العار

سيد القمنى Ýí 2011-01-03


 

 

لست ممن ينتظرون وقوع الحدث ليتاجر به ويدلي بدلوه ، ولست ممن يظهرون فقط في المصائب لجني الفوائد ، ولا ممن يشقون الجيوب ويلطمون الخدود في لحظة بعينها لينصرف بعدها لعد مكاسبه والانصراف إلى منافع أخرى أو لشئونه وملاهيه ، فقد سبق وأمضيت العمر وقلت كل ما يمكن قوله تشخيصا وعلاجا ، وقدمت مئات الدراسات الموثقة التي لاتبغي سوى وجه الوطن ومواطنيه ، وقدمت عشرات التحذيرات وفي كل مرة كان الحدث يؤكدها ، وهاهي نبؤاتي التي سخر منها كتاب السلطان والمشيخة واقع ماثل &Atite; أمامكم ، وليتها خابت وطاشت وليتني كنت من جلادي الذات وهما كما قالوا ،وليتني كنت مجرد متشائم أو كذوب كما قال آخرون ، حتى لايلطخ وجهي عار وطني .

( إسعفيني ياعين ) سمعتها كثيرا في أغنية أم كلثوم ، لكني لم اعرف مذاقها الحقيقي إلا ليلة مجزرة كنيسة القديسين ، فقلبي كان يوشك أن ينشق وأبحث عن دمعة واحدة تخفف وطأته فلا تأتي ، والفم أصابة التصلب فلا تخرج منه الصرخات بعدما تيبس الحلق وجف وصار حطبا فكتم الصرخة وكمم الصوت .

وكلما تابعت تعليقات السادة أهل الرأي من المتنفذين والسياسيين والمأجورين وصيادي الفرص والسفلة ازداد ألم الجسد العليل ، ولم تسعفني سوى معدتي بالقيئ الدموي ، وعندما رأيته اعتبرته مشاركة متواضعة في قذف الدم على وجوه السفلة والأوغاد ، لم تهلع بناتي كعادتهن مع أحوال أبيهن الصحية المتردية ، فعيونهم مسمرة على التلفاز بينما قامت كبراهن ( إيزيس )  تمسح بمناديل الورق الدم عن وجهي وملابسي وهي لاترى ماتمسح بعدما غامت رؤيتها خلف سيل الدموع ، وعينها بيني وبين التلفاز، بينما كانت أخواتها ذاهلات هلعا وفزعا ورعبا ووجعا .

ليومين لم ننم إلا إعياء في أماكننا أمام الفضائيات ، وكان العار والشعور بالقذارة المتدفقة من التلفاز يدفعني للنهوض للاستحمام فلا أتمكن ، لأن منحطا جديدا جاء يسكب حيض فمه ، فأخذت أمسح بكفي على أكمامي ووجهي وأهش عني في حركات لاإرادية كما لو كان وسخنا الإعلامي قد لطخني .

وكانت خلاصة قول سادتنا أنه عمل إرهابي قادم من خارج البلاد قاصدا أمن مصر المستتب وسلامة كل مواطنيها الآمنين السعداء ، وأن البحث جار عن ستة أشخاص دخلوا البلاد  ... فأي خطاب عبيط أهطل يرى الناس بقراً ليقول لهم قوله هذا ، وأي عُهر وكذب مقيت ، وأي قدرة على الرخص والابتذال ؟ ! ! .

نعم نعلم جميعا أن قاعدة العراق قد توعدت وأنذرت وحددت كنائس بعينها وكتبت اسم كنيسة القديسين السكندرية بالبنط الأكبر فماذا فعل الأمن المصري ؟ يغلب على ظني أن أحدهم لم يطلع على هذا البيان لأنهم مشغولين بأمور أخرى ليس من بينها أمن المواطنين ، وهل لابد للقاعدة أن ترسل مندوبا لها إلى مصر للقيام بالعملية ؟ هذا كلام كذبة مساطيل أعفوا أنفسهم حتى من الفهم واستعمال العقل قبل القول ، كان يكفي القاعدة أفرادا من الألوف التي خرجت في مظاهرات الكراهية طوال الشهر الماضي للقيام بالعملية ؟ وهل الأمن المصري من السذاجة بحيث لايجد في الجماعة الإسلامية أو الجهاد أو الإخوان وغيرهم من عتاة القتلة أي رابط مع القاعدة ؟ .

تدهشك هنا جرأة رجال الأمن التلفزيونيين وهم يؤكدون أنه لم يسبق أن عرفت مصر العمليات الانتحارية لذلك فالعملية برمتها تخطيطا وتنفيذا وأشخاصا قادمة من خارج مصر ؟ ! فماذا عن تلميذ الهنسة الذي انتحر بحزام ناسف بحي الحسين ؟ وماذا عن تفجيرات طابا ودهب والعريش وما قبلها وما بعدها ؟ الطريف أن الجهاد المصري أعلن مسؤليته عن هذه التفجيرات لكن الأمن المصري أكد أنه ليس الجهاد لأن البوليس المصري سبق له أن احتواه وفككه ؟ أليست تلك من المفارقات المدهشة فيعلن الفاعلون أنهم فعلوا ويتبرع الأمن المصري لنفي التهمة عنهم ، وهو نفس ماقيل بشأن تهديدات الجهاد لصاحب هذا القلم الموقعة باسم منظمة الجهاد المصرية والتي وصلته بعد تهديدات قاعدة العراق مما يؤكد الترابط والتواصل والتفاهم بين الطرفين ، وفي اليوم التالي للإنكار الذي قدمه صحفيو روز اليوسف الأمنيين بنسبة التهديد للجهاد ، كان الجهاد يضرب في سيناء .

لقد ترك الأمن لبمصري أحمد منصور يسافر إلى الدوحة آمنا وترك سليم العوا يعوي حتى تاريخه ( سبق وأعلنت استعدادي لمناطرة العوا تلفزيونيا فذهب لقناة الجزيرة يقول مايريد فى سلسلة حلقات وهو أمر معهود فيمن لايعوي إلا في بيته ) ، بعدما أشعلوا النار وبدأت حرب الكراهية والمظاهرات الألفية بعدها مباشرة ، في حملات مسعورة تريد دم المسيحيين المصريين بهتافات علنية لاتخجل ، ونفس الأمن هو من قام باعتقال المسيحيين الذين تظاهروا أمام كنيستهم بالعمرانية ليطالبوا المحافظ ببقائها ، ربما مع الغضب أتلفوا شيئا متواضعا وقذفوا الشرطة بالاحجارولكن دون أن يسبوا الإسلام والمسلمين ، وهو الأمن المشغول الآن بالبحث عن المتسللين إلى البلاد من قاعدة العراق !! فأي قرون أنتم ؟

هذا ناهيك عن شماعة إسرائيل والموساد المملة والممجوجة والمقرفة والهزيلة والهزلية والمقززة في آن معا . فهل كان الموساد وراء جرائم الكشح ومنقطين والطيبة وديروط وأبوفانا ، ونجع حمادي التي هي فضيحة وعار على مصر كلها بعد مضي عام كامل دون صدور الحكم على المجرمين ، بل ودخول الرأس المدبر للجريمة البشعة عضوا عن الحزب الوطني بمجلس الشعب للمرة الخامسة على التوالي .

ثم ماذا عن المجزرة الحقوقية للمسيحيين المحرومين من أي مناصب وما يلاقونه في محاكم الأحوال الشخصية ، وما يفرضة الشارع الملتاث من مذلة وهوان علي أي مسيحي ، وياحبذا لو مسيحية شعرها مكشوف تضطرها ظروفها لاستخدام المواصلات العامه والسير فى شارع المجانين ، ومن لايخرج من بيته تدخل عليه بيته لعنات التكفير والكراهية عبرألوف الميكرفونات مدعومة بالأحاديث والآيات . إنه العار مجسدا بكل صنوفه ومفرداته ومعانيه ومترادفاته .

عار علينا عندما سمحنا للوهابية الإخوانية أن تحول مصر الجميلة المرحة المنتجة المبهجة إلى منقبة مبرقعة ذليلة المنح البترودولارية ، وأن تحول شعبها المنجز البهيج الى قطيع من الغوغاء ، ويهولنك أن تجد الإخوان يسيرون اليوم في جنازة موتى جريمتهم .

عار على شيخ الأزهر أن يذهب للتعزية بالكاتدرائية ، وهو من أعاد مناهج الفقه الإرهابية للتدريس بالأزهر بعدما رفعها المرحوم سيد طنطاوي ، وبعد مجموعة دراسات مطولة نشرناها بصدد تلك المقررات ، وهى المقررات التي تتفنن في زرع الكراهية للمسيحيين مع وجوب إذلالهم وعدم موالاتهمم وأن من والاهم من المسلمين فهو منهم ، وأن أضعف الإيمان اشعارهم بالاحتقار والازدراء أينما وجدناهم ؟

عار على المفتي أن يذهب للتعزية بالكاتدرائية بينما فتاواه هو وداره تقف من قضايا الأحوال الشخصية  مع المسيحيين موقف أن الإسلام هو الدين الأعلى ، وتصدر بعدها الأحكام على هذا الاعتبار دون النظر الى أن النظام الحقوقي يفترض المساواة بغض النظر عن اللون أو الجنس أو العقيدة ، وتعلن بوضوح أن من أوصى ببناء كنيسة فهو كمن أوصى ببناء خمارة أو حظيرة خنازير .

عار أن يبقى ثلاثة محافطين في مناصبهم بعد ثبوت طائفيتهم المقيتة في التعامل مع مشاكل المسيحيين .

عار على مصر كلها أن يبقى المسؤلون عن الأمن في كراسيهم بعد المجزرة وبعد إعلان القاعدة الواضح ، عار أن يتم تكليف القصاب بالقبض على زميله الجزار .

عار أن يظل بناء الكنائس مرهونا بقرار من رئيس الجمهورية بينما المساجد العشوائية التي تأوي الإرهابيين وتخرجهم تبنى بين ليلة وضحاها مدعومة من الدولة معفية من أي شروط بل وتقدم لها كل الخدمات والتسهيلات بالمجان .

عار على مصر حكاما ومحكومين أن يتم نفي رعية لها من المواطنة لأنهم غير مسلمين بنص المادة الثانية من الدتور .

الحكومة تعلم أنة من العار أن تضع خانة للديانة بجواز السفر لأنة سيطلع عليها العالم لكنها تضعها بالبطاقة الشخصية للفرز الطائفي بين المواطنين .

عار على الإعلام أن يتوجه بخطابه ولغة هذا الخطاب بل وبالدراما والأغاني للمسلمين وحدهم كما لو كان الوطن يخلو من غيرهم .

عار غلى التعليم أن يصطبغ حتى في المواد العلمية البحت بالصبغة الإسلامية ، بل ويلقي بست قرون من تاريخ مصر في القمامة لأنها كانت حقبة قبطية وكما لو كانت تاريخا لبلد عدو .

عار علىينا أن نسمي ماتفعله القاعدة بالعراق مقاومة وأن نسميه في مصر إرهابا .

عار أن نترك مصر ست الحسن كله تُفتح مرة أخرى على يد الوهابية بدمويتها وعنصريتها وبدائيتها وجهلها وانحطاطها ، لتسود على مصر الجميلة الخلاقة المبدعة التي ظلت ماضيها على سماحة المذهب الحنفي .

عار على كل مصري يحب وطنه أن يظل ساكتا ساكنا راضيا بالاستبداد السياسي المتحالف مع الاستبداد الديني مع فساد لانظير له ، وتركه يمتص دم الفريسة ومابقي في شرايينها دون أن يشبع .

إن لم يبدأ التغيير الآن لرفض الفساد والاسبداد السياسي وسيطرة التطرف الإسلامي المنفلت ، وإقامة نظام مدني حقوقي يرعى حقوق الأقليات قبل الأكثرية ، ويعيد الدين إلى مكانه الطبيعي داخل المسجد والكنيسة لا يتعدى أبوابهما ، بعيدا عن المشترك الاجتماعي العام ، وإعادة صياغة دستور كامل المدنية يقوم على عقد اجتماعي يرعى الصالح العام لكافة المواطنين على التساوي ، فإن القوادم ستكون أفدح من السوالف .

ولأنى مصري صعيدي فإني أرفض العزاء قبل اخذ الحقوق ، وإن لم يبدأ هذا الآن ، فلتبدأوا بإقامة سرادقات العزاء في موت بلد عظيم كان اسمه مصر .

أقول قولي هذا وبعده لا آمن من التصفية أومن تلفيق قضية .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اجمالي القراءات 13011

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (5)
1   تعليق بواسطة   رضا عامر     في   السبت ٠٨ - يناير - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً
[54810]

عندى قدر غير قليل من الدهشة

وذلك لعدم وجود تعليق واحد على هذا المقال رغم أن عدد من قرأوه 670 ورغم قامة الكاتب الحاصل على جائزة الدوله . لست أدرى أهو التسليم اكامل والموافقة على كل ما فى المقال أم أنه  العكس مع عدم الرغبة فى الدخول فى متاعب مع الكاتب الذى شاهدنا أسلوبه فى مناقشة خصومه على شاشة التلفزيون.  ولكم جميعا كل الاحترام.


د. رضا عامر 


2   تعليق بواسطة   نورا الحسيني     في   السبت ٠٨ - يناير - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً
[54812]

مقال جدير بالقراءة والتعليق

 مقال الدكتور سيد القمني جدير بالقراءة والتعليق عليه وأشاركه الرأي في الكثير مما جاء بالمقال وفي كم العار الذي يلحقنا من جرائها ،


وأشاركه الرأي خاصة فيما يتعلق  بما لحقنا من عار لسماحنا للوهابية  بتغلغلها داخل بيوتنا وسكوتنا على هذه الظواهر التي أدت وتؤدي إلى حدوث نتائج لا يحمد عقباها !!


ار علينا عندما سمحنا للوهابية الإخوانية أن تحول مصر الجميلة المرحة المنتجة المبهجة إلى منقبة مبرقعة ذليلة المنح البترودولارية ، وأن تحول شعبها المنجز البهيج الى قطيع من الغوغاء ، ويهولنك أن تجد الإخوان يسيرون اليوم في جنازة موتى جريمتهم" .


3   تعليق بواسطة   نعمة علم الدين     في   السبت ٠٨ - يناير - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً
[54819]

الدين لله والوطن للجميع

امتلىء قلبى حزنا أثر هذا الحادث الاليم وزاد ألمى ووجعى بعد قراءة هذا المقال الملىء بالحزن والأسى على أحوال الاخوة المسيحيين وأضيف إليهم الأقليات الدينية المضطهدة  فى مصر ، فهذا الفكر الوهابى السلفى المتطرف الذى يستبيح الدماء والاعراض لا يمت للاسلام بصلة ، هذا الفكر الذى يركز على التدين الظاهرى من جلباب ونقاب ولحى واضطهاد للاقباط وغيرهم من الاقليات الدينية أكرر لا يمت للإسلام بصلة ، فالإسلام الصحيح و التدين الحقيقى يحترم  الأخر ويراعى حقوقه دون النظر لعقيدته أو أفكاره ، فمتى يأتى اليوم الذى تشرق فيه الشمس على مصرنا الحبيبة ونرى ونلمس بأنفسنا العمل بمقولة صلاح الدين  " الدين لله والوطن للجميع " ؟، متى نتعامل كأخوة ومواطنيين سواسية فى الحقوق والواجبات ونترك العقيدة كمساحة خاصة بين الانسان وخالقه ومحرمة على أى انسان آخر مهما كان الدخول إليها أو العبث بها ، هل سيأتى هذا اليوم على مصر ؟ لا اظن فى ظل الزحف الوهابى المتطرف على مصر ، ولكن سأظل أتمسك ببريق من الأمل متمثل فى شرفاء هذا الوطن والأقلام الثائرة مثل كاتب المقال الدكتور سيد القمنى لعلى أعيش وأرى هذا اليوم الذى احلم به .        


4   تعليق بواسطة   عبدالمجيد سالم     في   السبت ٠٨ - يناير - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً
[54820]

.علو قامة الكاتب ليس بالحصول على جوائز الدولة .

اخي العزيز الأستاذ رضا عامر ..


لعلي اكون مخطئا في تصوري من خلال تعليقك ، حيث انك دللت علو قامة  الدكتور سيد القمني بحصوله على جائزة الدولة التقديرية ..


وأقول أن علو قامة سيد القمني ليس بحصوله على جائزة الدولة ، ولكن علو قامته في تمسكه برأيه وإخلاصه لما يعتقد من آراء ..


فليس بجائزة الدولة التقديرية تععلو قامة الكتاب .. ولكن بكثرة الانتاج وجودته ..


سيد القمني فارس مصري ضد جحافل الوهابية منذ التسعينات ..


ولأخي العزيز الأستاذ رضا أرجوان اكون مخطئاً في تصوري .


 


 


5   تعليق بواسطة   محسن زكريا     في   السبت ٠٨ - يناير - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً
[54822]

الدين لله والوطن للرئيس ..

 كحل وسط لتقسيم السلطة بين السماء والأرض ، فقد حدث التقسيم بإن جعل الدين لله .. ويكون في المقابل الوطن الارضي للرئيس والزعيم ..


ولكن حدث أن الرئيس والزعيم لم يعجبه هذا التقسيم .. لذلك فالرئيس قرر أن يرجع في قسمته ويأخذ الدين مرة أخرى ..


لذلك ترى أن السيد الرئيس المستبد بدا في إضطهاد الأقباط والقرآنيين والبهائيين وغيرهم ..


 


 


 


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2007-03-23
مقالات منشورة : 12
اجمالي القراءات : 173,335
تعليقات له : 0
تعليقات عليه : 23
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt