حضارة العراق وسوريا واليمن: عندما مرَّ التتار من هنا ثانيةً في القرن الـ21!

اضيف الخبر في يوم الخميس ١٥ - ديسمبر - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسه


حضارة العراق وسوريا واليمن: عندما مرَّ التتار من هنا ثانيةً في القرن الـ21!

الظلم مؤذن بخراب العمران» هذا هو أحد المحاور والفصول التي جاءت بها مقدمة عبد الرحمن ابن خلدون، التي أبرز فيها المؤرخ وعالم الاجتماع الأول كيف يمكن للظلم بمختلف أشكاله تعطيل الحضارة ونمو المجتمعات نحو التطور، ويبدو أن الظلم الجلي في المنطقة العربية الآن يتركز في بلاد الرافدين والشام وجنوب شبه الجزيرة العربية، وتتضح آثاره في صور الاقتتال والعدوان والحروب والصراعات التي تفاقمت هناك في السنوات الست الأخيرات.

 

المنطقة العربية عرفت مصاعب لم تواجه مثلها من وجهة نظر العديد من المفكرين في القرن الأخير وعبر محطات مختلفة منه، لعل أهمها فقدان أراضٍ واسعة للخلافة العثمانية وتقسيمها وفق اتفاقية سايكس بيكو بين بريطانيا وفرنسا مع بداية القرن العشرين، بالإضافة إلى دخولها في حروب مع قوى إقليمية أخرى باسم الحفاظ على المصالح في فترة الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، وأخيرًا تحت ظلال حقبة محاربة الإرهاب، وأخيرًا ثورات الربيع العربي بمصاعبها ومخاضها العسير.

هذه الصراعات لم تَسْلم منها الآثار الحضارية والتاريخية، إذ تعرضت بنايات ومناطق ومدن عمّرت مئات الألوف من السنين إلى التطهير الثقافي والحضاري، مع وجود حملات أمريكية وغربية على الشرق الأوسط، وبروز جماعات توصف بالمتطرفة مثل القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش).

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يمر فيها الغزاة من هنا، ليدمروا حضارة تلك البلاد العريقة، فقد فعلها المغول والتتار وفعلتها الحملات الصليبية، وصفحات التاريخ مليئة بالشواهد، لكن يبدو أن «تتار القرن الـ21» لم يكونوا أقل قسوة على الإطلاق، بل ربما أقسى من تتار العصور الوسطى على حضارة بلاد الرافدين والشام واليمن.

هكذا يغتال «تنظيم الدولة» تاريخ العراق والشام

تقول عالمة الآثار جوانا فارشاخ في كتابها التطهير الثقافي الصادر عام 2010 «العراق، سينتهي قريبًا بلا تاريخ»، ويعود هذا الطرح الاستشرافي من فارشاخ للمنهجية التي اعتمدها الاحتلالان الأمريكي والبريطاني للعراق في سحب آثار المنطقة إلى متاحف الغرب، وكذلك للسماح بالجماعات المتشددة في تدمير ما تبقى من هذه الآثار والتي لها علاقة بالأرض، وصرح دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي حينها عند سماعه بنهب آلاف القطع الأثرية بأن هذه الأمور قد تحدث عند النزاعات وليست مستغربة.

تدمير تنظيم الدولة لآثار بالموصل

وأثار إعدام «تنظيم الدولة» لعالم الآثار السّوري الدكتور خالد الأسعد في أغسطس (آب) 2015، ردودَ أفعال كبيرة وصادمة من المجتمع الدولي والهيئات العالمية عبر العالم، ويُعَدّ عالم الآثار الأسعد أحد المؤرخين وعلماء الآثار المهمين في سوريا والمنطقة، واغتيل الأسعد بسبب اتهامات من «تنظيم الدولة» تتعلق بالمشاركة في أنشطة مع الكفار والاعتناء بالأصنام.

ودمر «تنظيم الدولة» كذلك مدنًا وآثارًا تعود إلى 2000 عام في تدمر السورية، وهي مدينة مدرجة ضمن قائمة يونيسكو للتراث العالمي، كما قام نفس التنظيم بتهديم جزء كبير من مدينة نمرود الأثرية في الموصل شمال العراق، والتي أنشئت في القرن الثالث عشر قبل الميلاد في الدولة الآشورية، وهي من أبرز المناطق والمعالم الأثرية لحضارة المنطقة، ويقول متابعون إن هذا «الفعل» يدخل ضمن خطة منهجية لمحو آثار بلاد ما بين النهرين.

فيديو تدمير تنظيم الدولة لمدينة نمرود

وبحسب بعض المتابعين فإن العراق يتعرض خلال الحرب الممتدة منذ الاحتلال الأمريكي عام 2003 والصراعات القائمة حاليًا مع التنظيمات التي توصف بالإرهابية والطائفية، إلى خطة واسعة في تدمير المعالم الحضارية للبلاد، تتضمن سرقة وتهريب قطع أثرية ثمينة، فبحسب مسؤولين في القطاع بالعراق تم تدمير أكثر من 20 ألف قطعة وتمثال، غالبيتها من القطع الأصيلة المدرجة ضمن الآثار العالمية.

ولم ينتهِ الأمر في العراق إلى آثار ما قبل الميلاد، فقبر النبي يونس؛ وهو من أبرز المعالم في العراق والموصل، تم نسفه بالكامل من قبل أعضاء «تنظيم الدولة»، في حين تعرضت مكتبة الموصول التي يقبع بها التنظيم إلى الآن إلى حرق جميع مخطوطاتها التي تُعَدّ نادرة وغير متوفرة في أماكن أخرى من العالم، وتقدر مصادر أن التنظيم حرق أكثر من 113 ألف مخطوطة من غير الممكن الحصول عليها مجددًا، وهو ما سمّته يونيسكو «بالتطهير الثقافي والعلمي» للمنطقة.

 

وإلى جانب هذه المعالم، توجد أماكن أثرية أخرى تعرضت للتهديم والضرر الجزئي مثل قلعة «تلعفر» وتمثال الشاعر العباسي أبي تمام، والكنيسة الخضراء في تكريت، بالإضافة إلى مرقد الأربعين الذي يحوي رفات أربعين من جيش المسلمين الفاتح لبلاد ما بين النهرين عام 638 ميلادي.

وفيما يتعلق بالعراق، تشير تقارير صحفية أوروبية إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ساهمتا في نهب الآثار العراقية مع الهجوم العسكري الأول، في حين قامت قوات «كوماندوس» أمريكية بسرقة مجموعة من الآثار بمنطقة تل اللحم في محافظة ذي قار عام 1991، ولم يُعرف حتى الآن سبب ذلك الحادث.

اليمن على خُطَى العراق في التطهير الحضاري

تعاني اليمن هي الأخرى من نزاعات وصراعات قد تنهي عددًا كبيرًا من المناطق الأثرية في تاريخ البلد العريق، وتُعَدّ اليمن مركزًا من مراكز عمق حضارة شبه الجزيرة العربية وامتدادها التاريخي في العصور الأولى للإنسان، وقامت على أرض اليمن حضارات قديمة أشهرها سبأ وحضرموت ومعين، بالإضافة إلى الحضارة الإسلامية التي جاءت بعد احتضانها للديانات الإبراهيمية السابقة واعتناق ملوكها هذه المعتقدات.

The Imam's Palace: Dar al-Hajar rock house, in Whadi Dhahr: looks smaller than the effective dimension

وتشير وسائل الإعلام استنادًا إلى مسؤول يمني إلى أن إعادة إعمار آثار اليمن الحزين تحتاج إلى أكثر من مليار دولار بسبب الحرب الأخيرة، وتعود هذه الخسائر إلى استخدام الحوثيين المعالمَ التاريخية معاقلَ اختباء ومقاومة، بالإضافة إلى تهريب الكثير من القطع إلى الخارج وبيعها بأسعار خيالية، استثمارًا في الانفلات الأمني الذي تعاني منه البلاد، وضعف مؤسسات الدولة منذ انطلاق شرارة ثورات الربيع العربي.

قيل قديمًا إن «التاريخ يكتبه المنتصرون»، فآثار اليمن تتعرض مؤخرًا إلى هجوم شديد من طيران التحالف العربي وفق بعض المراقبين، وكذلك يقوم الحوثيون ومقاتلو علي عبد الله صالح باستخدام هذه الآثار في المعارك، وقد تعرضت عشرات المتاحف والقلاع التاريخية التي تحوي آلاف القطع الأثرية للضرر بسبب هذا الصراع العسكري.

وإلى جانب الخسائر المادية في اليمن التي وصلت إلى أكثر من 14 مليار دولار حسب وكالة رويترز، فإن مدنًا قديمة ومتاحفَ أثرية وقلاعًا حضارية وساحات تاريخية هي الأخرى تحتاج إلى أكثر من مليار دولار من أجل ترميم بعض الآثار، في حين تشير مصادر إلى تهريب آلاف القطع إلى الخارج، نحو إيران والسعودية ومن ثم إلى أوروبا وأمريكا.

هل اغتيال تراث المنطقة حلقة من حلقات الصراع الحضاري؟

 

يشكل التدمير الممنهج تجاه الإرث الحضاري والتاريخي للبلاد العربية، تهديدًا مباشرًا للثروة المعنوية والمادية عبر مئات القرون لتاريخ المنطقة، ويعتقد الكثيرون أن مسألة العراقة التاريخية تدخل ضمن الصراع الحضاري بين الغرب والشرق الذي قال به صموئيل هنتغتون في كتابه «صدام الحضارات». ولعل احتفال حسين مرتضى الصحفي الموالي لنظام الأسد بدخوله إلى المسجد الأموي بعد حصار حلب هذه الأيام دليل على المجاز والمعنى الكبيرين للمعالم الأثرية والدينية في معادلة الصراع القائمة بين القوى الإقليمية.

ومن خلال ما يحدث في المنطقة التي تُعَدّ من أعرق المناطق حضارة في العالم، يمكن القول إن العنف والفوضى والظلم كما يسمّيه ابن خلدون هو سبب الانهيار الأخلاقي والاقتصادي والتنموي للمجتمعات التي يراد لها في نظر البعض الاستمرار والدخول في نفق حرب المائة سنة بين السّنة والشيعة، حيث تتعرض المنطقة لاستغلال كبير في نظر البعض لحالة الصراعات والخلافات القائمة من أجل اغتيال التاريخ البشري، ونفي كل قوامة لعودة الحضارة إلى المنطقة وبرعاية القوى الكبرى.

اجمالي القراءات 2049
التعليقات (1)
1   تعليق بواسطة   عثمان محمد علي     في   الخميس ١٥ - ديسمبر - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً
[83904]

آل سعود القاسم المشترك فى خراب المنطقة العربية .


آل سعود هم القاسم المشترك الأعظم فى دمار وخراب دول جوارهم (اليمن وسوريا ومن قبلهم العراق ) ، وإمتد خرابهم إلى كل بقاع الأرض ،إما بتصدير الإرهاب ،او بتصدير الترف والسفه والتبذير والفساد فى الأرض ... اللهم عليك بهم وبكل من ناصرهم  فى إفسادهم فى الأرض .



أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق