إثما طاعة لهذا الشيخ أصبح الشيخ المُضلُّ  فى حياته شريكا لهذا الضال فى الاثم .مثلا  إذا أصدر الشيخ فلان فتاوى بإستباحة الدماء ونفذها الارهابيون أصبح هذا الشيخ بالتحريض شريكا لكل جريمة يتم تنفيذها بتحريضه . الذين إغتالوا المفكر الراحل فرج فودة فى يونية 1992 أعلنوا أنهم فعلوا هذا طاعة لفتوى ( ندوة العلماء ) الأزهرية. أولئك الشيوخ شركاء فى قتل فرج فودة ، يحملون دماءه فى أعناقهم ، ثم سيأتون يوم القيامة يحملون أوزارهم واوزار الذين أطاعوهم ونفذوا أوامرهم فى حياتهم. فى ذلك يقول جل وعلا :(  لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (25)  النحل )
 .2 ـ   إنّ أصحاب النار هم الذين ظلموا أنفسهم ، فالله جل وعلا أنزل كتابه الكريم بلاغا تحذيريا للناس لمن كان حيا ، ذكر فيه أصناف العذاب الذى ينتظر المجرمين كى يتوبوا قبل فوات الأوان . 
2 / 1 : قال جل وعلا : (وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ (49) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ (50) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (51) هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (52) ابراهيم ) . هذا بلاغ من الرحمن جل وعلا . ولكن المحمديين الذين يزعمون الايمان بهذا البلاغ غافلون عنه . 
2 / 2 : لو جاءهم بلاغ من ضابط شرطة لارتعبوا خوفا ولكنهم مع بلاغ الرحمن يتخذونه هزوا ولعبا ويجعلونه أُغنية يتسامرون به فى المجالس كما كانت فعل قريش ، قال جل وعلا عنهم: (  قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ (66) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ (67) أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمْ الأَوَّلِينَ (68) المؤمنون ). وعن المشركين عموما يقول جل وعلا بصيغة المضارع الذى يحدث فى كل وقت :( وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُواً (56) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً (57) الكهف ) . 
2 / 3 : لهذا يظل القرآن الكريم إنذارا لكل إنسان حىّ ، قال جل وعلا : (إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (69) لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70) يس ) 
2 / 4 : وهو فى نفس الوقت بشرى للمحسنين ، قال جل وعلا (وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَاناً عَرَبِيّاً لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ (12)الاحقاف )، وقال جل وعلا : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا (1) قَيِّماً لِيُنذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (2) مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً (3 ) الكهف ) .
هو رحمة للعالمين لمن اراد الهداية ، قال جل وعلا : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) الانبياء )، وهو إنذار للعالمين ليتعظ من أراد التوبة ، قال جل وعلا : (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً ( 1) الفرقان ) 
3 ـ فى النهاية فالله جل وعلا لا يريد ظلما للعالمين ، قال جل وعلا : ( تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ (108) آل عمران ) . وبالتالى فمن سيدخل النار فقد ظلم نفسه ، قال جل وعلا بصيغة التأكيد:(إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (44) يونس ).
ونعطى تفصيلا : 
أولا : التكذيب بآيات الله جل وعلا  والصّد عن دين الله جل وعلا 
1 ـ قال جل وعلا عّن عذاب من يكذب بآياته: ( سَاءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177) الاعراف )
2 ـ هم فى تكذيبهم بآيات الله يؤمنون بأحاديث مفتراة مبنية على الأمانى وأساطير الشفاعات، وهذا يناقض عدل الله جل وعلا لأن من يعمل سيئة او سوءا يُعاقب به ، قال جل وعلا :  ( لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً (123) النساء ) 
3 ـ أساطير الشفاعات لن تنفعهم ، وكذلك ما جمعوه من نفوذ وثروة ، ومهما أنفقوا من أموالهم السُّحت فلن تغنى عنهم شيئا ، وما ظلمهم الله جل وعلا ولكنهم أنفسهم يظلمون . قال جل وعلا : (  إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (116) مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمْ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (117) آل عمران ).
