الهبوط والبرازخ

آحمد صبحي منصور Ýí 2019-12-19


الهبوط والبرازخ

مقدمة

جاءنى هذا السؤال (  هناك معضلة لم أفهمها فى القرآن هى عن هبوط  آدم وحواء الى الأرض قال ( إهبطوا منها ) وهذه صيغة الجمع. فهل يصح إطلاق صيغة الجمع على المثنى ؟ ثم ما معنى الهبوط ؟ وهل هو نفس هبوط ابليس ؟  وهل هناك هبوط آخر غير آدم وحواء وإبليس ؟ . وأقول :

أولا :

معنى الهبوط

1 ـ الهبوط هو النزول من أعلى الى أسفل .

قد يكون هذا ماديا ، كقوله جل وعلا :

1 / 1 : عن نوح وهو فى السفينة : (  قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِّنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿هود: ٤٨﴾، كانت سفينة نوح تسير فى موج كالجبال ، قال جل وعلا : ( وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ ﴿٤٢﴾ قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ۚ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّـهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ ۚ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ ﴿٤٣﴾ هود )

1 / 2 : ومثل قوله جل وعلا فى قصة موسى : (  وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ ) ﴿البقرة: ٦١﴾. كانوا فى مكان مرتفع وطلب منهم الهبوط الى سهل منخفض حيث توجد الزراعة .

2 ـ وقد يكون الهبوط معنويا بمعنى الخشوع ، المستكبر يرفع نفسه مُعرضا عن ربه . أما الخاشع فهو يهبط بنفسه راكعا ساجدا لربه . وجاء الهبوط بمعنى الخشوع  فى قوله جل وعلا :

2 / 1 : (  ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّـهِ وَمَا اللَّـهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴿البقرة: ٧٤﴾.

2 / 2 : وبدون مصطلح ( الهبوط ) تكرّر نفس المعنى فى قوله جل وعلا :

2 / 2 / 1 ( لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّـهِ ۚ ) ﴿٢١﴾ الحشر  ).

2 / 2 / 2 ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ )  ﴿٣٩﴾ فصلت  )

2 / 2/ 3 : (  وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴿٥﴾ الحج  )

ثانيا :

برازخ الأرض الست وبرازخ السماوات السبع

1 ـ أرضنا المادية وهذا الكون المادى بكل كواكبه ونجومه ومجراته هو فى الأسفل ، تبعا للسرعة البطيئة لإهتزازات ذراتها المادة ، ولهذا فهى مرئية .  البرازخ تتفوق على هذا الكون المادى فى سرعة إهتزازات ذراتها ، لذا لا يمكن لنا أن نراها ، وهى تتخللنا .

2 ـ  يبدو هذا فى السرعات الهائلة للملائكة وهى تتنقل بين عوالم البرزخ بسرعات لا نهائية ، يعبر عنها قوله جل وعلا : ( الْحَمْدُ لِلَّـهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۚ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿١﴾فاطر  ).

لا يمكن للبشر رؤية الملائكة فى صورتها الحقيقية إلا إذا تجسدت فى هيئة مادية ، كما حدث مع الملائكة الذين زاروا ابراهيم ولوط عليهما السلام . قال جل وعلا :

2 / 1 :( وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ قَالُوا سَلَامًا ۖ قَالَ سَلَامٌ ۖ فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ﴿٦٩﴾ فَلَمَّا رَأَىٰ أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ۚ قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ ﴿٧٠﴾ وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ﴿٧١﴾ هود )

2 / 2 ( وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ ﴿٧٧﴾ وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ ۚ قَالَ يَا قَوْمِ هَـٰؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ۖ فَاتَّقُوا اللَّـهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي ۖ أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ ﴿٧٨﴾ هود ) .

2 / 3 و جاء الروح جبريل الى مريم وتمثل لها بشرا سويا ، قال جل وعلا : ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا ﴿١٦﴾ فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا ﴿١٧﴾ قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا ﴿١٨﴾ قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا ﴿١٩﴾ مريم  ) .

3 ـ لو أراد الخالق جل وعلا للملائكة أن تعيش مرئية فى الأرض لجعلها تسير ةتتنقل فى سرعة إهتزازات البشر ، أو بالتعبير القرآنى : يمشون مطمئنين . قال جل وعلا : ( قُل لَّوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَّسُولًا ﴿٩٥﴾ الاسراء)

4 ـ خاتم النبيين عليهم جميعا السلام هو وحده ــ  حسب علمنا ــ الذى رأى الروح جبريل على حقيقيته البرزخية، وهذا من آيات الله جل وعلا الكبرى . حدث هذا فى ليلة الإسراء التى هى ليلة القدر ، وفيها ( هبط ) جبريل أو ( نزل / تدلى ) من مستواه الأعلى حيث رآه النبى محمد ليس بعينيه بل بفؤاده أو بنفسه البرزخية ( النفس والقلب والفؤاد وذات الصدور كلها مترادفات ) ، رآه النبى بنفسه دون أن تتحرك عيناه الماديتان ، وعندها تم طبع القرآن كتابا مكتوبا فى قلب النبى محمد أو فى نفسه .. قال جل وعلا :

4 / 1 :( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ ﴿١﴾ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ ﴿٢﴾ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ ﴿٣﴾ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ﴿٤﴾ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ ﴿٥﴾ ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَىٰ ﴿٦﴾ وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَىٰ ﴿٧﴾ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ ﴿٨﴾ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ ﴿٩﴾ فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ ﴿١٠﴾ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ ﴿١١﴾ أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ ﴿١٢﴾ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ ﴿١٣﴾ عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَىٰ ﴿١٤﴾ عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ ﴿١٥﴾ إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ ﴿١٦﴾ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ ﴿١٧﴾ لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ ﴿١٨﴾النجم  )

4 / 2 : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴿١﴾  الاسراء )

5 ـ هناك سبع سماوات وسبع أرضين مثلهن يتنزل أمر الله جل وعلا بينهن ، قال جل وعلا : ( اللَّـهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّـهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴿١٢﴾ الطلاق ).

عن برازخ السماوات التى يعلو بعضها بعضا فى طبقات حسب سرعة إهتزازات ذراتها يقول جل وعلا

5 / 1 :(  الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَـٰنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ ﴿الملك: ٣﴾

5 / 2 : (  أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّـهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ﴿نوح: ١٥﴾

6 ـ أرضنا هى الوحيدة المادية ، ذراتها بطيئة الإهتزازات ، وتتخللها عوالم عوالم البرزخ ، بالترتيب ، برزخ الأرض الثانية يتخلل أرضنا المادية . برزخ الأرض الثانية يعلوها برزخ الأرض الثالثة يعلوها برزخ الأرض الرابعة يعلوها برزخ الأرض الخامسة يعلوها برزخ الأرض السادسة يعلوها برزخ الأرض السابعة ، يعلوها برزخ السماء الدنيا يعلوها برزخ السماء الثانية يعلوها برزخ السماء الثالثة يعلوها برزخ السماء الرابعة يعلوها برزخ السماء الخامسة يعلوها برزخ السماء السادسة يعلو الجميع برزخ السماء السابعة أو البرزخ الأعلى يتخلل ما دونه من برازخ  . بتعبير آخر ، فالسماء السابعة ( البرزخ الأعلى والذى فيه الملأ الأعلى من الملائكة ) يتخلل السماء السادسة ، والسادسة تتخلل الخامسة والخامسة تتخلل الرابعة والرابعة تتخلل الثالثة والثالثة تتخلل الثانية والثانية تتخلل السماء الدنيا ، والسماء الدنيا تتخلل الأرض السابعة والأرض السابعة تتخلل الأرض السادسة والأرض السادسة تتخلل الأرض الخامسة والأرض الخامسة تتخلل الأرض الرابعة والأرض الرابعة تتخلل الأرض الثالثة والأرض الثالثة تتخلل الأرض الثانية والأرض الثانية تتخلل أرضنا المادية ومعها الكون المادى ( من كواكب ونجوم ومجرات ) وهذا الكون المادى بكل إتساعه موصوف بأنه ( مابين السماوات والأرض ) . قال جل وعلا : ( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ ۖ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ﴿٨٥﴾ الحجر ) . أرضنا المادية يتخللها كل ما هو أعلى منها من الأرض الثانية الى السماء السابعة . بمعنى أنك تتخللك عوالم أو برازخ أو مستويات من الوجود يبلغ عددها 13 عالما ( ست برازخ أرضية وسبع برازخ سماوية ) وهذا بمخلوقاتها من الملائكة والجن والشياطين .

7 ـ أنت لا ترى مخلوقات هذه العوالم من الجن والملائكة والشياطين ولكنها تراك وتتخللك ، ومنها القرين الشيطانى الذى يسيطر على ( نفس ) الانسان العاصى ، ومنها ملائكة تسجيل الأعمال . بل إن النفس التى فى جسدك تنتمى الى أرض برزخية . وهو مسجونة فى جسدك المادى ، وتستريح منه مؤقتا بالنوم  عائدة الى برزخها، وتغادره نهائيا بالموت لترجع حيث كانت ولكن تحمل معها كتاب أعمالها .

ثالثا :

الهبوط بين البرازخ  

1 ـ إبليس كان من الملأ الأعلى أى من صفوة الملائكة ، ثم لما رفض السحود لآدم طرده الله جل وعلا من برازخ السماوات كلها وليس فقط السماء السابعة ، وحصره فى برازخ الأرض مع الجن . قال جل وعلا  عن ملائكة الملأ الأعلى بعد طرد إبليس :( إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ ۩ ﴿٢٠٦﴾ الاعراف

2 ـ عن طرد إبليس من الملأ الأعلى أو ( هبوطه ) منه قال جل وعلا :

2 / 1 :  ( مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَىٰ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ﴿٦٩﴾ إِن يُوحَىٰ إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴿٧٠﴾ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ ﴿٧١﴾ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴿٧٢﴾ فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ﴿٧٣﴾ إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴿٧٤﴾ قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ۖ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ ﴿٧٥﴾ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ ۖ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ﴿٧٦﴾ قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ ﴿٧٧﴾ وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَىٰ يَوْمِ الدِّينِ ﴿٧٨﴾ ص ) .

2 / 2 : وعن طرده من الملأ الأعلى يأتى مصطلح ( هبط ) : (  قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ ﴿الأعراف: ١٣﴾.

3 ـ ويحاول الجن والشياطين وهم فى برازخ الأرض الست تسمّع إهتزازات ما يدور فى الملأ الأعلى ( البرزخ الأعلى / السماء السابعة ) فتلاحقها الشُّهّب البرزخية ، قال جل وعلا :

3 / 1 : ( إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ ﴿٦﴾ وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ ﴿٧﴾ لَّا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَىٰ وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ ﴿٨﴾ دُحُورًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ ﴿٩﴾ إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ ﴿١٠﴾ الصافات )

3/ 2 : ( وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا ﴿٨﴾ وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ ۖ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا ﴿٩﴾ الجن )

3 / 3 : ( وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ ۖ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ ﴿٥﴾ المُلك   )

4 ـ وعاش آدم وزوجه فى جنة برزخية من برازخ الأرض ، وكان يرى فيها إبليس المطرود من البرزخ الأعلى والملأ الأعلى . وظهر الشيطان لهما ، وهما فى الوجود البرزخى وهو مثلهم ، أى يرون بعضهم ، وخدعهما وجعلهما يأكلان من الشجرة المحرمة . قال جل وعلا : ( فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ ﴿٢٠﴾ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ﴿٢١﴾ فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ ۚ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۖ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴿٢٢﴾ الاعراف ) . بمجرد الأكل من الشجرة المحرمة ظهر جسدهما المادى الذى كانت تغلفه أنوار البرزخ الذى يعيشان فيه . وحاولا ستره بورق الجنة البرزخية بينما يسخر منهما الشيطان وهو يعرفهما فى محنتهما بمعالم جسدهما السوأة . قال جل وعلا يحذرنا من كيد الشيطان : ( يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴿٢٧﴾ الأعراف ) . بعد هبوطهما الى الأرض المادية إستحال أن يريا هما وذريتهما مخلوقات البرزخ : (  إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ )

5 ـ فى هذا السياق جاء مصطلح الهبوط الى الأرض المادية لآدم وزوجه وذريتهما من خلالهما . قال جل وعلا :  

 5 / 1 :(  قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ ﴿طه: ١٢٣﴾

5 / 2 :  (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ ﴿البقرة: ٣٦﴾

5 / 3 :  (  قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿البقرة: ٣٨﴾

5/ 4 : (   قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ ﴿الأعراف: ٢٤﴾.

6 ـ ولا تنقطع الصلة بين البشر وعوالم البرزخ ، مع أن البشر لا يرون عوالم البرزخ .

6 / 1 : هناك ملائكة كتابة الأعمال وملائكة الموت .  

6 / 2 ـ  وهناك الشيطان الذى يوسوس لكل البشر بما فيهم الأنبياء . وهناك القرين الشيطانى الذى يتحكم فى نفس البشر الضالين ، وهناك الجن والشياطين .

عن القرين الشيطانى قال جل وعلا :

6 /  2 / 1 : ( وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ﴿٣٦﴾ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ ﴿٣٧﴾ الزخرف ) ويراه يوم القيامة ، قال جل وعلا : ( حَتَّىٰ إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ ﴿٣٨﴾ الزخرف ) .

6 / 2  / 2 : وهناك علاقة وحى بين  عُصاة البشر الشيطان والجن الكافرين . قال جل وعلا  عن التعاون بين شياطين الإنس وشياطين الجن فى الوحى الشيطانى  :

6 / 2 / 2 / 1  :(  وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ﴿الجن: ٦﴾.

6 / 2 / 2 / 2 : (  وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ﴿الأنعام: ١١٢﴾

  6 / 2 / 2 / 3 : ( وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّـهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰ أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ﴿الأنعام: ١٢١﴾.

اجمالي القراءات 3959

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (2)
1   تعليق بواسطة   Ben Levante     في   الجمعة ٢٠ - ديسمبر - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[91659]

الهبوط النوعي للانسان


السلام عليكم

عندي بعض الاستفسارات والمداخلات

ابليس كان من الملائكة وعصى الله عندما طلب منه السجود للانسان. نستطيع أن نقول بناء على هذا أن الملائكة ليسوا معصومين عن العصيان، وإلّا كان هذا تعديا على قدرة الله.

إذا كان ابليس قد طُرد من الملأ الاعلى، فكيف له الاتصال بآدم وزوجه وهم لازالوا في الجنة، فحسب قولكم "ويحاول الجن والشياطين وهم فى برازخ الأرض الست تسمّع إهتزازات ما يدور فى الملأ الأعلى ( البرزخ الأعلى / السماء السابعة ) فتلاحقها الشُّهّب البرزخية". كيف كان ابليس الذي اصبح الشيطان أن يستمع إلى الملأ الاعلى؟

في اعتقادي أن خلق الانسان هو تطور نوعي في حلقة المخلوقات المتواجدة على الارض، فالجديد في هذا الخلق هو منحه العقل والارادة أو الحرية. الدليل على هذا هو الآية: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴿البقرة ٣٠﴾. الله أراد أن يجعل في (الأرض) خليفة، وليس في مكان آخر، ثم أن استغراب الملائكة (أتجعل من يفسد فيها ويسفك الدماء)، وهذه صفات لمن تُرِكت له حرية الارادة والتصرف، أي أن القضية كانت تتمحور حول تطور نوعي جديد في الخلق وليس خلقا جديدا (من الصفر). كذلك الآية: إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ ﴿ص ٧١﴾ تفيد أن تركيبة هذا البشر العضوية هي نفس تركيبة باقي المخلوقات الارضية. أما الايات: وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَـٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴿البقرة ٣٥﴾ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ ﴿البقرة ٣٦﴾ فالجنة ليس من الضرورة أن تعني الجنة في العالم الآخر، ثم عبارة (فأخرجهما مما كانا فيه) تعني على ما اعتقد تغير الحالة التي كانا عليها ولا تعني تغيراً لمكان. كلمة (اهبطوا) يقصد بها هبوط نوعي وليس من مكان إلى آخر.

 



2   تعليق بواسطة   آحمد صبحي منصور     في   الجمعة ٢٠ - ديسمبر - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[91660]

شكرا استاذ بن ليفانت ، واقول :


1 ـ الملائكة التى لا تتعرض للحساب هم الذين سيخلقهم الله جل وعلا ليوم القيامة ، وموصوفون فى سورة التحريم بأنهم لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون. منهم مالك صاحب النار. ومنهم الملائكة المذكورون فى أواخر سورة الزمر . عداهم لهم حرية الإرادة وسيتعرضون للحساب كما جاء فى آخر سورة الزمر والإشارة فى سورة النبأ الى قيام الروح والملائكة صفا لا يتكلمون ..شأن البشر ، وما جاء فى سورة مريم عن ان كل من فى السماوات الرحمن سيأتى الرحمن  عبدا وفردا وقد أحصاهم وعدهم عدا . 

2 ـ إبليس بعد طرده من الملأ الأعلى وبرازخ السماوات أصبح إسمه الشيطان وصار من الجن كما جاء فى سورة الكهف ، وتحدد مقامه معهم فى برازخ الأرض لا يمكن أن يلج الى برازخ السماوت ، ولكنهم كنوا يسترقون السمع بجانب برزخ السماء الدنيا فتلاحقهم الشهب البرزخية التى ترصدهم. 

3 ـ جنة أدم وزوجه فى برزخ من برازح الأرض ، ربما تكون الجنة التى يدخلها الذين يُقتلون فى سبيل الله ، والمُشار اليهم فى سور البقرة وآل عمران ويس . 

4 ـ آدم جسديا مخلوق من أرضنا المادية تراب وماء وطين ..الخ . ثم كان أن نفخ فيه ( الروح ) جبريل ( النفس ) .وبهذه النفس البرزخية يتميز الانسان على مخلوقات الأرض ، وهى مناط التكليف ، والمساءلة يوم الدين. 

أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 4980
اجمالي القراءات : 53,334,537
تعليقات له : 5,323
تعليقات عليه : 14,621
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي