حزب الله وحزب الشيطان بين الدين والسياسة

آحمد صبحي منصور Ýí 2012-06-17


 

حزب الله وحزب الشيطان بين الدين والسياسة

مقدمة :

وسط الحصار الذى كان مفروضا على نشر مقالاتى فى الصحف الحكومية المصرية ، تمكنت بفضل الاستاذ الصديق عبد العال الباقورى بنشر هذا المقال فى جريدة (الجمهورية ) بتاريخ 11 يناير 1993.

وكالعادة ، لا زلنا نؤذّن فى خرابة ..!!

أوّلا :

1 ـ يعتقد الإخوان المسلمون أنهم يستمدون شرعيتهم السياسية في الحكم من الله تعالى وليس البشر ، وهم لا يؤمنون بالتعددية الحزبية في السياسة لأن الأحزاب عندهم حزبان فقط حزب الله – وهم الإخوان المسلمون , وحزب الشيطان ، وهم أولئك الذين لا يؤمنون بحق الإخوان في الحكم والتحكم . وتلك نظرية بديعة في خلط أوراق الدين بالسياسة وخطورتها على الإسلام أفظع من خطورتها على الوطن وأهله وحاضره ومستقبله. وربما أصبح معروفا خطر الحكم الديني واستبداده ودمويته وفاشيته بعد أن عانينا من " بروفة " صغيرة قام بها التطرف أو الجناح العسكري للتيار الديني ، ولكن الذي يحتاج إلى توضيح هو مقولتهم بأن الإسلام لا يعرف إلا حزبا واحدا شرعيا هو حزب الله وحزبا آخر ملعونا هو حزب الشيطان ، وأنهم وحدهم هم حزب الله ، وأعداؤهم هم حزب الشيطان.  ونريد أن نوضح ما يقوله القرآن الكريم في ذلك .

2 ـ إن الله تعالى جعل الجنة في الآخرة من نصيب المؤمنين في كل زمان ومكان وجعلهم حزب الله ، وفي المقابل جعل النار من نصيب الكافرين في كل زمان ومكان وجعلهم حزب الشيطان ، أي أن استعمال كلمة " حزب الله " " وحزب الشيطان " هنا تعني مفهوما دينيا ووصفا بالإيمان والتقوى ، ولا يعلم حقيقة المستحق للوصف بهما إلا من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ،  أي الله سبحانه وتعالى وحده . وتعالوا بنا نستعرض من الآيات القرآنية التي تعرضت لمفهوم كلمة حزب وأحزاب .

3 ـ إن الهداية للحق تأتي من دين الله تعالى الحق ومن يتمسك به فهو من حزب الله , والله تعالى يقول عنهم " أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ .المجادلة 22 ".  وهذا الفلاح هو في الآخرة في الجنة بعد انتهاء حساب الآخرة .

وفي المقابل فأصحاب النار هم حزب الشيطان ، والله تعالى يقول عنهم " يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ (18) اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ )(المجادلة 18 و19 ) ، أي استحوذ عليهم الشيطان في الدنيا فأصبحوا في الآخرة في النار , ومن حزب الشيطان . والله جل وعلا يحذّرنا فى هذه الدنيا من ذلك الشيطان حتى لا نكون يوم القيامة من حزبه ، وحيث سيكون مع حزبه فى النار ، يلومونه وهو يتبرأ منهم : ( وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22) ( ابراهيم )                                                                                         

 4 ـ والله تعالى يحذرنا في حياتنا الدنيا من ذلك الشيطان حتى لا نكون في الآخرة من حزبه. ومنذ أن نزلت الرسالات السماوية بالهداية كان الشيطان يبذل جهده في الغواية , وينجح في ذلك , ليس فقط في تكوين جبهة مضادة للرسول وأتباعه ، ولكن بعد ذلك ينجح في تفريق المؤمنين إلى أحزاب دينية متفرقة .

5 ـ وكما قلنا فالشيطان يبذل جهده في تكوين جبهة ضد المؤمنين ويبذل جهده في تفريق المؤمنين إلى أحزاب دينية , ولذلك فإن الله تعالى يصف مشركي الأمم السابقة بأنهم أحزاب , وذلك وصف ديني وليس سياسيا , وقد كان مشركو مكة على شيمة الأحزاب المشركين من قبل , لذا أخبر القرآن مقدما بهزيمة المشركين في الجزيرة العربية.  وهكذا يقول تعالى عن المشركين السابقين أنهم أحزاب , أي أحزاب دينية "  كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ . غافر 5 "  ويقول تعالى أيضا عن تحالف المشركين ضد النبي " وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ . الأحزاب 22 " . والقرآن يصف من يكفر بالقرآن بأنه من الأحزاب ويتوعده بالنار مع باقي الفصيلة المعروفة بحزب الشيطان , يقول تعالى " وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ : هود 17 " .إذن فالقرآن يتحدث عن مفهوم ديني لكلمة حزب وأحزاب ، ومن الطبيعي هنا أن يكون الناس قسمين فقط , أحدهما في الجنة وهم حزب الله , وأخر في النار وهم حزب الشيطان . ولا يعلم حقيقة ذلك إلا الله تعالى وحده ..

ثانيا :

1 ـ وجاء التيار الديني الاخوانى فخلط أوراق الدين بالسياسة وجعل الخطة لصالحه هو , وبدأ بإصدار قرار بأنه هو وحده حزب الله وبأنه وحده المخول من لدن الله تعالى بحكم الناس أو الرعية . وطالما اعتبر نفسه جماعة المسلمين فإن غيرهم ممن لم ينضم إليهم فليس من المسلمين وبالتالي فإن الموقع الباقي له هو حزب الشيطان فقط ..

ونرجع للقرآن لنحتكم إليه في تلك الدعوة أيضا ..

2 ـ فليس من أخلاق الإسلام أن يزكي المرء نفسه بالإيمان والتقوى , والله تعالى يقول "  فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى : النجم 32 " . والإخوان المسلمون أجدر بهم أن يبتعدوا عن هذا المنزلق الخطير إن كانوا فعلا يخافون الله تعالى ..

3 ـ وليس من أخلاق الإسلام أن نتهم مؤمنا بما يقدح في عقيدته وسلوكه لمجرد الاختلاف معه في الرأي , وأولئك قد اعتبروا أنفسهم وحدهم هم المسلمين واعتبروا الخارج عنهم ليس من جماعة المسلمين , أو خارجا عن حزب الله أي من حزب الشيطان , وتلك تهمة فظيعة , وهم إن كانوا أحيانا لا يصرحون بها فإن تسميتهم أنفسهم " الإخوان المسلمون " وأدبياتهم السياسية تفصح عن ذلك , وذلك يدعم اتهامهم لغيرهم في دينه ومعتقده لمجرد أنه لا يؤمن بأحقيتهم فيما يزعمون , والله تعالى يقول "  وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا .الأحزاب 58 " .

4 ـ وهم حين يزعمون أنهم يستمدون شريعتهم من الله تعالى , فقد وقعوا في منزلق اخطر , فمن أين لهم تلك الشرعية التي يزعمونها ؟ أهو وحي جديد بعد القرآن الكريم ؟ وأين ذلك النص أو التفويض الإلهي الذي نزل لهم وحدهم من السماء بأن يحكمونا ويركبوا أكتافنا باسم الإسلام ؟ إن ذلك الزعم في حد ذاته افتراء على الله تعالى

5 ـ وإذا كان الإخوان المسلمين مهمومين فعلا بالإسلام , فالإسلام يدعوهم إلى أن يفهموه أولا بعد أن تراكمت على حقائق الإسلام طبقات من الخرافات لوثت عقائد المسلمين , ومن يحب الله ورسوله يهب حياته لتوضيح حقائق الإسلام وتبصير المسلمين بها. وإذا كانوا يحبون الله ورسوله فلتكن الآخرة مطلبهم الأساسي , وليس الدنيا ومواكبها , والله تعالى يقول " تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ . القصص 83 " .

6 ـ وإذا كانوا يريدون الدنيا والسياسة فهذا حقهم .. ولكن من حقنا عليهم أن يكلمونا بلغة السياسة شأنهم شأن الأحزاب الأخرى دون تمسح بالدين أو استغلال لأسم الإسلام العظيم .. فليس مثل الإسلام دينا ظلمه أصحابه والمنتسبون إليه !!      

اجمالي القراءات 16762

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (2)
1   تعليق بواسطة   لطفية سعيد     في   الأحد ١٧ - يونيو - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[67378]

إلى متى سيستمر المصريون في إراحة عقولهم

السلام عليكم عندما يقول القرآن ينصت الجميع وليس هناك من تعليق أبلغ عند سماع آية قرآنية من قول : " صدق الله العظيم " يقول الله سبحانه : {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى }النجم32 فالله سبحانه يقرر حقيقة مؤداها انه سبحانه الوحيد الذي يعلم بتقوى الإنسان ، ثم يأتي فريق من خلقه يقررون أنهم هم وحدهم منبع التقوى ومصدرها ، ويبتزون العامة عاطفيا ، لما يتمتعون به من طيبة وتسليم ، يريح عقولهم من متاعب التفكير وشقاء البحث ! استغل الإخوان تلك الثغرة ونفذوا منها ، لذلك قد ترىامامك شحصا لديه عقل راجح ، وحنكة كبيرة اكتسبها من خلال التجارب ، لكن جرب أن تنتقد أمامه بعض الشخصيات التي يقدسها وانظر إلى تعبيرات وجهه المنتفضة ، وكأنه قد لثغه ثعبان كبير ، " حنشٌ كما يقول عبدالفتاح القصري في الفلم " ، فإلى متى سيستمر المصريون في إراحة عقولهم ؟!


2   تعليق بواسطة   نجلاء محمد     في   الإثنين ١٨ - يونيو - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[67391]

دلائل ومبشرات بالخير والأمل ..ولكن ..

هناك وميض من أمل قد ظهر بعدما انتبهت قلة من المصريين لحقيقة الإخوان وحقيقة أطماعهم السياسية واستخدامهم الدين في خدمة السياسة والوصول للحكم .


ونتمنى أن تزيد هذه النسبة ويعي ويفهم كثير من المسلمين هذه الحقائق الواضحة وضوح الشمس .


ولكني لا أعتقد أن المسلمين  يمكن أن يصلوا لهذا الوعي إلا من خلال فهم مستنير لمعنى الحرية والعدل والديمقراطية كما جاءت في القرآن الكريم .


وأن ما يفعله الإخوان وتسلطهم واستحواذهم على مقالد الأمور بالطرق المشروعة وغير المشروعة  هو مخالف للشريعة السمحة التي نزلت من عند الخالق العظيم سبحانه وتعالى .


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 4981
اجمالي القراءات : 53,366,108
تعليقات له : 5,324
تعليقات عليه : 14,623
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي