حزب( الدستور) بين الإنقاذ و .. الوهمّ!

محمد عبد المجيد Ýí 2012-05-02


ولا تزال حيرتي قائمةً رغم محاولاتي المتكررة أنْ أُصَدِّق الدكتور البرادعي، فمريدوه يُعبقرون كلَّ قراراته، وخصومُه يُقللون من شأنــِـه.
يسافر إذا سخــَــنَ المشهدُ المصري، وينسحب من سباق الرئاسة إذا اقترب من النجاح، ويطلب ملايين التوقيعات، ويُهادن المخلوع، ويرفض الحديثَ عن جرائمِه البشعة.


ينتظر حتى يصل سباقُ الرئاسة العبثي إلى العدِّ التنازلي، يؤسس حزباً ينضم إليه قادة فكر وسياسة وإعلام، علاء الأسواني وجميلة إسماعيل وأحمد فؤاد نجم، ويعرض أفكاراً جيدة في إصلاح الدولة لكنه يتجنب عرض الفصل الختامي لحُكم الفلول.
هل الدكتور البرادعي يريد ملايين من الأتباع يفرح بهم أم ملايين من الثوار يجمع أحلامَهم لأربع أو خمس سنوات حتى يتمكن الحزب من الحُكم؟
الشعب في حالة يأس وقنوط وغضب، والدكتور البرادعي لم يدخل بعد معركة القصر مع السلطة القائمة كما لم يفعل مع مبارك، وقوته في محبة الناس له، لكنه يتحرك كأنه واقف في مكانه، ولم يستوعب بعد أن كل دقيقة تمر على شعبنا وعنقه في قبضة المخلوع والفلول والمجلس العسكري ومجلس الشعب وهوس الأحزاب المتخلفة وقوى التشدد الديني والعجز العلماني والفوضى الليبرالية تضاعف من أوجاع الشعب، وتزيد من كوارث مصر.
حتى لو انضم عشرون مليونا إلى الحزب الجديد، فسيصبح جزءاً من نظام باطل، يحكمه رئيسٌ دمية لم يأت بعد، تحركه أصابع المشير، وتتكدس أمام البرادعي أحلام لا نهائية لشعب ثار وسُرقتْ ثورته.
لو أراد الدكتور البرادعي أن ينقذ مصر فأوسع الأبواب أمامه مفتوحة على مصراعيها، لكنه يبحث عن شرعيةٍ مِنْ لا شرعية سارقي الثورة، ويتنافس مع وصوليين ومتشددين ومحتالين فضلا عن اثنين من أهم رجال السفاح مبارك.
المرة الرابعة التي يقوم شعبنا بوضع أحلامه على طبق من ذهب وتسليمها للدكتور البرادعي، وخشيتي أن يلتف حوله الملايين ثم يغادرهم فجأة لأي سبب من الأسباب.
لم يستوعب الدكتور البرادعي أن الثورة تُطهّر كل القاذورات التي ترسبت في قاع المجتمع، والتي تراكمت فوق سطحه، فالانتخابات بنظام المعاقين ذهنيا، وساعد مبارك الأيمن ما يزال يحكم، وكل لصوص الوطن يمسكون مفاصل الدولة، ونظام القضاء فاشل وضعيف وهشّ، فيحكم، ثم يتراجع، ثم يقبل النقض والاستئناف، ثم يبريء المجرم ويحكم على البريء.
في لحظات الغرق يتمسك الغريق بأي أمل حتى لو كان الأمل غريقاً مثله، ويكبر الوهم، فالساحة المصرية مكتظة بالأقزام الطامعين في دخول القصر الجمهوري، والدكتور محمد البرادعي قامة سامقة، وقيمة علمية كبيرة، ودمث الخُلق، وهاديء كالبحر الميت، وعبقري في تحويل أحلام الناس إلى تقسيط مريح على سنوات طويلة تصبح الثورة بعدها في طيّ النسيان.
وعودة البرادعي مع سقوط معظم رموز القوى السياسية والدينية على الساحة يجعله الوحيد القادر على انتشال أبناء مصر، لكنه لا يتحدى، ولا يُحوّل الثورة إلى عمل جدّي ينتزع السلطة قبل فوات الأوان.
لست متفائلا بهذا الرجل العالــِــم والأكاديمي والمحترم والمصلح لأنه بكل بساطة لم يقرأ أحلام ميدان التحرير بالنهج الثوري، إنما جعلها مثل الحكيم الذي يسير متأملا، ثم يقف للراحة بعد كل خطوتين، وينام بعد كل ثلاث خطوات، ويسافر في الخطوة الخامسة، ليعود من جديد.
حزب ( الدستور ) فكرة رائعة لو قام بها الدكتور البرادعي عقب خلع الطاغية مبارك، وقبل الانتخابات السقيمة وتحويل مجلس الشعب إلى مجلس فقهي، وتفتيت الأمة بين شتىّ التوجهات، وإعطاء الشرعية للمجلس العسكري وللمحكمة السخيفة وللصمت على أموالنا المهربة إلى الخارج، ولو فعلها بنفس أفكاره الاصلاحية الرائعة لكانت مصر قد خرجت من عنق الزجاجة.
في البداية كان الحلم، ودغدغ البرادعي مشاعر الناس وهو يُحدّثهم عن خطابه الأول من العشوائيات في حال نجاحه، وأحبطهم وهو يقترب بحذر شديد من أحد أعتى وأعفن وأكلب طغاة العصر فرفض الصِدْام معه، ووصفه بأوصاف رقيقة حتى خلت أنه سيرفعه فوق الأعناق.
أريد أن أحلم مع أبناء شعبنا بحزب ( الدستور )، لكنني لا أُلـْدَغ من جحر سبع مرات، ثم إذا صبر الناس عدة سنوات حتى يصل ( الدستور ) إلى الحُكم، فجهازي العصبي لا يتحمل عدة أيام هادئة وقناصة العيون ينامون في أحضان أحلامهم السعيدة، وقتلة شبابنا يضعون أصابعهم في أعيننا مع إنبلاج كل فجر جديد، ورجال مبارك يبصقون في وجوهنا بترشحهم المقيت، والإعلام المصري يعود إلى نقطة الصفر، والمشير يحتقر المصريين ولسان حاله يقول: حاسبوني لو كان فيكم رجل واحد، فكلنا رجال مبارك رئيساً أو مخلوعا أو ..ميتاً.
كان المفترض أن أخدع قرائي الآن وأبلغهم سعادتي بتأسيس حزب يجمع شمل المصريين، لكنني لا أرى كلَّ المرَشحين ولا حتى البرادعي ولا مجلس الشعب أو مجلس الشورى أو المجلس الاستشاري أو المحكمة الهزلية أو النائب العام أو الجنزوري ، إنما أرى فقط ثورة 25 يناير، والأحذية تُرفع في 11 فبراير، ومصر كلها تنتفض مع أبنائها، وأرواح الشهداء تــُـحَذّرني من الثقة بالكبار، وعدة آلاف من شباب مصر الأطهار يزور النومُ عيونَنا وهم في أقبية تحت الأرض.
كلما كتبت عن الدكتور البرادعي عدت إلى نفس الاستنتاج السابق، فهو عالــِـم ومثقف ومتابع ومُصلح وأمين، لكن روح الثورة هربت منه، وشجاعة اقتحام حشود الأوغاد الذين يُعيدون إنتاج مبارك لم تعد تحركه إلى الأمام.
الدكتور البرادعي سيختلف إن عاجلا أو آجلا مع مؤيديه ومساعديه ومريديه، لكن الشعب غير مستعد بالمرة لتوجيه تساؤلات أو طرح شكوك فاليائسون يصنعون الوهم، ثم يعيدون تصديره لأنفسهم.
ما تمنيت أكثر من أن أكون مخطئاً في تحليلاتي، وأن يُصلح البرادعي الكسور التي حدثت في الجسد المصري منذ نجاح الثورة، لكن عقلي يؤكد لي أن وكيل مؤسسي حزب ( الدستور ) سيترك الجَمْعَ فجأة بعد يوم أو شهر أو سنة أو أكثر عندما يقترب من الوصول إلى القصر إلا إذا جاء له أتباعه بالقصر ووضعوه أمامه وأجبروه على تســَـلم السُلطة.
أريد أن أبارك، لكن قلبي وعقلي يطلبان مني تأجيل التهنئة إلى وقت لاحق.
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 29 ابريل 2012

 

اجمالي القراءات 8232

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (4)
1   تعليق بواسطة   محمد عبدالرحمن محمد     في   الأربعاء ٠٢ - مايو - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[66267]

العبرة ليست بالحزب .ولكنها لكارزمة لزعيم وطني !!

الفاضل الأستاذ محمد عبد المجيد خالص الشكر لبث الروح في الجسد المصري الذي تفتت أوصاله الداخليه ولم يعد يجمعها إلا بطاقة الرقم القومي !!


المصريين لم يهتفوا لأحد بجميع مستوياتهم،  لم يهتفوا لزعيم مثلما هتفوا لسعد زغلول الزعيم الشعبي والوطني (سعد سعد يحيا سعد ).


لم يجمع المصريون على أحد مثلما أجمعوا على حبه والتأثر بشخصيته ، ولعل الكثيرين لا يعلمون قدر سعد زغلول كزعيم وطني إلا عندما يعرفون ما قاله عنه غاندي زعيم الهند، لقد كان يكتب له في احد خطاباته كصديق يقول له ( يا سعد لقد نجحت فيما أنا فشلت فيه لم استطع أن أجعل الهندوس والمسلمون يحبون بعضهم ويتواءمون في الهند كما استطعت أنت أن تؤلف بين قلوب المسلمين والمسيحيين في مصر ) وكلنا يعرف من هو غاندي .


ليس العبرة بحزب جديد يؤسس ! ولكن العبرة بميلاد زعيم روحي مصري جديد يلتف حوله جميع المصريون ويؤمنون به كمحرر لهم  من استعباد الفرعون والملأ . 


2   تعليق بواسطة   لطفية سعيد     في   الخميس ٠٣ - مايو - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[66280]

معك حق ولكن

الأستاذ محمد معك حق ولكن دعني أقول لك إن كل غنسان له أسلوبه وطريقته التي يتميز بها عن غيره ، صحيح غن الوقت لا يتحمل هدوء علماء التجارب ، ولكن الرجل قد صدم وتلقى الصدمات وقام بعد حملات تشويه منظمة ، وللأسف ممن يعد على الليبرالييين ! كنت أتمنى على كل الليبراليين ان يتجمعوا في بوتقة واحدة وألا الشخصنة في مواجهة  مد الإسلام السياسي ، ولكن تفرقوا لدرجة توحدوا مع الإخوان ولم يتوحدوا مع بعضهم وهذا ظهر في انتخابات مجلس الشعب الماضية ، وهذا اعتراف ــ للأسف ــ منهم بأنهم يودون المنصب بصرف النظر عن المبدا .. نتمنى ان يخطو حزب الدستور الجديد خطوات ثابتة لا رجعة فيها ، لأن هو فقط امل المصريين في صنع تغيير حقيقي وليس وهمي او تصوير سينمائي .


3   تعليق بواسطة   محمد عبد المجيد     في   الثلاثاء ٠٨ - مايو - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[66383]

محمد عبد الرحمن محمد والبحث عن زعيم للثورة

أخي العزيز محمد عبد الرحمن محمد،


أتفق معكَ تماماً في أن الزعيم الروحي أهم من الحزب الجديد، لكن الثورة الشبابية تبحث عن زعيم منذ قيامها، أما الذين كانوا يبحثون عنها فأكثرهم لصوص يريدون سرقتها.


وتقبل محبتي


محمد عبد المجيد


طائر الشمال


اوسلو   النرويج


4   تعليق بواسطة   محمد عبد المجيد     في   الثلاثاء ٠٨ - مايو - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[66384]

عائشة حسين والتفاؤل بالبرادعي

الأخت العزيزة عائشة حسين،


المشكلة ليست في الحزب ولكن في القيادة، وخالد محيي الدين، مثلا، ليس رفعت السعيد. الدكتور محمد البرادعي فيه مواصفات رائعة للرئيس المصري الهاديء، لكنه متردد، ويعتبر الثورية حماساً يتناقض مع حكمة الإداري.


أتمنى أن يعود إليَّ تفاؤلي بالدكتور البرادعي.


مع تحياتي


محمد عبد المجيد


طائر الشمال


أوسلو  النرويج


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2007-07-05
مقالات منشورة : 571
اجمالي القراءات : 5,916,212
تعليقات له : 543
تعليقات عليه : 1,339
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Norway