ثانيا : مراحل إعلامهم بأنهم ما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون : 
1 ـ قبيل عرضهم على النار : ستسودُّ وجوههم ويقال لهم : ذوقوا العذاب بسبب كفركم . (  يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) آل عمران )
2 ـ عند عرضهم على النار :
2 / 1  سيقال لهم ذوقوا العذاب بسبب كفركم : ( وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (34) الاحقاف  ).
2 / 2   : وسيقال لهم : إنه جزاء عملكم : (  إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الأَلِيمِ (38) وَمَا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (39) الصافات )
 3ـ وهم يذوقون العذاب سيقال لهم أنه جزاؤهم بأعمالهم :
 3 / 1 :سيقال لهم حين تُكبُّ وجوههم فى النار : (  وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (90) النمل )
3 / 2 : وسيقال لهم ذوقوا ما كنتم تعملون والعذاب يغطيهم من أعلى ومن أسفل : ( يَوْمَ يَغْشَاهُمْ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (55) العنكبوت )
3 / 3 : ولأنهم غفلوا ونسوا لقاء ربهم سيتم تذكيرهم بهذا وأن النار التى يتعذبون بها خالدين ليست سوى أعمالهم التى تحولت نارا : ( فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (14) السجدة )
3 / 4 : وعليه فيستوى إن صبروا على العذاب أم لم يصبروا فهو عملهم الذى عملوه وتحوّل نارا تلتهمهم : ( اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (16) الطور )
3 / 5: هو بسبب ظلمهم : ( فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (54) يس ) ( أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (24) الزمر )
3 / 5 : وهو بسبب كفرهم : ( فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ (35) الانفال )( هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (63) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ (64) يس )
3 / 6 : وإنه جزاء عملهم :، ومنه إفتراءاتهم الأحاديث ، يجعلونها وحيا إلاهيا مع إستكبارهم عن القرآن الكريم :  ( الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93) الانعام ) 
3 / 7 :  ويتم تذكيرهم بأنه عذاب خالد لا خروج منه :، وهو ( بما كسبت أيديهم ): ( ثُمَّ   قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (52) يونس)
3 / 8 :  ولا تخفيف فى هذا العذاب ، فهو ( بذنوبهم ) : (  إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (74) لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمْ الظَّالِمِينَ (76) الزخرف ) 
3 / 9 : وليس مُجديا إعتذارهم : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (7) التحريم )
أخيرا : 
1 ـ عذاب الدنيا مقدور عليه ، فليس عذابا مباشرا للنفس . بينها وبين العذاب وسيط هو الجسد ، ينتقل الاحساس بالعذاب الى مراكز الاحساس فى المخ ، والمخ هو غرفة القيادة للنفس المسيطرة على الجسد فتشعر بالألم . وإذا زاد الألم عن حد معين تغيب النفس ويدخل الانسان فى غيبوبة . هذه الغيبوبة تعطى النفس راحة من الألم . 
2 ـ يختلف الوضع فى الآخرة . لم يعد هناك ذلك الجسد المادى ، هى النفس بذاتها وقد حملت جسدا آخر هو عملها . فإذا كان العمل صالحا أصبحت به النفس صالحة لنعيم الدنيا وبلا حد أقصى وفى خلود أبدى . إذا كان عملها سُوءا تحول الى عذاب يطوقها ، لا تستطيع منه فرارا ولا تستطيع له تخفيفا ، وتتمنى الموت ولا موت ، وإذا كان فى الدنيا نوم فليس فى الآخرة نوم بل يسهر أصحاب النار ليذوقا عذابا خالدا بلا توقف . قال جل وعلا : (فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (14)النازعات ). إذا كان المنع من النوم عذابا فى حد ذاته فى الدنيا ، فكيف به فى الجحيم خلودا فيها ؟!
3 ـ السؤال الآن : قال جل وعلا : (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ  ) ؟ (16) الحديد ).
كتاب العذاب والتعذيب : رؤية قرآنية
كتاب العذاب والتعذيب : رؤية قرآنية
هذا الكتاب تم نشره مقالات ، وننشرها الآن فى هذا الكتاب عن العذاب والتعذيب فى رؤية قرآنية ، عن عذاب الله جل وعلا للمستحقين له فى الدنيا ثم فى الآخرة. ثم فصل عن التعذيب فى مصر الفرعونية.
more