هنا نجد أمامنا 8 آيات تحكى بإختصار شديد مع إختيار الكلمات بدقة متناهية ، 8 آيات تقول: خلق الإنسان ثم علمه ما لم يعلم ثم طغى وإنتهت الآيات بالرجوع إلى الخالق للحساب.:
تأملات ونظائر فى أوائل سورة العلق 2

محمد صادق Ýí 2014-11-30


 

تأملات ونظائر فى أوائل سورة العلق 2

الجزء الثانى

بسم الله الرحمــن الرحيم...

ملخص لما جاء فى الجزء الأول حتى يتسنى لمن لم يقرأه أن يتابع معنا هذا الجزء.

من المعلوم لدى معظم المسلمين أن أول سورة نزلت هى سورة العلق - إلا القليل جدا الذى يرى غير ذلك - وأول خمس آيات نزلت مجمعة ثم توقف الوحى فترة. لماذا توقف الوحى ومدته، هذا ليس موضوعنا اليوم ولكن ما سنتناوله من هذه السورة المباركة هى أول ثمان آيات.

اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (8)

هنا نجد أمامنا 8 آيات تحكى بإختصار شديد مع إختيار الكلمات بدقة متناهية ، 8 آيات تقول: خلق الإنسان ثم علمه ما لم يعلم ثم طغى وإنتهت الآيات بالرجوع إلى الخالق للحساب. وحسب ما جاء فى سورة هود 1 ، أحكمت آياته ثم فصلت ، فأستنتج من ذلك- والله أعلم - أن تفصيل هذه الآيات الثمانية جاء فى 113 سورة فى القرءآن الكريم بعد ذلك.

الإستنتاج الثانى من هذه الآيات الثمانية " ،  سبب الفساد الذى إنتشر فى البر والبحر والإنحلال والقتل والنهب والتخلف فى ارجاء المعمورة وخاصة الأمة الإسلامية التى تحمل القرءآن الكريم ليلا ونهارا .

والآن نبدأ الجزء الثانى:

حسب الترتيب والتعقيب فى القرءآن الكريم نلاحظ أن الطغيان والإستغناء جاء مباشرة بعد ما تعلم الإنسان ما لم يكن يعلم  فطغى وإستغنى. يقول الله سبحانه وتعالى فى سورة الروم :

ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (42) } (سورة الروم 41 - 42

ماذا تعنى كلمة الفساد؟ هو زيادة عن الحد المفروض ويعتبر نوع من أنواع الطغيان. فكل شيئ زاد عن الحد المفروض فهو يندرج تحت معنى طغى .

يجب أن نذكر هنا أولا شيئا سريعا عن موضوع حدود الله الذى إعتبرها الخالق حدود لمصلحة البشرية  فشرع لنا قانونين للتعامل مع هذه الحدود فقال سبحانه:

أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ....  (سورة البقرة  187 ) وبعد أن حدد لنا بعض الحدود  أنهى الآية الكريمة بقانون يسرى حتى يوم القيامة فقال سبحانه :

"  تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ" (سورة البقرة 187

ثم جاء بعد ذلك وسن لنا قانون آخر للتعامل مع هذه الحدود : "الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ....... " (سورة البقرة 229

نفس السياق ونفس التشريع بعد أن حدد لنا بعض الأحكام ختم الآية الكريمة بقانون يتعلق بحدود الله فقال:

" تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ  (سورة البقرة 229

حدود الله بين لا تقربوها وبين لا تعتدوها منطقة حمراء، تعدى حدود الله هم الظالمون والقرءآن الكريم وضع مصطلح لذلك فقال عن من يفعل ذلك فهو قد طغى، فالطغيان هو تعد الحدود المفروضة. ويصبح صاحبها طاغيا.

دعنا نتدبر سويا هاتان القانونان الذى يبنى عليهما حرية تصرف الإنسان فى أمور دنياه:

القانون الأول يقول " حدود الله لا تقربوها ، فلماذا يارب تريد منا أن لا نقترب من هذه الحدود، أولا القرب من الحدود يعطى الفرصة للشيطان والنفس الأمارة ان تقع فى المحظور، والله الكريم لا يريد ذلك فكان علة عدم القرب هى " لعلكم تتقون" لعلكم ترجعون إلى الصواب ، هذه فى مصلحة الإنسان. ولنا فى القرءآن الكريم مثال على ذلك فإقرأ معى هذه الآية الكرمية وهى معروفة لدينا:

وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ ...."  (سورة البقرة 35

فهنا مثال واضح بأن القرب من الحد المفروض هو زيادة فى الظلم وواضح ايضا من السياق أنك إذا حاولت أن تتقرب من الحد المفروض فسوف تقع فى المحظور وهذا القانون هو رأفة ورحمة للإنسان فكل من يقترب من حدود الله فهو ذاهب إلى ما لا يرضى الله سبحانه.

القانون الثانى يقول "حدود الله لا تعتدوها" فلماذا يارب لا تريد أن أتعدى هذه الحدود، ستكون من الظالمين...

فالذى يتعدى حدود الله سبحانه، او بمعنى آخر من يتعد الحد المفروض فقد إندرج تحت معنى الطغيان الذى هو معنى التعدى لحدود الله المفروضة فى كل شيئ فى حياة الإنسان. نعم فى كل شيئ فى حياة الإنسان بكل ما تعنيه هذه الكلمة من أكل وشرب ومال وعرض وشهوات وتكذيب آيات الله وعدم إتباع ما أنزل الله .....الخ وإليكم ما يفيد ويؤيد ذلك من كتاب الله الكريم لأن هناك أعمال للإنسان تندرج تحت مفهوم الطغيان فعلى سبيل المثال:   أَسْرَفَ ، أَفْرَطَ ، إِسْتَبَدَّ، إِسْتَكْبَرَ ، إِعتَدَى ، إِفْترى ، بغى ، تَجَبَّرَ ، تَكَبَّرَ ، جَاوَزَ ، ظَلَمَ ، فسد ، إستحوذ.... الخ.

الإسراف : وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى " (سورة طه 127

إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ " (سورة الأَعراف 81

التبذير :" إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ " (سورة الإسراء 27

الإستكبار : فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ " (سورة البقرة 34

الإستحواذ والهيمنة : وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ " النساء 141

اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ " المجادلة 19

في الطعام : كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا ........(81) طه

وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ "  (سورة الأَعراف 31

الظلم : وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى(52) النجم

فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ " البقرة 59

الطغيان في الوزن: ألا تطغوا في الميزان(8) الرحمن

الطغيان العام: وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ"  10:11

والآن نعود إلى الآية فى سورة الروم:

" ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ"

الفساد هو قمة الطغيان ، لأن الذى يفسد فى الأرض تعدى الحد المفروض فى الأمر الذى جاء من السماء بعمارة الأرض وليس الإفساد فيها. فمن هو الذى سبب هذا الفساد " أَيْدِي النَّاسِ" الإنسان الذى أعطاه الله السمع والبصر والفؤاد ليستعملهم ويفَعـِّلَهُم للحصول على العلم الذى به يقوم بعمارة الأرض.

القرآن أكد على أن الفساد لا يمكن أن يحدث إلا بما اقترفته يد الإنسان، هذا الإنسان هو المسؤول " بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ" عمل الإنسان الذى أدى إلى هذا الفساد، الفساد فى كل شيئ. هذا الإنسان وصفه الله بأرذل الصفات وقد ذكرت بعض منها فى الجزء الأول ولا يضر أن أذكر صفات أخرى وصف الله سبحانه بها هذا المخلوق الذى هو الإنسان فيقول سبحانه فى سورة يس آية 77:

أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ " خصيم مبين لمن؟ للذى خلقه من نطفة...

يقول سبحانه فى سورة الإنفطار: يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8) (سورة الِانْفطار 6 - 8

لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ، ليذيقهم بعض وليس الكل من نتيجة الذى عملوا، عذاب مؤقت من نفس نوع الفساد فى الدنيا رحمة بهم لعلهم يرجعون إلى الحق ولعلهم ينيبون إلى خالقهم ولعلهم يتعظون، رحمة بالعباد.

إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً) سورة الإنسان2

وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ) سورة الأنبياء 35

هو ابتلاء والله يبتلي الناس جميعا مسلمهم وكافرهم بل قد يكون ابتلاء المؤمنين أكثر (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ) سورة العنكبوت2

حدود الله

عقوبة تعد الحدود قوله عز وجل " وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ "14: 4

نلاحظ هنا في الآية ويتعد حدوده. والهاء تعود على الله عز وجل ولم يقل حدودهما، إذن هو صاحب الحق الوحيد في وضع حدود تشريعية دائمة الى أن تقوم الساعة،ولم يعط هذا الحق لأي نبي أو إنسان ، وهنا تكمن عظمة النبي (ص) أنه تحرك ضمن حدود الله. اما الذين تجاوزوا ونسبوا ذلك الى النبي فلهم عذاب مهين. والله أعلم.

شاع بين الناس من فهم خاطئ أن حدود الله  قطع يد السارق، وجلد شارب الخمر، والزانى غير المحصن ..... الخ

بعض من حدودو الله: ألا يأكل الناس أموالهم بينهم بالباطل، أن يجنح المسلمون إلى السلام إذا جنح إليه أعداؤهم ،أن نعبده وحده لا شريك له، وأن تتوكل عليه دون سواه، وأن نسأله وحده، البر بالوالدين والإحسان إليهم، والإحسان لذوى القربى، وأن نكرم اليتيم، ونحسن إلى المسكين، شهادة الحق، إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا والإحسان إلى الجيران، وصلة الأرحام والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر كل ذلك من حدود الله فلا يغركم قول هذا وذاك

فلماذا شاع بين الناس أن حدود الله- عز وجل- معناها فقط القصاص فى القتلى، وجلد الزانى والقاذف وقطع يد السارق؟

وما أشد حاجتنا إلى مراجعة ذلك ليتبين لنا الحق من الباطل الذى ينشر افكارتشوه صورة الدين، فإن حدود الله تعنى إقامة دينه الذى شرعه لإصلاح عباده وعمارة الأرض وأما حدوده التى شرعها لتأديب عباده فهى محدودة، وشروط تجعلها فى أضيق الحدود لأن الله بعباده رؤوف رحيم.

حدود الإلزام في التشريعات :

إنّ  حقوق الله  على عباده لا مجال فيها لأحد من الناس التدخل فيها وإلا كان مدعيا للالوهية وجاعلا نفسه واسطة بين الناس ورب الناس ، وهذا يناقض عقيدة الاسلام فى أنه ليس لله تعالى شريك. إن جوهر العبادة هو الإخلاص وبدونه تكون تأدية العبادة مجرد حركات بدنية لا فائدة منها." إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ )( قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ" الزمر 2-3

ومن إخلاص العبادة لله جلّ وعلا اجتناب الرياء" فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ" (الماعون 4: 7.

فالله جل وعلا لم يأمر بتأدية الصلاة ، ولكن أمر بإقامة الصلاة . وإقامة الصلاة تعنى شيئين متلازمين : الخشوع والاخلاص أثناء أداء الصلاة فى القيام والركوع والسجود والقنوت والتسبيح وقراءة القرآن . وهذا الخشوع وذلك الاخلاص فى الصلاة تعامل خاص بين المؤمن وربّه لا دخل لبشر فيه . لايفلح المؤمن ( المؤدى للصلاة ) المدمن للفحشاء واللغو وخيانة الأمانة والعهد . فإقامة الصلاة وايتاء الزكاة تعنى هنا فى هذا السياق التزام السلام والأمن وحفظ العهود والمواثيق شأن المؤمنين المفلحين كما جاء فى سورة ( المؤمنون ) : " وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ.... " 

والبيع والشراء : ينطبق هذا في التعامل بين البشر كما ينطبق ذلك على التعامل بين الناس ورب الناس. والله سبحانه يصف هذه العلاقة بينه وبين عباده بالتجارة والبيع والشراء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ  تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ" الصف   10: 11.

" إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ " التوبة 111

مقابل التضحية فى سبيل الله تعالى بالنفس والمال دفاعا عن أنفسهم وحريتهم فى العقيدة ضد عدو يعتدى عليهم.

وفي فريضة الحج: يقول سبحانه وتعالى:" وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ " آل عمران 97 ، وهذا يعنى أن الناس مدينون لله بالحج لبيته الحرام في حالة الاستطاعة.. وتقدير الاستطاعة يرجع للشخص نفسه، ولا رقيب عليه إلا الله.

التسابق والتنافس: يكون تنافس فلا مجال للإلزام والإكراه والعقوبة." وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ " المائدة 48

إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ "  الأنبياء90 "

وفى عمل الخير وتأدية العبادات " وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ " 3:133

القتال فى سبيل الله: " كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ"  البقرة  216. ومع ذلك فلا إلزام في فريضة الجهاد من أى شخص إن كان، والأمر بالجهاد يأتى مباشرة للمؤمنين، حتى إذا تكاسلوا جاء التوبيخ لهم " أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ " التوبة 13.

العلاج من الطغيان ومرادفاته فى المعنى هو :

إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا " (الإسراء 9

وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا " الإسراء 82

وفى الختام:

{ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ "  سورة البقرة 286

وأن آخر دعوانا أن الحمد لله رب العلمين....

اجمالي القراءات 11470

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (1)
1   تعليق بواسطة   لطفية سعيد     في   الثلاثاء ٠٢ - ديسمبر - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً
[76792]

عندما يتغلب الفساد


 السلام عليكم أستاذ محمد ،   طغى أصبحت واضحة فعلا نشكرك  ، أعتقد أن كلمة: ( ظهر) في الآية الكريمة تعني التغلب والسيطرة والتفوق  (والله أعلم  ) وهذا يظهر من خلال هذه الآيات الكريمة 



(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9) الصف



يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (14)الصف



أما ما أردت الحديث عنه ايضا هو ما يتعلق بظهور الفساد وتغلبه على الخير الذي يمكن أن يكون موجودا ، ولكن الغلية والتفوق للفساد في البر والبحر ، يعني ليس عناك حاجة ثالثة ، السؤال هنا هل :(عذابا من فوقكم )في الآية65 من الأنعام ، تدخل ضمن البر ، فالبر يتسع لذلك العذاب أيضا ، أم أننا نتحدث عن عذاب مختلف إذا استمر الناس في الفساد ولم يرجعوا ، كما في آية ظهر الفساد ؟  فكان عقابهم الأخير هو هذا العذاب الذي بدأ :(قل هو القادر على أن...) قال تعالى :  



(قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنْ الشَّاكِرِينَ (63) قُلْ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64) قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) الأنعام 



,ودائما صدق الله العظيم 



أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2007-10-30
مقالات منشورة : 443
اجمالي القراءات : 7,001,945
تعليقات له : 699
تعليقات عليه : 1,402
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Canada