تَشريع الصلاة الصوفية:
ج 2 ف1 : بين الصلاة الاسلامية والصلاة الشركية

آحمد صبحي منصور Ýí 2015-02-13


كتاب (التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية )

 الجزء الثانى :  العبادات فى مصر المملوكية  بين الإسلام والتصوف                

 الفصل الأول :أثر التصوف فى شعيرة الصلاة  فى مصر المملوكية

ثانياً : تَشريع الصلاة الصوفية: بين الصلاة الاسلامية والصلاة الشركية

 بين الصلاة والدعاء والتوسل فى المعنى:

1-   الصلاة تعني الصلة . وصلتك بالله جل وعلا أن تدعوه ليرحمك ، فالصلاة هى ( الدعاء ) .. والدعاء هو التوسل بالمعبود رغبة ورهبة. وهناك ارتباط فى القرآن الكريم بين الصلاة والدعاء لله جل وعلا أن يرحمنا . ويدخل فى ذلك صلاة الله جل وعلا ( علينا ) والصلاة على النبى . فصلاة الله (علينا ) تعني رحمته بنا، أى إنزال القرآن الكريمة ليكون رحمة للعالمين ( الأنبياء 107 ) من الله الرحمن الرحيم ، ولكن يستحق هذه الرحمة القرآنية من يؤمن بالقرآن ويعمل به ( الاعراف 156 : 157 ). والصلاة (على ) النبى هى الصلاة ( على ) نزل عليه القرآن . هى صلتنا به ، أى بهذه الرحمة الالهية ، أى تمسكنا بالقرآن الذى كان يستمسك به ، وعندما نتلفظ بالقرآن تلاوة فإننا ننطق ما كان عليه السلام ينطق به ، اى برغم إختلاف الزمان والمكان يظل القرآن  ( الرحمة الالهية ) صلة تجمعنا بالنبى عليه السلام بعد موته . وهذا القرآن ( نور ) للهداية فى الدنيا ( قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) المائدة ) (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (174) النساء ) والذى يتمسك به فى الدنيا يكون له القرآن هداية ونورا فى تعامله مع الناس عكس الكافر الضال : ( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122) الأنعام ). ويوم القيامة يكون النبى والذين آمنوا معه فى نور القرآن الذى يتحول الى الرحمة الالهية التى تقيهم العذاب: ( يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمْ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) الحديد ). فالرحمة من الله والدعاء من الخلق ـ  وتلك هى الصلاة على النبى وعلى المؤمنين ، وكما أن جل وعلا وملائكته يصلون على النبى بإنزال القرآن عليه فإنه جل وعلا يأمرنا بالصلاة على النبى أى أن نتمسك بهذه الرحمة القرآنية ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (56). الأحزاب  )  والله تعالى يصلي وملائكته على المؤمنين كما يصلي على النبى رحمة بهم، ليخرجهم بالقرآن من الظلمات الى النور ( هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (43) الأحزاب 43)، فالمؤمنون أولى الخلق برحمة الله ـ  أى بصلاته عليهم، يقول تعالى (أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ (157)  البقرة157).

2-    2- ويجمع بين الصلاة والدعاء ـ أو التوسل ـ  أنهما يعبران عن العبادة والتقديس. وارتباط الصلاة بالعبادة والتقديس أمر مفهوم لا حاجة بنا إلى شرحه. أما ارتباط الدعاء بالعبادة فقد ورد فى مواضع كثيرة فى القرآن الكريم، خاصة فى معرض الإحتجاج على المشركين الذين يتجهون إلى آلهة أخرى بالدعاء أو التوسل أو الصلاة، يقول تعالى : ( وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنْ الظَّالِمِينَ (106)يونس 106)، أى أن ذلك الذى تتوجه إليه بالدعاء – من دون الله – لن يقدم لك نفعاً ولن يمنع عنك  ضراً .

3-   - ويجمع – أيضاً – بين الصلاة والدعاء أو التوسل اشتراط الخشوع فيهما.. فالمؤمن – إذا أفلح – خشع فى صلاته (  قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2).المؤمنون1 :2) والمؤمن إذا دعا تضرع . والتضرع هو الخشوع المخلص للمعبود.  فمن دعا بلا تضرع فقد اعتبر معتديا على جلال الله تعالى. يقول جل وعلا :( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) الأعراف55 ،).

4-    4- ويجمع  بينهما أن المصلي لله يرجو رحمة الله ويخشى عذابه، يقول تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (277)البقرة 277). فلهم الأجر ولاعليهم من خوف أو حزن . وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة كانت من بنود الميثاق الذى أخذه رب العزة على بني إسرائيل ، يقول سبحانه وتعالى : (  وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمْ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمْ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمْ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لأكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (12) المائدة12) .ونفس الحال فى الدعاء أيضا . فمن يدعو الله تعالى مخلصاً يرجو رحمة الله جل وعلا ، أى النجاة من العذاب ودخول الجنات ، يقول تعالى ( وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ (56) الاعراف  )، ومن تكون رحمة الله جل وعلا قريبة منه يوم القيامة فلن يلحقه العذاب . وهكذا كان إيمان وسلوك الأنبياء : ( إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ )(الأنبياء90 ).  ويقول جل وعلا عن المتقين الذين يدعون ربهم خوفا من عذابه وطمعا فى جنته ورحمته: (.. تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (16) السجدة ) وسيكون مصيرهم فى نعيم لا يمكن تخيله : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17) السجدة) فلا يمكن أن يتساوى المؤمن بالفاسق :( أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ (18) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلاً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (19) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمْ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20) ) السجدة )

  بين الصلاة والدعاء في الكييفية:

1- والصلاة في كيفيتها تجسد الدعاء في ركوع وقيام وسجود – من حيث الشكل – أما من حيث النطق فهى تحميد لله جل وعلا وتسبيح وتكبير ودعاء وقراءة للفاتحة وبها أفضل صيغ الدعاء. ومن آداب الدعاء العام أن يسبق بالتحميد والتسبيح والتكبير والإقرار بالذنب ثم يكون الدعاء ، وأفضل الدعاء ما ورد في القرآن الكريم .. فالتشابه قائم بين الصلاة  والدعاء من حيث الشكل والمضمون.. غاية ما هناك أن السنة الإلهية علمت المسلمين فى كل رسالة سماوية كيفية معينة للصلاة ، وفرضتها على المؤمنين كتاباً موقوتاً.. وكأن الدعاء قد شرع فى الحقيقة فى كل صلاة من الصلوات الخمس. ويزاد على ذلك للمسلم إن أراد أن يتقرب إلى الله تعالى أن يتضرع بالدعاء حتى أثناء الليل( السجدة 16 ).فالدعاء عام فى أى وقت وبأى كيفية خاشعة ، أما الصلاة فهى خاصة بتجسيد الدعاء وتشكيله فى هيئة معينة وأوقات محددة . ولأن الدعاء تعبير دينى عام كان به التعبير عن أن الإسلام هو الدعاء ( الحق ) وأن ما عداه أى الدعاء لغير الله جل وعلا هو ( الباطل ): ( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (30) لقمان 30)،( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62)  الحج 62).

الصلاة فى الأمم السابقة :

1-   وقد فرض الله تعالى الصلاة على الأمم السابقين والرسل السابقين ، فقوم شعيب كانوا يتندرون عليه قائلين (  قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87) هود )، وابراهيم كان من دعائه( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40) ابراهيم )، وقال تعالى عن الأنبياء من ذرية ابراهيم عليهم السلام ( وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَةِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (73) الأنبياء )، واسماعيل ابن ابراهيم  ( وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً (55) مريم 55) ،وكان من نصح لقمان لابنه (يَا بُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاةَ )(17) لقمان)، وكان زكريا يصلي في المحراب حين نادته الملائكة تبشره ( آل عمران 39)، وقال عيسى وهو في المهد( وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً (31) مريم ). وبنو إسرائيل طولبوا بالصلاة منذ كانوا مضطهدين في مصر حين أرسل إليهم موسى وبتوجيهه كانوا يؤدونها خفية رغم الإضطهاد الفرعوني (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّأَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ (87) يونس ) وكانت الصلاة أهم بنود الميثاق الذي أخذه الله على بني إسرائيل (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83) البقرة 83). فالصلاة ليست فرضاً على المسلمين بالقرآن وحدهم، وإنما هى فرض عام تعبد الله به عباده منذ ارسال الرسل ، وبنفس الكيفية والتوقيت ما بين ركوع وسجود وتسبيح وتقديس وتنزيه وتضرع وتقرب ، مع إختلاف الألسنة والزمان والمكان .

2-   ومنذ تأسيس الكعبة وفريضة الحج توارث العرب ملة ابراهيم ، ومنها الصلاة ، ولكنهم أضاعوها بالتوسل بالأولياء الموتى ، وبرفع الدعاء لهم فى المساجد كما نفعل الآن .  وحين قام رسول الله عليه السلام ينكر ذلك كادوا يكونون عليه لبدا ، فقال جل وعلا يدعوهم ـ ويدعونا ــ لأن تكون المساجد خالصة لله جل وعلا وحده : ( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (18) وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً (19) قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً (20) قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنْ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (22) إِلاَّ بَلاغاً مِنْ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً (23) ) الجن ) . أضاع الجاهليون صلاتهم لأنها كانت خالية من التقوى . كانوا ( يؤدون ) الصلاة ، ولا ( يقيمون ) الصلاة . لذا لم يأت الأمر فى القرآن بتأدية الصلاة ، ولكن بإقامة الصلاة .، قريش كانت تؤدى صلاة شكلية حركية ، من حيث الشكل نفس الصلاة المتوارثة من ملة ابراهيم ، ولكن بلا خشوع ولا تقوى. كانوا يعمرون المساجد بالزخرفة ، مع أن تعمير المساجد لا يكون إلا بالخشوع القلبى والعمل الصالح ، يقول جل وعلا عن قريش المشركة وعن من يسير على دينهم فى التدين السطحى المزخرف الخالى من الايمان الصحيج والسلوك المستقيم :( مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17) إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ (18)  )التوبة ). لذا إعتبر رب العزة الصلاة التى تؤديها قريش مجرد حركات مضحكة ( مكاء ) يستخدمونها فى ( التصدية ) أى ( الصد ) عن المسجد الحرام بالتحكم فيه ، يقول جل وعلا : ( وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (34) وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ (35 ) الانفال ).

  3- ذلك أن من عادة البشر السيئة سرعة الوقوع فى الشرك وتقديس البشر والحجر ، يأتى الرسول بالحق وتؤمن به أقلية ، وتصل الدعوة ولكن سرعان ما يأتى ( الخلف ) من الجيل التالى فيقع فى المعاصى والشهوات والشرك ، وتحريف الصلاة أوتضييع ثمرتها بأن يجعلها مجرد حركات بلا خشوع وبلا تقوى ، أى لا يقيم الصلاة ولا يحافظ عليها ، طبقا لما جاء فى القرآن الكريم ( المؤمنون 1 : 9 ) ( المعارج  22 : 32 ). المشرك المتدين حين يصلى يكتفى بتأديتها حركات شكلية مع إصراره على تقديس البشر والحجر وإدمان الشهوات والعدوان . وهكذا يكون تضييع الصلاة بدلا من إقامة الصلاة ، يقول جل وعلا : (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً (59) مريم ) ولكن أمامه فرصة للتوبة : ( إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (60) مريم).. وما حدث مع الأنبياء السابقين وسجله القرآن الكريم حدث بعد موت النبي محمد عليهم السلام ، فقد رأينا كيف تحايل الصوفية على الصلاة الإسلامية بالإهمال والترك ثم وجدوا من العامة مؤيداً لهم في التخفف من فرض الصلاة . وفى الدين السّنى تكرار لما كانت تفعله قريش ، التى كانت تحافظ على المظهر الشكلى للصلاة بنفس الحركات والمواقيت ، وتجعل من هذه الصلاة الشكلية هدفا تبرر به العدوان على الغير ، أى إذا كانت الصلاة فى الاسلام وسيلة للتقوى بإقامتها فى القلب خشوعا وفى السلوك إستقامة : (  وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45) العنكبوت ) فإن الصلاة عند قريش وفى الدين السنى تبرر لهم الاستطالة على الناس . والصوفية لم يسعوا إلى هدم الصلاة عبثاً ، وإنما قصدوا إحلال شعائرهم الخاصة بهم والتي تقوم مقام الصلاة وتحقق هدفهم في عبادة الولي الصوفي ، ومرَ بنا في مبحث علاقة المريد بشيخه كيف حاصروا المريد الصوفي بسياج من الأوامر والنواهي يفوق ما شرعه الله لعباده المؤمنين . وإذا كانت الصلاة تعبيراً عن الدعاء والتوسل بكيفية معينة وأوقات محددة، فإن الصوفية توجهوا بصلاتهم أو بدعائهم  وتوسلهم إلى الأشياخ متضرعين متذللين . ولم تخل تلك الصلاة الصوفية من ركوع وسجود وأوراد قدمت فيها الإبتهالات أو التسبيحات للإله الصوفي خوفاً وطمعاً.. الجاهليون قصدوا الأنصاب والقبور المقدسة بالصلاة والتبرك ، فاستحقوا أن يسخر بهم رب العزة جل وعلا . ونقرأ قوله جل وعلا عن عبثية الدعاء والعبادة والتوسل والصلاة للأولياء الآلهة الموتى المقبورين : ( أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ (192) وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاء عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ (193) إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (194) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلْ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنظِرُونِ (195) إِنَّ وَلِيِّي اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ (197) الأعراف )،  فهذه الأولياء الموتى لا تخلق شيئا ، بل لا تستطيع أن تخلق ذبابة ولو إجتمعت لها ( الحج 73 ) ، ولا تستطيع نصر أنفسها يوم القيامة ولا تستطيع نصر غيرها ، وهم بشر مثلنا وعباد مثلنا ولكن ماتوا وتحولوا الى تراب ، ليست لهم أيدى للبطش ولا أرجل للمشى ولا أعين للرؤية ولا آذان للسمع ، فكيف يُخيفون الناس بكراماتهم وتصريفهم المزعوم ؟ لذا أمر الله جل وعلا رسوله أن يتحدهم وآلهتهم المقبورة ، وأن يعلن أن الله جل وعلا هو وحده الولى وهو الذى يتولى برحمته الصالحين الذين يموتون بإيمانهم الخالص وعملهم الصالح .ما كان يفعله الجاهليون هو نفس ما يفعله العابدون للأضرحة والقبور المقدسة . ونفس الحال مع الصوفي الذي يقصد الضريح ويقف أمامه خاشعاً متبتلاً ينسى أن المقبور قد تحول إلى تراب ميت فكيف يستجير الحى القادر على المشي والبطش والنظر والسمع – بتراب لا يختلف عن التراب الذى تطؤه الأقدام؟ . كل ما هنالك أن ذلك التراب قد أحيط بأساطير شيطانية جعلته إلهاً متصرفاً في كون الله تعالى.. ثم يهددون بهذه القوة المزعومة كل منكر عليهم .

ونعطى تفصيلا عن التوسل كصلاة فى دين التصوف فى العصر المملوكى .

اجمالي القراءات 15605

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 4981
اجمالي القراءات : 53,357,165
تعليقات له : 5,323
تعليقات عليه : 14,622
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي