إن الإسلام الحقيقي محجوب بالمسلمين:
وهل كان الإمام محمد عبده صادقا في قولته المشهورة منذ أزيد من قرن ؟

يحي فوزي نشاشبي Ýí 2013-02-21


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

هل صدق  المفكر محمد عبده  في  قولته  المشهورة  التي  قالها – قبل  قرن من الزمن :

إن الإسلام  الحقيقي  محجوب  بالمسلمين ؟.
 

قد يحدث لنا أن نفاجأ من حين لآخر، وحتى بوتيرة بطيئة، وشحيحة، حسب رأي البعض، أن نفاجأ ببعض مرشدين إسلاميين وهم يُلمّحون ويُصرّحون وبحماس ظاهر، إلى مآثر رجال مؤمنين بالله  حق الإيمان. ومن بين المآثر، تلك المواقف التي وقفها أولئك الرجال العظماء المنصفون للدين، ابتداء من محمد بن عبد الله النبي الذي صلى عليه الله وملائكته، ومآثرأخرى من رجال عظماء، ومنهم الصحابة المخلصون الذين عاصروا رسول الله، ومثل القائد المشهور صلاح الدين الأيوبي، والأميرعبد القادرالجزائري، والسلطان محمد الخامس المغربي. وهناك حتما الكثيرون المحفوظون  في  حوليات التاريخ . تلك المواقف النيرة المنيرة المشرقة المشرّفة التي صدرت من أولئك الرجال المسلمين المؤمنين المخلصين . تلك المواقف الشجاعة إزاء غيرهم  من غير المسلمين وغير المؤمنين

والجميع  يعرف ما يرويه التاريخ عن النبي محمد(عليه الصلاة  والتسليم ) في مناسبة فتح مكة  :

  1. يا معشر قريش ما تظنون إني فاعل بكم " قالوا: خيراً. أخ كريم وابن أخ كريم، فقال: صلى الله عليه وسلم "اذهبوا فأنتم الطلقاء".

وكان لفتح مكة أثر كبير في نفوس العرب – بفضل مثل هذه المواقف الإسلامية الحقة - فقد شرح اللّه صدر كثير منهم للإِسلام وصاروا يدخلون في دين اللّه أفواجا. قال تعالى{ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللّه والفَتْحُ. وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِين اللّه أَفْوَاجا. فَسَبحْ بِحَمْدِ رَبكَ واسْتَغْفرْه إِنَّهُ كَانَ تَوابا.ً وهناك حتما مواقف أخرى  جليلة من ذلك  الرجل ذي  الخلق  العظيم .

  1.  وأما عن عيسى بن مريم عليهما  السلام  فإن هذه الآية  القرآنية الكريمة تدل  عليه  وعلى أخلاقه :

( قال إني عبد الله وأوصاني بالصلاة  والزكاة .... وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا  شقيا ...)  سورة مريم 30/33.

  1. وصلاح  الدين الأيوبي ؟  ذلك القائد الذي تسابقت أخلاقه  ومواقفه  مع شجاعته وإقدامه فكان قصب  السبق للآخلاق والمواقف، تلك  الآخلاق وتلك المواقف التي أصابت  العدو  الظالم  في الصميم .

كان الملك الإنجليزي ريتشارد قلب الأسد قد شارك في الحملة الصليبية الثالثة (1189-1191) التي استهدفت استرداد ما فتحه صلاح الدين. ودارت معارك طاحنة بين ريتشارد وصلاح الدين,وقد حاول ريتشارد الوصول للقدس ولكنه فشل فشلا ذريعا, ومن ثم اضطر إلى توقيع صلح الرملة مع السلطان عام 1192, وغادر بعدها فلسطين عائدا إلى بلاده. ولكن ما يهمنا من هذه الأحداث هو مواقف صلاح الدين الإنسانية من عدوه ريتشارد. فتذكر بعض المراجع أن صلاح الدين سمع أن ريتشارد قد فَقَدَ حصانه في معركة يافا (عام 1191), فبعث إليه جوادين من أفضل الجياد, لأنه رأى أنه لا يليق بفارس مغوار مثله أن يقاتل رَاجِلاً. كما تحدثت المصادر كثيرًا عن موقف صلاح الدين من ريتشارد عندما سقط الأخير مريضا (1192), فيقول المؤرخون إن ريتشارد بعث أثناء مرضه يطلب من صلاح الدين الفاكهة والثلج والكمثرى والخوخ.. ولم يتردد السلطان في تلبية رغبته على الفور حيث أمده بكل ما يحتاج إليه في مرضه. واغتبط ريتشارد من نبالة صلاح الدين, وأخذت رسُله تتردد على مقر السلطان لتقديم الشكر والامتنان بالنيابة عنه, وهناك رواية تقول إن صلاح الدين حزن حزنا شديدا على ريتشارد في بعض مراحل مرضه, وأنه أرسل له طبيبه الخاص, الذي نجح في علاجه وشفائه.لقد كان صلاح الدين خير ممثل للفروسية العربية الإسلامية في عصر الحروب الصليبية, فقد كان ينبوعا من الشجاعة والكرم والعطف والوفاء والتسامح والعدل, وقد انتزع بفروسيته احترام الغرب وتقديره, وإذا كان معظم الكتاب الغربيين يعترفون بأنه كان أنبل عدو عرفه الغرب عبر تاريخه الطويل, فإن الفرسان الغربيين كانوا يتمنون لو أن صلاح الدين كان مسيحيا. هذه هي بعض صور الفروسية العربية الإسلامية في عصر من أشد عصور تاريخنا اضطراباً وقلقاً... ومن واجبنا ألا نسمح لقيم هذه الفروسية وآدابها بأن تموت أبدا, وألا نحمل أحدا على تجاهلها,بل ينبغي علينا إحياؤها وتمثلها, في ثقافتنا وسلوكنا, في عصر يفتقد الكثير من تلك الآداب والقيم.

ويشهد الباحثون الغربيون أنفسهم بالمعاملة الطيبة التي عامل بها صلاح الدين الصليبيين عندما دخل القدس, حيث منع الاعتداء على أي منهم, بل شكَّل مجموعات من الحراس المسلمين مهمتها أن تجوب شوارع المدينة لتمنع أي عنف أو أعمال انتقامية قد يتعرض لها المسيحيون, وسمح للمسيحيين العرب بأن يعودوا إلى منازلهم في القدس ويتمتعوا بالحقوق التي كانت لهم قبل أن يقوم الصليبيون باضطهادهم وطردهم منها عند احتلالهم لها عام 1099.
 

  1. كما أظهر صلاح الدين, عندما فتح القدس, احترامًا بالغًا للأماكن المقدسة المسيحية. فعندما طلب منه بعض المسلمين هدم كنيسة القيامة, انتقاما لما ارتكبه الصليبيون بحق الأماكن المقدسة الإسلامية عندما احتلوها, رفض صلاح الدين طلبهم رفضًا قاطعًا, بل ضاعف من الحراسة على الكنائس وغيرها من أماكن العبادة المسيحية ويقارن الباحثون هذه المواقف النبيلة للسلطان تجاه الصليبيين عندما فتح القدس بما فعله الصليبيون عند احتلالهم لها قبل ثمانية وثمانين عاما, حيث افتخر أمراؤهم بأنهم استباحوا المدينة (المقدسة) وأعملوا فيها السلب والنهب, واقتحموا المنازل والمساجد يقتلون ويذبحون, وأنهم خاضوا حتى ركبهم بدماء المسلمين التي سالت في شوارعها أنهارًا.

    والأمر اللافت للنظر أن الأسرى الصليبيين الذين منّ عليهم صلاح الدين وأطلق سراحهم دون فدية تعرضوا للأذى على أيدي صليبيي الساحل, أي على أيدي إخوانهم في الدين فقد رفض الأمراء الصليبيون في طرابلس وإنطاكية وصور استقبال هؤلاء الأسرى في مدنهم, بل قاموا بنهب ما تركه لهم صلاح الدين من مبالغ مالية. كما أن أصحاب السفن الأوربية رفضوا نقل هؤلاء الأسرى الفقراء, من السواحل الشامية والمصرية, إلى أوطانهم قبل أن يدفعوا لهم أجورا باهظة, مما اضطر رجال صلاح الدين إلى التدخل وإجبار أصحاب هذه السفن على نقلهم مجانا.

    وتحدث المؤرخون المعاصرون عن الموقف النبيل الذي اتخذه السلطان صلاح الدين من بطريرك القدس الصليبي. فقد لبى رغبته, كما أشرنا, بإطلاق عدد من الأسرى الصليبيين الفقراء دون فدية. كما سمح له بأن يغادر القدس, بكل ما يملك من ثروات, بل وزوده بحراسة خاصة للوصول إلى صور دون أن يزعجه أحد. وافتدى البطريرك نفسه بعشرة دنانير فقط, ويقول ابن الأثير في كتابه (الكامل في التاريخ), إن البطريرك خرج ومعه من أموال الكنائس (ما لا يعلمه إلا الله تعالى). ويبدو أن ذلك أثار استغراب عدد من رجال صلاح الدين, ولا سيما عندما رأوا رؤية العين البطريرك يغادر القدس مصحوبا بعدة عربات مُحمَّلة بالذهب والطنافس والأواني المصنوعة من المعادن النفيسة ويبدو أن أحد المستشارين قال لصلاح الدين (إن البطريرك ينقل أموالا لا تقل قيمتها عن مائتي ألف دينار وقد سمحنا لهم بحمل متاعهم وأما خزائن الكنائس والأديرة فلا يجوز تركها لهم). فأجابه صلاح الدين بأنه لن يغدر بالبطريرك إطلاقا, وأنه ملتزم بالمواثيق والعهود التي قطعها مع الصليبيين, وأنه لن يسمح لأحدٍ بأن يتهم المسلمين بحنث العهود والوعود وأن الصليبيين لن ينسوا ما نغمرهم به من عطف وإحسان.

    صلاح الدين يكرم النساء الفرنجيات:
    وفي غمرة انتصارات صلاح الدين على الصليبيين عامل النساء الصليبيات معاملة كريمة, وفي مقدمتهن زوجات الأمراء الذين حاربوا ضده في حطين. فبعد حطين مباشرة أعطى صلاح الدين الأمان لأميرة طبرية, واسمها أشيفيا, وعاملها بعطف ورفق, وخرجت بأولادها وأصحابها وأموالها آمنة مطمئنة وسيرها إلى زوجها ريموند أمير طرابلس. وعندما دخل صلاح الدين القدس أطلق سراح الملكة سيبيللا, زوجة الملك الصليبي جاي لوزجنان, وأذن لها أن تلحق بزوجها. كما سمح لها بأن تأخذ معها كل ما كانت تملكه من ذهب ومجوهرات ونفائس, فضلا عن أتباعها من الرجال والنساء. كما عامل صلاح الدين أرملة أرناط باحترام كبير, حيث أطلق سراحها, وسمح لها بالخروج من القدس مع أتباعها, كما استجاب لرغبتها بإطلاق سراح ابنها من الأسر بعد أن فتح شقيقه العادل حصني الكرك والشوبك. وأكرم صلاح الدين عندما فتح القدس, على قول ابن الأثير, النساء الروميات (البيزنطيات) اللواتي كن قد ترهبن وأقمن في المدينة ومعهن الخدم والحشم. علما أن بعضهن كن زوجات لملوك بيزنطيين. وقد أعطاهن صلاح الدين الأمان وسيرهن إلى بلادهن تحت حمايته ومعهن كل ما يتعلق بهن.

    عطفه على الشيوخ والأطفال:
    ولم تقتصر فروسية صلاح الدين على الرجال والنساء وإنما شملت الشيوخ والأطفال, من ذلك ما ترويه المصادر من أن العرب المسلمين كانوا قد أسروا في بيروت عام (1191/ 587), نحو خمسة وأربعين فرنجيا وبعثوا بهم جميعا إلى صلاح الدين الذي كان يحارب الصليبيين في ضواحي عكا. ويقول ابن شداد الذي كان شاهد عيان على هذه الواقعة (وقد شاهدت منه رقة ورحمة في ذلك اليوم لم ير أعظم منها رحمة, وذلك أنه كان بين الأسرى شيخ طاعنٌ في السن ولم يبق في فمه ضرسٌ, ولم يبق له قوة إلا مقدار ما يتحرك بها لا غير. فقال السلطان للترجمان: سله ما الذي حملك على المجيء وأنت في هذه السن? وكم من ههنا إلى بلاده? فقال: (أما بلادي فبيني وبينها عشرة أشهر, وأما مجيئي فإنما كان للحج إلى كنيسة القيامة). فرق له صلاح الدين ومنَّ عليه وأطلقه وأعاده راكبا على فرس إلى عسكر عدوه). ويروي ابن شداد أيضًا قصة مفادها أن أحد المسلمين اقتحم خيمة للصليبيين واختطف منها طفلاً فرنجيًا رضيعًا عمره ثلاثة أشهر, ولمَّا فقدته أمه باتت طوال الليل تستغيث فنصحها الأمراء الصليبيون بالخروج إلى معسكر صلاح الدين وقالوا لها إنه ذو قلب رحيم ولن يرد طلبها. وبالفعل خرجت المرأة الفرنجية ووصلت إلى صلاح الدين وبكت بكاء شديدًا, فسأل عن قصتها, فأخبروه فرقَّ لها ودمعت عينُه وأمر بالبحث عن الطفل وإحضاره فورا, وظل صلاح الدين واقفا حتى أحضر الطفل وسُلّم إلى أمه وأرضعته ثم أمر صلاح الدين أن تحمل على فرس وتلحق بعسكر الفرنج مع طفلها, وسط إعجاب الناس ودهشتهم وذهولهم من شهامته ورحمته.
  2.  

4)والأمير  عبدالقادر الجزائري ؟  وأياديه  الشجاعة  البيضاء  المنصفة لغير المسلمين في  محنتهم  بالشام ؟
....  نعود إلى المخطوطة، وبشكل خاص إلى الفصل الثامن الذي سماه " في ملحمة الشام وما أجراه الأمير عبد القادر الجزائري في حق النصارى من مزيد من العناية والاهتمام "  والذي تعرض فيه لذكر تلك الفتنة المشؤومة التي اشترك فيها الدروز و المسلمون، ولعب فيها اليهود دور الثعلب المكار، ودامت تسعة أيام – ويقول زيدان سبعة أيام – من 9 - 18  يوليوز سنة 1860 ، بدافع من والي دمشق أحمد باشا الذي كان قصير النظر، سيء المعاملة، ولولا الأمير عبد القادر الجزائري ومن حوله من المغاربة، وأعيان دمشق من أهل الميدان كسعيد النوري، وصالح المهايني لدامت الفتنة مدة أطول من تسعة أيام. ولذهب ضحيتها أكثر من خمسة ألاف مواطن.
لاحاجة بنا لوصف ما جرى في تلك الأيام السوداء، بل أحب أن أشير مع المؤلف إلى الدور العظيم الذي لعبه الجنود الطيبون المجهولون في حي الميدان، بعكس ما كان متوقعا فقد كان كثيرون من المسلمين يحمون كثيرا من المسيحيين، وكانوا يقدمون لهم الأطعمة الفاخرة، ويصرفون عليهم المصاريف الوافرة، وكان في الميدان صالح آغا المهايني، وسعيد آغا النوري، وهما من أصحاب المروءة والدين، فمنعا إسلام الميدان أن يتعرضوا للعيسويين، وكان صالح آغا يقبل في بيته أجواقا من النصارى الهاربين. ويقدم لهم الأطعمة و الفواكه حينا بعد حين".
أما الأمير عبد القادر الجزائري- طيب الله تراه – الذي خلع عليه المؤلف الكثير من الصفات التبجيل و التعظيم والاحترام، فهو "سعاد الهمام الأكرم. والسيد الماجد الأنخم. الفائز من العلوم بأعلى المراتب. والمرتقي في الشرف أسمى المناصب، ذو الفضل الباهر، والأصل النقي الطاهر". 
"
لما رأى تلك الأهوال، وما وقع في المدينة من الاختلال. والبوار و النكال. أخدته الشفقة والحمية، ودعنه شيمته الأبية، إلى إغاثة الطائفة النصرانية، وتخليصها من هذه البلبلة، فسارع مبادرا إلى الأسواق. وفرق أبطاله في كل شارع  وزقاق، وخاض في جمهور المردة، وأطفأ تلك النار المنقدة، وخلص عددا كثيرا وجما غفيرا، من الرجال و الصبيان، والبنات والنسوان، ورفع عنهم سيوف البغي والعدوان. وأبدل خوفهم بالأمان ،وكان يتلطف بهم غاية التلطيف، ويؤانسهم بالكلام الرقيق الطيف ويعزيهم على ما أصابهم وما دهاهم ونابهم، فأنفق عليهم مبلغا عظيما، ومقدارا من المال جسيما. فتضاعفت في الارتقاء مرتبته، وارتفعت عند الملوك منزلته، وأتاه الشكر من جميع ملوك الدول، وقدموا له مزيد الثناء على هذا العمل،وتواردت إليه منهم الهدايا و التحف، والرتب الأولى من نياشين الشرف ، واكتسب بذلك صيتا حميدا وذكرا جميلا، يفوح كالمنبر جيلا فجيل، ولو أردنا أن نستوفي بالتفصيل ما فعله هذا الأمير الجليل و السيد الفاضل النبيل، من المعروف و الخير الكثير، لاحتجنا إلى مجلد كبير...".
هذا هو الوجه المشرق من تلك الفتنة النكراء، وهؤلاء هم أصحاب الأيادي البيضاء، الذين حموا اخوانا لهم في الأرض و العروبة و الوطن الواحد.
ويشير المؤلف إلى أن أهل الميدان و المغاربة وبعض أعلام المدينة، كانوا أكثر وعيا من أولئك الذين شغبوا حبا بالسلب و النهب و الاستيلاء على الأموال، يدفعهم طمعهم و جهلهم، أكثر مما يدفعهم تعصبهم، ولا بدع أن يستشرى مثل هذا في زمن انقطع فيه حبل الأمن، وشاعت الفوضى وانتشر التعدي، دون وازع من ضمير، أو عقاب من حاكم أو مسؤول. وعلى أثر هذه الفتنة عزل الوالي أحمد باشا، وحل مكانه فؤاد باشا الذي تولى المستدعين فورا، وفرض عليهم العقوبات الصارمة، فاستتب الأمن، وهدأت الأحوال، ولذلك المدائح تنصب عليه ليس من المسيحيين فحسب بل من المسلمين الذين قال الشاعر محمود نسيب باشا بلسانهم
أشرقت بالعدل أقطار الشام
                  مذ فؤاد الملك أعطاها نظام
أشرقت من بعد ما قد أظلمت
                 برهة لا ينجلي عنها ظلام
 يا اهيل الشام ماذا غركم
                 إذ غدرتم ملة حازوا زمام
إذ لهم من كل حق ما لنا
                وعليهم ما على أهل السلام   
والقصيدة تقع في خمسة عشر بيتا، كلها لوم وتقريع لأولئك المتمردين الذين عاثوا في البلاد فسادا .
ولا تخلو المخطوطة أيضا من الإشارات إلى بعض الأسر الكريمة المجهولة، دون أن يسمى أسماءها، منها أن أحد الهاربين من وجه السيف قرع باب أجد الدور في ضواحي المدينة يطلب الأمن فسارع ابن صاحب البيت إلى فتح الباب، والسيف في يمينه، وهم أن يطير رأس الطارق عن جسده فنهض الرجل في الحين، ورد ذلك الرجل المسكين، وأدخله إلى البيت، وطيب قلبه، وسكن روعه ورعبه، وقابله بالبشاشة والإكرام، وقدم له ما حضر من الطعام، وبعد ذلك ألبسه ثوبا نظيفا ، وأمر له بالفراش فنام. وبقي عنده على هذه الحالة عشرة أيام، وكان في أثناء ذلك قد تغيرت صحته فداركه بالعلاج حتى زال عنه السقام، وبعد ذلك التمس منه الكشف عن أهل بيته الذين كانوا في القلعة فقال : حبا وكرامة، وركب وسار يوجه السرعة، ولما وصل أتى هناك واجتمع بهم فوجدهم في خال السلامة. وطمنهم عليه أنه موجود عنده بكل عزاٍٍٍرة و كرامة. وارتد راجعا فطمنه عليهم. وبعد ذلك ركب معه وأوصله إليهم فقبل الرجل رأسه ويديه، وشكره وأثنى عليه و قال له
"
لقد غمرتني بأفضالك على طول الزمان، وليس عندي ما أكافيك به على هذا الإحسان، ولكن يكافيك عني القدير المنان"، فقال : "إن عملي معك لم يكن لأجل المكافأة، لأن أجري لايضيع عند الله".. وكثير من الحوادث التي جرت من المسلمين، ولولاها لم يسلم أحد من النصارى الدمشقيين...
ويختم اسكندر أبكاريوس هذا الفصل مؤكدا عللا أن "هذه القضية الكلية لم ترضى بها أمة الإسلام، إنما هي صادرة من الأوباش المتمردين، الذين تجاوزا بارتكاباتهم حدود الشريعة والدين، والله الذي أمره بين الكاف و النون، يجازي كل قوم بما يعملون" .   

ثم لآمر ما بارك الله العلي العظيم الأيادي البيضاء الدينية للأميرعبد القادر:

وتقديرا لمقاومة الأميرعبد القادر الجزائري من أجل الحرية في الجزائر وتسامحه بصفة  خاصة وحمايته للمسيحيين في سوريا أطلق أحد الأمريكيين اسم الأمير على احدى البلدات الأمريكية تخليدا لذكراه... تقرير من قناة الجزيرة
"
elkader" ville au nord de l'usa au nom de l'ةmir Abdelkader.

وفي  فنزويلا :

إطلاق اسم الأمير عبد القادر على ساحة في فنزويلا

ق· حنشر في أخبار اليوم يوم 15 - 01 - 2012
من المقرر أن يتم إطلاق اسم الأمير عبد القادر على إحدى ساحات العاصمة الفنزويلية كراكاس مع وضع تمثال له يوم 23 جانفي الجاري حسب ما علم لدى مؤسسة الأمير عبد القادر·
وذكر السيد رئيس المؤسسة السيد محمد بوطالب في تصريح لوكالة الأنباء الجزائرية أنه سيتم بمناسبة مراسم إطلاق هذه التسمية التي سيحضره مسؤولون من البلدين وضع بجانب التمثال ملخص عن السيرة الذاتية للأمير عبد القادر·

والسلطان  محمد  الخامس وكيف وقف  سنة 1940  منصفا ورافضا تطبيق قوانين الاستثناء التي أبرمت في فيشي ضد الجالية اليهودية، وإنقاذ  الجالية  اليهودية بالمغرب من فكي وأنياب   الهولكوست  الهتلرية  الهمجية . 

نعم  إن هذا  يبقى  مجرد غيض من فيض ، وإن أمهات التاريخ حريصة كل  الحرص على أن تحفظ  لنا  وتحتفظ  لنا  بالكثير ،  إلا  أننا  ما زلنا غير  حريصين وغير  مهتمين  بما فيه  الكفاية ، بل  وإن إخلاصنا  للدين  لما  يبلغ سن  التمييز  بله  سن  الرشد  لنتشجع  ونهب  لإنصاف  هذا الدين  القيم ونزيح عنه ذلك الحجاب  الذي  فرضناه  عليه ، وهناك القول المشهور  المنسوب  إلى الإمام  محمد عبده  الذي  قال :  " إن  الإسلام  الحقيقي  محجوب بالمسلمين ".

ولنعد  إلى أولئك  المرشدين  أو  المؤرخين الذين يحدث لهم  نادرا  أن  يشيروا  أو يصرحوا باختصار شديد إلى تلك المواقف الإنسانية التي وقفها أولئك  العظماء المذكورون أعلاه  وغيرهم  وهم  الكثيرون. وإن المتأمل  في  تلك  المواقف وفي  جوهرها سيقتنع  بلا  تردد  بأنها  هي بمثابة  الدعوة  الحقيقية

ولنتســاءل :

هل كان أولئك الوعاظ  والمرشدون أو  المؤرخون، عندما  يذكرون تلك المآثر، هل كان  ذلك على سبيل التفاخر  فقط  بما  فعل  الأوائل ؟

 وهل كانوا  بقصدون أن تلك المواقف العظيمة  كان لها مبررها  في حينها فقط ثم  فقدت أي  مبرر  لها  حاليا ؟ أم  أنها كانت  في  الماضي مواقف  دينية  إسلامية حقيقية، وهيهات  أن تكون كذلك  في  الوقت  الراهن؟

وهل كانوا في  قرارات أنفسهم يستنكرون كل ما صدر من تسامح  ورحابة صدر ورباطة  جأش  وسمو همة  من الني محمد (عليه الصلاة والتسليم) إزاء  الذين  حاربوه  وأخرجوه من دياره،  وهددوه  وأهانوه  وآلموه، ومن سمو همة القائد صلاح الدين الأيوبي إزاء  محاربيه ، وحتى إزاء  أحد قواد  أعدائه  المشهورين؟ ومن سمو همة وتسامح الأمير عبد القادر إزاء الرعايا  المسيحيين في محنتهم،  ومن  محمد الخامس  المغربي  إزاء  اليهود  بالمغرب الآقصى ؟

وكيف حدث لتلك المؤسسات التي أسست نفسها وفرضتها لتتربع على  المسلمين، ومنها مؤسسة الآزهر، التي يمكن أن  يكون عمرها  قد تجاوز تلك الفترة التي قضاها  سيدنا  نوح عليه  السلام  في  الدعوة ؟  وكيف حدث  لغير الأزهر من المؤسسات  وللآلاف  المؤلفة  من المرشدين والمفكرين الإسلاميين المخلصين ،كيف حدث، وما هو المبرر أو السبب  الذي  جعلهم  يسكتون عن هذا  المنكر السائد ، وأن يتركوا  المجال  لأولئك  الضالين  الذين سقطوا فريسة دهاء إبليس إلى درجة أنهم مقتنعون أيما اقتناع بأنهم هم  - فقط  لا غير -  المهتدون وأن لوحاتهم القاتمة التي لطخوها وسودوها  للدين هي الهدى، إلى  درجة أن  أصبحت كلمة إسلام  ودين  إسلامي مثيرة للخوف  والترقب والهلع ؟

فماذا فعل  أولئك المرشدون والوعاظ  المخلصون  بتلك  التعليمات  الربانية ؟ :
(لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(256). البقرة.

(وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا ( 29 ) )

وقوله تعالىوما أرسلناك إلا رحمة للعالمين قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون فإن تولوا فقل آذنتكم على سواء وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون ( 101 ) .

(وَقَاتِلُوهُمْ حَتّىَ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدّينُ كُلّهُ لله فَإِنِ انْتَهَوْاْ فَإِنّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ). الأنفال 39.

(ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ). يونس 99.

( من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا)   المائدة  32.

لماذا لا يتشجع أولئك الوعاظ المرشدون والكتاب؟ ليهبوا بدعواتهم  وبكل  صراحة  إلى استنكار مثل تلك  المواقف  المنحطة  الدنيئة الصادرة  من أولئك الضالين  المضلين؟ وليهبوا إلى  إبراز إلى  السطح وإلى  الواجهة  تلك  المواقف  المشرفة   تلك التي  صدرت من  النبي  محمد، وعيسى بن مريم (عليهما السلام) والتي صدرت من لدن  صلاح  الدين ، والآمير عبدالقادر،  ومحمد الخامس ، وغيرهم ؟

وكيف وصل الآمر بأولئك الوعاظ والمرشدين إلى أن يتراجعوا ويحتجبوا هم أنفسهم  ويختفوا  بعد أن حجبوا جوهر الدين الإسلامي الحقيقي؟ لماذا لا يتشجعوا ويصرحوا ويكرروا بدون ملل، بأن تلك المواقف  والتصرفات  التي  وقفها  أولئك  العظماء  هي عين المواقف التي  تكتسي صفة من صفات  تلك الأمة التي  ذكرها الله  تعالى في  حديثه  المنزل : ( ... كنتــمخَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ  الْفَاسِقُونَ)  آل عمران:.110) 

هل صدق  المفكر محمد عبده  في  قولته  المشهورة  التي  قالها – قبل  قرن من الزمن ؟

إن الإسلام  الحقيقي  محجوب بالمسلمين ؟.
 

 

 

 

 

 

 

اجمالي القراءات 12642

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (2)
1   تعليق بواسطة   ربيعي بوعقال     في   الجمعة ٢٢ - فبراير - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً
[71207]

تحية لك يا بطل المغرب، رفعت الحجاب أو كأن قد، فنعم المؤرخ أنت، ونعم المجدد..

أعجبني، أعجبني ، أعجبني، ولا يسعني إلا أن  أنصح قومي  بقراءة هذا المقال ثلاث مرات قبل النوم.


...........معارف...................أو حكم وأمثال .................................Ma ..a..ref


Dès qu’on commence à comprendre, on cesse de se moquer.


( Marie Von Ebner-Eschenbach

 


2   تعليق بواسطة   يحي فوزي نشاشبي     في   السبت ٠٢ - مارس - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً
[71266]

إلى الأستاذ ربيعي بوعاقل

 


أشكرك  جزيلا على تعليقك الكريم جدا ،  ورجائي  أن يشاطرك  في  الرأي  الكثير من القراء.


ودمت موفقا .


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-10-28
مقالات منشورة : 288
اجمالي القراءات : 3,141,428
تعليقات له : 384
تعليقات عليه : 401
بلد الميلاد : Morocco
بلد الاقامة : Morocco