رباب كمال تكتب: ألا تنتحر الدولة بسيف الأزهر؟!

اضيف الخبر في يوم الإثنين ١٦ - مايو - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: مصريات


رباب كمال تكتب: ألا تنتحر الدولة بسيف الأزهر؟!

أتذكر أنني قررت الرحيل عن جماعة الإخوان المسلمين بعد مدة قصيرة لا تتجاوز عشرة أشهر من الاستقطاب داخل الجماعة، فمفاهيم المجتمع الجاهلي الذي نعيش فيه ودعوات الارتداد عن الحداثة وإقامة دولة الخلافة والشريعة كانت أفكارًا في غاية التطرف حتى إن حاول الإخوان إلباسها رداءا حضاريًا.. تمامًا كمن يرتدي الملابس ناصعة البياض في محاولة لإخفاء الثياب المهلهلة الرثة من تحتها.

كنت في مقتبل العشرينيات حينها وقررت أن أخرج من براثن التطرف والأصولية إلى رحاب "الإسلام الوسطي"، وكانت مرجعية هذا النوع من الإسلام شيوخ الأزهر وأئمة مساجد وزارة الأوقاف.

تركت دروس جماعة الإخوان التي كانت تحض على الكراهية والقتال و تكفير المجتمع والتفتيش في ضمائر وعقائد الناس وانعزلت إلى أئمة بعض الجوامع لأستمع إلى خطب الجمعة لأبحث فيها عن "الوسطية"..

 عادة كانت تبدأ خطب الجمعة بدعاء طاعة أولي الأمر وتنتقل إلى رسالة الوسطية في الإسلام ثم يناقض الإمام نفسه وينتهي بالدعوة على النصارى واليهود والشيعة والملاحدة، ومن ثم يمر مرور غير كريم على الأدباء والمفكرين والفنانين لتكفيرهم واتهامهم بالفسوق والخلاعة.. ووجدت نفسي أمام نموذج لا يختلف كثيرًا عما كنت أسمعه داخل أروقة جماعة الإخوان المسلمين. أدركت حينها أن التطرف ليس حكرًا على الإخوان! وإنما نضع نحن عمامة الوسطية على رأس التطرف حين نشاء.

فتاوى التكفير والردة لدى شيوخ الوسطية  

كان أكثر ما يزعجني هو فتاوى التكفير والردة، و التي كنت أعتقد أن شيوخ الأزهر منارة الوسطية لا يعتمدونها في منهجيتهم.  

أتذكر الفاجعة التي شعرت بها في فترة البحث والاستقصاء، حين قرأت نص شهادة الإمام محمد الغزالي في محاكمة قتلة فرج فودة.

فالإمام الغزالي كان أزهري جليل ورمز لما أطلق عليه الأزهر وإعلام الدولة "الوسطية".   

 اعتمدت فلسفة الشيخ الغزالي في الدفاع عن المتهمين الذين اغتالوا  د. فرج فودة على فرضية تكاد تبكينا من فرط مآساتها، لقد دافع الغزالي عن القتلة لأنهم فعلوا ما كان يجب على ولي الأمر (أي الحاكم) أن يفعله، وأكد أن تهمتهم ليست قتل فرج فودة وإنما تهمتهم هي تنفيذ ما كان يجب على ولي الأمر أن يفعله!!  وهنا علينا أن نتوقف لنسأل أنفسنا قبل أن نردد شعارات الوسطية بدون فهم، هل ُيعد مطالبة الدولة بتطبيق حد الردة على مواطن آخر (أيًا كانت مرجعيته الفكرية) فتوى وسطية!! هل الإشكالية هي عدم تنفيذ أحكام الردة بأيدينا وإنما حمل الدولة على قطع رقاب من يختلف معهم شيوخ الأزهر؟

 

الشعراوي.. إمام الدعاة يجيز الردة في فتوى صريحة   

لم يكن الغزالي من الشيوخ الذين أفتوا بوجوب حد الردة منفردًا، بل كان الشيخ الشعراوي نفسه صاحب فتاوى من هذا القبيل، وأفتى من خلال تليفزيون الدولة بأن المسلم التارك للصلاة عمدًا أو كسلا  يستتاب ثلاثة أيام ثم يقتل، ثم نظر مبتسمًا للمذيع في لقطة مخيفة مزعجة.

و أفتانا إمام الدعاة والذي ارتبط اسمه بالوسطية لدى جموع الشعب المصري بأن المرتد ُيقتل في عبارة واضحة وصريحة كررها مرارًا وتكرارًا.. فأين الوسطية في فتوى قتل شخص قرر أن يتبنى مفاهيم مختلفة؟ ألا يعد قتل المختلف عنصرية؟

وفي حقيقة الأمر فإن فتاوى قتل المرتد وتارك الصلاة باتت من الفتاوى التي لا تهز ضمير الكثير من أبناء الشعب المصري من المسلمين (بدون تعميم لأن التعميم مرفوض) والذين لا يرون غضاضة قي قتل المختلف عقائديًا على اعتبار أنهم لا يرون وجهًا  للتطرف في إقامة حد الردة؟

   

 فكان دعاة الوسطية الواهية والذين فتح لهم إعلام الدولة أبواب الإذاعة والتليفزيون على مصراعيه في زمن ما قبل الفضائيات.. سببًا محوريًا في نشر جرثومة التطرف والأصولية بمنهجية واضحة في عقول المصريين.   

الشيخ الدكتور أحمد عمر هاشم

شيخ شيوخ الوسطية الأزهرية الدكتور أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر الأسبق -والذي كان يومًا ما كذلك عضو أمانة اتحاد الإذاعة والتليفزيون المصري- شرح الأمر بوضوح أكثر في برنامج "السلام عليكم" على قناة القاهرة والناس بتاريخ 18 يوليو 2014 والذي قدمه  الإعلامي طوني خليفة.

وقال الشيخ عمر هاشم أن حد الردة واضح في حديث نبوي صحيح قال فيه الرسول "من بدل دينه فاقتلوة" وأن السنة شارحه لما كان مبهمًا في القرءان. وبالتالي يستتاب المرتد ومن بعدها يُقتل إن رفض الاستتتابة، وكان الاختلاف في مدة الاستتابة بين الأئمة وليس حكم الردة.  

الشيخ أحمد كريمة

الشيخ أحمد كريمة أستاذ الفقة المقارن والشريعة الإسلامية... البعض أسماه محمد عبده هذا العصر وتوسم فيه الكثيرون خير الوسطية، إلا أنه كمثل سابقيه اعتاد تكفير وإطلاق فتاوى الردة ضد من يختلف معه في الرأي.. وأثارت تصريحاته كثيرًا من الجدل على قناة صدى البلد حين أفتى منفعلا بارتداد فريق أطفال الشوارع عن الإسلام ووجوب تنفيذ حد الردة عليهم بموجب حكم قضائي.. هنا فعل الشيخ كريمة ما فعله الشيخ الغزالي وأكد أن أحكام الردة ينفذها القضاء لا آحاد الناس. وكان الشيخ أحمد كريمة له سابقة في تكفير وإعلان ارتداد استاذ الفلسفة حسن حنفي عن الإسلام في شهر إبريل الماضي بسبب مقال الأخير (هل يغيب العقل النقدي عن فكرنا الإسلامي؟) فالشيخ الجليل اعتبر التفكير والنقد كفر وبهتان عظيم.   

 

هذه النماذج ليست على سبيل الحصر وإنما نماذج قليلة واضحة من فتاوى شيوخ الوسطية والذين يشرحون دائمًا حد الردة، ليس على حسب أهوائهم وإنما حسب مصادر شرعية.

تلك النماذج تضعنا أمام أسئلة أكثر صعوبة أهمها... ألا تتعارض هذه الفتاوى مع فتاوى حرية العقيدة في الإسلام التي يتحدث عنها هؤلاء  الشيوخ؟!  كيف يرددون آيات من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ثم يؤكدون وجوب حدة الردة؟ ألا يعد هذا تناقضًا عقائديًا؟

الخاتمة.. نوجز فيها النقاط التالية:

أولا: لا يمكن أن نعتبر دعوى إقامة حد الردة من مفاهيم الوسطية، لأن فتوى قتل مواطن آخر ليست وسطية وإنما دعوى للقتل وسفك الدماء ولذا يجب علينا تسمية الأشياء بأسمائها، ففتاوى حد الردة ما هي إلا تحريض صريح على القتل يُعاقب عليه القانون. ألم تحرك مثل هذه الفتاوى الجهاديين في قتل خصومهم؟!

ثانيًا: لابد أن نسأل أنفسنا ما الفرق بين فتاوى شيوخ الوسطية وبين  تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).. فالاختلاف ليس في الاعتراض على حد الردة وإنما يختلف الطرفان على الجهة التي تنفذ حد الردة. فتنظيم الدولة الإسلامية تنفذ مثل هذه الحدود بنفسها بينما يتراءى لشيوخ الوسطية أن هذه مهمة ولي الأمر (الحاكم)، تمامًا كما أفتى الشيخ محمد الغزالي في محاكمة قتلة د. فرج فودة في تسعينيات القرن الماضي وتمامًا كما أفتى الشيخ أحمد كريمة حين قال حد الردة لا ينفذه آحاد الناس قبل يومين على قناة صدى البلد.  

ثالثا: يعتقد العامة أن الدولة المصرية لا تعمل بالحدود لأنها لا تعترف بها كجزء من الشريعة وفي حقيقة الأمر أن المشرع المصري لم ينكر الحدود وإنما عطل العمل بها لتعذر إقامتها وقد صرح  وزير العدل السابق أحمد الزند عام 2012 أن القضاة في مصر يتوقون للعمل بأحكام الشريعة وأنه يجب أن يتم حل إشكالية الحدود المعطلة!!

رابعًا: كل ما سبق لا أهمية له إن كنا نعيش في دولة مدنية لا يحكمها الأزهر ولاتحكمها قوانين ثيوقراطية، فإن كنا نعيش في بلد مدني لاعتبرت الدولة المصرية الشيوخ الذين أطلقوا فتاوى التكفير والردة بمثابة خارجين عن القانون قاموا بالتحريض على قتل مواطنين آخرين اختلفوا معهم فكريًا وعقائديا، وهو الأمر المرفوض في البلاد المتحضرة.. ولا يمكن غض البصر في دولة مدنية عن أي شكل من أشكال  التحريض على القتل حتى وإن كانت فتوى تستند إلى نص شرعي.. ولا توجد حصانة ضد محرض على القتل لمجرد أن الدولة تطلق عليه اسم   شيخ أزهري وسطي!!

أليست فتاوى الردة والتكفير من جرائم التحريض على القتل الذي يجب أن يعاقب عليه القانون؟ قد يقول البعض أن الدولة المصرية بريئة من مثل هذه الفتاوى، وهنا نسأل أليس الأزهر مؤسسة دينية حكومية؟ ألا تنتحر الدولة المصرية بسيف الأزهر؟!

 

 

اجمالي القراءات 2520
التعليقات (2)
1   تعليق بواسطة   عثمان محمد علي     في   الإثنين ١٦ - مايو - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً
[81537]

مقاله رائعه


مقالة رائعه ، والحقيقة أن المسلمين جميعا ينتحرون بروايات التراث . فروايات التراث التى يطلقون عليها (احاديث نبوية أو سنة النى عليه السلام ) هى المرجع الرئيسى لكل دعاة التطرف والقتل والإرهاب ،ولا فرق فى هذا بين إبن لادن ،وابو بكر البغدادى ،وبين الغزالى ، والشعراوى ، وشيوخ الأزهر والسعودية بل وشيوخ العالم الإسلامى كله ومن قبلهم إبن حنبل ، وإبن تيميه ، وإبن عبدالوهاب ، وسيد قطب ، وشكرى مصطفى ، ومحمد عبدالسلام فرج ....فمشكلة المسلمين تكمن فى الروايات التى يؤمنون بها والتى نسبوها زورا وبهتانا للنبى عليه السلام . وهو منها براء ،ولا يعلم عنها ولا عنهم شيئا .



2   تعليق بواسطة   مكتب حاسوب     في   الإثنين ١٦ - مايو - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً
[81547]



مفهوم الوسطية مفهوم نسبي، فقبل التعرف على معنى الوسط لا بد من تعريف معنى الطرفين و التطرف و ما هو اليمين و ما معنى اليمين المتطرف و ما هو اليسار و معنى اليسار المتطرف ما هو المحافظ و المحافظ المتطرف و ما هو الإصلاحي و الإصلاحي التمطرف و ما هو التدتن و ما هو الغلو إلخ



و هذه كلها تقدر حسب المكان و الزمان، فما يعتبره الناس اليوم "وسطا" ربما كان من قبل "تميعا" أو ربما "تطرفا"



فالإنسان يجد نفسه دائما أمام تعريف و تحديد المفاهيم لأنها في تغير دائم



مثلا في هذا الزمن قد يعتبر بعضهم أن جلد الزاني إهانة للكرامة البشرية، و أن من يقول بهذا الحكم متطرف



عكس ذلك قد يعتبر اخرون أن التنكر لهذا الحد هو مخالف لأوامر الله أو غير مصدق للقرآن أو أنه مرتد أو زنديق و ما شابه



ما هو وسطا لهذا قد يكون تطرفا لذاك



إلخ



أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق