أثر التصوف فى (التفسير) في العصر المملوكي :

آحمد صبحي منصور Ýí 2015-07-29


كتاب : أثر التصوف  المعمارى والثقافى والاجتماعى فى مصر المملوكية

الفصل الثانى  :( أثر التصوف الثقافى فى مصر المملوكية )

ولكن كيف شارك الصوفية في العلوم السنية القائمة فعلا..؟ أسهموا في جمودها وتأخرها من واقع النظرة العامة للعلم . ونبحث بالتفصيل الأثر الصوفي في التفسير والحديث والتاريخ كأهم مواد علمية اهتم بها الصوفية . على أن اهتمامهم اقتصر على مواضع بعينها من هذه العلوم كتفسير آيات محدده وشرح احاديث خاصة بعضها موضوع بجهدهم هذا مع ترويج بعض الأحاديث الموضوعة من غيرهم طالما تخدم دعوتهم .ونبدأ بأثرهم فى التفسير .

المزيد مثل هذا المقال :

اثر التصوف فى ( التفسير ) في العصر المملوكي

لمحة عن ( علم التفسير قبل العصر المملوكى )

1 ــ تعهد الله سبحانه وتعالى أن يضمن حفظ قرآنه (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الحجر:9 ، وذلك حتى لا يتعرض القرآن لمثل ما تعرضت له الكتب السماوية قبله من تأويل وتحريف ــ إلا أن أصحاب الأهواء ــ  وقد عجزوا عن النيل من نصوص القرآن   ــ ركزوا همهم في التلاعب بمعانى القرآن بما يعرف بالتفسير والتأويل واخضاع المتشابه من الآيات الى مفاهيمهم ، وهو جهد تنبأ القرآن بحدوثه في قوله تعالى (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) آل عمران : 7 )،

2 ــ ومن البداية نعتذر مقدما من إضطرارنا لاستعمال كلمة ( التفسير ) ، ونعلن أنها تكذيب لتأكيد رب العزة بأن القرآن كتاب مبين وأن آياته مبينات ، وأن بيان القرآن فى القرآن وتفسير القرآن بالقرآن . وأن إستعمال كلمة ( التفسير ) فيه إتهام لرب العزة بأنّه ـ تعالى عن ذلك علُوا كبيرا ــ أنزل كتابا ناقصا يحتاج للبشر لاستكماله ، وأنزله غامضا يحتاج من البشر الى تفسير وتأويل ، وأنه أنزل كتابا تتناقض أحكامه ويُلغى ـ أو بزعمهم ـ ينسخ بعضها بعضا ، أو أنه أزل كتابا محليا مرتبطا بمواضع النزول مقتصرا عليها ، لا ينفع الناس الى يوم القيامة ، أنه أنزل كتابا ليكون فى الدرجة الثانية بحيث تكون أقاويل البشر فى  (السُنّة ) وأقاويل المفسرين وآراء الأئمة حكما على الآية القرآنية ، فلا يؤخذ بآية القرآنية إلا إذا كان أقاويل البشر مؤيدة لها ، شأن التلميذ الذى لا يؤخذ برأيه إلا إذا كان معه ولى أمره .!! . تعالى الله جل وعلا عن ذلك علوا كبيرا . إنه الشطط الذى وقع فيه أئمة السنيين والشيعة والصوفية ، والذى ترتب عليه إتهام القرآن الكريم بأنه ( حمّال أوجه ) يعنى متناقض وفيه الرأى ونقيضه . ونتبرأ مقدما من هذا كله ونُنزّه عنه رب العزة وكتابه الفرقان الذى أُحكمت آياته ثم فُصّلت من لدن حكيم خبير ( هود 1 ).

3 ــ من بدايته عرف علم ( التفسير) السُّنّى ما يعرف بالاسرائيليات، واصطنع البعض (التفسير بالمأثور)، ولو كان هناك فعلا تفسير بالمأثور قاله النبى ــ حسبما يزعمون ـ لتوقف عنده ( علم التفسير ) ، ولم يجرؤ أحد على الكتابة بعد أن قال النبى القول الفصل فى التفسير . ولكن أنكر ابن حنبل نفسه التفسير بالمأثور فى قوله المشهور : ( ثلاثة لا أصل لها : التفسير والملاحم والمغازى ) . لم يقتنع أحد بصُدقية هذا التفسير بالماثور ، أو بصحة إسناده للنبى والصحابة ، فتكاثرت ( تفاسير ) القرآن فى العصر العباسى الثانى وبعده برعاية الفقهاء  السنيين ، تحمل وجهات نظر أصحابها ، وتحمل ملامح ثقافته وتخصصه وإتجاهاته ، من الطبرى فى بداية العصر العباسى الثانى الى القرطبى وابن كثير فى العصر المملوكى ، وتنوعت إتجاهاتهم ( التفسيرية ) بعضهم يغلّب فى تفسيره علوم اللغة والنحو ، وبعضهم يثرثر بالروايات وأسباب النزول ، ومعظمهم يرصّع تفسيره بالأحاديث وأقوال الصحابة والتابعين الذين ماتوا دون أن يعلموا شيئا عمّا أسندوه اليهم من أقوال.

4 ــ أضحى القرآن الكريم مجالا للتلاعب السُّنّى ، خصوصا مع ما يسمى بعلوم القرآن التى تطعن فى القرآن وفى تدوينه ، ومزاعم النسخ بمعنى إلغاء الأحكام التشريعية والزعم بتناقضها وإلغاء بعضها البعض . ثم دخل الميدان الصوفية الاتحاديون يحاولون ربط عقائدهم بالقرآن بالتأويل في التفسير والوضع في الحديث ، والصوفية الآخرون كان لهم جهدهم في شرح بعض الآيات بما يخدم غرضهم، ويكفى أنهم أرسوا في الأذهان أنهم اولياء الله المقصودون بقوله تعالى (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) مع ان الولاية والتقوى والإيمان والخشوع كلها صفات عامة مطروحة أمام جميع البشر  وعليهم أن يتحلوا بها لو شاءوا الهداية ، وليس هناك من ولى دائم بسبب الصراع المستمر بين الخير والشر في نفس كل إنسان، تلك النفس التى وصفها سبحانه وتعالى بقوله ( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا  فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا  قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا )الشمس : 7 : 9 ، ولأمثال أولئك يقول تعالى عمن يسبغون ما شاؤا من صفات على أنفسهم (فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اتَّقَى ) النجم : 32 ، ويقول (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنْ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) آل عمران : 188 ، ولو أنصفوا لنظروا في حالهم ــ وقد اتخذوا بدافع من انفسهم هم ــ ودون اختيار من الله ــ اولياء لهم، ثم لم يكتفوا بذلك بل توسلوا بهم واعتقدوا فيهم المنفعة والضرر وأضفوا عليهم التقديس والتأليه ، مع أن الولى بهذا المفهوم لا يكون إلا الله تعالى ، وسبق أن رب العزة ردّ عليهم مقدما ، في قوله تعالى (أَمْ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ المَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) الشورى : 9 ، ويؤنبهم (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) الزمر : 36 ..والتفاصيل فى هذا سبقت فى كتابنا ( السيد البدوى بين الحقيقة والخرافة ) و ( أثر التصوف فى الحياة الدينية فى مصر المملوكية / الجزء الأول الخاص بالعقائد ).

ولقد سبق المستشرقون في بحث جهد الصوفية في التفسير. فيرى نيكلسون (أن القرآن في جملته لا يصلح لأن يتخذ أساسا لأي مذهب صوفي ،ومع ذلك فقد استطاع الصوفية بالتأويل شرح بعض الآيات بما يخدم غرضهم، وادعوا أن كل آية في القرآن تخفى وراءها  معنى باطنا لا يعرفه إلا الأولياء )  [1]

و جولد زيهر يقول أن الصوفية (عبروا عن تفسيرهم بلفظ إشارات للتحايل على العلماء الآخرين في التأويل الصوفي ، ومراعاة لذلك لا يسمون تأويلهم للقرآن تفسيرا ، لأن ذلك يقتضي أن يكون مصحوبا لمعاني القرآن بالشرح والتفسير )، ويجعل من خصائص التفسير الصوفي تحريف النصوص القرآنية لتكون سندا للتصوف ، ويستدل على ذلك بكثرة تفسيرهم للآيات التي تحث على الذكر الكثير ، ويتجاهلون الآيات التي توضح كيفية الذكر في الإسلام لأنها تتعارض مع طريقتهم في الذكر ، وهي قوله تعالى (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنْ الْقَوْلِ) الأعراف 205)[2]) .

وأقول ويتجاهلون  أيضا الآيات التي تنهى عن اتخاذ الدين لهوا بمثل ما يفعلونهم في ذكرهم القائم على الرقص والغناء والموسيقى في بيوت الله كما سبق بيانه بالتفصيل فى الجزء الثانى ( كتاب العبادات)/ ( فصل الذكر ) من كتاب ( الحياة الدينية فى مصر المملوكية ) .

وقد يستنكف البعض من الاستشهاد بكلام المستشرقين (سيىء النية) مع ان الحق ينبغي اتباعه بغض النظر عن شخصية قائله .  ولذلك فإننا سنعيش مع التفسير الصوفي ولن نجد فارقا بينه وبين اقوال المستشرقين عنه.

إتجاهات ( التفسير الصوفى)   :

 ( التفسير) الرمزى :ــ

1 ـ الرمز هو الذي دخلوا به لتفسير القرآن على هواهم تحت اصطلاح الإشارات التي حدثنا عنها جلود زيهر آنفا .ويعترف شيخ الأزهر الأسبق ( الصوفى ) عبدالحليم محمود بهذا ، فيقول : (كان للصوفية في التفسير اسهامات واعترافات يسمونها إشارات) الا انه يرى ان تلك الإشارات ( لا تتعارض مع التفسير المألوف) وهو ما لا نسلم به ــ ويرى في نفس الوقت أنها ــ أي الإشارات ــ ( لا تحل محله ) [3]!!!( عبد الحليم محمود : أبوالعباس المرسى 91 : أعلام العرب 2 / 1967  ).

2 ــ وطبيعي أن يستخدم الصوفية تلك الإشارات فى تسويغ عقائدهم ، بتحريف معانى القرآن الكريم ، وهم بذلك يختلفون عن بقية المفسرين السنيين الذين يقومون ( بتفسير) كل القرآن الكريم . فالصوفية يختارون آيات معينة ، يرونها تتصل وتتشابك مع عقائدهم ، ثم يقومون بتحوير وتحريف معنا بقطعها عن السياق وتغيير مدلولها ، وإعطائها ( تفسيرا ) متفقا مع تصوفهم ، مع تجاهل الايات الأخرى التى تتناقض معهم . ففي قوله جل وعلا : ( اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) يقول ابن عطاء السكندرى : (الناس على قسمين : قوم وصلوا بكرم الله إلى طاعة الله وهو قد اجتباهم (ويقصد بهم الأولياء الصوفية) ، وقوم وصلوا بطاعة الله إلى كرم الله وهؤلاء قد هداهم ) [4]  ( ابن عطاء : لطائف المنن : 110 ) ، ويعني بهم المتقين من المسلمين العاديين . وواضح أنه يفضل الصوفية على غيرهم حتى من اتقياء المسلمين فيجعل الله سبحانه وتعالى يعطى قداسة للصوفية من دون الخلق واوصلهم بكرمه إلى طاعته اما غيرهم من الطائعين لله بدافع من انفسهم فقد هداهم الله ووصلوا بطاعتهم هذه الى كرم الله الذي حصل عليه الصوفية بلا عناء .وهذا يعنى وصفا لله جل وعلا بالتحيّز للصوفية ، وإتهاما له عز وجل بالظلم ، تعالى عن ذلك علوا كبيرا .!

ومن السهل الرد على هذا التفسير لابن عطاء ، وذلك بتوضيح المراد من الآية بأكملها لا مجرد الاجتزاء بنهايتها ،  فالآية الكريمة هى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ)( الشورى 13 )، وهى تتحدث عن وحدة العقيدة والتشريع لدى الرسل، وأن الهدف إقامة الدين وعدم التفرق فيه ، وأن ذلك من شانه ان يثقل على كاهل المشركين حين تتم دعوتهم الى الحق ، والله جل وعلا يجتبى ويختار ويصطفى من يشاء ليكونوا رسلا ، ويهدى الى الحق من يريد من البشر الهدائة ، وينيب ويؤوب ويتوب الى الله جل وعلا. فالرسل هم المقصودون بلفظ (يجتبي) بدليل ان الرسل دائما بالاختيار والاصطفاء ( ص 47 ) ( الحج 75  ) ( الانعام 124 ) ، وهداية البشر هى البداية ، ومن يشاء من البشر أن يهتدى يزده الله جل وعلا هدى ( محمد  17 ) ( مريم 76  )( العنكبوت 69 ).

التأويل الصوفى

1 ــ وبعض ( إشاراتهم ) فى ( التفسير )  استخدمت ( التأويل ) الذى إشتهر به الشيعة والمعتزلة ــ  في التلاعب بالنص القرآني ، حتى لو كان النّص القرآنى واضحا صريحا .  ففى قوله سبحانه وتعالى (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ  أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ)( الشورى 50) نرى أبا العباس المرسي يقول ( "ذكرانا " يعني علوما ، "اناثا " يعني حسنات ، "عقيما " يعني لا علم ولا حسنة) [5].

2 ــوصنف باحث معاصر تأويلات الصوفية في (التفسير) ، فهناك آيات وجد فيها الصوفية منطلقا للتعبير عن معانيهم الباطنية في غير تكلف مثل آية النور وآيات المعراج والنفس والولاية، وقصص القرآن وقد اطلقوه عن القيد الزمنى والمكاني إلى معان خارجة عن حدود الزمان كما في تفسير (إن الله يأمركم ان تذبحوا بقرة) [6]فالبقرة هنا هي النفس ، وفي قصة موسى العصا وهي الدنيا ) [7]..

3 ــ وبعضهم استخدم ( التأويل ) في اخضاع النص القرآني للعقائد الصوفية ، فابن عطاء السكندرى أوّلَ آيات الشرك في نطاق دعوته لترك الأسباب او التواكل ، وجعل معنى آيات الرجعة (إليه تُرجعون) وامثالها على معنى القيام بالاتحاد ، متناسيا تفسيرها القرىنى بأنه جل وعلا ( إليه المصير ). ، وأوّل ابن عربي آيات كثيرة لتتمشّى مع عقيدتهم فى ( وحدة الوجود ) ،  مثل ( ولله المشرق والمغرب) . ( جولد زيهر : مذاهب التفسير .. 248 وما بعدها ) . وجدير بالذكر ان ابن عربي بحث بآية (ان كل شيء خلقناه بقدر) ليستدل بها على نظريته في وحدة الوجود التي تنادي بأن الله ــ تعالى عن ذلك ــ هو عين المخلوقات فجعل ابن عربي لفظ (كل) (وهو في الآية  مفعول به) خبرا للضمير مرفوعا ليصبح المعنى ان الحق تعالى هو كل المخلوقات ) .

4 ــوتلاعب ــ  في العصر المملوكي ـ الشيخ الصوفى محمد الكلائي الشاذلي بقوله سبحانه وتعالى (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) لكى يثبت الشفاعة للأولياء الصوفية ، فيقول متلاعبا بالآية الكريمة (ذل ) أي ذلّ نفسه (ذي) إشارة للنفس (يشف) أي تحصل له شفاعة (ع) أي افهموا ..... ) [8].... أي من ذل نفسه يشفع .

5 ـ ولم يتورع بعضهم عن إضفاء القدسية على تفسيره كالمرسي الذي قال عن سورة التين : ( تفكرت فى معنى هذه الآية فكشف لي عن اللوح المحفوظ فإذا مكتوب فيه لقد خلقنا انسان في احسن تقويم : روحا وعقلا ، ثم رددناه أسفل سافلين : نفسا وهوى ) [9]

(التفسير) بالعلم اللدني  

1 ــ وملامحه تتضح من قول المرسي السابق عن اللوح المحفوظ وسورة التين ....

2 ــ إلا ان إضفاء هذه المسحة على التفسير الصوفي ازدادت بالازدهار المضطرد للتصوف في العصر المملوكي ولوجود كثرة أمية وجاهلة قليلة العلم بين مشاهير الصوفية ، وقد اكتسبوا قداسة وأضيفت لهم الكرامات ومنها العلم اللدنى ،  وكان لهم أن يدلوا بدلوهم في (تفسير) القرآن ، فقالوا فيه ما شاء لهم جهلهم ، ووجدوا مع ذلك من يؤمن يهذا (التفسير) ويتقبله، بل يزداد إيمانه  بتزايد غموض ذلك التفسير وخروجه عن دائرة الفهم.

3 ــ وإذا كان التفسير بالرمز والإشارات والتأويل اتخذ غرضا صوفيا لدي المتقدمين في العصر المملوكي فإن المتأخرين وقد سيطر عليهم الجهل وتمتعوا بقدر أكثر من التقديس فاستخدموا الرمز والايغال فيه سترا للجهل، وانعكس ذلك على التفسير الرمزي بالإشارات فشهد في أواخر العصر نظريات في التخريج على درجة مضحكة نشهدها في مناقب الوفائية في قوله جل وعلا حكاية عن المسيح عليه السلام : ( فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم)، فزعم كاتب ( مناقب الوفائية ) قائلا عن عيسى عليه السلام : ( معلوم انه كان باقيا لو أراد الموتة الحقيقية لقال:" فلما توفانى" ، فالمعني أي فلما ادخلنى في الدائرة الوفائية) [10] ، أى إن عيسى عليه السلام قال لربه جل وعلا ( فلما أدخلتنى فى الدائرة الوفائية ، أى الطؤيقة الوفائية ، وصار من أتباع ( على وفا).!!

4 ـ ويحكي الشعراني عن شيخه الأمى ( الخواص ) قدرته على استخراج (240999) علما من سورة الفاتحة وحدها )..وهذا ما نقله جولد زيهر متعجبا فى كتابه ( مذاهب التفسير الاسلامى : 280 ).

ونقل الشعرانى ( تفسير) شيخه الأمى الخواص لسورة الكوثر ، ونقرأ الأعاجيب، قال : ( اذا الشمس لطفت وباسمه الباطن ظهرت ولم تظهر ولم تبطن، انك لعلى خلق عظيم ، وانقسمت بعد أن توحدت،  ثم تعددت وانعدمت بظهور المعدود. والقمر  إذا تلاها. ثم نزلت بما عنه إنفصلت ، لما به اتصلت واتحدت . والنجم اذا هوى.  ثم تنوعت بالأسماء واتحدت بالمسمى ، وظهرت في اعلى عليين الى اسفل سافلين ، ثم رجعت الى نحو ما تنزلت.  ولولا دفع الله الناس بعضهم بعض لفسدت الأرض.  وبالجبال سكن بيدها وبعدها هو فسادها . ثم تصفت وبعدت فيما وصفت به اتصفت وما اتصفت إلا لما خلقت ، واغرقت فحشرت ، وباعمالها انحشرت. ولوحوشها انتشرت . كل ميسر لما خلق له. كل يعمل على شاكلته ......) إلخ. ويستمر الخواص في هذا (التفسير ) العجيب إلى أن يصل إلى قوله تعالى( واذا السماء كشطت) فيقول : ( لا أطيق التعرض لمعناه . )

ويعلق الشعراني منبهرا : ( وهذا لسان لا اعرف له معنى على مراد قائله. وإنما ذكرته تبركاً )...( الطبقات الكبرى للشعرانى : 2 / 145 : 146  ).

5 ــ وفى ( ميعاد الحنفى ) ــ أو الندوة ( العلمية ) التى كان يعقدها الشيخ الصوفى الأمى شمس الدين الحنفى ـ كان يقول ما يرد على خاطره من تخريف ، بزعم ( التفسير ) ويجد المستمعين يصرخون به وجدا وإعجابا. وفي مناقبه قيل عنه: (ثم تكلم في علوم التفسير بكلام فيه رموز عجيبة واشارات غريبة ، ودقّق في الكلام حتى خرج عن الافهام. ).! وعبارة (حتى خرج عن الأفهام) تتردد كثيرا فى ( مناقب الحنفى ) للتأكيد على مقدرته الفذة في فروع العلم . ولم يرد في كتاب مناقبه شيء من ( تفسيره ) ، إلا أننا يمكن أن نتعرف على مقدرته في التفسير مما جاء في المناقب من شرحه  فى ندوته العلمية لقول الناس (يا فقيه . فق فاقه . يا صريم الناقه . قلت له قوم صلي . قام جرى في الطاقة) يقول كاتب المناقب وقد نقل ذلك عنه الشعراني بنصه (وجعل سيدي يتكلم في هذا المعنى بالأسرار العجيبة والإشارات والرموز والعبارات حتى أذهل العقول وخرج الكلام عن الأفهام وارتفعت الأصوات بالصراخ والصياح وكثر الضجيج ........ الخ .... حتى تعين للحاضرين أن القيامة قامت .......وقد كان من بين الحاضرين قاضي القضاة شهاب الدين العجمي وقضاة المحلة وأعيانها) [11]..وكل ذلك لشرحه معضلة ( يا صريم الناقة ........ قام جري في الطاقة)  .!!

6 ــ وفي طبقات الشرنوبي تفسير إجمالي لسور القرآن منسوب للدسوقي، وهو على أى حال يعبر عن أفكار أصحاب (التفسير) اللدني ، وقد كان الدسوقي من مدعى العلم اللدني ــ وننقل بعض فقراته:  ( لما تـَقـَطّـبـتُ) يقصد عندما أصبح قطبا ــ يقول ( فكيت طلاسم سورة البقرة وآل عمران التي لم يقدر على فكها ميكائيل . وفكيت طلاسم سورة النساء التي لم يقدر على فكها اسرافيل) وهكذا تحدث عن تفسيره لكل سورة في القرآن ويلاحظ أنه في تفسيره المزعوم للسور الكبيرة اكتفى بتفضيل نفسه علما على غيره من الملائكة او الأنبياء والصالحين ، أما في السور الصغيرة فأعطى إشارة ضئيلة لمعرفته بإحدى آياتها وادعى بها معجزة تساويه بالله او بالرسل يقول (فكيت طلاسم سورة النبأ فرفصت برجلي جبل قاف فاهتزت الدنيا من رفصتي فعرفت أن الجبال أوتاد الأرض .... النازعات تعرفت من جاء ينازع في الجحيم ...) وهكذا إلى الفاتحة [12]...( طبقات الشرنوبى : مخطوط 2 : 4 )

ومن هذا النوع من التفسير ذكر المؤرخ ابو المحاسن تفسير للشيخ (على وفا ) وهو شيخ صوفى مشهور مع كونه أميا . ( المنهل الصافى : مخطوط : 4 / 166 ).

وتعرض هذا ( التفسير ) لانتقادات متفرقة من بعض الفقهاء المؤرخين . وفى  تاريخ قاضى شهبة عن الشيخ صلاح الدين الشاذلي أنه كان (يتعرض لتفسير القرآن على طريقة بعض الجهلة فأتى بأشياء منكرة ) [13].. ( تاريخ قاضى شهبة 2 / 152 ). وقال المؤرخ المحدث الفقيه القاضى ابن حجر أن أبا بكر العلوي الشاذلي كان (يفسر القرآن برأيه على عادة شيخه فاضبطوا عليه أشياء ) [14]( إنباء الغمر بأبناء العمر : مخطوط 1023 : 1024 ).ومع ذلك فإن ( التفسير) اللدني أعتبر كرامة للصوفي يعبر عنها أحدهم بقوله (فمن ذلك اليوم فتح على في فهم القرآن  ) وهذا ما ذكره ابن الزيات فى كتابه : (الكواكب السيارة فى ترتيب الزيارة: 263 ) .

وافتخر الشعراني بتسليمه للعارفين في تفسيرهم اللدني وإن خالف جمهور المفسرين (فان تفسير أهل الكشف اعلى من تفسير غيرهم لعدم تغيره في الدنيا والآخرة بخلاف تفسير أهل الفكر والفهم  )  [15]

ويعتبر الشعراني كلام شيحه الخواص يشبه القرآن وجاء ذلك في قوله عنه (ونسمع شيئا من أجوبة الشيخ فيكتبه بلفظ الشيخ خاصة ولا يتصرف في عبارته فإنه لا مرقى في فهم كلامه .. وأنى لأمثالنا ذلك . وأسأل الله ان يحفظ لساني وقلبي من الزيغ عن مراده). ويقول أيضا فى مقجمة كتابه ( درر الغواص ) الذى قصره على أقوال شيخه ( الخواص ) ( فإذا علمت أن الجواب لايدرك إلا ذوقا ذكرت جوابه بلفظه من غير شرح لمعناه ، نظير الحروف فى أوائل سور القرآن ). .

 وقال ( حسن شمه ) نحو ذلك عن كلام شيخه الدسوقى : ( ويحتمل لن تكون سريانية وكل حرف منها يدل على أسماء على نمط فواتح السور ) (مسرة العينين : ـ مخطوط صـــ 15) أي انهم نظروا بالتقديس الى ذلك الهراء الذي يقوله الأشياخ بدعوي العلم اللدني ...

( التفسير ) الصوفى المادي:

 والدافع إليه هو حرمان بعض الصوفية من نعيم الدنيا ومحاولة تعويضه بوصف من الجنة في الآيات القرآنية .

وفي تفسير (ومساكن طيبة في جنات عدن) أنه قصر من لؤلؤة بيضاء في ذلك القصر سبعون دارا من ياقوت حمراء، في كل دار سبعون بيتا من زمرد ، وفي كل بيت سرير يا له من سرير .! ، على كل سرير سبعون فراشا من كل لون ، على كل فرش زوجة من الحور العين . وفي كل بيت سبعون مائدة ،على كل مائدة سبعون لونا من الطعام، وفي كل بيت سبعون وصيفة ، ويعطى المؤمن في كل يوم من القوة ما يأتي على ذلك كله. والرجل من اهل الجنة يتزوج خمسمائة حور وأربعة الآف بكر وثمانية ألآف ثيّب، يعانق كل واحدة منهن مقدار عدد سنين مقدار عمره في الدنيا ....)

وفي تفسير قوله تعالى ( يطاف عليهم بصحاف من ذهب) انه يطاف بسبعين صحفة من ذهب ... وفي تفسير قوله تعالى( (ختامه مسك) انه شراب أبيض مثل الفضة ، ولو أن رجلا في الدنيا ادخل يده فيه ثم اخرجها لم يبقى ذو روح الا وجد ريح طيبها . وفي قوله تعالى : وفرش مرفوعة: ان ما بين الفراشين كما بين السماء والأرض ولو ان إمرأة  من نساء الجنة طلعت على الأرض ملأت ما بينهما ريحا طيبا ..........الخ) ( الكواكب السيارة  263 ، روض الرياحين 259 إلى 260 )



[1]
ــ في التصوف الإسلامي 76 / ونحو ذلك في : الصلة بين التصوف والتشيع 432 : 425

[2]ـ جولد زيهر ـ مذاهب التفسير الإسلامي 247 ، 282 ، 283

[3]ــ لطائف المنن 110

[4]ــ عبد الحليم محمود : أبوالعباس المرسى 91 : أعلام العرب 2 / 1967

[5]ــ عبد الحليم محمود المرسى 120

[6]ــ أحمد محمود صبحى : التصوف اجابياته وسلبياته مجلد 6 عدد 2 / 350 : 354 يراجع معه عبد الحليم محمود كتابه المرسى 91 وما بعدها وكتابه عن الشاذلى 106 وما بعدها ولطائف المنن لابن عطاء 110 ، 119 ، 122 ، 125

[7]ــ مذاهب التفسير الاسلامي 248 وما بعدها

[8]ــ أنباء الغمر 2 / 87 : 88

[9]ــ كتاب عبد الحليم محمود عن المرسى 122

[10]ــ مناقب الوفائية مخطوط 100 ، 101

[11]ــ مناقب الحنفى مخطوط 298 : 301 ، الطبقات الكبرى 2 ــ 83

[14]ــ طبقات الشرنوبي مخطوط 2 :: 4

اجمالي القراءات 8350

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 4981
اجمالي القراءات : 53,349,236
تعليقات له : 5,323
تعليقات عليه : 14,622
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي