نزاهة الرئيس.. وفوضى المعارضة

اضيف الخبر في يوم الثلاثاء ١١ - مايو - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: الدستور


نزاهة الرئيس.. وفوضى المعارضة

د.إبراهيم السايح يكتب: نزاهة الرئيس.. وفوضى المعارضة
الثلاثاء, 11-05-2010 - 11:02الإثنين, 2010-05-10 20:04 | د. إبراهيم السايح
 

بينما كان السيد الرئيس يلقي خطابه التاريخي بمناسبة عيد العمال المصري الذي يأتي بعد العيد العالمي بعشرة أيام، وبينما كان سيادته يؤكد للناس أن الانتخابات القادمة سوف تكون نزيهة وشفافة وصادقة وأمينة، كانت وزارة الداخلية في نفس هذا التوقيت تمارس عملية «التزوير من المنبع» لانتخابات مجلس الشوري القادمة!!

ففي يوم خطاب الرئيس امتنعت مديريات الأمن في شتي محافظات مصر عن قبول أوراق ترشيح أي شخص من «الإخوان» أو المعارضة الخارجة عن «طوع» الحزب الوطني والأمن والحكومة. وهذا الأسلوب تمت تجربته قبل عامين أثناء انتخابات المجالس المحلية، حيث امتنعت وزارة الداخلية عن قبول أوراق أي مرشح لا يتمتع بموافقة الأحزاب الحكومية ولا يقف هو وأوراقه تحت مظلة مباحث أمن الدولة، وكانت أحزاب المعارضة في ذلك الحين ترسل أحد مندوبيها - أو مرشديها - إلي مباحث أمن الدولة أو أي جهاز سيادي آخر لاستطلاع الرأي الحكومي في إمكانية نجاح المرشح، فإذا وافقت الجهة السيادية يتم السماح للمرشح بتقديم أوراقه، وتقوم الحكومة بتدبير الأصوات اللازمة لنجاحه!!

هذه هي النزاهة التي كان السيد الرئيس يتحدث عنها في خطاب عيد العمال، هي منع المرشحين من تقديم أوراقهم إن كانت المباحث لا تملك أصواتًا تمنها لهم، وهي منع الناخبين من دخول اللجان حتي لا تتلوث أصابعهم بالحبر الفوسفوري ويضيع وقتهم في اختيار أشخاص راسبين من المنبع، وهي منح وزارة الداخلية السلطة المطلقة في اختيار المرشحين وانتخابهم أيضًا بدلاً من هذا الشعب الذي لا يعرف مصلحته!!

بعد ثلاثين عامًا من حكم حسني مبارك تحولت الانتخابات في مصر إلي عملية تعيين لمجموعة من الناس في مختلف المجالس وفق تقارير المباحث وجهات الأمن الأخري، وتم استبعاد عموم الشعب المصري من عمليتي الترشح والانتخاب!، ولم يعد بوسع المواطن المصري العادي التقدم كمرشح للبرلمان أو مجلس الشوري أو المجالس المحلية اعتمادًا علي برنامج شخصي أو برنامج حزبي أو شعبية جارفة أو مبادئ وطنية أو حتي رشاوي للسادة الناخبين! ولم يعد بوسع أي مواطن مصري دخول لجنة الانتخابات لاختيار ممثليه في المجالس النيابية أو حتي الاتحادات الطلابية والعمالية.

قرر السيد الرئيس ورجاله وحزبه وأجهزته إعفاء المصريين من عبء الانتخابات وإعفاء الحكومة من عبء التزوير المباشر، ففي النظام الجديد لا تحتاج أمن الدولة للتزوير، ولكنها فقط ترفض قبول أوراق المرشح الذي كانت سوف تضطر للتزوير ضده لو تمكن من خوض الانتخابات، ثم تقوم بعد ذلك بمنح أصوات جزافية لمن تم قبولهم من المرشحين الذين لا يختلفون كثيرًا عن السادة المخبرين ومرشدي المباحث!، وفي الانتخابات المحلية السابقة حصل بعض إخواننا مرشحو أحزاب المعارضة الوطنية الديمقراطية علي أصوات تتخطي المائة ألف صوت للمرشح الواحد الذي لا يعرفه غير أفراد أسرته ونفر من سكان الشارع الذي يعيش فيه أو المقهي الذي يأويه!!

يري السيد الرئيس أن المعارضة الحقيقية هي نوع من الفوضي التي تمثل ضررًا بالغًا بمصالح البلاد، فلو تركت الحكومة الانتخابات مفتوحة أمام الشعب فلن تكون النتيجة سوي تكرار لما حدث في المرحلة الأولي من انتخابات مجلس الشعب سنة 2000، حيث فقد الحزب الوطني في محافظة الإسكندرية تسعة من مرشحيه الاثني عشر وكان الناس يخرجون إلي الشوارع في مظاهرات صاخبة يعلنون فرحتهم بسقوط رموز الفساد والتخلف من نواب الحزب الوطني في المدينة، وهو نفس ما حدث في المحافظات الأخري التي أجريت انتخاباتها في هذه المرحلة، وتنبهت الحكومة إلي خطر مثل هذا النوع من الانتخابات ولجأت إلي تزوير المرحلتين الثانية والثالثة قبل أن يذهب الحزب الوطني إلي مثواه الأخير!

مشكلة المصريين مع حسني مبارك أنه «يرقص بهم علي السلالم» منذ بداية حكمه وسوف يستمر في هذا الرقص إلي أن يشاء الله. فهذا الرئيس لا يجرؤ علي إلغاء الانتخابات والمجالس النيابية والأحزاب السياسية ويقول للناس إنها هيئات كاذبة مزورة لا معني لها وإنها - في ظل الدستور الحالي والنظام الحالي والشعب الحالي- لا يمكن أن تسفر عن أي عائد إيجابي، ولكنها تلتهم ميزانية ضخمة من موارد الدولة وتمنح أعضاءها فرصًا ضخمة للفساد والإفساد علي حساب الشعب المنكوب. ولا يجرؤ السيد الرئيس أيضًا علي منح الشعب حرية التعبير والتغيير وتداول السلطة من خلال انتخابات حقيقية ودستور منطقي وأحزاب لا تُدار من مكاتب وزارة الداخلية أو من القيادة المركزية للحزب الوطني.

نحن نرفض علي السلم منذ بداية عهد مبارك، فلا هو يعلن نفسه حاكمًا مطلقًا دون برلمان أو أحزاب ودون تزوير أو تلفيق وينال بذلك فضيلة الصدق مع النفس ومع الناس مادام عاجزًا عن الوصول إلي فضيلة الديمقراطية، ولا هو يستمع إلي صوت العقل والحق والمنطق والموضوعية ويترك الناس وشأنهم يختارون من يروق لهم ويتعلمون الديمقراطية بأي ثمن كما تعلمتها كل شعوب الكرة الأرضية منذ عصور ما قبل التاريخ.

مشكلتنا مع السيد الرئيس أنه لا يري أي حلول للواقع والمستقبل المصري سوي ذلك النوع من «الرقص علي السلالم» ولا يصل بنا ولا بنظامه إلي أي شيء له معني، وتتفاقم النتائج السلبية عامًا بعد عام حتي يتحول المصريون إلي قطيع مضروب بالعدمية والأنانية والسطحية والتخلف والفساد، ففي هذه الأيام - مثلاً - يعلم كل الناس في كل دوائر مصر وقراها ومدنها أن الحكومة سوف تزور الانتخابات من المنبع وأن أحدًا لن ينجح في الترشح أو الفوز إلا بأوامر المباحث وقيادات الحزب الوطني، ورغم هذا يتكالب الآلاف في كل محافظة علي ترشيح أنفسهم، ويريقون ماء وجوههم للظفر بترشيح الحزب، ويدفع بعضهم ملايين الجنيهات كرشوة لمن يستطيع منحه النجاح ثم لاتجد أحدًا في مصر كلها يتوقف للحظة واحدة أمام هذه المسخرة، بل يشارك الجميع في متابعة الموقف وانتظار النواب القادمين عساهم يساعدوننا في الحصول علي تأشيرات تعيين الأنجال وتثبيت المؤقتين والسفر للأراضي المقدسة لأداء عمرة رمضان!!

اجمالي القراءات 3957
التعليقات (2)
1   تعليق بواسطة   محمد عبدالرحمن محمد     في   الثلاثاء ١١ - مايو - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً
[47750]

متى سوف يستمع الرئيس إلى صوت العقل والمنطق والحكمة .

متى سوف يستمع الرئيس مبارك إلي صوت العقل والحق والمنطق والموضوعية ويترك المصريين وشأنهم ويرحل غير مأسوف عليه ، لقد أصبح الرئيس من المسنين الذين لا يستطيعون التفكير في أمورهم بمفردهم بل يحتاج لمن يفكر له فكيف بإدارة شئون دولة يبلغ عدد سكانها أكثر من ثمانين مليون نسمة ،


فليتق الله وليراجع نفسه ويترك ولا يستمع  لمن يوسوس له من شياطين الإنس  ويترك للمصريين الفرصة لاختيار من يروق لهم ويتعلمون الديمقراطية بأي ثمن كما تعلمتها كل الشعوب المتقدمة والمتحضرة  منذ زمن بعيد.


2   تعليق بواسطة   عبدالمجيد سالم     في   الثلاثاء ١١ - مايو - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً
[47760]

الدكتور احمد السايح من الكتاب المتنوين دينيا وسياسيا ..

الدكتور أحمد السايح له كتابات تنويرية في الدين والسياسة أيضا فهو فاض به الكيل من عهد مبارك كما فاض بجميع المصريين تقريبا ما عدا حفنة اللصوص فتحية للدكتور أحمد السايح الكاتب والمفكر الشجاع ..

أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق